إيران / إسرائيل والحسابات الخاطئة

حيال عته ترامب واسرائيل، يتعلق الأمر بتجنب انفجار الحرب، ليس خشية خسارتها بل بسبب هولها وويلاتها الفظيعة. وهو الموقف الأخلاقي الوحيد الجدير بالاعتبار.. ولكنه لا يعني الخضوع للعربدة الجارية.
2018-05-10

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
صدام جميلي - العراق

.. يقولون لك أن انهياراً "تاريخياً" أصاب الريال الايراني فور إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، فاصبح الدولار يساوي 80 ألفاً منه، أي بتراجع بنسبة أقل قليلأ من الربع في يوم واحد، بعد تراجع أصلاً بنسبة الثلث منذ مطلع العام. ويدخلون في حسابات عن الأثر المزلزل لذلك. فيضحك في سرّه من لم يكن غَرْبياً ("عقلانياً" يقولون لك!)، لأنه لم يسبق أن كان تراجع قيمة العملة (بأضعاف مضاعفة عن هذا، في أحوال "السلم" أحياناً وليس فحسب في ظرف الحرب كما جرى للبنان أو العراق)، ولا الشح والعوز الذي يصيب الناس (حيث مرت فترات أكل فيها الكوريون الشماليون أوراق الاشجار)، ولا كل أشكال الضيق والتململ الخ.. هي عوامل يُحسب حسابها في معادلات المواجهات الكبرى، ولا في استطلاع إرهاصات التمرد. وهذا مؤسف بالمعنى العام، لأنه يؤشر إلى أن الانسان هنا (ولكن هل فعلاً "هنا" فحسب؟) مرشح للسحق جسدياً وطموحاً، وأنه تجاه ذلك كله يتحمّل ويتأقلم، ويعرف أن ذلك خيار وحيد أمامه، أو أنه "يُطلب" منه ذلك عند اللزوم.

.. ويقولون لك أن التهديد الاسرائيلي لإيران جدي، وإنها متفوقة عليها عسكرياً وتكنولوجياً، ويتجاهلون أن أميركا بقضها وقضيضها لم تتمكن من لي عنق تنظيم طالبان في افغانستان. وأن اسرائيل لم تتمكن من الانتصار على تنظيم حزب الله منذ 12 عاماً.. صحيح أنها دمرت نصف لبنان المحاذي لها والصغير، إلا أن النتيجة لم تكن كما اشتهت وهي مسألة مسلّم بها.

الأمر يتعلق بتجنب انفجار الحرب بأكثر ما يمكن من جهود، بسبب هولها وويلاتها الفظيعة. وهو الموقف الوحيد الجدير بالاعتبار.

ذلك أن العالم يسبح اليوم في حرب باردة يفرِّقها عن سابقتها، تلك التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية، أنها "لزجة". فلا يوجد لدى اقطابها أي بعدٍ ايديولوجي، وإنْ مدّعى. ليس هناك غير حسابات المصالح وانتفاخ الغرور البدائي. ثم أن الرئيس الأميركي تَفوّق على نفسه في الجانب التهريجي لجهة إخراج المواقف، فأمضى 15 يوماً يقول "ربما، وربما لا" ينسحب من الاتفاق النووي الدولي مع إيران، وها هو يقول، بعدما فعلها، أن "شيئاً ما سيحدث" لو لم تأت إليه طهران صاغرة.. ولا يقلقه أنَّ من يؤيده في هذا اللعب هما حصراً نتنياهو وشلته من جهة، دوناً بالمناسبة عن قيادتي المخابرات والجيش الإسرائيليين، وعن المزاج العام للناس هناك، ومحمد بن سلمان من جهة ثانية، وهو الساعي لتثبيت انقلابه واستيلائه على السلطة في بلاده، بينما لا يمكن إدخال أطراف من قبيل مشيخات الامارات والبحرين في الحسبان، فهي بلا أثر حتى وإن تَنمّرت في هذا الزمن الأثيري. بينما تقف الامم المتحدة ووكالتها للطاقة النووية، والاتحاد الاوروبي مجتمعاً ومتفرقا، وروسيا والصين، وسائر العالم.. ضد خطوة ترامب. كما لم يعد بعيداً اليوم الذي سيتجاوز كل هؤلاء كل اعتباراتهم ليعلنوا عن طفحان كيلهم من إسرائيل التي لا تعيش إلا في أجواء العراك والتشنج، والتي لا تحسب حساباً لأحد، والتي تتفنن في ممارسة صنوف الاجرام العاري على الشعب الفلسطيني، مما جعل معسكر ابنائها أنفسهم، ممن لم يعودوا يطيقون ذلك، يتسع كل يوم، وصولاً مؤخراً الى الممثلة السينمائية ناتالي بورتمان!

وعلى الرغم من ذلك، فقد يكون من السهل إدارة هذه الحرب الباردة - كما سابقتها على أية حال - بحروب عسكرية موضعية أو إقليمية تجري هنا وهناك، وتكون بالطبع أخفض ثمناً من حرب شاملة هي تعريفاً اليوم قاضية على البشرية برمتها. ثم هي حروب تتسبب بالويلات في أماكنها (ولكن من يأبه؟) ولن تتكرر معها مشاهد الدمار في العواصم والمدن الكبرى "المتحضرة"، كما في القرن السالف.. مرتين!

.. سوى أنه في المعطيات الحالية للعالم كما هو، فلا شيء يضمن لهؤلاء السادة لا التفوق ولا النصر. وبعد المغامرة - لو حدثت - تحتاج الولايات المتحدة الى ضب ترامب في شبه مصحة عقلية كما حدث مع بوش الابن، وانتخاب رئيس يُنسيها "الحادث" كما حدث بمجيء أوباما.

وأما إسرائيل فأذاها المباشر أكبر بالطبع بحكم الجيرة والاستقتال والتفلت من أي اعتبارات. ولكن حرباً من هذا النوع ستقضي عليها لا محالة، فتتحقق ذاتياً النبوءة (self-fulfilling prophecy) التي يهدس بها الوعي الاسرائيلي مستعيناً باسطورة "قلعة مسعدة" (أو "مسادا") التي حرفتها الايديولوجيا الصهيونية ونسجت حولها رموزاً وخرافات وأعلنتها كشعار: "لن تسقط مسادا ثانية"..

مقالات من العالم العربي

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

فلسطين في أربع جداريات دائمة في "المتحف الفلسطيني"

2024-12-19

"جاءت انتفاضة الحجارة في 8 كانون الاول/ديسمبر 1987، وجلبت معها فلسفة الاعتماد على الذات، وبدأ الناس يزرعون أرضهم ويشترون من المنتوجات المحليّة، ويحتجّون على الاحتلال بأساليب ومواد وأدوات محليّة. وشعرت...

للكاتب نفسه

لبنان مجدداً وغزة في القلب منه

... أما أنا فأفرح - الى حدّ الدموع المنهمرة بصمت وبلا توقف - لفرح النازحين العائدين بحماس الى بيوتهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. لتلك السيارات التي بدأت الرحلة...

كنيساً يهودياً في باحة "الأقصى"

تتجسد معاني "خروج الحسين"، لمواجهة الطغيان، هو وأهله وكل من يخصه - مع معرفتهم المؤكدة بما يقال له اليوم في اللغة السياسية الحديثة "اختلال موازين القوى" لغير صالحه - في...