جرى تقصد ضرب التعليم العام في المنطقة العربية. "السفير العربي" تعتبر الموضوع قضية كبرى، ولذا تتابعه بدأب ومن بلدان وزوايا مختلفة..
ملف التعليم قضية
تقف المنطقة العربية في أسفل كل البيانات الخاصة بالتعليم في العالم. ومن المشروع اعتبار ذلك واحداً من مفاتيح فهم حالها المتردي على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والتنموية، علاوة على تلك الثقافية والفنية والسياسية. وبالطبع، فلا يقتصر الانشغال بالتعليم على غاية الحصول على شهادة، وإن كانت تلك واحدة من معايير الترقي الاجتماعي، أو من زيادة فرص الحصول على عمل والأمل بشغل عمل «أفضل» (أقل مشقة وأعلى دخلاً)... فتلك أهداف قائمة، وإن كان يغلب عليها هاجس تلبية الغاية الفردية من التعليم، وإن كانت الوقائع تكذِّب بعضها بالنظر إلى الكم الهائل من المتعطلين عن العمل من حملة الشهادات العليا. وإنما مسألة التعليم تتصل بشكل مباشر بالوعي الجماعي والتعاون الاجتماعي لأي مجتمع، أي وباختصار بعملية تشكله. وقد جعلت الثورة الفرنسية الكبرى مثلا، خلال سيرورتها الشاقة والطويلة، من التعليم العام والمجاني والإلزامي واحداً من أسس فكرة «الجمهورية»، إن لم يكن أساسها الأول، على اعتبار تحقيقه للانصهار المجتمعي. وراهنت أفكار النهضة العربية في نهاية القرن التاسع على التعليم العام، نوعية وحجماً، للخروج من مأزق «تخلفنا». واستعاد عبد الناصر وسائر أقرانه من الرعيل النهضوي الثاني المراهنة نفسها، ووضعوها في التطبيق بحكم وصولهم إلى السلطة في بلدانهم. ومن دون ريب، مثَّل ذلك التحول الاجتماعي الأبرز لمجتمعاتنا في القرن العشرين. كما ترافق التراجع عن هذا، وخصخصة التعليم ـ أي حرمان الأغلبية الساحقة من التعليم الجيد ـ مع سائر خطوات التراجع عن كل الطموحات في تحقيق الذات والتحرر الوطني، وهو ترافق تماما مع الخصخصة في الاقتصاد، وفي الموارد الطبيعية، وفي الحقوق وفي الأمن.