تم دعم هذه المطبوعة من قبل مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المطبوعة أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.
تحكي النّساء قصصاً بلا نهاية، من غير أن يكُنّ وريثات شهرزاد، ومن غير أن يملك الرّجل في واقعهن سلطة وبطش شهريار. ولا تخرج القِصص عن دوّامة التفاوتات، ودائرة المفارقات في حيواتهن، من الأسرة إلى المدرسة، إلى الجامعة، إلى العمل، إلى الشّارع، إلى المسجد، إلى الفضاء الإلكتروني... كأنّ الأنوثة عار يلازمهنّ من جيل إلى جيل. وبما أنّه لا مفر من الجنس الذي وُلدن به، ولا مجال للعودة للوراء. يجدن أنفسهنّ أمام خيارات أحلاها مرّ. لا شيء سهل في حياة المرأة، ولا شيء طبيعي أو آمن.
كلّ شيء يُشّكل مصدر قلق، وخوف وتردد. فالآخر لا ينظر بعين الرضا إليها، ولا يُعجبه كونها أنثى. ويصبّ عليها ما عانى منه وما يعانيه، سواء كان شخصاً، أو جماعة من النّاس، أو المجتمع ككلّ. ومهما تقدّمت المرأة في تعليمها أو عملها، فإنّ ذلك لا يعفيها من طاحونة التفاوت بين ما يجب أن تعيش فيه وبه، وبين ما هو حاصل.
يُقدّم الموروث تاريخاً مما عاشته وتعيشه المرأة المغربية. بالنّظر إلى الثقافة الرائجة، وما تحفل به من أحكامٍ مُجحفة بحقّ المرأة. فلنأخذ على سبيل المثال الأمثال المغربية، باعتبارها لسان حال الجماعة، التي تروج تمثلات تعتقد استحالة الاعتماد على المرأة في بناء المجتمع، والأسرة على الخصوص، مثل: "دْيُورْ البْنات في الحِينْ خْلَات" (منازل الفتيات سرعان ما تخلو) وهو يُحيل إلى اعتبار المرأة على الدوام عنصراً غير قار في البيت، وتابعاً للرجل. وإذا كانت الحياة المعاصرة قد أثبتت سخف ذلك، بالنّظر إلى عدد الأسر التي تُعيلها النساء. وفاق عددها عام 2020، مليون أسرة، بنسبة أسرة من بين ستّة أسر. وبلغ عدد الأسر في المغرب في العام نفسه أكثر من ثمانية ملايين أسرة حسب وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة.
بعد سعي كبير، انتصرت السّلاليات عام 2019، فأصدرت وزارة الداخلية بلاغاً ينصُّ على تعميم قرار الاعتراف بأحقيتهن "في الاستفادة من أراضي الجموع". لكن لا يزال بعض الرجال يرفضون تسليمهن نصيبهن في الميراث.
وإذا كانت هناك أمثال أخرى معارضة، من قبيل "الرّجل بلا مرا بحال الطّعام بْلَا مْلحَة"، لكن يبقى الطّعام هو الأصل، والملح مُنكّه قد لا يُطاق الطّعام من دونه، لكنّه قائم في جميع الأحوال. ولعلّ الواقع المعاصر الذي أثبتت فيه المرأة المغربية جدارتها، يكفي ليوضح أنّ هذه الأمثال كانت أحكاما مسبقة، وتصوّرات عتيقة. وعلى الرغم مما برهنت عليه المرأة منذ زمن بعيد من قدرات، إلّا أنها ما تزال تعاني كذلك من التفاوت الكبير بين ما تحظى به، وما منحهُ إيّاها القانون. فعلى الرغم من تقصيره في جوانب معينة، إلّا أنه يُعدّ ضمن الأكثر تطوّراً بين القوانين العربية، من ناحية حماية حقوق المرأة.
قانون الأسرة وواقع المطلّقات
بقدر ما يلفتنا تقدّم النصوص القانونية وتجاوزها للواقع القائم، يصدمنا أنه لم يتم الحرص على تحويل هذه القوانين من نصوص، إلى إجراءات تنجح في حماية حقوق المرأة على الأرض، لا على الورق. وفي بحثنا عن مظاهر اتساع الهوة بين القانون والواقع، نبدأ من قوانين الطّلاق والزواج، ومسارهما بين القانون والواقع. إذ لم يكن الزّواج والطلاق يمران إلّا على يَديْ العدول (المأذون)، ولم تكن المحاكم في أغلب الحالات تتدخّل في حل المشاكل الأسرية. لكن بعدما بدأت بنية المجتمع المغربي بالتطوّر، ومع التغيرات التي عرفتها مدونة الأسرة الصادرة في 5 شباط/ فبراير 2004، التي وفّرت حقوقاً إضافية للنّساء، أصبحت محاكم الأسرة هي المُكلفة بالفصل في إجراءات الطلاق.
تتركّز أنواع الطلاق الأكثر شيوعاً، في ثلاثة هي: الطلاق الاتفاقي، عندما يكون الزوجان على وفاق فيما يخص إنهاء العلاقة بينهما، وفقاً لشروط معينة والتي لا يجب أن تعارض ما جاءت به مدوّنة الأسرة. وهنالك التطليق بالخُلع، ويتمّ عندما يتفق الطرفان على الطلاق، لكنهما على خلاف فيما يخصّ الإجراءات المرافقة، ولهذا يكون للمحكمة الفصل في الأمر. وعلى عكس ما عُرف به طلاق الخلع في دول أخرى، حيث تتخلى المرأة عن حقوقها لإعتاق نفسها، ففي المغرب، لا يوجد تخلٍّ عن الحقوق قانونياً، حيث يحقّ للمرأة طلب الطلاق والحصول على حقوقها معاً. ويُسمّى هذا بطلاق الشّقاق، وهو النوع الثالث. هذا لا يمنع من وجود حالات تتخلّى فيها المرأة عن حقوقها لتسريع إجراءات الطلاق، لأنّها تعرف أن الزوج سيماطل لتفادي منحها تلك الحقوق.
بشكل عام، لم يعد الطلاق في المغرب يخضع للأحكام الشرعية، حيث لا يتمُّ إلاّ عبر الإجراءات القانونية، وغير ذلك لا يُعتّد به. وعلى الرّجل سلوك القواعد القانونية نفسها التي تسلكها المرأة لطلب الطلاق. الفرق الوحيد، يتمثل في تحديد المحكمة لمبلغ كافي يودعه الزّوج بصندوق المحكمة، لتغطية مستحقات الزوجة والأطفال، كشرط ضروري للإذن بتوثيق الطلاق لدى عدلين (يقومان مقام المأذون).
بقدر ما يلفتنا تقدّم النصوص القانونية وتجاوزها للواقع القائم، يصدمنا أنه لم يتم الحرص على تحويل هذه القوانين من نصوص إلى إجراءات تنجح في حماية حقوق المرأة على الأرض، لا على الورق. وقد وفرت مدونة الأسرة الصادرة في 5 شباط/ فبراير 2004، حقوقاً إضافية للنّساء، وأصبحت محاكم الأسرة هي المُكلفة بالفصل في إجراءات الطلاق.
في الحالات الأخرى، يكون الطلاق القضائي هو الحل، حيث يقوم القاضي حسب قوانين المدونة، بتحديد إجراءات التّطليق، لتعذّر الاتفاق بين الزوجين. وحسب إحصاءات وزارة العدل عام 2020، فإنّ نسب الطلاق الاتفاقي بلغت 80 في المئة. وإذا كان الحصول على الطلاق بالنسبة للمرأة المغربية أمر في متناولها، فإنّ حقوقها في هذا الطلاق، هي المشكلة الأكثر إيلاماً. حقوقها، وحقوق الأبناء الذين تمنحُها مدوّنة الأسرة حضانتهم. وهو الحق الذي يسقط في حالة زواجها، إلّا في حالات محددة، حيث تحقّ الحضانة للأب، إلّا إذا سكت مدة سنة بعد علمه بالزواج، حينذاك تُسقط حضانته. بشكل عام، معظم الرجال يميلون إلى إهمال أولادهم بعد الطّلاق، من أجل تكوين أسرة جديدة، مع التخلّي عن أداء النفقة للأبناء. وللقاضي أن يقدّر حجم النّفقة حسب المدخول الشّهري للأب. ومعظم الأحيان يكون المبلغ أقل من الواجب. مع ذلك، يتهرب معظم الآباء من دفع نفقة أبنائهم.
كما أن مسألة الإرث تُطرح بشكل مناسباتي للنقاش العام. وبسبب مقاومة المجتمع يتم التغاضي عنها. ويُمثل البيت لبّ الموضوع، فعندما يتوفّى الأب من دون أبناء ذكور، يشارك الأعمام بناته في الميراث. فيُباع المنزل من أجل تقسيم العائد على الورثة، وتجد البنات أنفسهن - وحتى الزّوجة - في الشارع من دون سكن. ولعل معركة "النساء السُّلاليات"، دليل على إمكانية تغيير هذا الواقع. وتنحدر هؤلاء النساء من قبائل تعتبر أنّ زواجهن من غرباء يُضيع حقهن في أرض آبائهن. وتمتلك أراضي الجماعات السلالية مجموعة من الأشخاص تجمعهم القرابة العائلية أو السلالة، وتُسيّر طبقاً للأعراف من قبل أرباب العائلات المكوِّنة للجماعة. وبعد سعي كبير، انتصرت السّلاليات عام 2019 بعد أن أصدرت وزارة الداخلية بلاغاً ينصُّ على تعميم قرار الاعتراف بأحقيتهن "في الاستفادة من أراضي الجموع". لكن لا يزال بعض الرجال يرفضون تسليمهن نصيبهن في الميراث.
زواج القاصرات والتعدد: سلطة القاضي تفرّغ القانون من جدواه
على الرغم من أن القانون يمنع تعدد الزوجات وزواج القاصرات، لكنه يترك لهما استثناءات قليلة بإذن القاضي. وما يحدث هو أن الاستثناء يتمدّد. فزواج القاصرات رائج. والتعدد قائم بفعل الاحتيال على القانون، أو بالضغط على الزّوجة، أو بالرشوة. وعام 2020، وصلت نسبة زواج القاصرات إلى 7 في المئة من مجموع عقود الزواج، حسب وزارة العدل. وهناك مؤشر آخر على زواج القاصرات، هو معدل الإنجاب السنوي، حيث مثلت الفتيات ما بين 15 و19 سنة قرابة 20 في المئة من الولادات عام 2018، حسب وزارة الصّحة. فيما بلغت نسبة تعدد الزوجات 0,3 في المئة عام 2020 من مجموع عقود الزواج. وهذا عدا الحالات التي تتم عن طريق التّحايل، باستخراج شهادة عزوبية من مدينة أخرى، غير المدينة التي تقيم فيها الزوجة الأولى والتي تم عقد القِران الأول فيها، وبالتواطؤ من أجل ذلك مع أعوان وزارة الداخلية، أو بتهديد الزّوجة الأولى بالطلاق، خاصة إذا لم تكن تنجب. ويُصبح الخوف من الخروج إلى الشارع، وفقدان المأوى سببا في الموافقة المُكرهة على التعدّد. بل إن الزوج يُحضِر الضرّة إلى البيت، لتشارك الزوجة الأولى السقف نفسه. إذ لا يقدم الأثرياء فقط على التعدد، بل في كثير من الأحيان، نجد ذوي الدخل الضّعيف، الذين لا يتمكنون حسب القانون من توفير مسكن مستقل للزوجة الثانية، يجمعون الزّوجتين في شقة واحدة.
العنف والتحرش الجنسي.. تنازلات بالجملة
تشير المعطيات المتعلقة بالعنف، إلى أن أكثر من نصف النساء يتعرّضن لشكل واحد على الأقل من العنف. وخلال سنة 2019 عانت أكثر من 7 ملايين امرأة، أي 57 في المئة، على الأقل من شكل واحد من العنف. ويظل الإطار الزّوجي الأكثر اتساماً بالعنف، كما يظل العنف النّفسي الشكل الأكثر شيوعاً بنسبة 46 في المئة من الحالات، ما يمثل 5 ملايين امرأة. يليه الفضاء التعليمي في المرتبة الثانية، بنسبة 22 في المئة من التلميذات والطالبات. أما في الوسط المهني، فقد بلغت نسبة النساء ضحايا العنف أثناء مزاولة عملهن 15 في المئة من النساء العاملات. وفيما يتعلق بالفضاء العام، تعرضت حوالي 13 في المئة من النساء لأشكال عنف في الشارع.
يقال أن وجود الفتيات في العائلة "عابر"؟ ولكن عدد الأسر التي تُعيلها نساء، وقد فاقت عام 2020، مليون أسرة، بنسبة أسرة من بين كل ستّة أسر التي بلغ عددها في العام نفسه ثمانية ملايين أسرة. وحتى حين تعمل الشابة، يستفيد الوالدان والإخوة من راتبها أكثر منها، على عكس الشباب الذين تشغلهم هواجس الاستقلالية والاستمتاع بالحياة والاستعداد لتكوين أسرة جديدة.
وعلى الرغم من وجود قانون ضد التحرش الجنسي، فهو عدا صعوبة تطبيقه، فإن تعريفه للتحرش الجنسي يعاني من إشكالات عديدة. من قبيل: هل يجب أن يتضمّن التحرش ألفاظا جنسية ليسمى تحرشاً؟ ماذا عن النّساء اللواتي يتلقين غزلاً غير مرغوب به، ويتعرضن للمطاردة في الشارع؟ إلى أي قانون سيلجَأْن؟ كما أنّ الإعلان عن التعرض للعنف لا يتم بسهولة. ولعل هذا أخطر ما في العنف، أي عدم اعتراف النساء بحدوثه، إما خوفا من عدم التصديق، أو من العقاب أو لشعورهن بالعار بسبب ما تعرّضن له. من جهة أخرى، أثارت مؤخراً حادثة كشف جسد فتاة في الشارع، الرأي العام في المغرب، لأنها وُثّقِت. وبعد اعتقال المجرمين تخلّت الفتاة عن المتابعة القضائية، بعد تدخلات أدّت إلى حصولها على تعويض مالي. مما يطرح مسألة حماية الفتيات من تدخل العائلات من أجل الالتفاف على الجرائم، ومن يحميهن من الآثار النّفسية بعد تنازلهن؟ وأين القانون الذي يجب أن يُطبق، ويحول أن يجري تنازل الضحية - أو عائلتها بالأحرى، فهي عادة من يتولى المسؤولية عن ملف الضحية - بل يواصل الإجراءات القانونية. غالبا ما تأخذ الأسرة النقود، وتعاني الضّحية وحدها من الآثار النفسية للجريمة، وإفلات المجرم من العقاب.
تفوق في الدراسة وحضور ضعيف في سوق العمل
تثبت الأرقام تحسناً كبيراً على مستوى ولوج الفتيات والشابات إلى التعليم، وتفوقهن في المعدلات على الذكور. لكن لم نشهد بعد هذا الحضور الكثيف للنّساء في سوق العمل، وما زال معظمهن يعانين من البطالة، أو البطالة المقنعة التي تعني أنهن يزاولن مهناً هامشية لا تليق بمؤهلاتهن. ومن خلال الأرقام نلاحظ أن معدل إتمام الدراسة للفتيات، عام 2019، حسب المستوى الدراسي، يصل في السلك الابتدائي إلى 97 في المئة منهن، وهي تفوق نسبة الذكور التي تبلغ 93 في المئة منهم. وفي المستوى الثانوي، تصل نسب الفتيات إلى 53 في المئة، أي أنّ قرابة نصف الفتيات فقط يكملن دراستهن إلى البكالوريا. لكن مقابل ذلك، نلاحظ أن نسبتهن أفضل من نسبة الذكور التي تصل إلى38 في المئة فقط من المتمدرسين. وعلى الرغم من هذا التفوّق الواضح في الأرقام لصالح الفتيات، على عكس ما كان سائداً سابقاً، إلّا أن أسباب الانقطاع عن الدراسة تكون أسرية غالباً، لمساعدة عائلاتهن في العمل المنزلي أو في الحقول بالقرى، ونسبة منهن تنقطع من أجل الزواج. بينما ينقطع نصف الشباب عن الدراسة غالباً للعمل بالطبع، أو لأنهم لم ينسجموا جيداً في المدرسة، ولصعوبات في التعلّم.
لم يعد الطلاق في المغرب يخضع للأحكام الشرعية، فلا يتمُّ إلاّ عبر الإجراءات القانونية، ولا يُعتدّ بغيرها. وعلى الرجل سلوك القواعد القانونية نفسها التي تسلكها المرأة لطلب الطلاق. الفرق الوحيد يتمثل في تحديد المحكمة لمبلغ كافٍ يودعه الزّوج بصندوق المحكمة، لتغطية مستحقات الزوجة والأطفال، كشرط ضروري للإذن بتوثيق الطلاق. وفي العام 2020، بلغت نسب الطلاق الاتفاقي 80 في المئة.
ولمعرفة حجم المسؤولية على النساء العاملات اللواتي يشكلن 20 في المئة من مجموع العاملين في البلاد، تقول إحصائيات عام 2020، التي أصدرتها في الأسابيع الماضية "المندوبية العامة للإحصاء"، في تقريرها عن وضعية النساء، أن 43 في المئة منهن مطلقات. ويفسر ذلك بارتفاع نسب الطلاق عموماً، ولأنّ نسب الزواج الثاني للمطلقات ضعيفة، خاصة إذا كان لديهن أولاد، كما أن نسبة منهن لم تكن ضمن القوة العاملة خلال مرحلة الزواج، واضطُررن للعمل بعد ذلك في ما يتوفر من مهن بسيطة، لأنهن لا يحملن مستوى تعليمياً مرتفعاً. بينما تقول الملاحظة المجردة إن المرأة أكثر تحملاً لمسؤولية أسرتها من الرجل. فحين تعمل الشابة يستفيد الوالدان والإخوة من راتبها أكثر منها، على عكس الشباب الذين تشغلهم هواجس الاستقلالية والاستمتاع بالحياة والاستعداد لتكوين أسرة جديدة.
نلاحظ ارتفاع عدد الفتيات والنساء في التعليم العالي لتصل إلى نسبة 52 في المئة من مجمل الطلاب عام 2019، بعد أن كانت 42 في المئة سنة 2016، وكذلك ارتفاع نسبهن في التعليم المحدود الاستقطاب (الهندسة، الطب)، إذ تشكل نسب الفتيات عام 2019، ضمن طلبة الطب والصيدلة 67 في المئة، و73 في المئة في طب الأسنان، و59 في المئة في العلوم والتقنيات، و60 في المئة في التجارة والتسيير. ويرجع عدم انعكاس ذلك التفوق على مستوى سوق الشغل، إلى كون هذه النسب حديثة ولم تصل إلى مقاعد العمل بعد. فيما يظهر معدل الشّغل بالشهادات، أن أكثر من ربع النساء العاملات لديهن مستوى تعليمياً عالياً، ونسبتهن أكبر بفارق ضئيل من العاملات بدون شهادة أو بمستوى تعليمي متوسط.
من جهة أخرى، أصدر خبراء من البنك الدولي تقريراً يُحلّل أسباب ضعف مشاركة المغربيات في سوق الشغل، خلص إلى نتائج منها أن معدل مشاركتهن من بين أقل المعدلات في العالم، على الرغم من ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للفرد، وانخفاض معدل الخصوبة، وتحسن فرص التعليم. بذلك يحتل المغرب المركز 180 ضمن 189 بلداً، وذلك يعني أن 78 في المئة من المغربيات بين 15 و65 سنة، لا يعملن أو لا يبحثن عن عمل.
وحسب خبراء البنك الدولي، فالمغرب يتوفر على سوقين مختلفتين للعمل: الأولى في المناطق الحضرية، حيث يرتفع معدل التشغيل والمشاركة من الجنسين، والثانية في المناطق القروية، حيث يرتفع معدل عدم عمل النساء بأجر ارتفاعاً حاداً. مع العلم أن العمل المتاح في القرى يكاد يقتصر على الأعمال الزّراعية، في ضيعات كبرى، بأجرة يومية. وبعضهن يعمل في تعاونيات فلاحية تُصنّف ضمن الاقتصاد التضامني، أو ضمن نطاق الأسرة. وعن أسباب هذا الوضع، يشير المحللون إلى أنه كلما حصل رب الأسرة على تعليم أفضل، زاد احتمال أن تظل المرأة خارج قوة العمل، كما أن الزواج يحد أيضاً من احتمال المشاركة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن السّلوكيات التقليدية تجاه عمل المرأة، تساهم في تكريس هذا الوضع.
فيما نلاحظ على مستوى المهن البسيطة، التي تعرف الحجم الأكبر للتفاوت في ساعات العمل والأجور، تفضيل المصانع للعاملات على العمال، لسهولة استغلالهن بأجور ضعيفة، وبدون حقوق على الإطلاق. إذ بلغت نسبتهن في القطاعات الاقتصادية عام 2020 ما يفوق 31 في المئة في الفلاحة والصيد، و25 في المئة في الصناعة بما فيها الصناعة التقليدية، و19 في المئة في قطاع الخدمات.
لمعرفة حجم المسؤولية على النساء العاملات اللواتي يشكِّلن 20 في المئة من مجموع العاملين في البلاد، تقول إحصائيات عام 2020، أن 43 في المئة منهن مطلقات. ويفسر ذلك بارتفاع نسب الطلاق عموماً، ولأنّ نسب الزواج الثاني للمطلقات ضعيفة، خاصة إذا كان لديهن أولاد.
ولا تلفتنا قلة الأجور، بل انعدامها. فـ 35 في المئة من النساء النشيطات يعملن بلا راتب. وهو العمل البيتي والاعتناء بالأسرة، والاعتناء بالوالدين، أو مساعدة الأب أو الزوج في العمل في المقاولات العائلية الصغيرة، حيث لا يتقاضين أية أجور. ويشير تقرير المندوبية السامية للتخطيط، إلى أن النساء، مع العمل خارج البيت، يواصلن تحمل أعباء العمل المنزلي من خلال أكثر من 4 ساعات يومياً.
النساء في مناصب المسؤولية: الشجرة التي تخفي الغابة
ماذا عن النساء في مناصب القرار؟ لعل تعيين 7 وزيرات في الحكومة المغربية الجديدة - أصبحن 6 بعد ذلك بأيام - قد يمثل معطى إيجابياً، لكنه في الواقع ليس كذلك. فمعظمهن لا يتولين وزارات مؤثرة. وبالنظر إلى تعليمهن بالخارج، وانتمائهن الحزبي، وعدم اقترابهن من الفئات الأكثر فقراً، ومن خلال تجارب سابقة، فإنه لا يُتوقع أن يقمن بأي تغيير بخصوص حقوق النساء في المساواة أو في مستويات التفاوت بين النساء والرجال في المغرب، سواء من خلال صناعتهن للقرار، أو في تقديم إضافة نوعية للحضور السياسي للنساء. ومن الناحية العددية، تشير الإحصائيات إلى أن نسبة النساء بين أعضاء الهيئة التشريعية والمنتخبين، عام 2020، لم تتجاوز 13 في المئة. على الرغم أن نسبة الوزيرات بلغت 29 في المئة عام 2021. وهو تقدم ملحوظ على المستوى الكمي، ولكنه لا يعكس بالضرورة تغيّر الخارطة السياسية من ناحية التمثيل الجندري. وبالنسبة للبرلمان، حصلت النساء عام 2020 على 24 في المئة من المقاعد. لكن حين نرى أن عدد المترشحات بلغ 34 في المئة عام 2020، نعرف أنه بالمقارنة مع عدد المرشحات، فإنّ الناخب لم يثق في نسبة مهمة منهن، بينما صوت لصالح 76 في المئة من الرجال من أصل 66 في المئة من المرشحين. مع العلم أن نسبة النساء هذه تدخل فيها المقاعد المحصل عليها بنظام "الكوتا". أي أن نسبة مهمّة منهن، تنافسن بينهنّ على مقاعد محسومة للنساء مسبقاً، بينما فازت قلة منهن في لوائح مختلطة بين الجنسين.
وتصل نسبة النساء في مناصب المسؤولية القانونية بالإدارة العمومية عام 2019، حسب وزارة الداخلية، إلى 24 في المئة كرؤساء مصلحة، و15 في المئة كرؤساء قسم، و12 في المئة في منصب مدير، وهذه أعلى المناصب في أي وزارة مغربية تحت سلطة الوزير، بما يقدم صورة وافية عن ضعف تقدم النساء في السلم الوظيفي، على قدم المساواة مع الرجال. مع العلم أن التقدم الكمي لا يعكس دائماً حضوراً قوياً. فإذا كانت نسب النساء في الهيئات الدبلوماسية لا تتجاوز25 في المئة، فإنهن لا يبرزن إلا نادراً ومن خلال نماذج قليلة.
فيما بلغ عدد النساء في "المجالس العلمية" المشرفة على الشأن الديني إلى جانب الوزارة المعنية، 96 امرأة مقابل 592 رجلاً عام 2020 حسب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. بمعنى أن التفاوت مستمر في مجال الحضور الديني للمرأة في مجتمع متدين، وفي مجالس تُعد هي المشرفة على خطب الجمعة في المساجد، وعلى مواكبة التعليم الديني في كل منطقة. حيث يمكن لحضور النساء أن يعزّز نظرة المجتمع إليهن، من خلال الحرص على حفظ حقوق النساء في الخطب الدينية، وفي الفتاوى. وتوازي مهامهن مهام الرجال في المجلس ما عدا خطبة الجمعة، حيث جلّ الأعضاء الرجال هم خطباء جمعة، بينما يُعهد للنساء مهام الوعظ والإرشاد لبنات جنسهن... مع المساهمة في دروس محو الأمية في المساجد.
نسبة النساء من الذين يقيمون وحدهم والبالغين 65 سنة، يتجاوز65 في المئة. بينما تبلغ نسبتهن 3 في المئة فقط من الساكنين وحدهم في عمر30 سنة: لا يسمح للشابات بالاستقلال، بينما تترك المتقدمات في السن وحدهن! ولا تُعيد جل النساء الأرامل والمطلقات الزواج، وينتهي بهن الأمر وحيدات، في وقت لا يمثل الرجال الوحيدون في هذه السن سوى 16 في المئة.
هناك قانون ضد التحرش الجنسي، لكنه عدا صعوبة تطبيقه، فتعريفه للتحرش الجنسي يعاني من إشكالات عديدة: هل يجب أن يتضمّن التحرش ألفاظا جنسية ليسمى تحرشاً؟ ماذا عن النّساء اللواتي يتلقين غزلاً غير مرغوب به، ويتعرضن للمطاردة في الشارع؟ إلى أي قانون سيلجَأْن؟ كما أنّ الإعلان عن التعرض للعنف لا يتم بسهولة... ولعل هذا أخطر ما في العنف.
وتقول الأرقام إن نسبة القاضيات سنة 2020، وصلت إلى قرابة 25 في المئة من القضاة في المغرب. ووصل عدد المحاميات عام 2020 إلى 24 في المئة، متقدماً بشكل طفيف عن 2010 حيث كانت النسبة 20 في المئة. أي أنه خلال عشر سنوات ارتفع عدد المحاميات بنسبة 4 في المئة فقط حسب إحصائيات وزارة العدل. من جهة رئاسة النساء للمقاولات أو الشركات، تقول إحصائيات 2019، إن نسبتهن 12 في المئة فقط. ومعظم هذه الشركات يدخل ضمن المقاولات الصغيرة جداً.
وباختصار يمكن الانطلاق من حضور المرأة في سوق العمل، ودورها فيه لمعرفة رفاهية أي مجتمع. إذ لا تستفيد المرأة من عملها مادياً فقط، بل في المردود المعنوي، والتقدير الذي تناله بسبب مسؤوليتها الاقتصادية داخل الأسرة، وقدرتها على اتخاذ القرارات، والاستقلالية التي تمنحها إياها هذه القدرة. من جهة أخرى، كلما كان العمل ثابتاً، وناتجاً عن تكوين مهني، وخبرة عملية مهمة، كانت مكانتها أقوى. بينما تقع العاملات في المصانع والفلاحة في درجة أدنى، لعدم ثبات العمل وقلة مردوديته، مما يحدّ من شعورها بالأمان الوظيفي، وبحجم مشاركتها في اتخاذ القرار داخل الأسرة.
وحدة مفروضة: التفاوت في حق الحصول على شريك
لا تنحصر مظاهر التفاوت في وضعية المرأة في المجالات العملية، فالحق في الزواج وتكوين أسرة، والحصول على شريك، لا يستجيب له المجتمع بالنسبة لفئة كبيرة من النساء. وهو أمر لا يمكن للقانون التدخل فيه، بل يعتمد على الوعي الاجتماعي، وتغيّر نظرة المجتمع إلى المرأة في كل مراحلها العمرية، وظروفها الاجتماعية.
"نكدية".. الحيلة المخيفة لتكميم أفواه النساء
16-12-2021
لبنان: ولكن أين كلّ تلك الحرية والمساواة؟
14-12-2021
تشير الإحصاءات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، الخاصة بعام 2020، إلى أن نسبة النساء بين الأشخاص الذين يقيمون وحدهم، والبالغين 65 سنة، يتجاوز65 في المئة. بينما تبلغ نسبتهن 3 في المئة فقط من الساكنين وحدهم في عمر30 سنة، حيث لا يسمح للشابات بالاستقلال، بينما تترك المتقدمات في السن وحدهن. ولا تُعيد جل النساء الأرامل والمطلقات الزواج، وينتهي بهن الأمر وحيدات، في وقت لا يمثل الرجال الوحيدون في هذه السن سوى 16 في المئة. وتمثل نسبة النساء بين الأرامل الذين يفوق سنهن 60 سنة، 91 في المئة، بينما يمثل الرجال نسبة 8 في المئة فقط!
محتوى هذه المطبوعة هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.