خوف الناس من وحشية آلة الحرب الإسرائيلية قد تحوّل إلى خوف من بعضهم البعض. وصار هاجسهم ألا يكون الشخص الذي يقف إلى جانبهم، أو ذاك الذي يقود السيارة التي تسير أمامهم، أو ذاك الذي يقطن في الشقة التي تعلو شقتهم هو من المصنفين HVT.
شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه هنا صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف فارس، الذي لم يغادر شمال القطاع منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية. أظهر يوسف فارس مع هذه الصور التي التقطت، على بساطتها، ما يصدم: ملامح تمرّدٍ وسط العنف الدميم، وإعلان حياة طالعٍ من قلبِ الموت العميم...
المصطفّون في معسكر الجيش، صاروا يحرِّمون مجرد السؤال عن دوره في حماية الناس، أو حتى محاولة إنقاذهم، ويعتبرونه سؤالاً موغلاً في الخيانة الوطنية، ويخدم أجندة الطرف الآخر. بل بلغ العته ببعضهم إلى إسقاط هذا الدور عن الجيش تماماً. وبين هذا وذاك تستمر مذابح المدنيين، طالما أن الحواضن السياسية للطرفين تقوم بدور الشيطان: تزّين لـ"قوات الدعم السريع" أفعاله، وتُهوِّن على الجيش تملصه من المسؤولية الأخلاقية والدستورية.