المغرب: أغنية "إنتِ باغيا واحد" كظاهرة اجتماعية

جاءت سهرة سعد المجرد في مهرجان تيميتار بأغادير لتؤكد كل الإرهاصات السابقة. فبعد تقليد أغنيته في اليمن ومصر، وتزاحم 5400 كويتية لتحيته (نجا منهنّ بصعوبة)، وبعد إحلال أغنيته محل «رقصة البطريق» في السعودية، ولقائه مع القيادية الراقصة هيفاء وهبي في ميلانو، وصل نجاح الأغنية إلى المغرب. جاء عشرات الآلاف من المتفرجين إلى ساحة الأمل منذ الثامنة مساء وانتظروا...وقف مئات رجال الأمن
2014-07-09

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
الفنان سعد المجرد (من الانترنت)

جاءت سهرة سعد المجرد في مهرجان تيميتار بأغادير لتؤكد كل الإرهاصات السابقة. فبعد تقليد أغنيته في اليمن ومصر، وتزاحم 5400 كويتية لتحيته (نجا منهنّ بصعوبة)، وبعد إحلال أغنيته محل «رقصة البطريق» في السعودية، ولقائه مع القيادية الراقصة هيفاء وهبي في ميلانو، وصل نجاح الأغنية إلى المغرب. جاء عشرات الآلاف من المتفرجين إلى ساحة الأمل منذ الثامنة مساء وانتظروا...

وقف مئات رجال الأمن لتأمين الحدث وقد بلغتهم أصداء ما يجري في العراق وليبيا. أغلقت الطرق المؤدية للساحة أمام السيارات، جلبت الأمهات فراشا للجلوس طويلا، وقف الآباء يحملون أولادهم على أكتافهم ليشاهدوا. كانت المقاهي المحيطة بالساحة مزدحمة وقد ضاعفت ثمن المشروبات. في كرسي بالمقهى طفل نائم ينتظر...

أن يحضر هذا الجمهور للسهرة بالتزامن مع مباريات المونديال ومصائب الأمة له دلالة كبيرة. هناك حلقات رقص صغيرة وهواتف تصوّر. تصدعت أذني من مكبرات الصوت التي يزيد حجمها عن قامتي... لكني أتحمل لأفحص نجاح أغنية صارت ظاهرة اجتماعية، وقد شاهدها 20 مليون شخص على يوتوب.

مر منتصف الليل ولم يصعد نجم «إنتِ باغيا واحد». في الواحدة بعد منتصف الليل، وأمام أكثر من مئة ألف شخص، حلت اللحظة التاريخية في حياة المنتظرين، يتزاحمون للاقتراب من المنصة ويرددون «لا بد أن نراه»... ياه كم يختلف الاستماع الجماعي لأغنية عن الاستماع الفردي، تسري العدوى كمادة كيماوية بين الأفراد...

هذا نجاح مدوي، وقد تأكد هذا النجاح أي الإقبال الجماهيري الكثيف في الندوة حيث تحدث سعد عما جرى في الكويت وعن مشاريعه. وفي مداخلة قالت صحافية إن كلمات الأغنية إهانة للنساء، فنفى سعد ذلك وقال إنها موجهة لبعض النساء فقط. نفى التعميم، والدليل أنه لم يقل «أنتن» بل قال «أنتِ». سأل الصحافيات الكثيرات:
من منكن تريد رجلا باردا؟ ولا واحدة. كلهن يردنه ساخنا مثل السي سيد.

شعرت الصحافية الوحيدة التي تجري دماء يسارية في عروقها بالحصار. بعد نهاية الندوة تسابقت الصحافيات بكثافة لالتقاط صور مع الشاب العملاق مفتول العضلات، رمز الذكورة. ميزته أنه لا يشبه شبانا ناعمين يلبسون اللون الوردي ويدهنون شعرهم بمرهم مرطِّب.

وقفت الصحافية الغاضبة مصدومة من التسابق فواجهتها بالحقيقة: هذا دليل قاطع على نجاح الأغنية. ردت بجحود بأنه دليل على نجاح المغني لدى «القطيع». سألتها عما تريد فقالت «نريد تغيير الصورة النمطية للمرأة. وقد جاءت هذه الأغنية لتكريس تلك الصورة. هذه أغنية ترضي غرور الرجال وتضع المرأة في موقع الضعيف. ثم إن الرجل ليس هو الشغل الشاغل للمرأة».

وبعد أن ختمت الصحافية الغاضبة مرافعتها ضد الأغنية الملعونة، سألتها عن أولادها قالت إن ابنتها وسنها أربع سنوات، تحفظ الأغنية.

لجمع وجهات نظر جديدة، نشرتُ في موقع إلكتروني خبرا عن الأغنية ينتهي بسؤال: وأنت لماذا تحفظ الأغنية؟ إليكم الأجوبة: أنا لم اسمع عن هذه الأغنية بتاتا - وحدها الأغاني النبيلة تبقى في القمة أما التفاهات فدائما في القاع - الشباب المغربي على حافة الانهيار، بالله عليكم ألا ينقصنا إلا الغناء الساقط؟ ـ سعد في ندوة صحافية وكأن فيه جميع أطباء المختبرات ومصنّعي الأدوية بالعالم للقضاء نهائيا على فيروس كورونا حفظتُ الأغنية رغما عني، فكل الأسواق وأصحاب التاكسيات والراديوهات ترددها ـ والبرمجة اللغوية العصبية تقول إنه، لاكتساب مهارة و تخزينها في اللاوعي، يجب تكرارها 5 مرات في اليوم لمدة 21 يوما - السبب بكل بساطة انحطاط ذوق غالبية شباب الأمة - إن « نجاح» هذه الأغنية التافهة وكثرة الحمقى المعجبين بها يرجع ببساطة يا عزيزي إلى كوننا نعيش في زمن الانمساخ والرداءة يا أخي : اكتبْ خيرا، و لا تسل مداد قلمك على النكرات...

تكشف ردود الأفعال هذه ثلاثة أبعاد على الأقل:

أولا كون الرجال سعداء بالأغنية، لأنها تعبر عن مشاعرهم الغاضبة من تقدم النساء في المجال العام. الرجال سعداء بالأغنية ويكرهون المغني الوسيم، بينما تعشق النساء المغني ويكرهن الأغنية. وقد تزامن هذا مع رفض رئيس الوزراء عبد الإله بنكيران أمام البرلمان «المعاصرة» التي تشجع النساء على العمل، وأكد أنه بسبب العمل لم تعد المرأة تجد وقتا لتتزوج ووقتا لتكون أماً وتربي، وأنه لمّا خرجت النساء للعمل انطفأت البيوت.

وقد انطلقت حملة تنديد خافتة بهذا. وبالتالي فمحتوى الأغنية ليس معزولا عن السياق الاجتماعي، بل يعبر عنه. وقد اعترفت الصحافية أن الشعب رجعي وطلبت مني ألا أذكر اسمها.

في البعد الثاني يتجلى موقف عدواني جاهز من زمّار الحي الذي لا يُطرب. شخصيا اعترف بدهشتي الشديدة من الكثافة الجماهيرية في السهرة. وأرى في ذلك نجاحا مزدوجا، فنيا وسوسيولوجيا. لا يمكن تفسير هذا الحضور بمجانية الحفل. فمساء السبت 21 حزيران/يونيو، وبمناسبة عيد الموسقى، دفع المتفرجون خمسين دولارا لمشاهدة سعد المجرد. مع الأسف لا تقنع هذه الحقائق منتقدي المغني بهدف تجريده من كل موهبة. والسبب في ذلك هو كراهية المغاربة لنجاح أي فرد منهم: يمكنهم التسامح مع نجاح الغرباء. شخصيا نشرت مئات المقالات في جرائد المغرب لكن ومنذ بدأت النشر في السفير العربي صار الكثيرون يتوقفون للسلام عليّ.

يقول الشاعر محمد بنيس «إن الثقافة المغربية ذات بنية رصاصية لا يمكن اختراقها إلا من الخارج». ينطبق هذا على الفن المغربي. فقد بدأ نجاح سعد في برنامج سوبر ستار، والفنان الذي لم ينجح في بيروت أو القاهرة يتعرض للتهميش في بلده. لقد جمع سعد المجرد شهرة محلية وخارجية. مكّنه يوتوب من صنع جمهور وفيّ. والسهرة كانت لحظة الحقيقة التي صدمت أعداء نجاح زمّار الحي.

في البعد الثالث موقف يرى بأن نجاح هذه الأغنية دليل على أن الشباب فاسد لا يرجى منه ثورة ولا خير. والمسكوت عنه هو أن الشباب الراشد والصالح هو الذي ركب منصات إطلاق القذائف وليس منصات الغناء، هو الذي التحق بداعش ليضمن الشهادة: «الفن فجور وعهر، والفرح يميت القلب، والحياة وسخة تستحق النبذ». وما دام في المغرب غناء وفرح فليس فيه شباب صالح.

من هذا التصور ينبع العنف.            

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

الحرّية للصحافيين والسّجن للصحافة

الصّحافيون الثلاثة الأشهر الذين أُفرج عنهم، أُدخلوا السّجن بتهم جنسية، لا بتهم متعلقة بحرّية الصّحافة أو الرأي، كما هو الواقع. وهي استراتيجية مباشِرة إلى درجة تثير السخرية، لكنها أيضاً لئيمة...

للكاتب نفسه