.. ولو أن المثل يقول "لاغريب إلا الشيطان"! وأما أن يهاجر اليمنيون هرباً من الموت، قصفاً أو جوعاً أو بالكوليرا، الى جزيرة "جيجو" التي تتبع.. كوريا الجنوبية، فهو شيء غريب بغض النظر عن الشياطين.
تبلغ مساحة هذه الصخرة البركانية حوالى 1800 كلم مربع ويسكنها نصف مليون نسمة يطمعون بتحويلها من جزيرة نائية ومقاطعة مستقلة الى "مدينة دولية حرة". ولذا فلم يكن دخولها يتطلب الحصول على تاشيرة أو فيزا (وهو ما تغيّر في الأول من أيار/ مايو بالنسبة لليمنيين تحديداً). وهكذا وصلها في الأشهر الخمسة الاولى من العام الجاري حوالى 550 يمنياً، قادمين بشكل نظامي تماماً، وعبر مطارها، من ماليزيا التي هاجروا (أم هَجّوا؟) اليها، وهي التي تسمح ببقائهم لثلاثة أشهر.
وقّع على عريضة تطالب بطرد هؤلاء "المهاجرين المزوَّرين" نصف مليون كوري خلال الأيام اأخيرة. لماذا هم مزوَّرون؟ لأنهم "ليسوا نساء بائسات يحملن أطفالاً جياعاً وحزانى" (مع أن بينهم 45 إمرأة)، بل رجالاً في عمر الشباب وأصحاء البنية! ودليلهم على أنهم ليسوا فحسب مهاجرين مزوَّرين، بل مجرمين سيقتلون ويسرقون، وكانوا حتماً مقاتلين، هو ترامب الذي قال ذلك عن مهاجري "تلك" البلدان، ومنعهم من دخول الولايات المتحدة، وأيدت أخيرا المحكمة الأميركية العليا امتلاكه هذه الصلاحية، فثبّتت قراره. وعلى الحكومة الكورية الجنوبية الاقتداء بترامب وفق العريضة والمظاهرات والتصريحات.
وكان يمنيون قد هجّوا الى جيبوتي، وهي من أفقر بلدان العالم، وكذلك الى أرض الصومال التي تنافسها على الفقر. والبلدان الواقعان في منطقة القرن الافريقي هما على مرمى حجر من اليمن، ويكفي عبور خليج عدن للوصول اليهما. ولذا فقد بدا الأمر هنا غريباً (بسبب الفقر الشديد فيهما والمخاطر الجمة في الإبحار ثم في الإقامة هناك.. في معسكرات لجوء) ولو أنه لم يكن مستغرباً، لوجود علاقات تاريخية، تجارية وثقافية بل وعائلية، بين اليمن وبين بلدان الساحل الشرقي لافريقيا تلك، وصولاً الى اثيوبيا.. ومن لا يعرف أسطورة أبرهة الحبشي الذي حكم اليمن بأكمله وليس جنوبه فحسب.
مسألة المهاجرين: كفى رياءً!
23-11-2017
أوروبا بعيدة عن هواجس هجرة اليمنيين اليها. أوروبا اكترثت في السنوات الماضية بهجرة السوريين (ومعهم بعض العراقيين والفلسطينيين) وعقدت، للتخلّص من ذلك، اتفاقات مع تركيا المصدر الرئيسي لمغامراتهم تلك التي حوّلت البحر المتوسط الى مقبرة هائلة. وهي اليوم تكترث بالهجرة اليها عبر شواطئ ليبيا أو مصر وتونس الخ.. وتعقد لغاية القضاء على الخطر اتفاقات مع الحكومات هناك وتموّل مشاريع عملاقة ناقلة سواتر حدودها الى خارجها.
وأما اليمنيون فبعيدون. وقد يقضّون مضاجع الماليزيين أو الاندونيسيين.. حيث، وأثناء الحروب على العراق (1991 و2003 وبينهما الحصار) وصل عراقيون الى جاكارتا بغاية الإبحار سراً الى الشواطئ الشمالية من أستراليا، وهي مناطق غير مأهولة وتمتاز بتضاريس خطرة، ولكنها الأقرب الى آلاف الجزر الأندونيسية الممتدة،. وقد غرق منهم المئات (على الأقل) في المحيط الهندي، ولم يسعفهم أحد هناك.. وجرى نسيان أمرهم، فيما علق في أندونيسيا، ووسط ظروف غاية في البشاعة، من لم يتمكن من الابحار أو من عاد حياً من رحلة خائبة.
وفي الاثناء تستمر السعودية والامارات في حربهما على اليمن، مؤججتان صراعاً أهلياً دامياً وتفككاً للبلاد وحده الله يعلم منتهاه، ومحفّزتان أطماعاً إقليمية (تلك التي تخص إيران مثلاً) لم تكن لتجرؤ على التعبير عن نفسها لولا ذلك. والأمر بعيد عن الاقتراب من نهايته. المعارك انتقلت من عدن الى حضرموت بل والى المهرة الوادعة، فيما تندلع معارك شرسة في الحُديدة، ميناء البلاد ورئتها. المهم لتلك الاطراف جميعاً هو تسجيل انتصارات حتى لو فنيَ المكان الذي تصفه الامم المتحدة بأنه يحتضن حالياً أسوأ كارثة انسانية على الاطلاق...