إقليم عدن: مؤهلات دولة

مطلع العام الجاري، تمّ إعلان اليمن دولة اتحادية أو فيدرالية. كان ذلك أبرز نتائج "مؤتمر الحوار الوطني" الذي اعتبر أن الدولة المركزية هي أبرز عوامل تدهور البلاد. المعارضة التي أثارها القرار بين المثقفين والنشطاء (وحتى السياسيين) لم تحل دون الاستمرار بالعمل بالقرار العجول، بمباركة من "المجتمع الدولي" والدول الإقليمية الراعية لـ"المبادرة الخليجية" التي تُعد الإطار المرجعي لكل ما يجري حاليا
2014-05-07

عادل مجاهد الشرجبي

أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء


شارك
| en
من الانترنت


مطلع العام الجاري، تمّ إعلان اليمن دولة اتحادية أو فيدرالية. كان ذلك أبرز نتائج "مؤتمر الحوار الوطني" الذي اعتبر أن الدولة المركزية هي أبرز عوامل تدهور البلاد. المعارضة التي أثارها القرار بين المثقفين والنشطاء (وحتى السياسيين) لم تحل دون الاستمرار بالعمل بالقرار العجول، بمباركة من "المجتمع الدولي" والدول الإقليمية الراعية لـ"المبادرة الخليجية" التي تُعد الإطار المرجعي لكل ما يجري حاليا في اليمن.بعد جدل واسع حول عدد الأقاليم التي يجب أن تتكون منها الدولة الاتحادية الجديدة، أصدر الرئيس هادي قرارا بتشكيل لجنة تحديد الأقاليم من 21 عضوا برئاسته. وقد أعلنت هذه اللجنة قرارها الذي لا يقبل النقض (ما يخالف المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني التي تنص على خضوع قرارات كهذه للاستفتاء قبل إقرارها)، بتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، اثنان منها في الجنوب وأربعة في الشمال. لم يستغرق الانتهاء الى هذا القرار أكثر من أسبوع من العمل، بينما هو يرسم مصير اليمن و25 مليون إنسان. فهل راعى القرار العوامل الجغرافية والاقتصادية والثقافية والسكانية والتاريخية؟ هذا التقسيم كان سياسيا بامتياز. الأقاليم هي حضرموت وعدن في الجنوب والجند وسبأ وتهامة وآزال في الشمال. وتنشر "السفير العربي" تباعا ملامح كل واحد من تلك الأقاليم. بعد آزال في العدد السابق، هذا إقليم عدن. (السفير العربي)

****

يتكون إقليم عدن من مدينة عدن ومحافظات لحج، أبين، والضالع. وتبلغ مساحته حوالي 7 في المئة من إجمالي مساحة الجمهورية اليمنية، ويشكل سكانه حوالي 10 في المئة من مجمل سكانها حسب التعداد العام للسكان والمساكن لعام 2004.

موارد تنمية متكاملة

يتمتع إقليم عدن بمؤهلات دولة كاملة. فمدينة عدن بحكم وضعها السابق كعاصمة لجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، تتوفر على كل المرافق والبنى التحتية اللازمة لبناء حكومة دولة ناهيك عن حكومة إقليم. لذلك لن تعاني مما يمكن أن تعانيه بعض الأقاليم الأخرى من نقص في المرافق اللازمة لحكوماتها. ويمتلك الإقليم الموارد اللازمة للتنمية في مجالات الصناعة والتجارة، السياحة، الزراعة والثروة السمكية. فعلى مستوى التجارة الخارجية كانت عدن عبر تاريخها مدينة منفتحة على الخارج، وعندما احتل الكابتن هنس ميناء عدن في شباط/فبراير 1839، كان معظم سكانها من التجار من خارج اليمن. وقد حافظت المدينة على أهميتها التجارية خلال حكم الإدارة الاستعمارية، فتأسست فيها أول غرفة تجارية في الجزيرة العربية في آب/أغسطس 1886. وبعد توسعة ميناء التواهي في مطلع خمسينيات القرن العشرين، أصبحت عدن أهم منطقة اقتصادية في الشرق الأوسط، وأصبح ميناؤها ثاني أهم ميناء على مستوى العالم بعد نيويورك، وأهم ثالث ميناء للشحن والتفريغ على مستوى دول الكومنولث، بعد لندن وليفربول. وعندما تم توحيد شطري اليمن في 22 أيار/مايو 1990، كان سكان عدن يأملون أن تستعيد مدينتهم أهميتها التجارية التي فقدتها خلال الفترة (1967- 1990) حين احتكرت الدولة في الجنوب التجارة الخارجية. وعلى الرغم من أن الحكومة أعلنت ميناء عدن منطقة حرة عام 1993، إلا أن تخلف الإدارة والفساد، حالا دون استعادة الميناء دوره التجاري وإلى جانب ميناء عدن، يمتلك الإقليم موارد سمكية في محافظة أبين وإلى حد ما في محافظة لحج، كما تعتبر "دلتا تبن" في هذه المحافظة و"دلتا أبين" من أخصب الأراضي الزراعية في اليمن، وتشتهران منذ أربعينيات القرن الماضي بزراعة القطن الطويل التيلة والحبوب والتبغ والفواكه، لا سيما أن مناخ هذا الإقليم (كمناخ إقليمي حضرموت وسبأ) غير ملائم لزراعة القات، باستثناء المناطق الشمالية من محافظة الضالع. ويمتلك الإقليم إمكانات سياحية كبيرة، وخاصة السياحة الشاطئية في مدينة عدن، التي يتجاور فيها البحر والجبل، وفيها عدد من الشواطئ الرملية التي تؤهلها لاحتلال موقع متميز على الخريطة السياحية لليمن والجزيرة العربية.

خصوصية ثقافية

كانت عدن مدينة تجارية منفتحة على العالم، تضم إلى جانب سكانها العرب مهاجرين من مختلف دول العالم، ففيها الهنود، والباكستانيون، والإيرانيون، والمصريون، والصوماليون، والأفارقة. وشكلت المدينة مصهراً ثقافياً لكل هؤلاء، فتخلوا عن هوياتهم القومية والقبلية والقروية وارتبطوا بالهوية العدنية. وعوضاً عن التنظيمات الأهلية (التي يرتبط الأفراد بها على أساس روابط القرابة) أسسوا منظمات مدنية، تقوم الصلة بين أفرادها على أساس المصالح أو القيم المشتركة، وتخلى القادمون إلى عدن من مناطق اليمن الأخرى عن لهجاتهم المحلية، واستبدلوها باللهجة العدنية، فالمدينة هي الوحيدة في اليمن التي لها لهجة خاصة بها تعكس تنوعها الثقافي، خلافاً للمدن الأخرى في الشمال والجنوب، بما في ذلك العاصمة صنعاء، التي يظل السكان القادمون إليها محتفظين بلهجات مناطقهم المحلية التي وفدوا منها، رغم مرور عقود طويلة على إقامتهم فيها.كانت مدينة عدن مؤثرة في محيطها القبلي والريفي، ولم تكن متأثرة به كما هي الحال في مدن الشمال. لذلك انتقلت قيم الحداثة من المدينة إلى قرى الجنوب ومدنه الأخرى، ما شكّل ثقافة جنوبية مختلفة عن الثقافة القبلية في الشمال، فلم تعد القبائل في الجنوب تنظيمات حمائية مسلحة، بل تحولت الى تنظيمات سياسية وتنموية، تنظم حياتها بناء على القانون لا بناء على العرف. وأول دستور عرفته اليمن هو دستور السلطنة اللحجية، وأول شكل من أشكال تقاسم السلطة عرفته "إمارة دثينة" (البعض يسميها جمهورية دثينة)، وأطلقت تسمية مكتب على عشائر يافع، ونظمت العلاقة بين الشيخ ورجال قبيلته على أساس شبه ديموقراطي، فكان الشيخ في هذه المنطقة يُختار من قبل السكان، وليس مفروضاً عليهم من قبل سلطة مركزية، أو تنتقل إليه السلطة عبر الوراثة.

تدمير منهجي

نصت اتفاقية الوحدة وتأسيس الجمهورية اليمنية على الأخذ بالأفضل في تجارب الشطرين. إلا أن نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح لم يحترم هذا المبدأ، فتبنى بعد انتصاره في حرب صيف 1994 مشروعاً لتدمير مدينة عدن والجنوب عموماً، ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، دشنه بتعيين ما أسماه بشيخ مشايخ عدن، ما يشكل استهدافاً مقصوداً وغير مسبوق لخصوصية المدينة الثقافية، فلم تعرف أي مدينة يمنية أخرى مثل هذا المسمى الوظيفي، سواء في ذلك مدن الشمال أو مدن الجنوب، بل لم يسبق أن أطلق مثل هذا المسمى على أي شخص في أي مرحلة تاريخية، باستثناء الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، الذي كان يوصف (خلال فترة حكم علي عبد الله صالح) بشيخ مشايخ اليمن. وعلى الرغم من أن هذا التعيين لم تترتب عليه آثار سياسية أو إدارية مهمة، إلا أنه يحمل دلالة رمزية كبيرة، تعكس طبيعة مشروع التدمير المنهجي الذي تبناه نظام الرئيس صالح.

مشايخ "بريمر"

عمل النظام بعد حرب صيف 1994 على تعميم ثقافة الشمال في كل مناطق الجنوب، فأسس فروعا لمصلحة شؤون القبائل في كل محافظاته، بما فيها محافظات إقليم عدن (حسب تقسيم الدولة الاتحادية)، وعين مشايخ يمثلونه أكثر مما يمثلون أبناء مناطقهم، ما دفع البعض إلى وصفهم بـ"مشايخ بريمر"، تشبيهاً بمشايخ الصحوات الذين عينهم الحاكم المدني الأميركي بريمر في العراق. وعمل النظام على إحياء الثارات القديمة في أبين والضالع ولحج، وأعاد التقسيم الإداري في يافع بما يتطابق مع الانقسامات القبلية، ودعم التنظيمات الدينية المتطرفة والجماعات الإرهابية، وهو ما شهد به كثير من الجهاديين السابقين مثل خالد عبد النبي وأبو بكر المحضار قبل إعدامه، إلى درجة أن البعض كانوا يصفون مدينة "جعار" في أبين بـ"جعارستان"، فضلاً عما يروجه البعض حول دعم نظام الرئيس علي عبد الله صالح تشكيل "أنصار الشريعة" المرتبط بالقاعدة في أبين عام 2011.هذه الإجراءات فضلاً عن آثارها السلبية القائمة، تشكل قنابل موقوتة ستعيق مسيرة تطوير إقليم عدن في المستقبل. ويضاف إليها قنبلة موقوتة أخرى تتمثل في مشروع التقسيم الذي تبناه نظام الرئيس صالح واعتمدته اللجنة التي شكلها الرئيس عبد ربه منصور هادي. فتقسيم الجنوب إلى إقليمين: إقليم عدن (يضم مدينة عدن وما كان يسمى المحميات الغربية)، وإقليم حضرموت (يضم ما كان يسمى المحميات الشرقية)، يهدف الى خلق صراعات وتوترات بين الإقليمين مستقبلاً، بما يحول دون قيام علاقات تكامل بين إقليم عدن الذي يمتلك الموارد الطبيعية والبنية التحتية، وإقليم حضرموت الذي يمتلك كثير من أبنائه المهاجرين في السعودية ودول الخليج العربي الأخرى رؤوس أموال كبيرة، يمكن استثمارها في عدن. بل وضعت قنابل موقوتة داخل إقليم عدن ذاته، من خلال إحياء البنى والعلاقات القبلية القديمة، وتسهيل انتشار السلاح، وإضعاف البنى والعلاقات المدنية في مدينة عدن.

مهام مستقبلية كبرى

التدمير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأمني الذي تعرض له إقليم عدن والجنوب عموماً، يتطلب جهوداً استثنائية من حكومة الإقليم مستقبلاً، لإعادة الازدهار لإقليمهم، ويأتي في مقدمة تحفيز البنية التحتية للتنمية تطوير إدارة المنطقة الحرة، وتطوير مطار عدن، سواء من خلال الحالي، أو بإنشاء مطار جديد في محافظة لحج، بين عاصمة المحافظة ومدينة طور الباحة، وتطوير مناطق الاصطياد وتنظيم عملياته، واستعادة المناطق السياحية وأراضي الدولة التي صرفت لمتنفذين شماليين وجنوبيين، وتطوير التشريعات التجارية ومؤسسات القضاء التجاري، بما في ذلك تضمينها أحكاماً تتعلق بالتجارة الإلكترونية، وتأسيس بورصة للأوراق المالية في عدن، وإعداد خطة لجذب الاستثمارات من الأقاليم الأخرى، ومن المهاجرين اليمنيين في الخليج العربي ودول العالم، ووضع حوافز استثمارية حقيقية... وقبل هذا كله ينبغي فرض سيادة الدولة، وتوفير الأمن من خلال التطبيق الصارم لحظر حمل السلاح في مدينة عدن، والقضاء على تنظيم أنصار الشريعة في أبين، وإنفاذ القانون على الجميع بشكل متساو، والقضاء على ثقافة الإفلات من العقاب.

مقالات من اليمن

للكاتب نفسه

اليمن: قصة الصراع بين رئيسَين

"حكم اليمن يشبه الرقص على رؤوس الثعابين"، عبارة اقتبستها الباحثة البريطانية فيكتوريا كلارك عن الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وكان الشاعر إبراهيم الحضراني قد قال في إحدى قصائده: "وأتعس...