حتى إذا استثنينا المستوطنين تماماً، فليس هناك إسرائيل واحدة. هناك تل أبيب، المدينة/المجتمع/ الثقافة التي تدير ظهرها للصراع وتنظر نحو البحر متمثلة نفسها كفقاعة/قوقعة أوروبية تتمتع بمستوى معيشي مرتفع. ثم هناك إسرائيل أخرى في المدن الفقيرة مثل "سديروت" التي تدفع ثمناً باهظاً في الوقت الحالي. هناك تمّ تكديس معظم المهاجرين القادمين من شمال أفريقيا، وهم الأكثر تأثراً بالخطاب القومي، ويرون فيه "استرجاعاً لكرامتهم الضائعة". لا جديد في الأمر. هذه ظاهرة...
بعد مغادرة العريش، أول مكان نصل إليه في سوريا هو بلدة خان يونس الرابضة على سفح تل صغير، تحيط بها بساتين المشمش والرمان والتين والبرتقال والليمون والتوت والجوز والصنوبر وكروم العنب. خضار النباتات البرية الكثيفة المنتشرة حولها يخلِّف في النفس شعوراً رائعاً بعد اجتيازنا سهب سيناء الرملية الجدباء التي غادرناها للتو، فحلّ على النفس الرضى والسرور.
طابع الإبادة الجماعية في الهجوم الذي تشنه إسرائيل على غزة صريح وشفاف ووقح للغاية. بصفة عامة، لا يفصح مرتكبو الإبادة الجماعية عن نواياهم بمثل هذا الوضوح، حتى وان كانت هناك استثناءات. على سبيل المثال ارتكب المستعمِرون الألمان إبادة جماعية في مطلع القرن العشرين رداً على انتفاضة السكان الأصليين من شعوب "الهيريرو" و"الناما" في "جنوب غرب إفريقيا"...