هناك، حيث تبلغ إشارة السبابة أقصى نقطة في مدى الرؤية الأفقية، على خط سرابي أصفر، سيجد النازحون اليمنيون مساحة شعثاء شاغرة لرحالهم التي أجهدتها الحرب، وحياة زهيدة، تتفهم استثنائية الوضع وضرورات عبور المرحلة كيفما اتفق.
أقيمت مخيمات النزوح بمبادرات ذاتية من النازحين، وغضت السلطات المحلية طرفها عن نشوء هذه التكتلات البشرية الهائلة على ضواحي المدن وضفافها المنسية، المكشوفة على مسارات السيول ومسارب الخطر. سيول النازحين التي تدفقت في حركة نزوح داخلي قسري من الحرب والقمع في مناطق سيطرة الحوثيين، وصلت إلى مناطق سيطرة "السلطة الشرعية" وخيمت بعيداً عن برامج الرقابة والحماية والتخطيط الحضري وخطط الطوارئ وسياسات تقييم المخاطر والحد من احتمالات الكوارث. فوجدت نفسها جماعة عزلاء في مواجهة سيول أمطار هادرة بلغت مستوى الفيضان، ونجم عنها كارثة إنسانية إضافية، بعد أن جرفت السيول مخيماتهم ومقتنياتهم الفقيرة، التي نسيتها الحرب فالتقمها الماء الجامح في بطون الأودية.
وتقول أحدث إحصائيات الأمم المتحدة بتضرر 148 ألف شخص من كارثة السيول في منتصف شهر نيسان/ أبريل الماضي، أغلبهم نازحون. أما "الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين" فقد أحصت في تقريرها عن تقييم أضرار السيول التي شهدتها اليمن 6286 أسرة نازحة متضررة في مأرب وسط البلاد، تراوحت أضرار كارثتها الإنسانية بين المأوى والغذاء والإصابات الجسيمة وحالات وفيات بينها أسرة كاملة وخمسة أطفال وفقدان اثنين دفنتهما السيول ولم يعثر عليهما.
كانوا جماعة عزلاء في مواجهة سيول أمطار هادرة بلغت مستوى الفيضان، ونجم عنها كارثة إنسانية إضافية بعد أن جرفت السيول مخيماتهم ومقتنياتهم الفقيرة. وتقول أحدث إحصائيات الأمم المتحدة بتضرر 148 ألف شخص من كارثة السيول في منتصف شهر نيسان/ أبريل الماضي.
وتتصدر مأرب - التي تعيش استقراراً أمنياً على الرغم من وجود طوقها الجغرافي في دائرة المواجهات المسلحة - محافظات اليمن من حيث أعداد النازحين المستضافين على أرضها في نحو عشرين مخيماً بالمعنى الديموغرافي للمكان، طال ضرر السيول 17مخيماً منها، بما في ذلك مناطق تدخل في سياق البنية العامة للمجتمع والمدينة مع توسع مساحات العمران، وانخراط أعداد من النازحين في الجيش الوطني/ القوات الحكومية، أو في مجال الأعمال التجارية والمشاريع الاستثمارية الخاصة. وهذه الأحياء السكنية التي نمت في ظل الحرب الحالية تقع على مسارات السيول ومصباتها، لكن أسعار أراضيها على أطراف مدينة مأرب مثلت إغراءً لمن استطاع من النازحين سبيلاً لبناء مسكنه الخاص هرباً من شبح الإيجارات الفاحشة.
النزوح الصامت في اليمن
11-04-2019
لا تسقط الأمطار كثيراً في مأرب، وهي من أقل محافظات اليمن في معدلات الأمطار ومتوسط سقوطها. وكان سد مأرب الذي يُعد من أقدم السدود التاريخية في العالم، ويعود تاريخه إلى بدايات الألفية الأولى قبل الميلاد، مشروعاً استراتيجياً في التنمية الزراعية التي جعلت من مأرب حاضرة المملكة السبئية القديمة، أرض الجنتين، عن يمين وشمال. وهو مشروع حماية وتأمين مائي لمكان شحيح المطر، ويمتد على رمال صحراوية جافة تمثل أغلب مساحته. والسد مصب لسيول قادمة من مناطق خارج محافظة مأرب. لكن تاريخ السد يرتبط بفترات انهيار وتهدم، كان أشدها فداحة على خط الكوارث الطبيعية، فيضان سد العرم، الذي جُرفت جدرانه وتسبب في أكبر موجة نزوح وأسوأ نكبات التشرد والشتات القسري في تاريخ المجتمعات البشرية، حيث تمزق النسيج الاجتماعي اليمني، وتفرقت خيوطه على جسد الأرض.
استدعت كارثة سيول الشهر الماضي سيل العرم في إحالة تاريخية لا تخلو من خبث سياسي. فمأرب التي تعيش اليوم امتيازاً مفاجئاً على ضفة الحرب وتجمعت فيها أيدي سبأ من جديد - إسقاطاً على ما يلغي المقولة الأثرية: "تفرقوا أيدي سبأ" - قد تنسف لعنة شتاتها القديم في كارثة سيل العرم امتيازاتها الحالية كملاذ يمني آمن ومستقر.
ما زالت مأرب ومحافظات يمنية أخرى واقعة في مجال المنخفض الجوي المداري وتوقعات المخاطر تحت المطر والعواصف. كما ما زال النازحون المتضررون في مأرب نزلاءَ فنادق المدينة وصالات أعراسها في ضيافة محافظ مأرب، الذي وجه بإيوائهم على نفقة السلطة المحلية. ويسري حالياً حديث عن إقرار كتلة الإيواء بالمحافظة مشروع المأوى البديل للأسر النازحة المتضررة من السيول.
صنعاء .. السيول تجرف التاريخ
تشير أحدث الإحصائيات للأمم المتحدة إلى تضرر نحو 21.240 عائلة (148.680 شخص) من الفيضانات في 13 محافظة منذ منتصف الشهر الماضي. وقد بدت العاصمة صنعاء التي سيطر عليها الحوثيون منذ إيلول/ سبتمبر 2014 بحيرة عائمة، على الرغم من وجود مشروع السائلة وقنوات تصريف مياه الأمطار رابطاً المدينة الحديثة بصنعاء القديمة المدرجة في قائمة التراث العالمي.
اجتاحت الفيضانات 13 محافظة منذ منتصف الشهر الماضي. وقد بدت العاصمة صنعاء، بحيرة عائمة، وتسببت الكارثة في وفيات وانهيارات لمنازل سكنية ومنازل أثرية.
تسببت الكارثة في وفيات وفي انهيارات منازل سكنية ومنازل أثرية ذات طابع معماري ثقافي يعد جزءاً من قوام مدينة صنعاء التاريخية، وخصوصيات تراثها المعماري في نمط البناء وفرادة تقنياته الفنية وواجهاته المزخرفة على نسق واحد متسق الملامح في الخط واللون والتصميم.
كيف غيّرت الحرب مأرب؟
23-11-2017
أما في أبين ولحج، جنوب اليمن، فتعرض 14 مخيماً لأضرار كلية من كارثة سيول نيسان/ أبريل، وتركزت احتياجات الاستجابة الإنسانية الطارئة في مخيمات محافظة لحج على أكثر من مئة خيمة، وألف سلة غذائية وزهاء ألف مادة غير غذائية وفق تقرير رصد وتقييم الأضرار للوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين.
عدن .. الطوفان والبركان
أحصى تقرير أضرار هطول الأمطار الغزيرة على محافظة عدن، الصادر عن الوحدة التنفيذية لإدارة النازحين 21/4/2020 نحو 21 موقعاً متضرراً من بين مخيمات النزوح المتوزعة على مديريات المحافظة، وبلغ إجمالي الأسر النازحة المتضررة 2.244 أسرة تعرضت لضرر كلي في المأوى والغذاء. هذه الأضرار أعادت مأساة النازحين اليمنيين داخلياً إلى دورة نزوح طويل المدى، يأخذ ضحاياه على مسار الشتات من مخيم إلى اللامخيم ، وترحال جديد من التشرد الحافي.
في عدن، بلغ إجمالي عدد الأسر النازحة المتضررة 2.244 أسرة. ألقت الحكومة بسهام الاتهام على المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، الذي اعتبرته يعرقل عودتها لأداء مهامها التنفيذية، ويعيق تنفيذ اتفاق الرياض الموقع في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019. رد "الانتقالي" صاع الحكومة صاعين، معلناً عن إدارته الذاتية للجنوب.
وعلى ضفاف أخرى، مثلت كارثة السيول فرصة سياسية مواتية أمام الحكومة اليمنية للعودة إلى العاصمة المؤقتة عدن، في ظل السخط الشعبي العارم من تردي الأوضاع الخدمية هناك، مع مخاطر "كورونا" وانفجار مجاري الصرف الصحي في المدينة التي كان لها قصب السبق على كثير من المدن العربية في التخطيط الحضري والعمران الحديث إبّان الاستعمار البريطاني، وهي اليوم الأسوأ.
اليمن: خمسون عاماً بين تدخّلين إقليميَّين
04-10-2016
ألقت الحكومة بسهام الاتهام على المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، الذي اعتبرته يعرقل عودتها لأداء مهامها التنفيذية في عدن، وأنه يعيق تنفيذ اتفاق الرياض الذي تم التوقيع عليه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019. رد "الانتقالي" صاع الحكومة بصاعين، معلناً عن إدارته الذاتية للجنوب، ما اعتبرته الحكومة تمرداً على الدولة وانقلاباً على اتفاق الرياض! وامتد الصراع السياسي على مسارات السيول إلى مواجهات عسكرية مسلحة في عدد من المحافظات الجنوبية بين مليشيات الأحزمة الأمنية، وقوات النخب التابعة للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً من جهة، والقوات الحكومية المدعومة بتحالف "دعم الشرعية" بقيادة السعودية.
---
ما من شئ مؤكد وواضح في المشهد اليمني الملبد بالضباب، ومتغيرات المناخ، والمباغتات التي تنقلب معها المعادلات رأساً على عقب. لكن عدن الطافية إلى الآن على مستنقعات المجاري ومياه السيول، سجلت نحو عشر إصابات مؤكدة بكورونا. وهذا هو المؤكد الوحيد تحت المطر.