كورونا المغرب: حذرٌ واحْتِرازات

سيزداد التفلت من الحجر الصحي إذا لم تعم المساعدات الحكومية كل الأسر الفقيرة، وليس فحسب من هم مسجلون في الضمان الاجتماعي، أي العمال النظاميون. وهذا معطًى قد يضرب جهود احتواء الوباء في مقتل، إذ لا التزام بالحجر الصحي بدون توفير الضروريات المعيشية، فكلاهما متلازمين.
2020-03-29

سعيد ولفقير

كاتب وصحافي من المغرب


شارك
عادل داوود - سوريا

سخرية واستخفاف ممزوجان بكثير من اللامبالاة.. بهذه المشاعر تعاطى المغاربة مع وباء كورونا عندما سجل بلدهم أول حالة إصابة في اليوم الثاني من شهر آذار/ مارس .

تبددت تلك المشاعر الآن. الموضوع صار جدياً، بعد أن تزايدت الحالات المصابة لتصل سقف المئات. معظم المغاربة يضعون أيديهم على قلبوهم، بينما آخرون يستمرون غير مبالين بالقصة، ويعتبرونها مجرد فقاعة عابرة، وبقية حائرون وشاردون بين الفسطاطين، وينتظرون نهاية هذه الأزمة ومآلاتها والخروج منها بأقل الأضرار.

احترازاتٌ حكومية

منذ الإعلان عن أول حالة مصابة في المغرب، سارعت الجهات الحكومية والمختصة لاتخاذ الإجراءات الاحترازية الاستباقية. كان أولها إغلاق الحدود الجوية والبرية والبحرية في الأيام الأخيرة من الأسبوع الثاني من هذا الشهر. أما الدراسة فانقطعت إلى أجل غير مسمى بدءاً من يوم 16 آذار/ مارس الحالي، وهو قرار لا يعني - وفق وزارة التربية - عطلة مدرسية استثنائية، ولكنه يتعلق "بتوقيف الدروس الحضورية وتعويضها بالتعليم عن بعد".

الحياة اليومية الاعتيادية بدأت تأخذ مجرى التوقف بشكل تدريجي بدءاً من النصف الأول من هذا الشهر، إذ قررت وزارة الداخلية إغلاق المساجد وسائر الأماكن العامة كافة في وجه العموم حتى إشعار آخر. وبالطبع فهي تستثني أماكن بيع الضروريات الغذائية والطبية وخدمة التوصيل إلى المنازل.

تفاوتت مشاعر المغاربة، وهي في القرية ليست كما في المدينة، وفي الأحياء المترفة ليست كما في الأحياء الشعبية والهامشية.

القرارات الحكومية جاءت متدرجة، وشملت أيضاً النقل العمومي في المجال المديني والقروي، إذ تمّ إلزام حافلات النقل الحضري، ومركبات الترامواي بعدم تجاوز الطاقة الاستيعابية المخصصة لكل منها، من خلال احترام العدد المسموح به من الركاب بما لا يتجاوز عدد الكراسي المتوفرة. كما تم فرض ثلاثة مقاعد لسيارات الأجرة الكبيرة، عوض الستة المعمول بها في الفترات العادية.

أيام قليلة مضت على هذا الإجراء، لتضاف إلى لائحة القرارات الحكومية خطوة تنفيذ حالة الطوارئ الصحية (1) يوم 20 آذار/ مارس الجاري، وما يلازمها من ضبط أمني في الشوارع، ومنع السفر بين المدن عبر وسائل النقل العمومي، إلا في الحالات القصوى المتعلقة بالتطبيب والعمل. والقرار يمنع أيضاً الخروج من المنزل إلا للضرورة، كشراء المستلزمات الغذائية والعلاجية، والاستشفاء، وأيضاً الخروج للعمل الذي يتطلب استصدار شهادة تنقل من طرف عون للسلطة المحلية (مساعد، وهو عمل من خارج الهياكل الوظيفية، ولكنه منتشر في المغرب).

حذرٌ ولامبالاة

اختلفت مشاعر المغاربة في الشارع، وهي في القرية ليست كما في المدينة، وفي الأحياء المترفة ليست كما في الأحياء الشعبية والهامشية..

كان إعلان تعليق الدراسة بمثابة مؤشر غير صريح على تصاعد الوباء. لذا تسابق الناس على شراء المؤن الغذائية، في مشهد يوحي بنهاية العالم. وهذا السلوك وقع في معظم أنحاء العالم، وطالته السخرية والانتقادات، إذ اعْتُبِر نوعاً من "اللهطة"، وتعبيراً صريحاً على الخوف المفرط المشوب بالمجهول حيال المآلات.

قررت وزارة الصحة المغربية الترخيص بشكل رسمي لتداول دوائي "كلوروكين" و"هيدروكسي كلوروكين" المصنوعين محلياً بترخيص من الشركة الفرنسية، وذلك على الرغم من تحفظات هيئات صحية عالمية.

الحذر كان سيد الموقف في معظم أحياء سكن الطبقة المتوسطة والمترفة معيشياً، إذ سجلت في الأغلب التزاماً بالحجر الصحي الطوعي قبل إقرار الطوارئ الصحية، وما دامت المؤن متوفرة ومخزنة في المنزل، والأمن المالي الكافي متوفر.. فلا خوف.

أما في معظم الأحياء والمناطق الشعبية والهامشية والقروية التي يقطنها محدودوالدخل، والعاملون في القطاع غير المهيكل، لم يكترث السكان - في البداية - لحملة الدخول إلى المنزل التي دعا إليها "فيسبوكيون". فالأمر صعب بالنسبة إليهم في ظل شح المال وغياب ضمانات حكومية أو مؤسساتية، توفر لهم استمرار الدخل الضئيل، وغير الكافي لسداد الاحتياجات الضرورية.

وعلى الرغم من حملات التوعية الميدانية التي تشنها في الأحياء السلطاتُ المحلية والمختصة، والداعية لضرورة الدخول للمنازل، وتنفيذ الاحتياطات الطبية اللازمة. إلا أن الرد يكون في الغالب: "ضمن ليا رزقي هو اللول وعاد ندخل لداري" (اضمن لي قوت يومي، وبعد ذلك سألزم بيتي).

لم يستسغ قطاع مهم من المغاربة - منذ بداية الوباء - أن يهدد كائن غير مرئي آلاف البشر حول العالم، واعتبروه أمراً غريباً ومثيراً للريبة، يصل إلى حد الإيمان بنظرية المؤامرة، أو بأنه عقاب إلهي يستدعي الثواب.

تفكّر الحكومة في تدبير هذه الأزمة من خلال تخصيص أموال صندوق تدبير ومواجهة فيروس كورونا لأجل دعم الفئات الهشة سوسيو - اقتصادياً، حيث قررت تحويل تعويضات ممنوحة من هذا الصندوق لفائدة العمال المنخرطين في مؤسسة الضمان الاجتماعي (حوالي 200 دولار شهرياً إلى حين توقف أزمة كورونا). وحتى لا يطول انتظار هذه الفئات لما ستقدمه الجهات الحكومية، قامت مبادرات شخصية بتوزيع قفف غذائية ومساعدات مالية، كشكل من التضامن الاجتماعي، وأيضاً للتحفيز على عدم الخروج من المنزل. بيد أن المخاوف ستزداد إذا لم تعم هذه المساعدات كل الأسر الفقيرة، وهو معطًى قد يضرب جهود احتواء الوباء في مقتل، إذ لا التزام بالحجر الصحي بدون توفير الضروريات المعيشية، فكلاهما متلازمين.

تبقى معضلة أخرى، إذ لم يستسغ قطاع مهم من المغاربة - منذ بداية الوباء - أن يهدد كائن غير مرئي آلاف البشر حول العالم، واعتبروه أمراً غريباً ومثيراً للريبة، يصل إلى حد الإيمان بنظرية المؤامرة، أو بأنه عقاب إلهي يستدعي الثواب. وتعاطوا مع هذه المسألة بكثير من الماورائيات في فهمهم واستيعابهم للأمر. لذلك لجأ البعض إلى استعمال وسائل بدائية كنوع من الاحتياطات، كالبخور، أو في أسوأ الحالات تعاملوا مع الموضوع بمزيد من الاستعراض الديني "الهستيري"، كما حصل مؤخراً إذ قام أشخاص (تمّ إيقافهم لاحقاً من طرف الأمن) بالخروج في مسيرات إلى الشوارع بالصراخ والتهليل والتكبير ليلاً في خرق تام لقانون الطوارئ الصحي، تحت ذريعة "التضرع إلى الله ورفع البلاء".

هل مِنْ بصيصٍ في الأفق؟

الفيروس يواصل انتشاره، ويرتفع كل يوم عدد الإصابات ومعها القلق. قررت وزارة الصحة المغربية الترخيص بشكل رسمي لتداول دوائي "كلوروكين" و"هيدروكسي كلوروكين" المصنوعين محلياً من طرف شركة "سانوفي" الفرنسية، وذلك لعلاج المصابين بفيروس كوفيد 19. وتورد مواقع محلية بأن هذا القرار جاء بعد "اتفاق مع اللجنة التقنية والعلمية للبرنامج الوطني للوقاية ومراقبة الأمراض التنفسية الحادة بالمملكة، الذي يقضي بالسماح لكافة المستشفيات في المغرب باستخدام هذه الأدوية لكن وفق شروط صارمة". هذا بينما حذر المستشار السابق لمنظمة الصحة العالمية من المضاعفات الصحية لهذا الدواء.. مشيراً إلى أن "دول الاتحاد الأوروبي ما زالت تضع الدواء قيد الدراسة، وبالتالي فإن تسرع وزارة الصحة المغربية غير مقبول".

مقالات ذات صلة

و بالمجمل، تبدو الإجراءات الاستباقية المتخذة إيجابية، على الرغم من حضور بعض المشاكل والمعيقات البنيوية والمتشعبة، وهي نتاج سنوات طويلة من سياسات التجهيل والإفقار والتسطيح والتدجين وتغليب كفة الخرافة والأساطير والتديّن الاستعراضي الخ.. لذا فالأمر يحتاج للإنجاز في الوقت الضائع لبلد ما زال يسجل أرقاماً مقلقة في قطاع الصحة (2)، ويتطلع إلى أن يخرج من هذه الجائحة بأقل الخسائر.

______________

1-يمتد سريان هذا القانون إلى غاية 20 نيسان/ أبريل المقبل، ويفرض عقوبات حبسية على كل مخالف من شهر إلى ثلاثة أشهر وغرامات مالية تصل إلى 1300 درهم (حوالي 130 دولار)، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
2- بحسب وزيرالصحة المغربي فإن الأطر الطبية المتوفرة حاليا لا تتعدى 1.5 لكل 1000 نسمة، بينما الحد الأدنى المطلوب هو 4.45. أما عدد الأسرة فتعدادها يصل حاليا إلى 1640 سرير، منها 684 سرير في القطاع العمومي (الحكومي) و504 سرير في القطاع الخصوصي، و70 سرير في القطاع العسكري، و132 سرير في المؤسسات ذات النفع العام، إضافة إلى 250 سريرا جديدا ومُحْدَثاً.

مقالات من المغرب

الناجح: لا أحد

نحتار ونحن نَطّلع على مؤشرات التعليم في المغرب خلال العقدين الأخيرين، بين مستوى المدارس والتعليم حسبَ ما نعاينه فعلياً من جهة، وما تقوله من جهة ثانية الإحصاءات الدّولية حول التعليم،...

للكاتب نفسه