الإعلام التونسي: بين مسرحيات هزلية وانحطاط بلا حدود

تتمحور برامجنا حول المشاهير ونجوم الاستعراض ومن منهم له قاعدة جماهيرية أوسع. ننسى لب الأشياء والمواضيع الحساسة والحال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، لننغمس في ما هو أهم: عدد عمليات تجميل النجوم وكم من عشيق وخليل..
2019-03-08

سارة زيدي

مدوّنة، من تونس


شارك
زينة عاصي - لبنان

التلفزة التونسية مرتع لمنشطين لا يمكن حتى التوفق في إطلاق النعوت عليهم. المواضيع نفسها والوجوه والأقاويل والكلام.. ولكن بتعدد القنوات يتعدد الانحطاط. الترفيه على الشاشات أساسي، لكن مضامين برامجنا ليست ترفيهاً بل غرفاً من معين التفاهة والغباء. يمارس الضيف السفسطة، حتى يبرز في مكانة مرموقة، فيكون ذو منصب وشأن، حكيم ووقور. ولكنه يتلاعب بالكلام ويوجه الذوق العام نحو مجموعة من الأحكام المسبقة التي تحيط المشاهد من كل وجهة، ليصبح الأخير بلا روح ولا عقل، ينفذ دون إعمال الفكر.

تتمحور برامجنا حول المشاهير ونجوم الاستعراض ومن منهم له قاعدة جماهيرية أوسع، أي ننسى لب الأشياء والمواضيع الحساسة والحال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، لننغمس في ما هو أهم: " كم يبلغ عمر بية الزردي؟" التي أجابت أخيراً.. والسيدة مذيعة وممثلة تلفزيونية تونسية، شاركت في المسلسل السوري "مطلوب رجال"، وتقدم حالياً برنامج "في ضوء القميرة" في الإذاعة الرسمية التونسية. وسبب النقاش أنها ليست شابة أولاً، فيا "للعيب" بالنسبة لامرأة في هذا الحقل، وأنها ثانياً تبدو كذلك إلى حد ما، فيطرح سؤال ثانٍ عن عدد عمليات التجميل التي لجأت إليها. والأهم من سلوكها هي أو خيارات من يجري هكذا حوارات معها هو اتساع ردود الأفعال العامة على "الموضوع" والنقاش حامي الوطيس بشأنه!

وكذلك تناقش كثيراً القضايا الأسرية ولكن معظمها سيناريوهات مفبركة لاستمالة المشاهد، لا أكثر.

أصبحت القنوات التلفزية تتنافس على أتفه البرنامج وكذلك يكسر المنشط كل حدود ليظهر في صورة "المنفتح" أو بالأحرى المهرج.

ولكن ما الذي يجعل التلفزة التونسية تتراجع؟

أصبحت نسبة البرامج التوعوية والتثقيفية ضئيلة للغاية، وهي حتى عندما تُطرح، تكون تقنياتها قريبة جداً من تقنيات مثيلاتها في الثمانينات الماضية، لا تستهوي المشاهد وخاصة فئة الشباب. وهكذا تكون التلفزة التونسية قد أنجزت واجبها على أحسن وجه: زرعت بذور التخلف للأجيال المتعاقبة.

الإعلام في تونس شقان: عمومي وخاص. العمومي هو الناطق باسم الحكومة وليس بالضرورة أن يعبر عن تطلعات الشعب وعن إرادة المواطنين، فالأهم ألا يتصادم مع مؤسسات الدولة .والإعلام الخاص هو إعلام حر بتوجهاته وتمويله، وهو هنا تابع لرجال أعمال وبعض اللوبيات المالية وبعض قوى الضغط.. يمارس لعبته من خلال البرامج التي يطمح إلى تنفيذها. الإعلام الخاص يقوم أساساً على قاعدة تنفيذ أكثر من غاية سياسية أو اجتماعية لمصلحة مجموعات أو أفكار معينة.

ولكن هل من عامل يجعلها كلها في تراجع؟ لطالما كانت الشاشة أداة تؤثر في الوعي العام، والخطر يكمن في أنه كلما تكشفت الأمور تمردت ساعتها الألسن وثارت الأيدي المكبلة، مما لا يخدم مصالح النظام الحاكم وأهله. نعم تونس تمارس حرية التعبير والإعلام والصحافة، ولكن مهما حاولت هذه الأدوات بلوغ المصداقية، تبقى الملفات السرية موصدة خزائنها، لذا يسهل كثيراً التلاعب بالمعلومات والقيل والقال. إن برنامجاً ثقافيّاً في أوضاع الصراع والثورة، كما هو حال تونس، قد يصبح القطرة التي ستفيض بالكأس..

.. ولما البرامج الثقافية إذا كانت عدوى الغباء مجانية ويسهل انتقالها. سئمنا الوجوه نفسها التي من المفترض أن ترسم ضحكة، يئسنا من سؤال عدد عمليات تجميل النجوم وكم من عشيق وخليل، سئمنا من ذلك الروتين نفسه يتكرر ولكن بديكور مختلف. والذي يثير السخط أكثر هو مقدمة الأخبار تلك والخلفية الزرقاء ولغو الناس اليومي حولها، بينما العديد من الشبان والشابات ممن يمتلكون طاقات إبداعية كبيرة ومهارات عالية ومستويات مرموقة لا يجدون مكاناً في إعلامهم الوطني الذي يستصغرهم. فمن أتيحت له الفرصة، تتبناه إحدى القنوات ليصبح رائد الشاشات، وإلا يلزم قعر البيت ينتظر اللحظة التي سيتغير فيها كل شيء ناسياً أنه جزء من التغيير.

نلعن التقليد، وكل برنامج فرنسي تافه يصبح في تونس نسخة أتفه من الأصل. نلعن مقدمي التلفزيون حين يطلقون نكاتهم المبتذلة. هل نرفع قضية على وباء الغباء المتفاقم؟

مقالات من تونس