هناك "خيارات" سياسية واقتصادية واجتماعية فضح الوباء تبعات تجاهلها أو معاكستها. ففي المنطقة العربية كما في كل مكان، أثبتت جائحة كورونا أن توفير الصحة مرتبط بشكل وثيق بقطاعات أخرى: التعليم العام الجيد أولاً، والتمكن من استبقاء المتخصصين حيث هناك نزيف هجرة هائل للخريجين، السكن اللائق ثانياً، التغطية الاجتماعية التي توفرالعناية الصحية الجيدة والمجانية، الحق بالعمل كشرط لتأمين مستلزمات العيش والتغذية الخ.
شرّعت الحكومة لشركة التنقيب عن الذهب استخدامَ المياه الجوفية لمدينة الشامي في تصفية الذهب المستخرج. التصفية تتم عن طريق مادة "السيانير" المحرمة دولياً والكهرباء، على حساب صحة المواطن. فلماذا لا تقوم الشركة بالتصفية في أماكن التنقيب البعيدة.. المكان الذي يأخذون منه الحجارة ويطحنونها هناك ويصفونها هناك؟ إنها حسابات مالية.
أطلق لبنانيون يتظاهرون أمام بنك لبنان المركزي في كانون الثاني/ يناير من هذا العام، شعارات منددة ضد وفد من المصرفيين إثر مغادرته البنك. لم يكن مشهداً مفاجئاً على الإطلاق، إذ شهد لبنان موجة من الاحتجاجات استهدفت النخبة السياسية والمالية منذ تشرين الأول/ اكتوبر 2019، ولكن الملفت هنا أن الوفد لم يكن لبنانياً بل يمني -وهذا ما لم يعرفه المتظاهرون -حضر إلى بيروت للاستفسار عن مصير الودائع العالقة في المصارف اللبنانية...
الثقافة بمختلف أشكالها، رسمية كانت أو احتجاجية، بديلة أو ربحية، تعكس توجهات ورؤى متعددة ومتناقضة لماهيتها ودورها في المجتمع. وقد أخذت السياسة الاستعمارية على عاتقها مهمة "ترويض وتربية الهمجيين" لكي يتخلصوا من عاداتهم الثقافية "المتخلفة" والالتحاق بركب "الحداثة"، مما يفسر الربط العنيف رمزيا بين الثقافة والتربية.
تتقاطع النزعة الأمنوية مع النزعة التقنوية، وهي ترى في المدينة، كفضاء عمومي، فضاءها الأوحد الذي لا يجب أن ينازعها فيه أحد.