وجع المغرب: المطر والمدرسة

يريد السوسيولوجي البصباص تحليل الظواهر وتفسيرها من دون أن يُفلت اللحظة. لذلك، وأمام لائحة المواضيع التي يشتغل عليها، ينتقي تلك التي تمسك بالسؤال: ما مشكلة مغرب اليوم؟ انهزام منتخب كرة القدم في بطولة إفريقيا، ووجع المدرسة، وخطر انحباس المطر. خسارات المنتخب صارت قاعدة. أما المطر فقد خرج المغاربة لصلاة الاستسقاء مصحوبين بأطفالهم لأن الله لن يخيب أمل البراءة التي لا ترتكب المعاصي. مع
2016-01-28

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
مدرسة في المغرب

يريد السوسيولوجي البصباص تحليل الظواهر وتفسيرها من دون أن يُفلت اللحظة. لذلك، وأمام لائحة المواضيع التي يشتغل عليها، ينتقي تلك التي تمسك بالسؤال: ما مشكلة مغرب اليوم؟
انهزام منتخب كرة القدم في بطولة إفريقيا، ووجع المدرسة، وخطر انحباس المطر.
خسارات المنتخب صارت قاعدة. أما المطر فقد خرج المغاربة لصلاة الاستسقاء مصحوبين بأطفالهم لأن الله لن يخيب أمل البراءة التي لا ترتكب المعاصي. مع الصلاة مسيرات شعبية موجهة لله - تنظمها وزارة الداخلية وتقودها وزارة الأوقاف – وترجوه بجاه الشيوخ الركع والصبية الرضع والبهائم الرتع. لاحظوا عطف التناظر.
بقيت المدرسة: لماذا لا يتمكن التلميذ في الإعدادي من القراءة والكتابة والحساب؟
في هذه الأيام، توزع المؤسسات التعليمية نتائج الدورة الدراسية الأولى. الكثير من التلاميذ مبتهجون بالعلامات التي حصلوا عليها، والتي ستسهل عليهم عبور العتبة الشريرة للانتقال إلى المستوى الدراسي اللاحق في آخر السنة.
هذا وضع جديد، لأن وزارة التعليم، وضمن استراتيجية 2015- 2030، قررت إعادة النظر في تدبير عتبات الانتقال بين المراحل وتوحيدها في عتبة معيارية محددة في خمسة من عشرة للمستوى الابتدائي وعشرة من عشرين للمستوى الإعدادي، مع ضمان تحكم التلميذات والتلاميذ في التعلّم الأساسي كشرط للنجاح.
الشرط الأول: من لم يحصل على العتبة لن ينتقل للمستوى الدراسي الموالي. الشرط الثاني التحكم في التعلم الأساسي أي القراءة والكتابة والحساب.
ما أسباب نزول هذه الشروط الآن؟
طيلة سنوات، كانت عتبات التنجيح تحدد جهوياً وأحيانا محلياً. ويتم التنجيح اصطناعياً بناء على الخريطة المدرسية. فإذا كانت هناك مقاعد كافية يتم تخفيض العتبة لينجح الكثيرون. وإذا لم تكن هناك بنايات مدرسية ومدرسون في منطقة معينة يتم رفع العتبة لتقليل الناجحين.
بالنسبة للشرط الثاني، اتضح أن تلاميذ كثيرين ينتقلون سنويا من مستوى إلى آخر ويعبرون من الإبتدائي إلى الإعدادي من دون التحكم في التّعلم الأساسي. يكتبون الفعل بالتاء المربوطة ويضعون الهمزة على الألف في كل الكلمات وينتقلون بفضل خلل التقييم والمنشطات الإدارية التي تنفخ في مستواهم لتكون نسب النجاح في كل إقليم مشرفة.
الآن جاء وزير تعليم جديد يريد تسمية الأشياء بأسمائها. يحارب العتبة المنخفضة لوقف التنجيح الاصطناعي. وقد بدأ بضبط التقييم الذي يهدف إلى قياس وصفي وكمي لمنجز المتعلم.
في باب التعامل المغربي مع هذا المعطى الجديد - وقبل أسابيع من نهاية الدورة الدراسية الأولى، وبالتزامن مع إجراء الاختبارات - طلب مدير مدرسة من المعلمين نفخ العلامات قليلا لكي لا يرسب التلاميذ. في الثانويات نفخ الغشّ العلامات المحصل عليها، كما تولى كثير من الأساتذة نفخ علامات الاختبارات لأسباب منها الحفاظ على السلامة البدنية أو التضامن العضوي مع أبناء الفقراء، أو مسايرة التعليم الخصوصي الذي يستقطب التلاميذ بمنح علامات عالية. في نهاية المطاف فهذه الممارسات التي يقوم بها المدرس الذي يمسك القلم الأحمر تنسف عتبة الوزارة. فالعلامات الممنوحة لا تطابق واقع الحال. هكذا يصبح الكسول مجدّاً والضعيف متوسطا والمتوسط حسناً والحسن ممتازا. تصير معايير التقييم ضبابية وتتبدد مصداقية الاختبار ومصداقية المؤسسة التعليمية ومصداقية الشهادة المحصل عليها ومصداقية المنظومة التعليمية ككل.
في سؤال عن سبب وجع المدرسة المغربية كان الجواب هو المدرس.
كيف؟
التفسير - الذي تردده الألسن ونادرا ما يُكتب - هو أن المدرس يتكاسل وليس واعياً لما يفعله في الفصل وفاقد الشيء لا يعطيه. وأن لدى المدرسين مرجعيات مختلفة، وكثير منهم يعتبرون أن الأهم هو تعليم الوضوء والصلاة وحفظ القرآن.. ولا داعي للتحجج بالظروف، لأن ظروف المعلم المغربي أفضل من ظروف معلم دول جنوب الصحراء، فأين المشكل؟
تفسير ثان:
التلقين والحفظ والاستظهار يدفن الدهشة والشك والسؤال. يدفن التفكير ويزرع اليقين الأبدي في المخ. يفترض التلقين أن المدرس إناء مملوء والتلميذ إناء فارغ. بهذا المدخل، يصبح التعليم عملية ميكانيكية، وهنا تفقد مهنة التدريس كل متعة وتصبح مرهقة ومملة.
تفسير ثالث:
لقد استقالت الكثير من الأسر من وظيفتها، وانتشر وهمٌ يقول إن المدرسة وحدها هي القادرة على التربية، وأن الشهادة ترادف الكفاءة.
تفسير رابع:
آخر الأخبار من المدرسة، تلميذة تسحل أستاذتها من شعرها في ثانوية جنوب الرباط. تلميذ يضرب زميله بسكين في ساحة ثانوية بالدار البيضاء. أصابه في ساقه وهدد بأن يغرزه في عنقه في المرة القادمة. انعقد مجلس تأديبي بالثانوية وظهر أن وزارة التعليم تمنع عن المجلس صلاحية طرد التلميذ لتجنب التسرب المدرسي. سنويا يغادر 400 ألف تلميذ مغربي المدرسة بعلم الوزارة، وهي قلقة على مصير تلميذ واحد استخدم سكينا. لا يجرّم القانون العنف المدرسي حين يرتكبه تلميذ.. تجاوز سن الثامنة عشرة.
الوقائع تتكلم: جاء مراقب تربوي إلى فصل دراسي بالثانوية لمراقبة عمل أستاذ كان ينجز درسه بينما بعض التلاميذ يدردشون. طلب المراقب من الأستاذ إسكاتهم. أجابه: أسكتهم أنت. وقف المراقب ليوبخهم فصفروا له.
خلاصة: لا يملك المدرس وسيلة لفرض الانضباط في الفصل الدراسي، ونادرا ما يحضر أولياء التلاميذ لمعالجة مشاكل أبنائهم المشاغبين.
تفسير بالمقارنة: الظاهرة عامة.
جاء وزير التعليم إلى البرلمان واستمع للنواب يقولون له بأن البنية التعليمية مهترئة وأنه يوجد إجماع بأن المنظومة التعليمية متردية، وهي في أزمة، ويوجد إجماع على إصلاح التعليم شرط أن يكون الإصلاح معقلنا تشاركياً ومندمجا وناجعا.. إلخ إلخ إلخ.
وبعد كلماتهم، قال الوزير أن لا تعقيب له على مداخلات البرلمانيين، فغضبوا وصرخوا وشاغبوا.. لم يكن هناك انضباط في الجلسة المنقولة على التلفزيون. لن يتعلم التلاميذ الانضباط بمشاهدة جلسات البرلمان.. الانضباط الإرادي نادر. الانضباط الإجباري مرفوض في عصر الديمقراطية. في عهد الحسن الثاني كان النواب يخافون الوزراء.
هذا هو الوجع، وهذه هي التفسيرات. لكن حقيقة الأرقام لا ترفع: فقد أكد وزير التعليم أنه في حال استطاع المغرب ضمان جودة تعليمه إلى أن يبلغ التلميذ 15 سنة من عمره فالأمر كفيل بمضاعفة الناتج الوطني الخام عدة مرات.
يــــاه. كيف يتحقق هذا الهدف؟
لا جواب، لذا لا بد من صلاة استسقاء من أجل المدرسة يشارك فيها المدرسون والتلاميذ الذين لم يسبق لهم الغش في الامتحان.

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

الحرّية للصحافيين والسّجن للصحافة

الصّحافيون الثلاثة الأشهر الذين أُفرج عنهم، أُدخلوا السّجن بتهم جنسية، لا بتهم متعلقة بحرّية الصّحافة أو الرأي، كما هو الواقع. وهي استراتيجية مباشِرة إلى درجة تثير السخرية، لكنها أيضاً لئيمة...

للكاتب نفسه