اللقاحات ما بين التباهي الفج والظلم المعيب | دفاتر

استاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي - رئيسة تحرير السفير العربي

قيل في معركة اللقاحات – وهي موضوع هذا الدفتر الثالث والأخير الذي ينتجه "السفير العربي" حول جائحة كورونا، وكيفية إدارتها في منطقتنا - أن الأمر على الصعيد العالمي كان يشبه "حرباً باردة" تخللها الكذب والمنافسات والتهديدات والصراع على النفوذ أو على الأرباح، وقدر مهول من التباهي الفج، وقدر أفظع منه من الظلم، من اضطهاد واستبعاد مناطق وقارات بأسرها مع أنها تكتظ بالبشر. ظهر هنا تفاوت مستفز، وهو على ذلك خطير، إذ لا يعترف الوباء بالحدود، ولا يكترث كثيراً بإجراءات منع التنقل، ولا سيما أنها تحمل معها كوارث اقتصادية لا تُحتمل، بينما يظهر بوضوح أن مقاربةً أخرى، أقل أنانيةً وعنجهية، تفيد أكثر في إنقاذ البشرية من جائحة كورونا ومتحورات الفيروس، ومن كوارث أخرى يُتوقع قدومها.

وتُظهر الجولة التي أجريناها حول أساليب التعامل مع اللقاحات في منطقتنا، هذه الخصائص. وقد رصدنا حملات التلقيح كما جرت في المغرب ولبنان ومصر واليمن وسوريا والعراق والجزائر وتونس. تقدم النصوص المعلومات المدقَّقة المتوفرة عنها، وتحاول أيضاً تأويل الخيارات التي اتخذتها السلطات في تعيين اللقاح المعتمد، أو في الإعلان عن مشاريع لإنتاجه، أو عن شراكات عالمية معقودة لهذه الغاية، ما يكشف أحياناً عن ازدهار أسواق تجارية هائلة، ومتجددة، أو عن رغبات دعائية قد تكون مبالغاً بها. كما جرى بخصوص اللقاحات وطرق توزيعها وإعطائها للناس انكشافٌ ليس فحسب للارتجال والقصور، ولكن أيضاً للتفاوتات بين المناطق بحسب طبيعتها (ريف ومدينة، أحياء شعبية أو ميسورة، مهن مميزة، فئات اجتماعية محظوظة الخ). وباختصار حاولنا ملاحظة كفاءة المسلك أو تعثره أو التقاعس في أدائه مما هو معتاد، ومعه الجهل والمشاكسات بحسب خرائط الصراع الدائر على مستويات السياسة وليس المرض، بينما كانت اللقاحات هي الحل المتوفر حتى الآن للحد من أذى الوباء.

تناولنا في الدفتر الأول، وهو بعنوان مجابهة كورونا في المنطقة العربية - الفصل الأول، حالة البنى الصحية، وهي بمعظمها سيئةٌ إن لم تكن متهالكةً، وكانت عموماً متعثرةً في مواجهة الوباء المفاجئ، والذي تسببت أذيته العالية بانكشاف القصور في الاستجابة لمبدأ "الصحة العامة حق أساسي للجميع"، وكشفت كذلك فداحة الخيارات التي تبنتها السلطات في العقود الماضية، من خصخصة منفلتة من العقال من ناحية، وإهمال لمناطق وفئات مهمشة من ناحية ثانية.

وتناولنا في الدفتر الثاني وهو بعنوان مواجهة كورونا وفداحة إصاباته ليست تقنية أو طبية فحسب ملامح الجانب المجتمعي لهذه المعركة، الذي تختلط فيه معطيات البؤس الاقتصادي للناس، وسوء أحوال معيشتهم على أكثر من صعيد، بالمعوقات الأخرى: التوجّس من سلوك السلطات ونواياها، والخوف من هذه الجائحة، وفي الوقت نفسه الشك في ما يقال عنها.

وإذ نختم هذا المحور بدفاتره الثلاثة، نأمل ألا نضطر للعودة إلى إنتاج دفتر جديد عن كورونا، باعتبار تمدُد التهديد بالخطر...