تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.
أعلنت وزارة الصحة المصرية في الثامن من شهر أيار/ مايو وصول عدد المصابين في مصر بفيروس كورونا إلى ما يزيد عن 236 ألفاً، من ضمنهم 1123 مصاباً بيوم الإعلان نفسه. أما إجمالي [1] عدد الوفيات فهو 13845.
رقم صعب، لا يمكن قراءته في منأًى عن تصريحات مبكرة لوزير التعليم العالي خلال ذروة الموجة الأولي حزيران/ يونيو 2020، والتي قال فيها إن عدد الإصابات الحقيقية في مصر لا يقل عن 5 أضعاف العدد المعلن، وأرجع ذلك إلى عدم إمكانية عمل مسحات كاشفة لكل المواطنين، وأنه وبناءً عليه، يستعيض العالم كافةً بنموذج إحصائي قادر على وضع تصور رياضي حول تسلسل الانتشار. ووفق تقديرات منظمة الصحة العالمية، فإن ما لا يقل عن 20 في المئة من المصابين بهذا الفيروس يحتاجون للرعاية الصحية المتوسطة والفائقة، و5 في المئة يحتاجون للوضع على أجهزة التنفس الاصطناعي.
وفى ضوء ذلك، يمكن القول أن عدد الإصابات في مصر حالياً قد لا يقل عن مليون و300 ألف مصابٍ، أي ما يزيد عن 1 في المئة من مواطني البلد، وفق ذلك النموذج الإحصائي. عشرات الآلاف منهم احتاجوا لتلقي خدمات صحية متنوعة، من خلال منظومة تعاني بالأصل من ضغوطات واسعة.
فقد جاء ضحايا كورونا لينضموا خلال عام واحد لأعداد أخرى لا يمكن حصرها بدقة، ولكن يمكن تلمّس مؤشرات هامة عنها. فوفق إحصاء رسمي أخير أعلن عنه القائمون على الخطة القومية لمكافحة السرطان بالعام 2016، فهناك إصابة بهذا الداء لـ113 مصريّاً من كل 100 ألف، أي أن العدد الإجمالي في ظل تعداد سكان مصر يشير إلى ما يزيد عن 100 ألف مواطن [2] . ويبلغ عدد من يترددون شهرياً على مراكز غسيل الكلى أكثر من 50 ألف شخص، ومن يعانون من التليّف الكبدي حوالي المليون، ومن يعانون من قصورٍ في عضلة القلب حوالي 1.8 مليون مريض. وتصل قوائم الانتظار المعلن عنها للجراحات العامة والعاجلة إلى 400 ألفٍ، مسجلة على قوائم الانتظار، خاصةً في ظل تزايد حوادث السير التي بلغت وفق إحصاء رسمي في العام 2020 وحده أكثر من 16 ألف حادثة. (جميع هذه الأرقام معلنةٌ وموثقة وفق جهات ذات صفة، منها "اللجنة القومية لمكافحة أمراض الكبد" و"الجمعية المصرية لأمراض الكلى"، وكذا التقارير الرسمية لمنظمة الصحة العالمية حول الوضع في مصر) [3] .
صدر في عام 1964 قانون التأمين الصحي الذي يقر بأحقية الجميع في الحصول على العلاج داخل مستشفيات الدولة، والذي شمل تحت مظلته 48 في المئة من المواطنين منذ انطلاقه وحتى الآن. إلا أن هذه النسبة المعتبرة والتي تضم كافة الموظفين الحكوميين وطلبة المدارس والجامعات، عكست على مدار السنوات مستوى شديد التواضع لنظام التأمين بما لا يوفر خدمة صحية حقيقية..
بالمقابل، هناك المخصصات المالية المتواضعة، والتي لم تزد أبداً عن 1.5 في المئة من مجمل الناتج القومي، بما يعادل 93 مليار جنيه، بينما ينص الدستور المصري على نسبة 3 في المئة منه. نعم هناك خطط معلنة للتطوير، يأتي أغلبها تحت مسمى "المبادرات الرئاسية للصحة"، إلا أنه في الوقت نفسه هناك شكاوى أصيلة مستمرة تتعلق بالقطاع الصحي في مصر، وهي بطبيعة الحال تفاقمت واتضحت ملامحها مع الفيروس المفزع. فكيف كانت المواجهة، وما نتج عنها؟
موجات واستعدادات
ثلاث موجات هو ما عاشته مصر حتى الآن. جاءت الانطلاقة أقرب للقوة، فمع نهاية الأسبوع الأول من آذار/ مارس 2020 أعلنت وزارة الصحة المصرية عن اكتشاف أول بؤرة للإصابة في باخرة سياحية بالأقصر، وأن عدد الإصابات يطال 45 شخصاً. تطور العدد سريعاً، ومعه انتقلت مصر من المرحلة الأولى لمواجهة الفيروس (مرحلة العدوى القادمة من الخارج) إلى مرحلة العدوى المحلية التي يمكن فيها الوصول لمصدر الإصابة. وعلى الرغم من تزايد أعداد البؤر، نشطت مجموعات التقصي، وهي المسؤولة عن النزول لمنطقة الإصابة، وتتبع تسلسل الانتشار وإجراء الفحوصات اللازمة. لكن بطبيعة الحال، ومع تأخر إعلان الحكومة عن مجموعة من الإجراءات الاحترازية اللازمة مثل إغلاق الطيران وحظر التجوال، انتقل معدل الإصابات إلى المرحلة الثالثة أي مرحلة العدوى المجتمعية التي لا يمكن عندها تحديد مصدر العدوى.
الجائحة في مصر: بين الطوارئ والاستثناء
07-08-2020
اقترب عدد الإصابات في مصر بداية نيسان/ أبريل 2020 من 1000 إصابة و66 وفاة، ومعه أعلنت وزارة الصحة عن خطتها للمواجهة بتجهيز 9 من المستشفيات للعزل تشمل 407 أسرّة رعاية مركزة، و346 جهاز تنفس صناعي، وذلك من أصل 30 مستشفى يتم ضمها تباعاً. كما تم اعتماد مستشفيات الحميات والصدر وعددها (46) كمستشفيات للفرز والإحالة، وتفرغ باقي المشافي لتقديم الخدمات الطبية العادية.
غير أنه سريعاً ما ظهرت المشكلات التي جعلت من الوصول لمستشفى العزل تحدّياً يسبقه على الطريق عددٌ من الخطوات المحفوفة بالنقص والخطر، فتزايدت مشاهد الضغط على المستشفيات خارج خريطة العزل مما أدى بدرجة ما إلى نوعٍ من الفوضى.
فعلى سبيل المثال، أعلن المعهد القومي لعلاج الأورام السرطانية إغلاقه مؤقتاً بعد اكتشاف إصابة 15 من الطاقم الطبي بكورونا. جاء ذلك بعد أسبوع من انتشار مقاطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي لممرضين بالمعهد، وأهالي مرضى يشتكون من اشتباه بإصابات عدة داخل المعهد، وعدم موافقة الإدارة على إجراء الفحوصات اللازمة للعاملين. أيام قليلة كانت كافيةً لتفاقم الأمر، مما اضطر الإدارة إلى إعلان الإغلاق، ودعوة كافة المتوافدين على المكان إلى التوجه إلى المستشفيات المختصة لعمل الفحوصات في حالة ظهور أيّ أعراض.
وتم الإعلان تباعاً عن الإغلاق المؤقت لعدد من المستشفيات والمعاهد الصحية المركزية، وتأجيل إجراء العمليات الجراحية بها إلى أجلٍ غير مسمًى.
تعاني خريطة المستشفيات في مصر بشكل عام من تناقص حاد في السنوات الأخيرة، فقد قلت أعداد مستشفيات الحميات من 100 إلى 32 فقط، وقل عدد المستشفيات الحكومية من 1179 إلى 681 وذلك خلال عشر سنوات منذ العام 2007 إلى العام 2018، في حين وصل في التاريخ نفسه عدد مستشفيات القطاع الخاص إلى 1157 بعد ان كانت 686 مشفى عام 2008.
في اليوم الأول من شهر أيار/ مايو 2020 سجلت 495 إصابةً جديدة ليصل الإجمالي إلى 8476، والوفيات إلى 549. وصل عدد مشافي العزل الى 21 مستشفى، وذلك في محاولة للتعامل مع ظاهرة عدم توفر أسرة الرعاية المركزة، خاصةً لهؤلاء الذين لم يستطيعوا إجراء الفحص اللازم ولم يتم تصنيف إصابتهم كـ"كورونا". تم توفير خط ساخن تابع لمجلس الوزراء لاستقبال شكاوى المواطنين، ومطالب مستشفيات الفرز للإحالة إلى أماكن العزل. إلا أنه ومع الوصول لذروة الموجة الأولى [4]، تراجع دور الخط واقتصر على تسجيل الشكاوى، وكان الموت أسرع من الحل (أكثر من 48 ساعة انتظار في العادة) بالنسبة لكثير من الحالات.
تعاني خريطة المستشفيات في مصر بشكل عام من تناقص حاد في السنوات الأخيرة، فقد قلت أعداد مستشفيات الحميات من 100 إلى 32 فقط، وقل عدد المستشفيات الحكومية من 1179 إلى 681 وذلك خلال عشر سنوات منذ العام 2007 إلى العام 2018، في حين وصل في التاريخ نفسه عدد مستشفيات القطاع الخاص إلى 1157 بعد ان كانت 686 مشفى عام 2008. وتقلصت حصة القطاع الحكومي من الأسرة في السنوات الأخيرة أيضاً من 95 ألف و683 سريراً، لتصبح 35 ألف و320 سريراً، تمثل أسرة الرعاية المركزة منها 5.8 في المئة بما يقارب 6 آلاف سرير وأجهزة التنفس الصناعي 4500 جهازٍ، وهو ما يعني سريراً لكل 10 الآف نسمة، بينما تشير التقديرات الدولية إلى ضرورة توفر سرير لكل 6 آلاف مواطن.
تغوّل القطاع الخاص
بمواجهة بدء تأزم الموقف، وتزايد الأعداد المطالبة بالخدمة الصحية العاجلة، دخل القطاع الخاص للمشاركة، غير أنه جاء بسياساته النفعية والربحية، وهي لو اردنا الدقة، غير متوافقة مع المادة 18من الدستور التي تساوي بين المصريين في حق العلاج. وخلال فترة لا تزيد عن شهر ارتفعت أسعار بورصة العلاج لتتراوح ما بين 10 آلاف إلى 50 ألف جنيه في الليلة الواحدة لسرير الرعاية المركزة، مما تسبب في حالة غضب شعبي واسع، أصدرت بوجهه رئاسة الوزراء قراراً بلائحة تسعير لتكون تكلفة مريض في غرفة عزل داخلي 1500-3000 جنيه لليوم الواحد، كما حددت تكلفة المريض في العناية المركزة بـ 7500 – 10000 جنيه، وكلفة جهاز التنفس الصناعي لليوم الواحدوهو ما يعادل 350 ـ 650 دولاراً. وعلى الرغم من ارتفاع الكلفة بالنسبة للمصريين ونسبة مداخيلهم، حيث يمثل معدل الفقر 32.5 في المئة من عدد السكان، فإن غالبية المستشفيات لم تلتزم وفرضت أسعارها تحت وطأة الحاجة.
سريعاً ما ظهرت المشكلات التي جعلت من الوصول لمستشفى العزل تحدّياً يسبقه على الطريق عددٌ من الخطوات المحفوفة بالنقص والخطر، فتزايدت مشاهد الضغط على المستشفيات خارج خريطة العزل مما أدى بدرجة ما إلى نوعٍ من الفوضى.
وحسب التقارير الرسمية، فهناك 17 شركةً مسجلة في البورصة المصرية وعاملة في مجال الرعاية الصحية والأدوية، يساهم غير المصريين في 16 شركةً منها. مع ملاحظة تنامي سيطرة شركات خليجية على ما يوازي 35 في المئة من القطاع الصحي الخاص في مصر.
الانحسار والتجدد
أخذت الموجة الأولى في الانحسار مع بدايات شهر تموز/ يوليو لتعلن وزيرة الصحة عن حالة مستشفيات العزل، فقالت: "انحسرت الموجة بنسبة كبيرة فلا تزيد نسبة الإشغال الآن عن 60 في المئة".
هدوء دام أقل من ثلاثة أشهر، وعادت بعده البلاد لتدخل من جديد في الدوامة، فوصل عدد المصابين منتصف أيلول/ سبتمبر 2020 إلى 10 آلاف و200 مصابٍ، والوفيات إلى 10 آلاف. ومع نهاية العام 2020 أعلنت وزارة الصحة عن وصول عدد مستشفيات الفرز والعزل التي انضمت إلى خريطة مواجهة كورونا إلى 320 مستشفى، بينما استمر الضغط الشديد ورحلات البحث عن الأسرة الشاغرة مع دخول الموجة الثالثة بداية آذار/ مارس ،2021 والتي تم تصنيفها الأعنف، وهي لا تزال مستمرةً.
وقد توالت من جديد المشاهد الموجعة المفجعة، منها وفاة 5 مرضى بالرعاية المركزة لمستشفًى مركزية في ناحية ريفية بسبب ما أثبته الأهالي بالتصوير المباشر لذويهم بعد نفاذ مخزون شبكة الأوكسجين، وانهيار الممرضة المسؤولة لعدم قدرتها على التصرف.
الصعيد المصري: سؤال الصحة
29-01-2017
وكانت البؤرة الأكثر بؤساً في هذه الموجة الثالثة هي في محافظة سوهاج التي خرجت الأمور فيها تماماً عن السيطرة منذ أوائل شهر نيسان/ أبريل 2021، وتخطى عدد المصابين في اليوم الواحد 150 إصابةً، ومعه التقطت الكاميرات صور الأهالي وهم يحكون مصابهم بسبب عدم توفر أماكن شاغرة داخل المشفى المركزي.
بزنس الفحوصات
من ناحية أخرى استمرت في الشهور الأولى لانتشار الإصابة في مصر السياسات المتعلقة بالنقص الشديد في اختبارات الكشف عن الإصابة، والشروط الصعبة للحصول عليه، وقد كانت مطلباً رئيسياً بشكل خاص للأطقم الطبية، ورأى عدد كبير من الأطباء والنقابيين أن النقص فيها هو سبب مباشر لارتفاع عدد الإصابات. وتشكلت حملات ضغط للمطالبة بالشفافية وحسن إدارة الملف.
وهكذا نجد أنه في حين وصل عدد الإصابات في نهايات الموجة الأولى إلى 28 ألف إصابة، لم تزد عدد المسحات عن 135 ألفاً بواقع 879 مسحةً لكل مليون نسمة، بينما تشير التجارب الدولية إلى معدل لا يقل عن 1 في المئة من عدد السكان بالأشهر الأولى لانتشار الوباء وتمتد لتصل إلى 10 في المئة من عدد السكان [5] .
كانت البؤرة الأكثر بؤساً في هذه الموجة الثالثة هي في محافظة سوهاج التي خرجت الأمور فيها تماماً عن السيطرة منذ أوائل شهر نيسان/ أبريل 2021، وتخطى عدد المصابين في اليوم الواحد 150 إصابةً، ومعه التقطت الكاميرات صور الأهالي وهم يحكون مصابهم بسبب عدم توفر أماكن شاغرة داخل المشفى المركزي.
وقد جرى الربط بين هذا المعدل شديد الضعف، وبين تسارع الإصابات داخل البلد كبير التعداد، لتحتل مصر في أقل من 3 أشهر ـ بعد اكتشاف أول إصابة ـ الترتيب 45 عالمياً على مستوى الإصابات، و30 على مستوى الوفيات، بينما احتلت المركز 141 عالمياً في نسب إجراء الفحوصات لكل مليون نسمة. وعربياً جاءت في الترتيب الثالث من حيث عدد الإصابات المعلن عنها بعد السعودية وقطر، وفي الترتيب الأول من حيث عدد الوفيات بفارق شاسع لتصل النسبة إلى 5.9 في المئة، بينما لم تتخط في الدولتين 0.06 في المئة .
العلاج على نفقة الدولة.. سند الغلابة في مصر
09-10-2019
وقد عقدت الحكومة المصرية ثلاث اتفاقيات، اثنتين منها مع الحكومة الصينية وواحدة مع شركة بريطانية، وبناءً عليها حصلت على 380 ألف اختبار فحص PCR، وتزايد العدد على مدار ما يقارب العام ليصل إجمالاً إلى مليون و260 ألف اختبار بواقع 74 ألف اختبار لكل مليون مواطن.
معاناة الأطقم الطبية
على امتداد الموجات، عانت الطواقم الطبية – وما زالت تعاني - من وضع لعله من بين الأسوأ على مستوى العالم، في ظل نقص مستلزمات الوقاية. كثافة شديدة في ساعات العمل، ضغوط في ظروفه، وبيروقراطية عقيمة حرمت الأمهات والحاضنات من الحصول على إجازات، ووضعت اشتراطات جزافية للحصول على حق الفحص الجيني للكشف عن الإصابة، واحتسابها وتسجيلها واستخراج شهادات المرض والإصابة. وكل هذا في ظل الملاحقة الأمنية وقرارات الفصل للمعترضين [6].
وفق سجلات النقابة العامة للأطباء فى مصر، فإن إجمالي عدد الأطباء المسجلين رسمياً يقارب الـ 244 ألف طبيبٍ، ما يقارب الـ 188 ألفاً منهم يعملون في مستشفيات القطاع الحكومي والتعليمي، وما يزيد عن 30 ألفاً في القطاع الخاص، وما يقارب الـ 35 ألف طبيب قد هاجروا خارج مصر.
ارتفعت نسبة شهداء الواجب بين الطواقم الطبية فتجاوز عدد الأطباء المتوفين الـ 530 طبيباً حتى الآن (وفق إحصاءات نقابة الأطباء) بينما أصرت وزيرة الصحة على عددٍ محدد وهو 130 طبيباً، وهم من عملوا مباشرةً في مستشفيات العزل. تجاوز عدد شهداء التمريض الـ 200، وعشرات من فنيي المعامل الطبية والعاملين والإداريين والمسعفين.
تخوض نقابة الأطباء معركةً من أجل الحصول على حقوق أسر الشهداء الأطباء وتأمين الممارسين ونصحهم بالامتناع عن العمل في حال عدم توفر وسائل الحماية. وهذا إضافةً إلى الملف الكارثي، وهو سجناء كورونا من الأطباء ممن تم القبض عليهم لتوجيههم انتقادات، وعددهم ثلاثة. وقد قال نقيب الأطباء أسامة عبد الحي إن شهداء الأطباء يمثلون 6 في المئة من نسبة وفيات كورونا في مصر، وهي كارثة متجددة تعيشها الطواقم الطبية في مصر تكشف حقيقة ما عانوه على امتداد السنوات خارج مظلة الوباء.
فوفق سجلات النقابة العامة للأطباء فى مصر، فإن إجمالي عدد الأطباء في مصر المسجلين رسمياً يقارب الـ 244 ألف طبيبٍ، ما يقارب الـ 188 ألفاً منهم يعملون في مستشفيات القطاع الحكومي والتعليمي وما يزيد عن 30 ألفاً في القطاع الخاص وما يقارب الـ 35 ألف طبيب قد هاجروا خارج مصر.
وهو ما يعني بشكلٍ عملي ـ وفق المصدر ذاته ـ أنه يوجد في مصر 2.1 طبيب لكل ألف مواطن، وقد أعلنت وزارة الصحة أنها تعاني من نقص يزيد عن 50 ألف طبيبٍ، ويتزايد سنوياً. ووفق تقديرات رسمية فإن أعداد هيئة التمريض تقدر بحوالي 217 ألفاً، و105 ممرضين/ت.
تتفاقم مشكلات الأطقم الطبية بشكلٍ عام بسبب ضعف الموازنة حيث تبدأ أجور الأطباء بالمستشفيات الحكومية عند التكليف عقب التخرج بـ 2200 جنيه (120 دولاراً) ولا تزيد عند الخروج إلى التقاعد عن 7 آلاف جنيه (500 دولار). وكذلك فأجور الممرضين في القطاع الحكومي تبدأ بـ 1200 جنيه ( حوالي 65 دولاراً) وتنتهي بـ 5500 جنيه أي ما يعادل 320 دولاراً.
أما الفنيون الصحيون، فوفق تقديرات نقابية، يصل عدد العاملين منهم داخل مصر إلى 8 آلاف شخص، بينما هناك ما يقارب ضعفي هذا العدد بالخارج، يعمل أغلبهم فترتي عمل أو ثلاث، ما بين المستشفى الحكومي الذي تم توزيعهم عليه إثر تكليف رسمي - براتب لا يزيد في بدء التعيين عن 1200 جنيه، ولا يتجاوز قبل الخروج للمعاش 3000 جنيه - والمستشفيات الخاصة.
أزمة الإنفاق وظلال السعي
يتفاعل كل ما سبق إلى حد الاشتباك مع عبارة واحدة هي "ضعف الإنفاق". ففي خطاب أمام مجلس النواب في بداية العام 2021، قالت وزيرة الصحة المصرية إن الدولة، إضافةً إلى الموازنة المعتمدة سنوياً، والتي تقدر بـ 93 مليار جنيه، قد وفرت دعماً إضافياً لمواجهة كورونا بالقطاع الصحي قدره 4 مليار جنيه، وهو ما دفع المتابعين لاسترجاع ما أعلن عنه رئيس الجمهورية مع بداية انتشار الوباء في آذار/ مارس 2020 من رصد 100 مليار جنيه لمواجهة كورونا. فكيف يذهب فقط ذلك المبلغ البسيط للصحة، بينما ذهب 20 مليار جنيه مباشرة إلى دعم القطاع السياحي؟ وكذلك قورن ذلك بما سبق، وأعلن عنه الرئيس في مناسبة لاحقة من تكلفة 800 مليار جنيه تحملتها الحكومة المصرية بهدف تطوير قطاع الطرق والجسور في مصر في السنوات الخمس الأخيرة.
عانت الطواقم الطبية، وما زالت تعاني، من وضع لعله من بين الأسوأ على مستوى العالم، في ظل نقص مستلزمات الوقاية، وكثافة شديدة في ساعات العمل، وضغوط في ظروفه، وبيروقراطية عقيمة حرمت الأمهات والحاضنات من الحصول على إجازات، ووضعت اشتراطات جزافية للحصول على حق الفحص للكشف عن الإصابة، واحتسابها وتسجيلها... وكل هذا في ظل الملاحقة الأمنية وقرارات الفصل للمعترضين.
تخوض نقابة الأطباء معركةً من أجل الحصول على حقوق أسر الشهداء الأطباء وتأمين الممارسين ونصحهم بالامتناع عن العمل في حال عدم توفر وسائل الحماية. وهذا إضافةً الى سجناء كورونا من الأطباء ممن قبض عليهم لتوجيههم انتقادات، وعددهم ثلاثة. وصرح نقيب الأطباء إن شهداء الأطباء يمثلون 6 في المئة من نسبة وفيات كورونا في مصر.
في مقابل تلك الصورة، حرصت السلطات على الاستمرار في مجهودات ما اسمته "المبادرات الرئاسية" وهي نشاطات واسعة في مجال مكافحة أمراض الفيروسات الكبدية والكشف المبكر عن الأمراض المزمنة ورعاية صحة المرأة والطفل، غير أن أغلبها مدعّمةٌ وبشكل معلن من منح مباشرة من بعض المؤسسات الدولية. إضافةً إلى ذلك، سن البرلمان المصري في العام 2017 قانون التأمين الصحي الشامل كنوع من الرعاية التشاركية الإلزامية التي تهدف إلى تطوير القطاع، لكن حتى الآن لم ينفّذ منه غير الجزء الأول من المرحلة الأولى وذلك في مدن قناة السويس.
***
إنها المشكلات الدائمة المتجددة في القطاع الصحي في مصر، والتي جاء الوباء ليكشف عنها جلياً. ويبقى الإنفاق هو الكلمة المفتاحية الأولى. لم تستطع الدولة المصرية تحقيق المعادلة لتبقى مقولة الروائي الكبير الطبيب يوسف إدريس التي كتبها في العام 1957 مع بدء تطبيق نظام التأمين الصحي فاعلةً وسارية، إذ قال: "مشكلة المرض عندنا أيها السادة هي مشكلة الفقر، وأوله فقر وزارة الصحة، وحلها الوحيد أن نبني مستشفيات، ونُخرّج عدداً أكبر من الأطباء".
محتوى هذا المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.
[1] - تنشر وزارة الصحة المصرية عبر صحفتها بموقع التواصل الاجتماعي facebook بشكل شبه يومي رسم إحصائي يضم عدد الإصابات الجديدة والمتوفين والمتعافين
[2] - المعهد القومي للأورام أحد أهم المؤسسات العلاجية في جميع أنحاء مصر، يتردد عليه سنوياً بالقاهرة 7 آلاف مريض، يقصده المصريون من كافة المحافظات للعلاج
[3] - يصدر جهاز التعبئة والإحصاء تقرير المسح السكاني العام كل سنتين، ويضم تحديثاً دائماً حول أعداد المرضى والمستشفيات والأجهزة الطبية المتوفرة بالدولة، وتتقلص مساحة نشر تلك المعلومات من عام لآخر.
[4] - أعلنت وزارة الصحة في 19حزيران/ يونيو 2020 تسجيل أعلى معدل إصابات باليوم الواحد، وهو 1774 حالةً ليصل إجمالي عدد من تعرض للإصابة إلى 52 ألفاً و100 مصاب، وما يزيد عن 2100 متوفى، 18 في المئة منهم في عمر أقل من الـ 60.
[5] - موقع worldmeter هو خدمة موسعة من شركة google تقوم على تحديث بيانات الإصابة بالوباء على مستوى العالم يومياً، وقد سجل عدد وفيات عالمياً يفوق الـ 3 مليون حتى الآن.
[6] - خاضت نقابة الأطباء المصريين على مدار السنوات الخمس عشرة الأخيرة عدداً من الإضرابات المهنية الناجحة كان آخرها عام 2014 وذلك بهدف تحسين الأجور والتمكين داخل أماكن العمل والحماية.