التغير المناخي في مصر يَطال الماء والهواء ومصائر البشر

فصل الشتاء قصير متقلب، يأتي محملاً بأجواء غير معهودة، تزيد من أعباء الطرقات غير المهيأة ومن بؤس المشردين بالشوارع، وساكني المنازل الرديئة. خلال شتاء عام 2010، انخفضت درجة الحرارة إلى ما دون الصفر، وأدت إلى وفاة 18 شخصاً، وإصابة 59 في حوادث سير بسبب سوء الأحوال الجوية، فيما أغلق عدد من المطارات والموانئ وتعطلت حركة السير في قناة السويس.
2022-10-13

صفاء عاشور

باحثة وصحافية من مصر


شارك
| en
غسان غائب - العراق

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

"لا حار جاف صيفاً.. ولا دافئ ممطر شتاء"، هكذا أعلن المتحدث الرسمي لهيئة الأرصاد الجوية خريف عام 2019، أن الوصف المناخي التقليدي لمصر -الراسخ في الوجدان المصري لأجيال - بات لا يعبّر عن الواقع نتيجة للتغيرات المناخية المتلاحقة، وأن مجموعة من العلماء بالهيئة يعكفون منذ سنوات على إعداد دراسات لاستخلاص وصف جديد، يتماشى مع تأثر الأجواء المصرية بالتغيرات المناخية.

على الأرض يلمس المواطن العادي حجم التغيرات في المناخ من عام لآخر متمثلاً في اختلاف درجات الحرارة. فالصيف طويل شديد الحرارة وتزداد فيه نسبة الرطوبة. بدايته المبكرة تُبطل مفعول أغاني الربيع، أما الخريف فيصاحبه دائماً حضورٌ شاحب ٌ، بينما فصل الشتاء قصير متقلب، يأتي محملاً بأجواء "أوروبية" غير معهودة، تزيد من أعباء الطرقات غير المهيأة لاستقبال المطر والرياح، ومن بؤس المشردين بالشوارع، وساكني المنازل الرديئة التي لا تراعي في تصميمها جوائح المناخ. وهو ما حدث خلال شتاء عام 2010، حين انخفضت درجة الحرارة إلى ما دون درجة التجمد، وأدت إلى وفاة 18 شخصاً، وإصابة 59 في حوادث سير بسبب سوء الأحوال الجوية، فيما أغلق عدد من المطارات والموانئ وتعطلت حركة السير في قناة السويس.

 ديباجة آخر تقرير أرسلته مصر إلى الأمم المتحدة عام 2018، ضمن الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ، جاء فيها تأكيد على ارتفاع درجة الحرارة تدريجياً منذ 25 سنة، مع حضور ظواهر جوية متطرفة، وتحديداً في السنوات العشر الأخيرة "مما أدى إلى خسائر في الأرواح وتأثر الاقتصاد سلباً".

وعلى الرغم من أن مشاركة مصر في الانبعاثات العالمية من الغازات الدفيئة لا تتعدى نسبة الـ 0.71 في المئة، إلا أنها تصنف ضمن الدول الأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية، كونها من الدول النامية التي تفتقد للموارد اللازمة لمعادلة الأضرار.

عوامل محلية

وبوجه عام، تتأثر البيئة المحلية بالانبعاثات الملوثة الناتجة عن أربعة مجالات رئيسية هي : الطاقة والتصنيع والزراعة والمخلفات. جاء ذلك ضمن التقرير المقدم إلى الأمم المتحدة المشار إليه سابقاً، والذي استند إلى نسبة انبعاثات المجالات الأربعة من الغازات الدفيئة الناتجة عن النشاط الإنساني مثل ثاني أكسيد الكربون، غاز الميثان، غاز أكسيد النيتروز، ومركبات الفلوروكربون الهيدروجينية، ومركبات الفلوروكربونات، وسداسي فلوريد الكبريت وغيرها.

وجاء قطاع الطاقة في مقدمة القطاعات المساهمة في أعلى نسبة انبعاثات حيث يساهم احتراق الوقود الأحفوري بنسبة 64.5 في المئة من إجمالي الانبعاثات في الأجواء المصرية، فيما تساهم وسائل النقل وحدها بنسبة 23 في المئة من تلك الانبعاثات.

قطاع الزراعة يأتي في المرتبة الثانية، وهو المسؤول عن انبعاثات بنسبة 14.9 في المئة، والتي تنتج في الأساس بسبب عمليات التخمر، وإدارة السماد الحيواني، وزراعة الأرز بالغمر، وحرق المخلفات الزراعية، وإدارة التربة الزراعية.

أما العمليات الصناعية واستخدام المنتجات فتأتي في المرتبة الثالثة، وتنتج نسبة 12.5 في المئة من إجمالي الانبعاثات، يليها مجال المخلفات الذى ينتج نسبة 8.1 في المئة، نتيجة للتخلص من المخلفات الصلبة ومعالجة مياه الصرف المنزلي والصناعة.

والغازات الدفيئة هي المسؤول الأول عن ظاهرة الاحتباس الحراري، التي تؤدي بدورها إلى التغير المناخي، الذي تتعدى مظاهره ارتفاع درجات الحرارة، إلى الظواهر المناخية المتطرفة، وارتفاع مستويات البحار، وتغير بيئة الكائنات الحية، وبالطبع تغير بيئة النباتات، ما يؤثر بدوره على الأمن الغذائي.

تتأثر البيئة المحلية بالانبعاثات الملوثة الناتجة عن أربعة مجالات رئيسية هي : الطاقة والتصنيع والزراعة والمخلفات. جاء ذلك ضمن التقرير المقدم إلى الأمم المتحدة المشار إليه سابقاً، والذي استند إلى نسبة انبعاثات المجالات الأربعة من الغازات الدفيئة الناتجة عن النشاط الإنساني مثل ثاني أكسيد الكربون، غاز الميثان، غاز أكسيد النيتروز، ومركبات الفلوروكربون الهيدروجينية، ومركبات الفلوروكربونات، وسداسي فلوريد الكبريت وغيرها. 

في هذا الشأن رصد المعمل المركزي للمناخ الزراعي بمصر عدداً من الظواهر المناخية المؤثرة على الأمن الغذائي في 11 محافظة، خلال الفترة ما بين عام 1990 إلى عام 2015، شملت العديد من المحاصيل الأساسية.

فخلال عام 2010، وبسبب ارتفاع متوسط درجات الحرارة بـ 2.2 درجة مئوية، انخفض محصول القمح، خاصة بمحافظات الوجه القبلي، وإنتاجه يوجه بالكامل إلى الاستهلاك المحلي حيث يساهم في الاكتفاء الذاتي بنسبة تزيد عن 54 في المئة من إجمالي الاستهلاك. قبل ذلك وتحديداً عام 2008، تسببت الموجة الباردة في كانون الثاني / يناير بأضرار طالت العديد من المحاصيل، أهمها الحمضيات والفاصوليا والموز والطماطم.

وذكرت ورقة بحثية صادرة عن "مركز ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان" (1) أن مركز البحوث الزراعية أعلن عن انخفاض محصول الزيتون المصري لعام 2021 بنسبة تراوحت ما بين 60 إلى 80 في المئة بسبب التغيرات المناخية، فهبط المحصول من 690 طن إلى ما بين 100- 200 طن، وفقدت مصر بذلك ميزاتها التنافسية كمصدر هام للزيتون. كما انخفض محصول البطاطس أيضاً للعام نفسه من 30 إلى 40 في المئة، وانخفض محصول القمح بنسبة تتراوح بين 40 و50 في المئة.

تأثر محصول المانجو لعام 2021 أيضاً نتيجة لارتفاع درجات الحرارة خلال شهري شباط/فبراير وآذار/ مارس بنسبة 25 في المئة، وهو محصول له أهميته على المستوى المحلي، ويصنف المنتج الزراعي الثامن في قائمة التصدير، وهو مصدر رزقٍ لآلاف من الفلاحين في مناطق تقل فيها فرص الرزق الأخرى، مثل مدينة الاسماعيلية التي يصل محصول المانجو بها لـ 28 في المئة من الأراضي المزروعة.

وينعكس انخفاض إنتاجية المحاصيل الأساسية بسبب التغيرات المناخية على زيادة أسعارها، لترهق بذلك ميزانية الطبقات المتوسطة والفقيرة، يتزامن ذلك مع وجود فجوة سوء تغذية بمصر، وهو العامل المتسبب في ثلثي وفيات الأطفال وفقاً لتقديرات منظمة يونيسيف (2).

تشير بيانات المنظمة أيضاً إلى أن مصر تصنف من ضمن 36 دولة يتركز فيها 90 في المئة من عبء سوء التغذية العالمي، فيما وصلت معدلات التقزم في مصر للأطفال دون سن الخامسة إلى 21 في المئة عام 2014.

جاء قطاع الطاقة في مقدمة القطاعات المساهمة في أعلى نسبة انبعاثات حيث يساهم احتراق الوقود الأحفوري بنسبة 64.5 في المئة من إجمالي الانبعاثات في الأجواء المصرية، فيما تساهم وسائل النقل وحدها بنسبة 23 في المئة من تلك الانبعاثات. 

التغير المناخي طال أيضاً الحياة البرية في مصر، حيث وثّقت (3) وزارة البيئة المصرية تأثر كائنات حية ونباتية على قمم جبال "سانت كاترين" بسبب ارتفاع درجة الحرارة، التي أدت إلى انخفاض معدل الأزهار لنبات زعتر سيناء بنحو 40 في المئة، والتي تتغذى عليها فراشة سيناء الزرقاء القزمة، أصغر فراشة بالعالم، والمهددة بالانقراض أيضاً.

"الأخذ في الاعتبار فاعلية شبكة المحميات في مصر في الحفاظ على التنوع البيولوجي" كان من العوامل المؤثرة في نتائج دراسات أجرتها الوزارة أيضاً تربط ما بين ارتفاع درجة الحرارة وتأثر أنواع من الحيوانات الثديية والحشرات، من ضمنها الظباء والوعل النوبي والغزال المصري. وتشير النتائج إلى أن نسبة 80 في المئة من الحيوانات محل الدراسة ستفقد أماكن انتشارها الحالي، في حين ستنقرض بعض الأنواع (4).

خسائر الصيادين

تأثير التغيرات المناخية امتد ليطول الحياة البحرية في مصر أيضاً. من مظاهرها الخطيرة ابيضاض الشِعب المرجانية بالبحر الأحمر، بمعنى زوال ألوانها، وهي ظاهرة ترتبط ارتباطاً مباشراً بارتفاع درجة الحرارة، وتهدد سياحة الغوص في تلك المنطقة، حيث تحتوي مصر على أكثر من 200 نوع من الشعاب المرجانية، تعد عاملاً أساسياً للجذب السياحي.

وفي دراسة (5)  أجريت لقياس تلك الظاهرة والربط بينها وبين الإجهاد الحراري لصيف عام 2020، تم مسح عدد من المستعمرات البحرية على طول سواحل البحر الأحمر تمثل 37 في المئة من إجمالي الغطاء المرجاني. بينت الدراسة أن نسبة الابيضاض بالشعاب المرجانية وصلت إلى 32.7 في المئة، علماً بأن الشعاب المرجانية بالبحر الأحمر، وحسب وصف الدراسة، تُعد من الأنواع المقاوِمة لارتفاع درجات الحرارة بوجه عام.

رصد المعمل المركزي للمناخ الزراعي بمصر عدداً من الظواهر المناخية المؤثرة على الأمن الغذائي في 11 محافظة، خلال الفترة ما بين عام 1990 إلى عام 2015، شملت العديد من المحاصيل الأساسية. 

أما الصيد فكان من ضمن المهن التي تأثرت بشكل مباشر جراء التغيرات المناخية التي خفضت من إنتاجية الأسماك وبخاصة في البحيرات، علماً بأن مهنة الصيد في حد ذاتها لا تتمتع بأي حماية قانونية أو اجتماعية في مصر، وأفرادها من محدودي الدخل، ليس لديهم دخل ثابت وينتظرون ما تجود به شباكهم بشكل يومي.

تشهد بحيرة "البردويل" بشبه جزيرة سيناء تناقص أعداد الأسماك من عام إلى آخر، وبالتزامن يتناقص عدد الصيادين الذين يهجرون مهنةً توارثوها لأجيال هرباً من انقطاع الرزق. وثقت ذلك دراسة (6) صدرت عام 2020 عن "مركز بحوث الصحراء"، وتناولت الآثار الاجتماعية والاقتصادية لتغير المناخ بالبحيرة.

شملت الدراسة عينة من 339 صياداً تأثر أكثر من ثلاثة أرباعهم اقتصادياً من جراء نقص أعداد الأسماك بالبحيرة. وقد أعربت نسبة 50 في المئة من العينة عن تأثر معيشتها بدرجة شديدة.

وكان للعامل المادي أثره في هجرة مهنتهم، حيث تراجعت أعداد الصيادين حول بحيرة "البردويل" من 3841 صياداً عام 2008، إلى 2396 صياداً عام 2017، فيما قل نصيب مركب الصيد الواحدة من 4.39 طن من السمك، إلى 3 أطنان.

وجدت الدراسة أيضاً علاقة مباشرة بين ارتفاع نسبة الرطوبة ومتوسط درجات الحرارة وبين انخفاض الإنتاج السمكي للبحيرة، من 3860 طن عام 2000 إلى 2160 طن عام 2018.

كما يشكو عدد من الصيادين بمناطق أخرى أيضاً من زيادة أعداد سمكة الأرنب التي تأكل الأسماك الأخرى وتهاجم مراكبهم المتواضعة وشباكهم، مخلفة أضراراً تزيد من أعبائهم المادية، وهي سمكة سامة محرم صيدها، وينطبق عليها المثل المصري الشهير "لا خير.. ولا كفاية شر". علماً بأن تلك السمكة أيضاً تعد من عوامل التغير المناخي فهي لم تكن موجودة في مصر، لكنها وصلت إلى مصر من منطقة الخليج، ومنها إلى البحر الأحمر، وفقاً لتصريحات (7) سابقة للدكتور عادل شاهين أستاذ أمراض الأسماك والاستزراع السمكي بجامعة بنها.

فقر مائي

تعتمد مصر في مواردها المائية على نهر النيل بشكل أساسي بنحو 97 في المئة، وحتى من قبل الشروع في بناء "سد النهضة" في أثيوبيا، تعاني مصر من فقر مائي نتيجة الزيادة السكانية المطردة، والتوسع العمراني والحضري، والعوامل المناخية المتمثلة في ازدياد درجة الحرارة ونوبات الجفاف مع تذبذب كمية الأمطار في منطقة حوض النيل، حيث أثبتت دراسة صادرة عن "الاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي" أن مصر من الدول التي تتأثر بالعوامل المناخية المذكورة بجانب شمال السودان.

خلال عام 2010، وبسبب ارتفاع متوسط درجات الحرارة بـ 2.2 درجة مئوية، انخفض محصول القمح، وإنتاجه يوجه بالكامل إلى الاستهلاك المحلي حيث يساهم في الاكتفاء الذاتي بنسبة تزيد عن 54 في المئة من إجمالي الاستهلاك. قبل ذلك وتحديداً عام 2008، تسببت الموجة الباردة في كانون الثاني / يناير بأضرار طالت العديد من المحاصيل، أهمها الحمضيات والفاصوليا والموز والطماطم. 

وحسب تقديرات "تقرير التنمية البشرية بمصر" عام 2021، الصادر عن وزارة التخطيط، انخفض نصيب الفرد من المياه العذبة من 900 متر مكعب سنوياً عام 2000، إلى 640 متر مكعب عام 2015، ويرجع ذلك الانخفاض بجانب العوامل المناخية المشار إليها، إلى معدل الزيادة السكانية المرتفعة التي تصل 1.9، ما يؤدي إلى الضغط على موارد البلاد الطبيعية التي من ضمنها الموارد المائية.

 ومن المتوقع أن يصل نصيب الفرد إلى 500 متر مكعب بحلول عام 2030، ليصل بذلك إلى نصف نسبة حصة الفرد المناسبة التي قدرتها الأمم المتحدة، وهو أمر سيصعب مواجهته إذا لم يتزامن مع تخفيض نسبة الإهدار السنوي من المياه، وإيجاد بدائل مائية أخرى، إضافة إلى الوصول إلى صيغة تفاهم مع الدول العشر التي يمر عبرها النيل، كبديل عن الانسحاب من مبادرة حوض النيل عام 2010.

وقدر البنك الدولي عام 2017 عدد الوفيات في مصر بسبب عدم توفر المياه النظيفة والصرف الصحي بثمانية آلاف حالة، من جراء أمراض الإسهال والتيفوئيد والبلهارسيا وغيرها.

وسينعكس شح المياه بالضرورة على تقليص المساحة المزروعة للعديد من المحاصيل من أبرزها الأرز، الذي يروى بطريقة الغمر، وهي طريقة تستهلك الكثير من المياه بالمقارنة بالمحاصيل الأخرى، والتي قدرت عام 2018 بـ 0.88 مليار متر مكعب من المياه.

وعلى الرغم من كون التصدير للخارج من محصول الأرز يصل إلى 625 ألف طن، إلا أن المزارعين فوجئوا بقرارات التقليص والمنع من قبل وزارة الزراعة ووزارة الموارد المائية. فخلال عام 2018 امتد المنع ليشمل 18 محافظة، من بينهم محافظات القاهرة والجيزة ومحافظاتٍ بالوجه القبلي.

 والأرز مكوّن أساسي في الموائد المصرية، وارتفاع سعره المتكرر يزيد من أعباء ميزانية الأسر المتوسطة والفقيرة، ما دفع النائب تامر عبد القادر إلى التقدم بطلب للبرلمان للسماح لأهالي محافظة الوادي الجديد - من المحافظات الممنوعة - بزراعة الأرز بالمياه الجوفية، وذلك لتوفير احتياجات المحافظة من الأرز فقط.

ينعكس انخفاض إنتاجية المحاصيل الأساسية بسبب التغيرات المناخية على زيادة أسعارها، لترهق بذلك ميزانية الطبقات المتوسطة والفقيرة، يتزامن ذلك مع وجود فجوة سوء تغذية بمصر، وهو العامل المتسبب في ثلثي وفيات الأطفال وفقاً لتقديرات منظمة يونيسيف.  

وربما تحمل السنوات القادمة حلاً لإعادة السماح بزراعة الأرز في مصر، ففي تصريحات سابقة لرئيس المشروع القومي لتطوير الأرز الهجين والسوبر في مصر، أكد أن مصر اكتشفت سلالة جديدة تسمى سخا سوبر 300، تروى بالطرق العادية بعيداً عن طريقة الغمر المهدرة للمياه (8).

السيول

بالمقارنة بدول الجوار الأفريقي، لا تعد السيول مشكلةً دائمة في مصر، لكنها بين عام وآخر تصيب مناطق بعينها دون سابق إنذار، وتصنف ضمن الظواهر المتطرفة الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة كمظهر من مظاهر التغيرات المناخية وفقاً للتقرير المحدث الأول لمصر (9) والمقدم إلى الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ.

ومع عدم أخذ الاحتياطات المناسبة، وعدم جاهزية مخرّات السيول، تصبح النتيجة كارثية كما حدث في منطقة "سفاجا" التابعة لمحافظة البحر الأحمر أعوام 1977، 1994 و1997. وكان أقصى تلك السيول عام 1994، حيث تسببت في تدمير 5 آلاف منزل وتشريد 406 أسرة، إضافة إلى قطع الطرق وتوقف العمل في المناجم والمحاجر بالمنطقة.

تشير بيانات منظمة يونيسيف إلى أن مصر تصنف من ضمن 36 دولة يتركز فيها 90 في المئة من عبء سوء التغذية العالمي، فيما وصلت معدلات التقزم في مصر للأطفال دون سن الخامسة إلى 21 في المئة عام 2014.  

خلال عام 2010 تسببت أمطار غزيرة غير مسبوقة في وفاة 10 مواطنين وإجلاء 3500 مواطن من بيوتهم في منطقة سيناء وسواحل البحر الأحمر وأسوان، مخلفة خسائر قدرت وقتها بـ 25 مليون دولار.

ملوثات عالقة: موضوع الصحة العامة

هنا القاهرة.. واحدة من أكثر مدن العالم تلوثاً، بل أن هناك تقاريراً تؤكد كونها الأكثر تلوثاً، متقدمة بذلك على مدينة دلهي الهندية. جاء ذلك في تقرير (10) صادر عن إيكو إكسبرتس عام 2018، فيما نفته وزارة البيئة، وشككت في المقاييس التي اعتمد عليها التقرير.

 بدورها علّقت "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" أن مصادر المعلومات التي جاءت بالتقرير اعتمدت على جهات موثوقة، منها قاعدة بيانات منظمة الصحة العالمية لتلوث الهواء، وخريطة التلوث الضوئي، وأيضاً مؤشر ميمي للسمع، وأن التشكيك هنا في غير محله.

ونقلت ورقة بحثية صادرة عن "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" (11)، أن تلوث الهواء تسبب في وفاة 67 ألف مصري خلال عام 2016، كما تسبب في ضياع عامين من عمر كل مصري بسبب الاعتلال أو الإعاقة الصحية وقدر البنك الدولي في آخر تقرير صادر له عام 2019 بأن تكلفة المرض والوفيات المبكرة الناجمة عن تلوث الهواء وصلت إلى نحو 47 مليار جنيه في القاهرة الكبرى خلال عامي 2016 و2017، وتمثل نسبة 1.35 في المئة من إجمالي الناتج الكلي.

 ووفقا لـ "تقرير التنمية البشرية" الصادر عام 2021 فإن أمراض القلب تعد على رأس الوفيات الناتجة جراء تلوث هواء القاهرة، والتي تقدر بنحو سبعة آلاف حالة، وتمثل نسبة 59 في المئة من إجمالي عدد حالات الوفاة المرصودة بسبب التلوث.

 تصنف مصر أيضاً في المركز الـ 94 ضمن مؤشر الأداء البيئي عام 2020 من إجمالي 180 دولة، ويعتمد التصنيف بالقائمة على مدى التزام الدولة بوضع وتنفيذ الخطط البيئية، والاتجاه نحو اعتماد مصادر الطاقة النظيفة. وبالفعل فإن التغيرات المناخية باتت على قائمة الأجندة الحكومية مؤخراً، وهو أمر يحتاج لتفحص لمدى جديته ومطابقته للمطلوب.

وبالطبع، فإن آثار التغيرات المناخية في مصر هي نتيجة تراكمات العديد من العوامل على مدى عقود ماضية، لكن إذا لم تتصدَ لها البرامج الحكومية الآن، بالتخفيف من آثارها الحالية ووضع خطط مستقبلية، فإن سيناريوهات سيئة من الممكن أن تقع، أسوأها غرق أجزاء من منطقة دلتا النيل. 

محتوى هذه المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

______________________

1- ورقة بحثية بعنوان: تأثير التغيرات المناخية على الصحة العامة في مصر- صادرة عن مركز ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان عام 2022 . https://bit.ly/3RQ8J5H
2- صفحة مصر على موقع "يونيسف"، https://www.unicef.org/egypt/ar/nutrition
3- صفحة التغيرات المناخية على موقع وزارة البيئة المصرية - https://bit.ly/3ew0b6p     
4- المصدر السابق نفسه
5- دراسة ابيضاض الشعب المرجانية على طول الساحل المصري للبحر الأحمر خلال فترة الإجهاد الحراري في صيف ،2020 نُشرت بدورية "المجلة المصرية للبيولوجيا المائية والمصايد" الصادرة عن قسم علوم الحيوان بجامعة عين شمس - https://ejabf.journals.ekb.eg/article_196904.html                    
 6- دراسة اقتصادية واجتماعية لأثر التغيرات المناخية على الإنتاج السمكي من بحيرة البردويل في محافظة شمال سيناء - https://journals.ekb.eg/article_192045.html
 7- تصريحات دكتور عادل شاهين حول سمكة الأرنب-القراض، للقناة الأولى المصرية – أيار/ مايو 2022 - https://www.youtube.com/watch?v=Mgw1bTG1J88              
 8- تصريحات لرئيس مشروع تطوير الأرز ،حمدي الموافي، حول سلالات الأرز المحسّن – https://bit.ly/3T84NP6                            
 9 -https://bit.ly/3T2xFZq
10- تقرير ايكو اكسبرتس منشور في وكالة فوربس https://bit.ly/3EyIMEQ
11- ورقة بحثية بعنوان تلوث الهواء عبء صحي متزايد على المصريين - https://bit.ly/3TdCLRZ 

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه