الأنظمة العربية والحوار

يعيد اعتقال الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة السوداني، ورئيس الوزراء لمرات، وسليل قائد الثورة ضد الإنكليز في القرن الأسبق، إثارة سؤال مقاييس ما تسميه السلطات في منطقتنا «الحوار الوطني». اعتقل الرجل بعدما انتقد ممارسات قوات «التدخل السريع» المعروفة اختصاراً بـ«الجنجويد»، واعتبرها ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب في مناطق النزاع. ردت السلطة بأن هذه
2014-05-21

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك

يعيد اعتقال الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة السوداني، ورئيس الوزراء لمرات، وسليل قائد الثورة ضد الإنكليز في القرن الأسبق، إثارة سؤال مقاييس ما تسميه السلطات في منطقتنا «الحوار الوطني». اعتقل الرجل بعدما انتقد ممارسات قوات «التدخل السريع» المعروفة اختصاراً بـ«الجنجويد»، واعتبرها ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب في مناطق النزاع. ردت السلطة بأن هذه القوات «نظامية»، واعتبرت انتقادات المهدي «تقويضاً للنظام الدستوري ومعارضة تتوسل القوة»!
لا تهم في الواقعة تفاصيل «الكواليس» السياسية التي غالباً ما تطغى على كل ما عداها، فيتناقلها الناس ويتسلون بها، كما يطبل لها الإعلام... كأن يُنظر إلى اعتقال المهدي كانتصار للجناح المتشدد والصقوري في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، الرافض لمبدأ الحوار وللدعوة إليه التي أطلقها البشير نفسه، إذ لا يرى له «ضرورة»، أو كأن تَعتبِر أخرى الصادق المهدي متساهلا وحمائمياً أكثر مما ينبغي، وأن ما ناله هو جزاء خياراته التي أضعفت أصلا حزبه ووضعته على شفا انشقاقات، والرجل هو فعلا أبرز دعاة إيجاد مخارج للوضع المأزوم في السودان بالطرق السلمية وبتحقيق تفاهمات، بينما اتجهت المعارضة إجمالا إلى رفض الدعوة للحوار باعتبارها غير مبنية على أسس ومعايير ومحددات، وقاطعتها... وبالطبع فلا يخلو المشهد من خبريات ثالثة تغوص في العداوة التاريخية بين المهدي وصهره حسن الترابي، بسبب التنافس على الزعامة، والاختلاف الفكري، إذ الأول متصوف والثاني إخواني، وقد قَبِل بلقاء البشير منذ شهرين، بعد 15 سنة من القطيعة وعدة إقامات في الحبس. فيقدَّم اعتقال المهدي كنتيجة للدسائس وإيغار الصدور...
ذلك ـ كله ـ قد يكون فيه نصيب من الحقيقة. وأما نقطة القلب فتقع في مكان آخر: هذه سلطات مبنية بطريقة نابذة لمفاهيم تأسيسية في أي اجتماع سياسي حديث، كالحرص على التوافق الوطني والمصلحة العامة. وهي قيم ليست ساذجة، ولا ملائكية، بل اعتمادها هو شرط تجنب هيمنة منطق الغُلْب المدمر، الناظم للصراع العنيف الدائم، بما فيه ذاك الأهلي، لأن كل غُلب يمكن قلبه بأدواته نفسها، فيَغلب آخرون أو يعم التذابح. والسودان لا يخترع جديداً، بل هو منسجم مع أقرانه في سوريا والعراق وليبيا... ومصر مؤخراً، إن لم نذكر سواها، وغضضنا الطرف عن السلطات الملكية/القبائلية التي لا تُخفي طبيعتها.
            
 

للكاتب نفسه

ماذا الآن؟

وقعتْ إسرائيل في خانة المستعمِر، واهتزت بقوة "شرعيتها" المصنوعة بتوأدة. حدث ذلك بفعل مقدار منفلت تماماً من همجيتها في الميدان وصل إلى التسبب في الصدمة للناس، وكذلك بفعل التصريحات والخطب...