خلال شهر آذار/ مارس المنصرم، عانى آلاف الأطفال المصريين من التسمم الغذائي بعد تناول وجباتهم المدرسية. وفي منتصف الشهر نفسه، تحدثت تقارير رسمية عن تسمم 3353 طفلاً بمدارس ابتدائية في محافظة سوهاج. تمّ صرف الأطفال من مدارسهم دون عرضهم على المستشفى، مع أن بعضهم أصيب بقيء دموي. حالات التسمم في سوهاج وقعت على خمس مراحل خلال عشرة أيام متواصلة، حتى بلغ العدد في يوم 23 آذار/ مارس وحده 950 حالة (بحسب موقع البداية)، دون أن يتمكن أحد من إيقاف المهزلة.
الأطفال توهموا أنهم مرضى!
صرّح مفتش الأغذية المدرسية بسوهاج لبرنامج 90 دقيقة التلفزيوني، بأن تحليل العينات أثبت أنه لا يوجد تسمم، وأن الطلاب أصيبوا بالوهم لا أكثر، مما تسبب في مشادة كلامية مع والد أحد الأطفال المصابين، الذي كذّبه وأعلن أنه سيقاضيه بسبب إهماله، وسيُخرج ابنه من المدرسة ليحميه من وجباتها.
كما أعلن وكيل وزارة التربية والتعليم في محافظة سوهاج أن الأطفال المصابين يمرحون ويلعبون في فناء المستشفى بينما المسؤولون وضعوهم هناك للاطمئنان عليهم. وهو، شأن سائر المسؤولين، أكد على سلامة إجراءات إعداد الوجبات ونقلها وتخزينها..
الأكثر غرابة أن لواءً يرأس قطاع مكتب وزير التربية والتعليم، صرح نصاً: "غير مسموح على الإطلاق أن تحدث حالة تسمم واحدة ويكون سببها الوجبة المدرسية!".
لم يلتفت أحد من هؤلاء إلى الصور الكثيرة المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي لقطع من البسكوت الذي يكسوه العفن، أو الذي يحتوي على شفرة حلاقة كاملة، ضمن الوجبات المدرسية التي صورها الأهالي شاكين بلا جدوى، كما لم يشرحوا سبب البؤس الذى تبدو عليه الوجبة من النظرة الأولى، حتى إن عضواً برلمانياً عن محافظة سوهاج صاح تحت قبة البرلمان بأن ثمن الوجبة في حدود 3 جنيهات، وأن "العيش بيكون بايت بقى له أربع أيام.. والحلاوة لونها أسود".
من اللافت هنا أن لواء عسكرياً يعمل رئيساً لأحد قطاعات وزارة التعليم. مع تتبع الأمر ظهر أنه يشغل هذا المنصب منذ فترة طويلة، حيث تعاقب ثلاثة وزراء على الوزارة دون أن يتزحزح اللواء، مع أنه أثار زوابع عديدة أغضبت المعلمين ونقابتهم المستقلة، مثل نشرته العجيبة في نيسان/ أبريل 2015 التي أصدرها للمدارس، مطالباً المعلمين بالإشراف على دورات المياه وإصلاح النوافذ، وهو ما رفضه المعلمون ونقابتهم في بيان ناري، متسائلين عما يمنع الوزارة من إسناد هذه الأعمال للعاملين المختصين بها.
على أن أمر اللواء لا ينتهي ببساطة، ليس لأنه لواء بالمخابرات العامة لا علاقة له بمنصب قيادي في منظومة التعليم، بل لأن تعيينه هذا أثار لغطاً قانونياً. فهو كان قد أحيل إلى التقاعد سنة 2012، ثم استُدعي للعمل بعد 30 حزيران / يونيو 2013 (المظاهرات ضد مرسي الذي كان رئيساً وقتها والمطالبة بإقالته)، وأعيد إلى ديوان عام وزارة التربية والتعليم سنة 2015. هكذا أفاد جهاز التنظيم والإدارة في خطاب رسمي للوزارة بأنه "لا يجوز لمن أُحيل إلى المعاش إعارته إلى وزارة التربية والتعليم.. وأن الإعارة تكون لمن هو قائم على رأس العمل فعلياً (موظف) ولم تنته خدمته."
المفاجأة هي في رد اللواء المذكور وكذلك المستشار القانوني لوزير التعليم بأن جهاز المخابرات العامة له قانون خاص به، فلا ينطبق على أفراده قانون الخدمة المدنية كما رأى جهاز التنظيم والإدارة! فاتهمت جريدة الأهرام جهاز التنظيم والإدارة اتهاماً صريحاً بالجهل، ورأت في رأيه كارثة، دون أن ترى في تولي لواء المخابرات أرفع المناصب التعليمية أية غرابة.
اللواء الثاني وصفقة الـ"تابلت"
لكن المفاجآت تتوالى: بلغ عدد اللواءات المنتدبين إلى المناصب القيادية في وزارة التربية والتعليم ستة، شغلوا أهم المناصب التعليمية فيها، وهي مناصب لا علاقة لها بالعمل الأمني.
وهناك لواء عمل مستشاراً للوزير لتنمية الموارد، وكان مسؤولاً عن صفقة ألواح "التابلت" التي أهدرت 400 مليون جنيه من أموال الوزارة، وبدأت النيابة العامة تحقيقاً فيها بعد بلاغ مدير تحرير جريدة الوفد، حيث قدم مستندات تثبت أن أجهزة التابلت تم شراؤها بأعلى من سعرها السوقي. لكن وزير التعليم الأسبق ردَ على ذلك بأن "القوات المسلحة ممثلة في جهاز الخدمة الوطنية هي المسؤول عن إنتاج التابلت، ولم يتم إهدار مليم واحد، لأن جميع أجهزة الجيش نزيهة وشريفة ووطنية، ولا مجال للحديث نهائياً عن مخالفتها لأي قواعد أو قوانين أو أعراف، حتى لو كان المقابل هو مال الدنيا"...
لم يعلق أي وزير أو مسؤول بالوزارة على مقال هام نشر بالأهرام المسائي بعنوان "ألغاز تابلت أبو النصر"، سرد أدلة دامغة على فساد صفقة التابلت وإهدارها مئات الملايين من المال العام
لم يعلق أي وزير أو مسؤول بالوزارة على مقال هام للكاتب عبدالخالق صبحي نشر بالأهرام المسائي بعنوان "ألغاز تابلت أبو النصر"، سرد أدلة دامغة على فساد صفقة التابلت وإهدارها مئات الملايين من المال العام، بعد اطلاع الكاتب على مستندات الصفقة، حيث تم شراء التابلت بسعر1650 جنيهاً، بينما اطلع الكاتب على عرض من شركة هندية بتوريد التابلت مقابل 25 دولاراً (أي 200 جنيه بأسعار الصرف وقتها) وذلك خلال التفاوض مع وزير التعليم العالي السابق حول صفقة توريد تلك الأجهزة.. مع أدلة أخرى بالغة الدلالة.
بقي هنا أن نشير إلى أن اللواء المذكور كان يعمل بجهاز الخدمة الوطنية قبل انتدابه مستشاراً لوزير التعليم. بقي أيضاً سؤال بلا إجابة: في المراسلات الرسمية بين الوزارة وجهاز الخدمة الوطنية، صرح الأخير بأنه يُهدي الوزارة 3 خطوط إنتاج وتجميع للأجهزة المطلوبة دعماً لتطوير منظومة التعليم، مع إرفاق العرض المالي، شاملاً الأصناف والكميات وسائر التفاصيل.. أين "الإهداء" في بيع هذا العدد الهائل من أجهزة التابلت بأضعاف سعر توريدها بالجملة من شركة هندية عالمية؟ لماذا تلح قيادات القوات المسلحة على دور الإنقاذ والإهداء في صفقة كهذه؟