{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} الآية 222 من سورة البقر.
وانطلاقاً من مبدأ أن الرب يسمع ويرى وقادرٌ على كلّ شيء، لم يتمكّن أمين شرطة قسم رأس البر (مدينة في محافظة دمياط وهي مصيف مطلّ على البحر المتوسط)، ورفيقيه من غضّ الطرف عن الآية. فهذا القرآن الكريم! وهم ليس لديهم أي رغبة بتجاوز أحكام «شرع الله» المُلزم، وهم يدرون غضب ربّ العالمين في حال عصيانه. لهذا، وبناءً عليه، رفعوا أيديهم عن حوريّة متولي، وهم يلعنون «حظهم الزفت المنيّل». فالمفاجأة وقعت في الشقّ الأخير من القصة. هم أحضروها للتحرّش بها واغتصابها. أين؟ داخل قسم الشرطة. لكن: المرأة في دورتها الشهرية، «معذورة شرعاً»! فلا يمكنهم الاقتراب منها والله قد نهاههم عن النساء في المحيض! وبالمناسبة، فلندع الآية 151 من سورة الأنعام تُرافقنا في خلفيّة السرد:
{وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}.
هنا تفاصيل «الفاحشة»:
نزل أمين شرطة قسم رأس البر إلى الشارع، ومعه رفيقه (شرطيّ من القسم ذاته). وفي السوق، استوقفا حورية بحجّة الاشتباه فيها واتهماها بممارسة «أمور منافية للآداب العامة»، وألزماها مرافقتهما إلى ديوان القسم. أجبروها، بالعنف، على خلع ملابسها وطلبا منها الرقص لهما ولزميل ثالث. هذا، وتمّت الاستعانة ببعض أفراد الشرطة الآخرين لمساعدتهم على إجبارها على خلع ملابسها.
تعرّضت حورية للضرب، وأُصيبت بجروح ورضوض متفرّقة بعد مقاومتها لمحاولتهم معاشرتها جنسيّاً. ولكن المفاجأة حطّت في مكان آخر. فبعد الانتهاء من ضربها والتمكّن من السيطرة عليها تبيّن أنها غير صالحة للجَماع، والسبب «الحيض»! بجديّة مُطلقة، تركوها بحالها لعُذرها الشرعي. يا الله! ليت هناك آية تحرم الاغتصاب نفسه! لأمكن ساعتها تلافي الكثير مما يقع. ولو أن آيات النهي عن القتل وكتمان الحق والفساد والسرقة والكذب والغش.. لا يبدو أنها ردعت العباد. الحيض تحديداً فَعَل! وهذا سرٌ يستحق الدراسة لسبر أغواره.
لم تسكت حورية عن الموضوع وتقدّمت ببلاغ مُتّهمةً أمناء شرطة وحدة مباحث رأس البر بالإساءة إليها، وضربها داخل القسم ومحاولة اغتصابها.
بعد البلاغ، عاينت النيابة العامة القسم المذكور وتأكدت من رواية حورية. وكانت الفتاة قد طالبت النيابة العامة بعرضها على مستشفى دمياط التخصصي وتعيين حراسة لها. ولاحقاً ظهرت التقارير الطبية وأثبتت صحة ادّعاءاتها...
التحقيقات مستمرّة والنيابة العامة استدعت مأمور قسم رأس البر ورئيس المباحث لجلسة تحقيق، وذلك للوقوف على كيفية قيام المتهمين بالواقعة من دون أي دراية منهما بما حصل في القسم.
قصص التحرّش والاغتصاب إلى تزايد، ومصر لها حصّتها الكبيرة منها، سواء على شكل حوادث يقدم عليها مواطنون أو بتجرؤ عاملين في الأمن على ارتكاب الفعل.
ولكن قصة حورية مختلفة. فما حال دون اغتصابها هو ما اعتبره الرجال الأشاوس وجود «عُذر شرعي». لم ينههم بند آخر في إيمانهم عن الإقدام على إيقافها بتهمة/ حجة ملفقة لاستدراجها الى القسم، ثم التحرش بها ومسّ جسدها غصباً عنها، وضربها، وإجبارها على الرقص عاريةً، والشروع باغتصابها لولا لطف الله بأنها كانت في فترة حيض..
الخبر مذهل. وهو انتشر على المواقع الالكترونية المصرية، بالأسماء والتواريخ وصور المحضر والبلاغ المُقدّم... وله تتمة. فقد حاول القسم الذي لجأت اليه للشكوى رفض تسجيل المحضر، وتهديدها بالتراجع عن أقوالها، وإرهابها...
لا شكّ في أنّ جرأة حورية وإصرارها على أخذ حقّها أمرٌ لافت. وبحسب وسائل التواصل الاجتماعي، فيبدو أن القضية لم تنل نصيبها في الإعلام أو حتى في التفاعل الشعبي. القصة عادية؟