منذ أيام، وبحضور رئيس الوزراء، اجتمعت اللجنة الوزارية الخاصة بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي وتحسين مستوى معيشة المواطنين، للتدارس بضرورة تنفيذ تعليمات "ترشيد الإنفاق الحكومي". ومن فوره، عاد وزير التربية والتعليم إلى مكتبه وأخذ يبحث وينقّب في موازنة وزارته لكي يطبّق تعليمات اللجنة الوزارية وينفذها.
طعام التلاميذ و.. الجرائد والمجلات
يبدو أن وزير التعليم قد وجد ضالته لترشيد الإنفاق فهتف كما يفعل العلماء "وجدتها"، وكان التوفير من نصيب شراء الجرائد والمجلات. فجلس فوراً الى مكتبه وأصدر كتاباً دورياً به التعليمات الوزارية وأرسلها لجميع العاملين بمختلف محافظات الجمهورية، كما أرسل نسخة أيضاً من كتاب التعليمات الوزارية إلى الصحافيين وأجهزة الإعلام.
جاء الكتاب الوزاري في عدة صفحات، لم يترك شيئا إلا وطلب ترشيد الإنفاق فيه، وتضمّن كأولوية حصر صرف الوجبات المدرسية للطلاب، وضرورة اقتران ذلك بالعدد الفعلي لحضور الطلاب إلى المدرسة. والوجبة المدرسية في معظم مناطق الجمهورية مكوّنة بشكل أساسي من لفافة بسكويت، وهي قد تمثّل لجزء كبير من طلاب المرحلة الابتدائية في التعليم الحكومي وجبة الإفطار الأساسية لهم، وقد لا يتناول أطفال الريف والصعيد وجبة غيرها طوال اليوم الدراسي.
وكانت الوجبة المدرسية قد عادت للمدارس الحكومية فى النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي، في عهد وزير التعليم د. حسين كامل لأنه كان طبيب أطفال ويعرف خطورة نقص الطعام على التركيز والدراسة. وما زال المشروع موجودأً لأنه رُبط بالحدّ من التسرب ومواجهة الأمية وجذب التلاميذ إلى المدارس. بعض الخبراء أجابوا أن أخذ قسم من تلك الوجبة من قبل المعلمين والعاملين في المدرسة ليس أمراً ضاراً، حيث ارتفاع الأسعار المخيف فى مصر يستلزم غضّ الطرف عن بضعة آلاف من الجنيهات "المهدورة" هكذا، بدلاً من وقوع مشاكل قد تؤدي لعدم صرف الوجبات لمستحقيها من التلامذة.
وامتدّ القرار إلى شراء الأدوات المكتبية والأقلام.. وكان من الطبيعي ان يأتي ذِكر الحد من شراء الجرائد والمجلات.. سواء كان ذلك فعلاً توفيراً للنفقات أم للحدّ من توسّع قاعدة هجوم وسائل الإعلام على الوزير، وهي مادة شبه يومية نظراً لأنه يصدر قرارات وتعليمات تثير في الأغلب الرأي العام ثم يتراجع عنها بعد تدخّل مجلس الوزراء.
القرار الجديد بالترشيد لا يؤثر على العملية التعليمية واطّلاع الطلاب على هو جديد فحسب، وإنما اثره على دور النشر التي كانت تعتبر "إدارة المكتبات" نافذة هامة لتسويق أعمالها، وهو مايعنى مضاعفة أزماتها علاوة على ارتفاع أسعار استيراد الورق بعد تعويم الجنيه المصري
وكان آخر هذه "الأزمات" منذ بضعة أسابيع، حينما أصدر مجلس الوزراء توصية بوقف العمل بقرار أصدره وزير التعليم، خاص بإلغاء التعريب في امتحانات الثانوية العامة (البكالوريا المصرية)، وذلك لمدارس اللغات، حيث كان الطلاب يمتحنون بعض المواد باللغة العربية مثل مادة الجيولوجيا وعلوم البيئة، حيث الوزارة نفسها كانت تطبع المناهج والكتب الدراسية باللغة العربية، وليس هناك أصلا منهج لهذه المواد باللغات الأجنبية أو مدرّسين لها بتلك اللغات. القرار كان مفاجئاً وقد احتجّ الطلاب وأولياء الأمور في تظاهرات يومية أمام وزارة التعليم. وأمام عناد الوزارة، تدخل مجلس الوزراء وألغى القرار!
والمفارقة أن الوزير برر إصدار القرار ثم إلغاءه بأنه كان ينفذ ويفعِّل قرارات وزارية قديمة موجودة بالفعل بإلغاء تعريب الامتحانات العامة لمدارس اللغات الأجنبية، وهو ما جعل الطلاب يسخرون من هذه الخطوة على مواقع التواصل الاجتماعي مطالبين الوزارة بالمذاكرة الجيدة للواقع والمناهج الموجودة بالفعل وليست في أدراج القرارات الوزارية.
ترشيد شراء الكتب!
كان من ضمن الكتاب الوزاري لترشيد الإنفاق الحكومي فقرة عن ترشيد شراء الكتب، وبالطبع فُهم منها أن المقصود بها ليس الكتب الدراسية المقررة والمناهج، لان هذه تُطبع وتوزع إجبارياً على الطلاب في بداية كل عام دراسي. فواضح إذاً من التعليمات الوزارية أن المقصود هو الكتب العلمية والثقافية، وهذه يتمّ شراءها مركزيا من الوزارة عن طريق إدارة المكتبات المدرسية. واللافت أن التعليمات الوزارية جاءت متزامنة مع بداية عمل معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهو ما كانت تعتبره إدارة المكتبات المناسبة السنوية لشراء الكتب ولتحديث المتوفر لديها بأسعار مخفّضة.
القرار الجديد بالترشيد لا يؤثر على العملية التعليمية واطّلاع الطلاب على هو جديد فحسب، وإنما اثره على دور النشر التي كانت تعتبر "إدارة المكتبات" نافذة هامة لتسويق أعمالها، وهو ما يعنى مضاعفة أزماتها علاوة على ارتفاع أسعار استيراد الورق بعد تعويم الجنيه المصري.
ووصل الحنق من التعليمات الوزارية بالحدّ من شراء الكتب إلى حدّ مقارنتها بواقعة "حفل إحراق الكتب داخل المكتبات المدرسية بالجيزة" التي قامت بها مديرة التعليم هناك وسط الموسيقى والتصفيق الحاد.
والآن يتساءل الكثيرون هل سيتمّ وضع هذا الملفّ الهام أمام وزير التعليم الجديد الذي أقسم اليمين منتصف هذا الشهر، وهو الذي عاد إلى مصر منذ سنوات قليلة بعد أن عاش اغلب سنوات عمره في الخارج، وشغل منذ ثلاث سنوات منصب رئيس "المجلس التخصصي للتعليم" التابع للرئيس السيسي، أم هو سيتجاهل الملف تماماً، ويُلغى فعلاً شراء الكتب للقراءة بالمدارس.. بحجة ترشيد الإنفاق؟