ما وراء "مسيرة العودة الكبرى" في جنوب غرب فلسطين

2018-04-12

مصعب بشير

باحث من فلسطين


شارك

منذ أسبوعين، خرج الآلاف من الفلسطينيين والفلسطينيات إلى ما يعرف بالخط الأخضر، أي إلى سياج القفص الذي بات معروفا منذ نكبة 1948 ب"قطاع غزة". فما الذي يحدث بالضبط؟

هذه رسوم كاريكاتير لإسماعيل البزم، من مخيم جباليا للاجئين في قطاع غزة، وهي تروي الواقع المعيش.

- 1 -

- 2 -

- 3 -

- 4 -

الرسوم تتناول القمع المركب الذي يعاني منه الفلسطينيون والفلسطينيات في قطاع غزة من قبل سلطات الإحتلال الإسرئيلي أولا (الأزرق)، ومن قبل سلطة حماس ثانيا (الاخضر)، والتهميش والعقوبات التي تمارسها سلطة فتح برئاسة محمود عباس ثالثا (الأصفر).

يعي سكان القطاع أن السبب الأول والرئيسي لمعاناتهم هو الإحتلال الإسرائيلي، لكنهم يعون تماما أن الفصيلين الكبيرين فتح وحماس مساهمان أيضا في مآسيهم، ليس من خلال برامجهما السياسية العقيمة ــ إن وجدت ــ وسرقة الجيوب من خلال الضرائب والرسوم الهائلة وحسب، بل أيضا من خلال الممارسات البوليسية القمعية التي تعيق اي نشاط ديمقراطي أو نضالي ضد الإحتلال. فعلى سبيل المثال فضت شرطة حماس بالقوة مسيرات يوم الأرض عامي 2011 و2013 التي أرادت التوجه إلى الخط الأخضر، وفي عام 2013 أيضا فضت حماس إعتصاما تضامنياً مع أهالي النقب بُعيد الإعلان عن مخطط "برافر" لتهجير العديد من القرى هناك, لم يجرؤ أحد منذ ذلك الحين على التفكير بالتظاهر في نقاط التماس على تخوم القطاع، وانحصرت الفعاليات الوطنية في وقفات ومسيرات محدودة، والسبب: الخوف من عنف حماس التي تهاب أي تجمهر غير حزبي.

ثلة من المثقفين والنشطاء الشجعان أخذت على عاتقها انتقاد كل أشكال الطغيان والظلم الذي تمارسه الآلة الإستعمارية الصهيونية، وأيضا ذوي القربى المتلحفون بعباءة الدين. نقد يركز على جوانب الحياة الملموسة من بؤس وترهيب وتغول ومقاسمة للناس في قوتها دون أن ينفصل ذلك عن المجابهة الفكرية للأبارتهايد والتطهير العرقي الذي تمارسه إسرائيل. ولعبت مواقع التواصل الإجتماعي، خاصة "فيسبوك"، دور منصة نشر الأفكار، ما أثار حفيضة حماس وأيضا خوفها، فراحت تعتقل النشطاء بسبب المنشورات التي لا تحصل سوى على "إعجاب" المئات فقط، وتصادر حواسيبهم وهواتفهم النقالة لحذف تلك المحتويات بعد أن يحصل أصحابها على نصيبهم من التعذيب.

مخيم جباليا للاجئين في شمال قطاع غزة، الذي إنطلقت منه شرارة الإنتفاضة الشعبية الأولى عام 1987 ــ دون مهندسين أو مفجرين من أي فصيل كان ــ حاضرٌ بقوة هنا. فهو مسقط رأس غالبية النشطاء والناشطات والمثقفين والمثقفات الشجعان، الذين صاروا نواة لحراك جماهيري من نوع مختلف. هم ينشرون آرائهم التي تعبر عن واقع الناس دون مواربة أو ترميز أو إستعارات، وينتقدون مسؤولي حماس بالاسم، ويذكرون الوقائع كما هي، حتى باتوا لكثر ما تم اعتقالهم "زبائن" لدى جهاز الأمن الداخلي التابع لحكومة حماس، منذ أن أطل "الحراك" برأسه احتجاجا على أزمة الكهرباء في قطاع غزة التي فاقمها تغول حماس ولا مبالاة فتح.

شهد شهر أيار/مايو 2017 وشهر كانون ثاني/يناير 2018 مسيرات حاشدة في مخيم جباليا إحتجاجا على أزمة الكهرباء الخانقة في غزة، وتعبيرا عن السخط، من الفشل الذريع للفصائل الفلسطينية كافة، ومن القمع والإستبداد الذي تمارسه حماس على أهالي القطاع. ينتقد أحد هذه الكاريكاتيرات خطاب حماس، ويندد باعتقال أمن حماس لعبد الله أبو شرخ أحد أهم الداعين لتلك المسيرات السلمية قبل أن يعتقل إسماعيل نفسه وغيره من نشطاء الحراك.

سمعنا من وسائل الإعلام عن حراكات كثيرة في فلسطين، لكننا هنا أمام حراك مختلف تماماً، حراك بدأ يتبلور ولا يزال في الطور الأول من صيرورة طويلة. إنه "الحراك الشعبي السلمي لعودة اللاجئين الفلسطينيين" الذي أُعلن عنه في شهر شباط/فبراير الماضي. ودعا الحراك، الذي أطلقته تلك الثلة من مثقفي ومثقفات ونشطاء مخيم جباليا، إلى عودة اللاجئين إلى فلسطين بشكل سلمي وتنظيم مسيرات جماهيرية، وهي فكرة إلتقطتها الفصائل الفلسطينية، خاصة حماس، لتطلق دعوات إلى "مسيرة العودة الكبرى" أي إلى مظاهرات حاشدة نحو السياج المحيط بقطاع غزة، ولكن دون أي برنامج. في هذا الصدد يقول عبد الله أبو شرخ: "هناك خلط بين ما نسميه نحن الحراك الشعبي، وبين ما أطلق عليه بعض الإخوة "مسيرة العودة الكبرى"، والحقيقة أنهما ليسا شيئاً واحداً، وإن كان يمكن اعتبار فكرة المسيرة جزءا من سياق الحراك الشعبي. مسيرة العودة الكبرى فكرة طرحها بعض الإخوة المثقفين، ثم سارعت الفصائل فيما بعد لتبنيها، ودعت لتشكيل هيئة وطنية تشارك فيها الفصائل وشخصيات وطنية للإشراف على هذه المسيرة، وهذا ما حذرنا منه أكثر من مرة، لكننا لم نمتلك منعه. المسألة إذاً ليست مسألة حب وبغض، المسألة تتعلق بفهم لطبيعة المهمة الشعبية المعروضة للبحث والفحص".

استغلت حماس المأزومة الموقف لتشكل مع بقية الفصائل ما يعرف ب "الهئية الوطنية لمخيم ومسيرة العودة وكسر الحصار". يبدو شعار العودة وكسر الحصار متناقضان، فكسر الحصار يعني بقاء سكان قطاع غزة في القطاع، أما العودة فتعني شيئا آخر تماماً. وعند سؤالها، فلا جواب متماسك لدى الفصائل والأحزاب السياسية الفلسطينية قاطبة، من أقصى يسارها إلى أقصى يمينها.

لقد أخذت المسيرات زخماً جماهيرياً كبيراً نظراً لثلاثة عوامل:

الأول: للإدراك العام من قبل الناس لموت "عملية السلام" الذي جلب المستوطنات والمستوطنين لسدة الحكم.

الثاني: إداركهم للفشل الذريع لخيار "المقاومة المسلحة" الذي بعد 3 عمليات عسكرية صهيونية دمرت البني التحتية المهترئة أصلاً وحصدت أرواح الآلاف وتركت أضعافهم معاقين، لم تتمكن من فتح معبر واحد وجعلت صيغة الوضع في قطاع غزة مجرد هدوء مقابل هدوء، أي عملياً أمراً مشابهاً لما كان الحال عليه عند وجود الحاكم العسكري الإسرائيلي داخل غزة ولكن دون أن تتحمل سلطة الإحتلال الآن إي مسؤولية اقتصادية تجاهه.

الثالث: التركيبة السكانية، فحوالي نصف سكان القطاع شباب، أغلبهم لم يخرج من القطاع بل أمضى 11 سنة من عمره تحت حصار مطبق وحياة لا تشبه الحياة.

يبدو أن لدى "الحراك الشعبي السلمي لعودة اللاجئين الفلسطينيين" خطوطاً عريضة لا تزال تنتظر برنامجاً للوصول إليها، وهو برنامج مرتبط بدوره بتوسيع "الحراك" ليشمل كافة أماكن تواجد الشعب الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها، وأيضا اليهود المعادين للصهيونية. يقول جميل عبد النبي، أحد مطلقي مبادرة "الحراك الشعبي السلمي لعودة اللاجئين الفلسطينيين": "الحراك عملية طويلة، تنتهي بمسيرة العودة ولا تبدأ بها، لقد بدأنا كمجموعة من النساء والرجال في غزة لكننا في طور العمل والتشبيك مع كل من يؤمن بهذه العناوين الرئيسية: السلمية، عودة اللاجئين، العيش المشترك في فلسطين في دولة واحدة بغض النظر عن الدين واللغة والعرق والجنس. نحن لا نزال في طور نشر هذه الثقافة ونسعى للتشبيك مع الفلسطينيين في كل مكان ومع اليهود الذين يؤمنون بهذه الأفكار، سواء كانوا داخل فلسطين أم خارجها".

ما يدعو للتفاؤل من أمر الحراك أن رجاله ونساءه يعون ما يريدون وليسوا في عجلة من أمرهم، وأن الحراك ليس ذا بنية هرمية، فهو لا يزال في طور "تكوين جمعيته الشعبية التأسيسية" إن صح التعبير في كل مكان داخل وخارج فلسطين. صحيح أن المظاهرات التي تشهدها غزة تسير بوقع سريع، وهناك الكثيرون يخشون انطفاء التحرك الشعبي في غزة لعدم وجود مشاركة مماثلة في أماكن التواجد الفلسطيني، لكن أسباب الإنفجار لا تزال قائمة في قطاع غزة. فسواء خفتت المظاهرات أم لم تخفت، سوف تنطلق الشرارة مرة الأخرى. المهم هو وجود البرنامج، وهذا ما يجعل من الحراك وسيلة يعول عليها.

مقالات من فلسطين

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة

مسيف جميل 2024-11-17

لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...

كلّ ما يتحدّى اكتمال الإبادة..

صباح جلّول 2024-11-10

شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه هنا صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف...

للكاتب نفسه

هل يستقيم عقد المقارنة بين النازية والصهيونية؟

مصعب بشير 2018-07-27

تنظر هذه الورقة في النصوص المؤسِّسة لكلا النسقين الفكريين الإستعلائيين: النازية والصهيونية الاولى خططت للإبادة الجماعية ونفذتها بينما الصهيونية تدمر بتؤدة المجتمع الفلسطيني من خلال ارتكاب المجازر والتطهير العرقي.