حلل وناقش وفسّر ما يلي:
الأغلبية الحكومية المفككة لم تقدم مرشحا لرئاسة مجلس المستشارين - الغرفة الثانية للبرلمان ـ وذلك في ختام مسلسل انتخابي لتنزيل دستور 2011 بالعرض البطيء. المعارضة تقدم مرشحين وتربح الرئاسة يوم 12- 10 ـ 2015. المعارضة أكثر تماسكا من الحكومة لأن هناك أحزابا تشارك في الائتلاف الحكومي لكنها لا تضع بيضها في سلة واحدة، بل تضع رجلا مع المعارضة، مفترضة أن المعارضة دائمة، والحكومة التي يقودها الإسلاميون أخلاقيا، والليبراليون اقتصادياً، ظرفية. وهذه معجزة دستورية مغربية. المعجزة الثانية هي أنه في المغرب يمكن للغرفة الثانية إسقاط الحكومة المنبثقة عن الغرفة الأولى المنتخَبة مباشرة من الشعب الذي لم يحل بعد مشاكل السكن والأكل.
كانت المطالب تتزايد بحذف الغرفة الثانية المنتخبة بطريقة غير مباشرة، وفيها ناخبون كبار أي راسخون في عالم الأعمال والسياسة، ولديهم مصالح يدافعون عنها بأنيابهم. وهم حين يخسرون كراسيهم في الغرفة الأولى يعودون في كراسي الغرفة الثانية. وبفعل هذا الإصرار على الفوز، كثر تبادل الاتهامات بشراء الأصوات، فشعار اللاعبين هو "كلْ ووكِّل"، و"ادهن له حلقه ينسى من خلَقه"، ولا يكون الدهن إلا بالزبدة. مما يؤكد أن المرحلة الفموية مستمرة في السياسة.
ولغزارة رضاعة هؤلاء الكبار، تم تقليص عدد أعضاء الفرق البرلمانية من اثني عشر إلى ستة كما في كرة القدم المصغرة، والهدف تكثير رؤساء الفرق للاستفادة من الامتيازات. لقد صارت رضاعة المال العام عادة ويصعب فطام النخبة السياسية منها. وتعتبر الانتخابات فرصة لرضاعة الناخبين الكبار المصابين بعلاقة شبقية بالكراسي. ومدمنو الرضاعة أفضل للسلطة لأنهم يملكون ما يخافون عليه.. لذا يكفي اتصال هاتفي بكبار الغرفة الثانية ليصوتوا ضد الحكومة الملعونة في حالة الضرورة.
لهذا تبددت المطالب وصمدت الغرفة الثانية في المشهد السياسي. واضعو الدستور الجديد كانوا يدركون الحاجة إليها لضبط المشهد دستوريا ديموقراطيا بشفافية إلخ إلخ.. والخلاصة هي أنه حتى لو ربح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية في 2016 فلن يكون بإمكانه تغيير قواعد اللعبة، ولله الحمد. هكذا ستجري الانتخابات وستكون الحسبة سليمة والنهاية سعيدة كما في الأفلام الهندية. إنها ديموقراطية دون مغامرة، أي بكلفة أقل. يبقى الصولجان بيد الدولة العميقة وليس في قاع صناديق الاقتراع.
في المشهد السياسي المغربي، لا يهتم اللاعبون بعقلانية التفسير ومنطقيته، ما يهمهم هو الاستقرار السياسي للبلاد. لكن في المشهد التعليمي، وفي ما يسمى تنزيل التدابير ذات الأولوية لإصلاح المدرسة، هناك إصرار على أن تكون المدرسة المغربية عقلانية، تؤهل الكفاءات البشرية، وتعمل حسب بلاغ وزارة التعليم على "تخليق المدرسة ونشر النزاهة وتجسيد مبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص، والجودة للجميع، والارتقاء الفردي والمجتمعي" إلخ إلخ...
لنرَ كيف يتم تنزيل التدابير ذات الأولوية؟
في حزيران/ يونيو - أي نهاية الموسم الدراسي الماضي - وعد مدير المناهج بوزارة التعليم بتنزيل منهج جديد يطور المنهاج التعليمي مع الاحتفاظ بكل الإيجابيات والوقوف على كل الهفوات وتصحيحها، حتى يتمكن التلميذ المغربي من اكتساب أدوات التعلم عبر إتقان الكتابة والقراءة وأساليب المنطق.
ما محتوى التجربة التي ستعمم؟
التمكن من التعلم الأساسي، وتحسين توسيع العرض المدرسي مع سنّ مسارات تعلم جديدة للسنوات الأربع الأولى من التعليم الابتدائي، وضبط عتبات الانتقال بين الأسلاك شرط التمكن من اللغات الأجنبية (للإشارة، صرح وزير التعليم انه غير متمكن من العربية)، ودمج التعليم العام والتكوين المهني وتخليق المدرسة.
ووعد المدير أن يبدأ التنزيل في مدارس نموذجية تمثل 10 في المئة من المؤسسات التعليمية قبل تعميم التجربة. في تشرين الاول/ أكتوبر، تدهور البرنامج وقال المدير إن نسبة التنزيل تقلصت إلى 2 في المئة من المدارس.
لم يتوقع المدير التغيير على مدى ثلاثة أشهر، ويريد تقديم تصور للخمس عشرة سنة القادمة. بهذا العرض البطيء للتنزيل، سيتم بلوغ الهدف في خمسين سنة. وإذا تغير وزير التعليم، سنمسح الطاولة ونبدأ من جديد. للإشارة، عرف قطاع التعليم أكثر من خمسة وثلاثين وزيرا في ستين سنة منذ الاستقلال.
هذا عن عدم الاستقرار في قيادة التعليم. الجديد الآن هو أن التعليم المغربي يقاد من غرفتين: وزارة التعليم والمجلس الأعلى للتعليم. شُرع في إصلاح التعليم وفقا لوثيقة "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" سنة 2001، وبعد خمس سنوات تمّ تشكيل المجلس الأعلى للتعليم والشروع في تصليح الإصلاح في 2006. وفي تشرين الاول/ أكتوبر 2015، أعلن المجلس الأعلى للتعليم عن التوجهات الاستشرافية للرؤية الإستراتيجية للإصلاح بين 2015 و2030. زادت في المغرب مؤخرا مثل هذه المخططات التي تصل حتى 2030. حين يزيد عمر المخططات عن خمس سنوات، تصير المحاسبة فضفاضة، ويبدو أن النتيجة هي تهريب الأسئلة الحارقة نحو المستقبل.
بينما ترتبك الوزارة في تدبير توقعات ثلاثة أشهر مع هامش خطأ كبير (إثنين بدل عشرة في المئة)، ويحلم المجلس الأعلى للتعليم بعام 2030 حيث يطغى صوت الغارفين في اللحظة، أي النقابات وأرباب التعليم الخصوصي والنقابات التعليمية.
النقابات تتهم الحكومة بضرب جودة التعليم وتقويض أسس المدرسة العمومية بسبب معالجة ندرة المدرسين بزيادة الاكتظاظ في الحجرات الدراسية. في كثير من الثانويات، لم يتم تعويض المدرسين والموظفين الذين تقاعدوا أو ماتوا، وقد انتقل عدد تلاميذ الفصول الدراسية من أربعين تلميذا إلى خمسين.
من جهتهم يطالب أرباب التعليم الخصوصي بامتيازات في التراخيص والضرائب والنقل المدرسي. يشعرون بأهميتهم ويريدون من وزير التعليم أن يرخّص لموظفيه ليعملوا لديهم. وقد كتب الأرباب طلبهم الموجه للوزير بلغة غير تجارية بل بلغة الجمعيات الخيرية التي تناضل لتقديم العون للوزير والمجتمع وآباء التلاميذ الواثقين من قدرة التعليم الخصوصي على الأداء التربوي.
في المشهد التعليمي الحالي، خلص الباحث محمد الناجي إلى أن المدرسة المغربية اليوم تعمق الفوارق الاجتماعية بدل أن تقلصها. قال والي بنك المغرب إن هذا التعليم الحالي لا يلائم دولة صاعدة. وقد "قرّر" رئيس الوزراء عبد الإله بنكيران في منتصف تشرين الاول/ اكتوبر أن "كل المحاولات لحد الآن فشلت في إصلاح التعليم". وما العمل؟
أجاب: "حان الوقت لكي ترفع الدولة يدها عن مجموعة من القطاعات الخدماتية، مثل الصحة والتعليم، فلا يجب أن تشرف على كل شيء، بل ينبغي أن يقتصر دورها على منح يد العون للقطاع الخاص الراغب في الإشراف على هذه الخدمات".
شكرا للقطاع الراغب الخاص حفظه الله. من جهته نصح صندوق النقد الحكومة بتقليص التوظيف لتتمكن من دفع الديون. هكذا كثر التفكير في النقود فارتفعت أصوات تطالب بترشيد الإنفاق على التعليم. كلمة السر: تقليص الكلفة. لم يشتكِ أحد من نقص المال لتمويل المسلسل الانتخابي الطويل. لكن حين يتعلق الأمر بتعليم الشعب فلا بد من المال والوقت والإرادة وهذه غير متوفرة. يوجد فائض النية فقط.
حلل وناقش: كيف تحقق نية صادقة لإصلاح التعليم بصفر دولار؟