كرامة العراق المهدورة

الشعار الذي دوّى في تظاهرات الصيف الفائت، "باسم الدين باگونا الحرامية"، لا يُنسى. والإصلاحات لا يمكن أن يكون أساسها التفاوض على ضبط توزيع حصص السلطة والثروة، أو إعادة تعريفها
2016-05-05

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
سيروان باران - العراق

اصطدم النظام الموضوع للعراق بنفسه، فانفجر أولاً من داخله. انفجرت تركيبته التي يُفترض أنها هُندست كمحاصصة بين "المكوّنات". اكتشف العراقيون أن ذلك التوزيع للسلطة والثروة لا يشكو فحسب من سوء في كيفية التقاسم وأحجامه، ومن غبن يستشعره كل طرف، بل إنه بخلاف ما يدّعي، ليس عادلاً ولا يمكنه أن يكون، لأنه باب للنزاع الدائم على النِسب، الرجراجة بالضرورة، ولكن والأهم لأنه أقصر الطرق للحيلولة دون قيام الدولة كمؤسسة عامة، بكل مستويات هيئاتها وأجهزتها، ولحلّ الموجود منها، ولإطلاق النهب الصريح الذي يستند إلى منطق المحاصصة نفسه، ويعمِّم الفساد. لا سقف للتنازع على المغانم ولا ضوابط.

وهو أقصر الطرُق لإلغاء "المجتمع". من يتقاتلون في ما بينهم ليسوا "الشيعة" و "السنة" و "الأكراد".. (فهذه كيانات كلّية لا وجود لها)، بل هم من يتسلطون على الناس فيختزلونهم ويصنعون لأنفسهم صفة تمثيليّة. هناك ألف وسيلة لذلك، منها تأجيج الاستقطاب المذهبي، والتخويف، وإفقار الناس وحرمانهم ليسهُل استزلامهم عبر توفير الخدمات المفقودة لهم، أي بالزبائنية. ومنها الاستقواء بالخارج، وهو متعدد. وهذا النظام يلغي "حصص" من يمكن استضعافهم، وهم هنا مَن يُعتَبرون "أقليّات" صغيرة، مذهبية ومناطقية وقبلية، تضطر للجوء إلى أجنحة حامية.. هذا نظام حرب أهلية دائمة.

.. وقد انفجر أيضاً من خارجه، من البؤس المتعاظم والعجز والفشل والتسيب على كل المستويات، من الكمّ الهائل من البشر الذين تنبذهم دورة النهب هذه، بينما إعادة توزيع الفتات محدودة بالضرورة. والبائسون ليسوا من مذهب واحد ولا من منطقة بعينها. هم الأغلبية التي لا تجد عملاً، فهذا النمط ليس إنتاجياً بل هو ريعي (حتى في البلدان التي لا نفط فيها، فما بالك بالعراق).. الأغلبية الساحقة محرومة من الخدمات الإنسانية الأساسية: التعليم والصحة والسكن والكهرباء و.. الأمان.

الشعار الذي دوّى في تظاهرات الصيف الفائت، "باسم الدين باگونا الحرامية"، لا يُنسى. والإصلاحات لا يمكن أن يكون أساسها التفاوض على ضبط توزيع حصص السلطة والثروة، أو إعادة تعريفها. هذه "قضية" تخص أصحابها الطامعين بالمغانم. وأما قضية العراقيين فتتعلق بإعادة تأسيس بلدهم الذي استباحته ودمرته الديكتاتورية والحروب المهولة المتلاحقة والحصار والاحتلال. ليتمكّن من استعادة مكانته ودوره و.. كرامتهم.

مقالات من العراق

سجون "الأسد" وسجون "صدام حسين"

ديمة ياسين 2024-12-12

لا أزال إلى اليوم لا أستطيع النظر طويلاً إلى الصور التي التُقِطتْ لوالدي في أول يوم له بعد خروجه من المعتقل، وهو يجلس تاركاً مسافة بيننا وبينه، وتلك النظرة في...

بغداد وأشباحٌ أخرى

نبيل صالح 2024-12-01

عُدتُ إلى بغداد ولم أعد. تركتُ قُبلةً على قبر أُمي ورحلتُ. ما حدث ويحدث لبغداد بعد الغزو الذي قادته جيوش الولايات المتحدة الأمريكية، هو انتقامٌ من الأسلاف والتاريخ معاً.

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...

للكاتب نفسه

لبنان مجدداً وغزة في القلب منه

... أما أنا فأفرح - الى حدّ الدموع المنهمرة بصمت وبلا توقف - لفرح النازحين العائدين بحماس الى بيوتهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. لتلك السيارات التي بدأت الرحلة...

كنيساً يهودياً في باحة "الأقصى"

تتجسد معاني "خروج الحسين"، لمواجهة الطغيان، هو وأهله وكل من يخصه - مع معرفتهم المؤكدة بما يقال له اليوم في اللغة السياسية الحديثة "اختلال موازين القوى" لغير صالحه - في...