الإدارة الـذاتيّـة

تتأسّس اليوم، داخل القرى والبلدات والمدن السورية «المحرّرة»، تجارب تعزّز الأمل بسوريا جديدة بالفعل: مجالس محلية مستقلة ومدارة ذاتياً، مشكَّلة إثر انتخابات فعلية، تتصرّف كلجان مهمّتها تأمين الحد الأدنى من مستلزمات الصمود للسكان، وتتولى التنظيم المدني والإعلامي والسياسي والعسكري للناس في مواجهة النظام. والأهم أنها تنظّم حلقات نقاش لمناهضة الطائفية ولدرء نزوعات الانتقام. والتدريب
2013-01-23

شارك

تتأسّس اليوم، داخل القرى والبلدات والمدن السورية «المحرّرة»، تجارب تعزّز الأمل بسوريا جديدة بالفعل: مجالس محلية مستقلة ومدارة ذاتياً، مشكَّلة إثر انتخابات فعلية، تتصرّف كلجان مهمّتها تأمين الحد الأدنى من مستلزمات الصمود للسكان، وتتولى التنظيم المدني والإعلامي والسياسي والعسكري للناس في مواجهة النظام. والأهم أنها تنظّم حلقات نقاش لمناهضة الطائفية ولدرء نزوعات الانتقام. والتدريب الإعلامي المتبع ينتج عشرات الصحف الجديدة، أغلبها الكتروني. كل ذلك فضلاً عن دروس محو أمية أحياناً. هؤلاء الناس حسموا خياراتهم، غير آبهين بمنقذ منتظر، عربي أو أجنبي. والأهم أنهم أقفلوا الباب على مجالس معارضاتهم المتناحرة.
عديدة هي القصص الموثّقة من سوريا عن هذه التجارب المضيئة المنتشرة في البلدات والمدن التي لم يعد يُسجَّل فيها حضور للأمن السوري النظامي. قد تكون تجربة الزبداني في ريف دمشق، البلدة الجميلة المحاذية للحدود اللبنانية، سبّاقة في هذا السياق، إذ إنّها أجرت انتخاباتها لاختيار مجلس إدارتها الذاتي في أواخر عام 2011. كان قد مرّ وقت على انسحاب القوات الحكومية من تلك البلدة التي تعتاش على الاصطياف والزراعة والتهريب من وإلى لبنان. بادر شبابها وشاباتها إلى تنظيم انتخابات استثني منها الموالون، وجرت الأمور بسلاسة، لكن ليس لفترة طويلة، إذ عادت القوات الحكومية لتجتاح البلدة في مطلع شباط من العام الماضي. كل من زار البلدة قبل ذلك التاريخ لفتته طريقة استغلال المباني الحكومية. السجن تحوّل مستشفى ميدانياً أحياناً، وداراً للاهتمام بالأطفال أحياناً. مخافر الشرطة أديرت ذاتياً. دار البلدية فُتح للاجتماعات والنقاشات... ربما سرّع نجاح هذا التنظيم الذاتي البديل، اجتياح الزبداني بعشرات الدبابات وآلاف الجنود لكي لا تصبح نموذجاً يُحتذى.
لمجالس الإدارة الذاتية تلك، قيمة تفوق تدبير شؤون الحياة اليومية للصامدين في أرضهم. إنها تمرين عملي على التشارك في تحمُّل المسؤوليات وتوزيعها، وبروفة ضرورية على الانتخاب بدل المبايعة بالدم، وعلى الاختيار وفق سلوك المرشح وأدائه. هكذا حصل مع الأعضاء الثمانية المنتخبين في «الحكومة البلدية» في القصَير (محافظة حمص)، وفي أطمة في ريف إدلب. ففي القصَير على سبيل المثال، يتولى كل عضو دائرة من دوائر الأمن والمالية والصحة والشؤون الاجتماعية والزراعة والاتصالات والشؤون العسكرية والشؤون الدينية، وتنظيم التظاهرات. بدءاً من أصغر التفاصيل حتى العناوين الأعرض، تتولى المجالس كل شيء، رغم صعوبة ضبط العمل العسكري تحت لوائها في الكثير من الأحيان. في قرى ريف حلب مثلاً، يسود انطباع شعبي إيجابي إزاء بعض مجالس الإدارة تلك، على الأقل بما أنها تمكنت من حصر بيع قوارير الغاز بالسعر النظامي، وهو ما تعجز عنه السلطات الحكومية أو لا ترغب به ربما. في ذلك الريف الحلبي، يؤدي ناشطون سوريون من أبناء المنطقة أو من خارجها، خدمة كبيرة في مهام التوعية والتدريب والتنظيم. أكثر من ذلك، تولّت بعض مجالس القرى والبلدات، مثلما حصل في ريف إدلب، طرد مقاتلين جهاديين إلى خارج البلدات، ووضعتهم في ما يشبه المخيمات نظراً للحاجة إليهم كـ«مقاتلين أشدّاء ومدرَّبين» من جهة، والخشية المحقة منهم كجماعات بات يُنظَر إليها على أنها مصدر خطر هائل على حاضر ومستقبل سوريا، من جهة ثانية.
الإدارات المدنية أو الذاتية ليست اختراعاً سورياً، ولا هي وليدة الحروب حصراً. لكن الفرصة متاحة أمام السوريين لكي يجعلوا من تلك التجربة التي يعيشها بعضهم، حجر الزاوية في إدارة سوريا الجديدة.
 

للكاتب نفسه

«شجرة فوبيا»

أرنست خوري 2013-11-27

قام تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) يوم الجمعة الماضية (22 تشرين الثاني/نوفمبر) بقطع «شجرة الكرسي»، وهي شجرة بلّوط تقع قرب بلدة أطمة السورية، يزيد عمرها عن 160 عاماً،...

ليبيا وضحكة القذّافي

أرنست خوري 2013-11-13

لم يعد لرئيس الحكومة الليبية علي زيدان ما يجرّبه في محاولة إحكام قبضة سلطةٍ مركزيةٍ ما على جزء من أراضي البلاد، إلا التلويح بورقتين انتحاريتين خارجتين عن نطاق الصلاحيات النظرية...

هكذا تكلّم "الصندوق"

أرنست خوري 2013-10-30

أخيراً، خرجت البشارة من بيانات صندوق النقد الدولي: أعلى معدلات نمو اقتصادي في أفريقيا (وربما في العالم) للعام 2013، سجّلتهما ليبيا (16.7 في المئة) ودولة جنوب السودان (69.6 في المئة!)....