الموظّفون صمّام أمان النظام وعبيده

تشغِّل الدولة المغربية مليون موظف وتضع رهن إشارتهم 115 ألف سيارة تسهل مهامهم في مختلف الإدارات العمومية. مقابل 72 ألف سيارة لـ21 مليون موظف في الولايات المتحدة الأميركية و3400 سيارة مصلحة لـ5.3 ملايين موظف في اليابان.الموظف المغربي الذي يخول له منصبه الحصول على سيارة محظوظ جداً. لأن وسيلة النقل الضرورية اليوم تكون مرفقة بالتأمين والضريبة والبنزين وكلفة التصليح وأداء الطريق السيار
2013-11-06

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك

تشغِّل الدولة المغربية مليون موظف وتضع رهن إشارتهم 115 ألف سيارة تسهل مهامهم في مختلف الإدارات العمومية. مقابل 72 ألف سيارة لـ21 مليون موظف في الولايات المتحدة الأميركية و3400 سيارة مصلحة لـ5.3 ملايين موظف في اليابان.
الموظف المغربي الذي يخول له منصبه الحصول على سيارة محظوظ جداً. لأن وسيلة النقل الضرورية اليوم تكون مرفقة بالتأمين والضريبة والبنزين وكلفة التصليح وأداء الطريق السيار هدية. يستخدم الموظف السيارة للأغراض الإدارية وبعض الأغراض الشخصية مثل توصيل الأبناء للمدرسة والزوجة لمحل الحلاقة... غالباً ما يكون هذا الموظف مسؤولاً إدارياً، لذلك ولزيادة «الشحم في ظهره» يحصل على تعويض عن السكن، الماء والكهرباء، والتدفئة، والهاتف... بذا يدخر ولا يقترض.
لهذا يثير الموظفون غيرة غير الموظفين، يقول هؤلاء إن عيش أولئك سهل، «يأكلونها باردة»، ولديهم وظيفة قارة طيلة العمر. ويحصلون على أجرة في آخر الشهر، في سنوات الخصب كما في سنوات القحط. والدولة التي تعجز عن صرف أجور موظفيها شهرا واحدا تصير مسخرة بين الدول. لذلك يحرص السياسيون على ألا يقع ذلك حتى لو رهنوا بلدانهم قرناً لصندوق النقد الدولي.
ليس هنا فرق كبير بين مالية الدولة وأجور موظفيها الصغار. فهم أيضا مدينون حتى الرقبة. فشركات القروض تدغدغ زبائنها: «قرض خاص بموظفي القطاع العام»، وتغازلهم فرادى «أنت موظف وتبحث عن قرض يتلاءم مع حاجاتك؟ من أجلكم أنتم الموظفون فقط أعددنا قرضاً بلا مصاريف...»، ويتوالى سيل الإغراءات مع وضع نجيمات على كل وعد تتبعه شروط مكتوبة ببنط صغير لا يتم الانتباه لها... وهكذا تعبر البنوك عن حبها للموظفين لأن الدولة تضمنهم.
من نتائج هذا الحب تزايد قروض ديون الاستهلاك بنسبة 10 في المئة سنوياً. وقد تضاعف الحب في العام الحالي، فقد اقترضت الأسر المغربية 15 مليار درهم في الأربعة أشهر الأولى من 2012 بينما اقترضت 38 مليار درهم في الفترة نفسها من 2013. ومع كل دين جديد تغرق الأسر في الديون بعد تتابع مصاريف رمضان والعطلة الصيفية والدخول المدرسي وعيد الأضحى... ومع كل دين تتآكل الأجرة، لذا يحصل تزاحم شديد على الشبابيك البنكية صبيحة اليوم الأخير من الشهر. ومن ملاحظة وجوه الواقفين في الصف ينتظرون دورهم ويلعنون الحكومة التي نقلت صرف الأجر من 26 في الشهر إلى 30 بل و31 منه، يظهر حجم الضغط والحاجة في النرفزة، وشكل الأحذية، وهي معيار هام في التصنيف الاجتماعي. وعندما يصل أحد المنتظرين للشباك ويسحب ما تبقى من أجرته تنفرج اساريره مثل مصاب بالقبض خرج من المرحاض... يحمد للدولة وفاءها ويلعن الشيطان الذي سلط عليه السؤال: ماذا كان سيحصل للموظف لو لم تصرف أجرته في نهاية الشهر؟
للحظة يشعر الموظف بالامتنان للدولة. ينسى أنه قد دفن نفسه في كومة قروض طيلة أفضل سنوات عمره منذ سن الثلاثين. ينسى شكل المستقبل والدولة تمدد سن التقاعد إلى 62 سنة. فبعد أن نهبت مدخرات صندوق التقاعد وصدر تقرير من البرلمان منذ عشر سنوات يثبت ذلك ولم تتبعه قرارات، نجا الفاسدون. ومن باب المزايدة الشكلية في صيانة شرف المجتمع، يناقش البرلمان مشروع معاقبة من مارس الجنس مع قاصر إلى 30 سنة سجناً. الجنس هو عدو الشرف. بينما سرقة شيخوخة الملايين حلال.
هنا يطرح السؤال ما علاقة الدولة بموظفيها؟
هم ركبها. الدولة المغربية (وسواها، إذ أظن ان الحال متشابه) هي المستثمر الأول. وبذلك فهي سيدة الاقتصاد السياسي في البلد، تخصص نصف العائدات الضريبية لدفع الأجور، وقد استخدمت الدولة الوظيفة العمومية للاستقطاب والمكافأة وشراء الاستقرار.
فور بدء احتجاجات الربيع العربي/الأمازيغي، زادت الدولة 80 دولاراً لكل موظفيها بغض النظر عن رتبهم. وهي اكبر زيادة دفعة واحدة، وهي صرفت فورا وفي حينه، وهذا غير مسبوق. إذ جرت العادة أن يزيد تأخر صرف كل زيادة عن ستة أشهر وغالباً ما تقسم الزيادة على ثلاث دفعات، فلا يظهر لها أثر في مستوى عيش الموظف... في السعودية صرف الملك عبد الله 93 مليار دولار دفعة واحدة لاسترضاء موظفيه. في المغرب، كان التوظيف آلية لإعادة توزيع الدخل ونهجاً سياسياً لامتصاص الاحتقان الاجتماعي. قد كانت الدولة توظف من دون حاجة لموظفين. وقررت التخلص منهم في 2004 فأعلنت عن مغادرة طوعية لـ38561 موظفاً، دفعت لكل واحد منهم أكثر من 30 ألف دولار لتخفيف كتلة الأجور.
لكن التوظيف زاد من جديد لشراء الاستقرار، فالموظفون هم القاعدة الاجتماعية للدولة العميقة. طبعاً لا يشكل الموظفون طبقة لأن دخلهم ليس واحداً، لكن ولاءهم للضرع الذي يرضعونه كبير. وهم راضون في بعض الإدارات التي تبيض ذهبا. من هذا البيض يحصل الموظفون المتحزبون («المرضي عنهم») على تفرغ ويسمون موظفين «أشباح»، لا يعملون وينالون أجورهم.
هنا يعتبر الولاء وافتقاد رأي مستقل شرطان أساسيان للترقي. لذا توجد فرصة كبيرة أمام من يتمتعون بالانصياع الكلي للاغتناء. فهؤلاء يتعايشون بفرح مع تعقيدات الوظيفة، وقد حولوا مناصبهم إلى بقرة حلوب. يعرف الأذكياء أن المعركة الرئيسية تجري في حقل الاقتصاد، لذا ينهبون بسرعة ليؤمنوا أنفسهم وذريتهم... وهم واثقون أن «تسعة أعشار الرزق في التجارة».
جل السياسيين المغاربة الذين يحتلون مسؤوليات كبرى كانوا موظفين ترقوا لسبب أو لآخر. لم يكونوا سياسيين خرجوا من صناديق الاقتراع بل من «الإدارة». الموظف الذي يعمل بالسياسة أو بالتجارة أو بالثلاثة دفعة واحدة يصير غنياً.
على الصعيد الثالث، يجري رصد العقول المدبّرة في التنظيمات الحزبية والجمعوية المعارضة لاستقطاب النشطاء الموهوبين وتعيينهم في وظائف جيدة. كان الحسن الثاني ماهرا في هذا حتى أن جنرالا - متقاعدا يملك حزبا - اشتكى مؤخرا من أن ابنه، الملك محمد السادس، محاط بمتخرجي السجون اليساريين. كان الحسن الثاني يحقق بذلك الاستقطاب ثلاثة أهداف: أولا يقوي نظامه. ثانيا بتعيينه لرموز المعارضة في مناصب سامية يظهرون كخونة لأنصارهم ويقولون عنهم «قلبوا المعطف» أو «باعوا الماتش». إنها سياسة لقص المعارضة، وبذلك يفكر كل فرد في مصيره وحده. وحين يغيب التفكير في المصير الجماعي تموت السياسة. ثالثا باستقطاب الموهوبين يفرغ الملك الإطارات المعارضة له من عقولها.

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

الحرّية للصحافيين والسّجن للصحافة

الصّحافيون الثلاثة الأشهر الذين أُفرج عنهم، أُدخلوا السّجن بتهم جنسية، لا بتهم متعلقة بحرّية الصّحافة أو الرأي، كما هو الواقع. وهي استراتيجية مباشِرة إلى درجة تثير السخرية، لكنها أيضاً لئيمة...

للكاتب نفسه