الحرب العميقة تنطلق على مستويين. الأوّل هو المستوى الأمني، وقد بدأت إسرائيل تسعى إلى ترميم صورة "الوحش" التي كسرناها. ولكن هناك مستوى أخطر: حين تهدأ الأخبار، تبدأ المؤسسة الأمنيّة ببسط أذرعها الاجتماعيّة لتعيد صياغة الذاكرة. لمحو القصّة التي كتبها الناس بالشوارع، والتضحيات، ولتكتب مكانها رواية ترسّخ تقسيمنا وتخدم استراتيجية إسرائيل الاستعماريّة.
كيف يمكن لمنظومة الصحة في مصر أن ترتب أولوياتها خلال هجمة وباء الكورونا، وفي ظل مخصصات مالية لا تزيد عن 1.5 في المئة من مجمل الناتج القومي، ولم تصل حتى الآن للمعدل المنصوص عليه دستورياً وهو 3 في المئة منه؟ هناك خطط معلنة للتطوير، لكن أغلبها يأتي تحت مسمى "المبادرات الرئاسية للصحة". فكيف كانت المواجهة، وما الذي نتج عنها؟
في حلب ومدن أخرى، كان مشهد توزيع الوجبات الغذائية ـ المطبوخة والمعبأة بكامل الاحترام - عند توقيت اﻹفطار الرمضاني في الشوارع، وعلى إشارات المرور، وفي الحدائق.. من الممارسات التي يتنافس عليها المقتدرون وأصحاب المال، دون ذكر ﻷسمائهم في معظم الحالات. وكان مشهداً شائعاً ومنتشراً... وهو لم يعد موجوداً.
لأن الوضع في اليمن متعدد مستويات الكارثة، يحار المرء في نقطة البدء أو في تعيين قلب المشكلة. والبارز أنها الحرب الدائرة منذ ست سنوات والتي أدت إلى تبعثر السلطات وتقاسمها للنفوذ على الأرض، واصطراعها المعرقل لتوفير الخدمات العامة. ولكن ذلك ليس هو وحده المشكل. فقبل الحرب كانت منظومة الصحة العامة بائسة أصلاً..
حين انطلقت أول زخة صاروخية نحو المواقع الاسرائيلية المحيطة بالقدس لتعلن بداية المعركة، ودّعتها هتافات الغزيين، واستقبلتها هتافات المقدسيين.