بينما كان الشبان يسقطون الأنظمة في عدة دول، عرف المغرب انتشار رسومات كاريكاتورية وفيديوهات رسوم متحركة عن شاب يدعى "بوزبال". في العشرينات من عمره. له صورة، اسم ومزاج. لقي نجاحا لأن المتفرجين يتماهون معه بسهولة، يضحكون منه بعمق.
على صعيد الصورة، بوزبال المغربي يشبه شخصية آساحبي في مصر. رأسهما مسطح من فوق، يجمع بينهما القبح ويتشبّهان بتامر حسني وليناردو دي كابريو. على صعيد الاسم فإن المصري تحريف لـ"يا صاحبي"، وكُتبت الصاد سيناً، وهو في الفايسبوك مرشح لرئاسة الجمهورية ويتجادل مع الفريق عمر سليمان. من أين جاء الاسم في النسخة المغربية؟
سبق لجمعية رسمية تقودها أميرة أن أطلقت حملة للحفاظ على البيئة باسم "بونظيف" من النظافة، فابتكر الوعي الشعبي نقيضه من الأزبال. الافتراض الثاني هو أن الاسم محاكاة ساخرة لأسماء العائلات التي تحتكر المغرب، وجلها يبدأ بالباء، وقد كتب الصحافي رشيد نيني في نهاية 2009 مقالا بعنوان "فصل المقال في ما بين بوزوبع وبوزبَّال من اتصال"، وفيه قارن ثمن الأرض عندما تباع لآل الوزير بوزوباع وحين تباع لأفراد الشعب المسمى بوزبال. وبوزبال صفة تطلقها الطبقات العليا على أفراد الشعب، ثم صار هؤلاء يطلقونها على بعضهم بعضا.
يتضح إذاً أن بوزبال صفة صارت اسم علم. صار شخصا له مزاج وأفعال كما يظهر في الفيديوهات التي تعرف رواجا كبيرا. فيها نرى شابا يقضي وقته واقفاً وظهره للجدار أو تحت عمود كهربائي، يتحرك في حي شعبي وسخ، خرج من محيط تربوي هش ووضع اقتصادي قاس، بلا مؤهلات، يبحث كيف "يقتل الوقت" بتحدي من يلتقيه. يائس، يشتم كل أولئك الذين يعيشون أفضل منه للتنفيس عن إحباطه، لكنه لا يفعل شيئا للخروج من الحفرة التي يرزح فيها. إنه ثوري رث. ساخط بشكل لا حدود له، على نفسه أساسا، وعلى حظه وعجزه. يحتج بطريقة ساذجة، يُنكر القانون، يطرق أبواب المنازل وحين يُسأل "من؟" يهرب. شاب مشبع بمعجم الحثالة، يصدِّق أوهامه، يحلم بلفة حشيش وسيف. يتوهم نفسه غاية في الذكاء، وكل ما يعرفه في الانترنت هو "بلاي ستايشن" و"المزرعة السعيدة".
بوزبال بطل سلبي، يلمع بغبائه وسوء سلوكه. إنه نموذج من "الحيطيست"، نموذج للجهل والكسل والعدوانية، حتى أنه يسرق ويعتقد أنه سينجو. يضحك المتفرجون على فرض أنه لا يشبههم، لكنهم يستطيعون الإشارة لعشرات من معارفهم يفعلون مثله. والحقيقة أن الذين يدمنون مشاهدته يجدون فيه شيئا منهم... ليس صدفة أنه في إحدى الصور يرفع بوزبال لافتة واضحة: "أطالب برحيل الشعب وتغييره". شعب يصرف فيه الفرد دولارا على الكتاب في كل عشر سنوات، ويطالع ست دقائق في السنة. مع هكذا بؤس ثقافي نفهم لماذا صمد القذافي في الحكم 40 سنة بينما هو منخور بحبوب الهلوسة، وليس لديه لا شرطة ولا جيش. واسم بوزبال ينطبق على من اجتمع فيه الجهل والفقر. هو نموذج لمئآت آلاف الشباب يعيشون بوعي رث. لديه إدراك شديد للفوارق الطبقية، لكنه سلبي جدا وبلا حس مقاومة. يتقبل ما يجري، مطالبه بسيطة، ما ان تتوفر له قطعة حشيش حتى يرضى. في منتصف حزيران/ يونيو 2012 ضبطت الشرطة 11 الف كليوغرام حشيشا قرب الرباط، واكتشفنا أن ألف هكتار من أراضي وزارة الأوقاف مستأجرة من مزارعي الحشيش. وبما أن مدمني الحشيش يعدون بمئات الآلاف، فلا بد من أن لهم وزنا سياسيا ككتلة سلبية مترددة يمكن شراؤها.
في حوار مع الشاب محمد نصيب الذي نقل شخصية بوزبال إلى الرسوم المتحركة، قال انه رمز للقسم "غير النافع" من الشباب المغربي. شباب بلغوا الخامسة والثلاثين ولم يتمكن بعضهم من كسب درهم واحد. لديهم صورة سلبية عن ذواتهم بشكل سادي، هي جزء من العنف الرمزي الموجه ضدهم.
وفي النهاية، يحمِّل بعض المعلقين على الانترنت مسؤولية كثرة شخصية بوزبال بين الشباب المغربي للسلطة التي حمت اللصوص وعرقلت نمو العقلية التي تناضل من أجل الاصلاح والتغيير. أما أغلبية المعلقين فيشتمون شخصية بوزبال الحشاش. يفعلون به ما يفعله بغيره.
للحشيش وظائف لا تحصى في مجتمعاتنا. فعدا تدمير الصحة، فإن له وظيفتين سياسيتين خطرتين:
من جهة أولى يوفر لأصحاب النفوذ خزانا ماليا هائلا (أحد عشر مليار دولار سنويا في المغرب)، يصرفونه نفوذا اجتماعيا وسياسيا، ليصيروا وجهاء وحتى نبلاء جددا.
ومن جهة ثانية يوفر كتلة بشرية من المدمنين الخاضعين الذين يزيدون أضعافاً مضاعفة عن شباب حركة "20 فبراير" الذين خرجوا للشارع لإسقاط الفساد. وبذلك يوفر المدمنون خزانا محتملا من البلطجية والشبيحة (أو "الشنَّاقة" في المغرب، والشناق هو سمسار الأكباش)، جاهزين لفعل أي شيء في مقابل قطعة حشيش. وهم يعتبرون الحملات الانتخابية فرصة للرزق، وغالبا ما "يقودونها" في الأحياء الشعبية. وعددهم في ازدياد بسبب الانفجار الديموغرافي.
ففي الربيع العربي/الأمازيغي، لا يملك النبلاء الجدد شرعية شعبية، لكنهم يملكون المال لشراء قوى تخدمهم.