تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.
خلال مونديال قطر 2022، لفتت الجماهير التونسية انتباه المتابعين بصخبها - داخل وخارج الملعب - وأساليب تشجيعها لفريقها الوطني وكذلك لفتاتها المتكررة إلى فلسطين وقضيتها سواء بالأهازيج أو باللافتات والأعلام وحتى باقتحام الملعب لرفع الراية الفلسطينية. هذا التوهج ليس بغريب عن التونسيين الذين "يتنفسون" كرة قدم ولا يتعاملون معها كمجرد رياضة.
فلسطين نجمة المونديال!
24-11-2022
دخلت كرة القدم إلى تونس في أواخر القرن التاسع عشر مع المستعمرين الفرنسيين، وسرعان ما تحولت إلى "غنيمة حرب" استولى عليها المحليون ووضعوا عليها بصمتهم لتبدأ قصة من العشق مستمرة منذ أكثر من قرن، كتب أول سطورها مناضلون سياسيون ومثقفون و"أعيان" واستلمتها من بعدهم أجيال وفئات شعبية أخرى لتصل ذروتها مع "الألتراس" بقدوم الألفية الثالثة. عشق لطالما كان على خط التماس مع السلطة والسياسة.
موجز التاريخ السياسي والاقتصادي لكرة القدم التونسية
إلى حدود نهاية الحرب العالمية الأولى، كانت فرق كرة القدم حكراً على المستعمِرين الفرنسيين والأوروبيين. وحتى عندما حاول التونسيون تأسيس فرق خاصة بهم، سعت السلطات الاستعمارية إلى عرقلتهم، وعندما رخصت لأول فريق تونسي -"الترجّي الرياضي"- في سنة 1919، فرضت فرنسياً على رأس الإدارة، ثم تراجعت عن ذلك وسمحت للتونسيين بتأسيس وإدارة فرق رياضية. والملاحظ أنّ الفرق التي ظهرت في فترة ما بعد الحربين العالميتين كانت حريصة على إظهار هويتها الوطنية في تسمياتها، أمثال الترجّي الرياضي التونسي، والنادي الإسلامي (النادي الأفريقي حالياً)، والنادي التونسي (الصفاقسي حالياً)، وغيرها. كان أغلب الجيل الأول من مؤسسي الفرق التونسية ينتمي إلى الفئات المثقفة والطبقات المرفهة نسبياً، وهي الأوساط نفسها التي ستلعب دورا هاماً في تأسيس "الحزب الحر الدستوري" سنة 1920، الذي سيصبح بعد سنوات قائد معركة التحرر الوطني ضد الاستعمار الفرنسي. ومنذ الثلاثينيات، سعى الحزب الدستوري إلى التموقع في كل مفاصل المجتمع ومختلف أوجه الحياة اليومية، ولم تغب عنه أهمية فرق كرة القدم.
بعد الاستقلال وسيطرة الحزب الدستوري بقيادة الحبيب بورقيبة على السلطة، لم تنقطع الصلة بين السياسي والرياضي. ففي 1961 - وهي سنة مفصلية في تاريخ تونس فرضت فيها السلطة نظام الحزب الواحد والإعلام الموجه التابع للحاكم - أصدر رئيس الجمهورية قراراً يقضي بحل فريق "النجم الرياضي الساحلي" لأن جماهيره اشتبكت مع رجال الشرطة في الملعب وخرجت للاحتجاج في الشارع غَضَباً مما اعتبرته انحيازاً من الحكم للفريق المنافس، "الترجّي الرياضي"، الذي يَنظر إليه جزء هام من جمهور كرة القدم في تونس على أنه "فريق السلطة". كانت تلك "فركة الأذن" الأولى من السلطة للفرق الرياضية وتنبيه لمن يحاول الخروج عن النظام. وفي 1971، اندلعت أيضاً احتجاجات من قبل جماهير "الترجّي الرياضي" اعتراضاً على قرارات لجامعة كرة القدم، فقررت وزارة الداخلية تجميد نشاط الفريق ولم تتراجع عن قرارها إلا بأمر من رئيس الجمهورية. ويبدو أنّ السلطة استشعرت خطر غضب جماهير كرة القدم وإمكانية انتقال عدواه إلى الشارع، فشجعت بعث "خلايا أحباء" مهمتها "تأطير" مشجعي الفرق، كما حرصت على أن يكون رؤساء النوادي من المنتمين إلى الهياكل العليا للحزب الحاكم وحتى من أعضاء الحكومة.
في فترة حكم بن علي، ستتعزز هيمنة السلطة على الرياضة واستعمالها كمنصة دعائية. لكن على الرغم من بعض "الإنجازات"، فإن كرة القدم في تونس تضررت كثيراً خلال عهد بن علي بسبب استشراء الفساد ومحاباة السلطة لفرق على حساب أخرى، خاصة وأنّ زوج ابنته سليم شيبوب تولى رئاسة أكبر الأندية التونسية، "الترجّي"، من سنة 1989 إلى 2004 وكان يتمتع بصلاحية مطلقة للتدخل في كل ما يهم الشأن الرياضي.
حتى على المستوى الاقتصادي، تعكس كرة القدم التونسية مظاهر اللاعدالة وفشل الخيارات الاقتصادية الكبرى للبلاد، حيث ظلت الثروة والحيوية الاقتصادية والاهتمام الرسمي تتركز على مناطق بعينها. شهدت تونس 67 موسماً رياضياً منذ الاستقلال (1956). "الأربعة الكبار"، وهي فرق أكبر المدن التونسية وأغناها استأثرت بـ60 لقباً: 32 للترجّي الرياضي التونسي (العاصمة تونس، الشمال الشرقي)، 11 للنادي الإفريقي (العاصمة تونس، الشمال الشرقي)، 9 النجم الرياضي الساحلي (مدينة سوسة، الوسط الشرقي) و8 للنادي الرياضي الصفاقسي (مدينة صفاقس، الوسط الشرقي).
حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، كانت فرق كرة القدم حكراً على المستعمِرين الفرنسيين والأوروبيين. وحتى عندما حاول التونسيون تأسيس فرق خاصة بهم، سعت السلطات الاستعمارية إلى عرقلتهم، وعندما رخصت لأول فريق تونسي -"الترجّي الرياضي"- في سنة 1919، فرضت فرنسياً على رأس الإدارة، ثم تراجعت عن ذلك وسمحت للتونسيين بتأسيس وإدارة فرق رياضية.
وفي حين تنشط بعض الأندية في مدن لديها بنية تحتية رياضية متطورة ومتعددة (نسبياً طبعاً)، تتدرب أغلب الفرق وتلعب في ظروف مخجلة. نوادي المدن الكبرى ــ أساساً الأربعة الكبار ــ لها شعبية كبيرة وجماهير واسعة، توفر لها دعماً مادياً، بالإضافة إلى ما تكسبه من مشاركتها وفوزها في المنافسات المحلية والقارّية وعقود الإعلانات والنقل التلفزي ومداخيل تذاكر المقابلات. أما النوادي الصغيرة، خصوصاً التي تنشط في المناطق الداخلية الفقيرة، فهي تعيش على منح ومساعدات من السلطات الجهوية والمركزية وبعض الدعم المالي من الأحبّاء الميسورين. اعتماد نظام "اللاهواية" سنة 1995 ثم نظام الاحتراف (1) سنة 2005 هو ما قصم أظهر أغلب الجمعيات المتوسطة والصغيرة، لتتكرس هيمنة الأربعة الكبار. حتى الفرق التي تتبع مؤسسات القطاع العام والتي كانت حتى حدود التسعينيات من القرن الفائت تنشط في دوري النخبة وتضيف إليه نكهة خاصة، لم تقدر على الصمود أمام سيطرة المال ورجال الأعمال على كرة القدم.
تونس: جغرافيات الغضب والخوف من المستقبل
07-05-2018
الممارسات السلطوية واللاعدالة الاقتصادية أججت الحساسيات "الجهوية" (المناطقية) في البلاد وساهمت في احتقان الأجواء في المدارج بين الفرق. ومنذ أواخر التسعينيات الفائتة، بدأ العنف يزداد حدة في الملاعب وبدأت الشعارات والأهازيج تتسيس أكثر فأكثر، وتوجه رسائل إلى السلطة، خاصة مع دخول "لاعب" جديد على الخط: مجموعات "الألتراس".
الألتراس أكبر من أن يسعهم ملعب
انطلاقاً من أواسط تسعينيات القرن الفائت، بدأت تتشكل ملامح جنينية لثقافة الألتراس في مدارج الملاعب التونسية. لكن الظهور الرسمي والمنظم لمجموعات الألتراس في البلاد أتى مع بداية الألفية الثالثة، لتصبح تونس رائدة ثقافة الألتراس في العالم العربي وأفريقيا. تكاثرت المجموعات بمرور السنوات، لكن عددها ظل محدوداً نسبياً في فترة حكم بن علي، وشكلت ثورة 2011 مرحلة جديدة في تاريخ ألتراس تونس، ليس فقط على مستوى عدد المجموعات الذي تضاعف، بل أيضاً على مستوى انتشار ثقافتهم. أكثر من ستين مجموعة ألتراس تونسية ظهرت منذ سنة 2002، وتحتكر الفرق الأربعة الكبار - خاصة "الترجي" و"الافريقي"- قرابة نصفها في حين تتوزع البقية على أكثر من عشرين فريق. بعضها ما زال ينشط منذ عقدين، وبعضها الآخر لم يدم وجوده أكثر من بضعة أشهر. كما أنّ حجمها وإشعاعها يتسمان بتفاوت كبير يرتبط بحجم وإشعاع الفريق الذي تشجّعه والثقل الديمغرافي للمدن وكذلك الأسبقية في الوجود. وبعض المجموعات تضم عشرات أو مئات الأعضاء وبعضها الآلاف.
سنحاول فيما يلي إعطاء صورة شاملة عن مجموعات الالتراس في تونس، ليس فقط بوصفها أطرا لها هياكل وهويات وقواعد خاصة، بل أيضا كتعبير فنيّ وظاهرة سياسية واجتماعية.
• 1- هيكلة المجموعات
ليست هناك هيكلة مثالية أو ثابتة لمجموعات الألتراس في تونس كما في العالم، لكن هناك نماذج متشابهة مع اختلافات بين الدول وحتى بين المجموعات في البلاد نفسها والتابعة للفريق نفسه. وحسب الباحث محمد فخر الدين اللواتي، فإن هناك نموذجين مهيمنين في تونس. الأول عمودي بامتياز، إذ نجد في أعلاه "الكابو" (Capo أي القائد بالايطالية) وتحته النواة (Noyau) ثم مجموعة وسيطة تسمى الـStaff وبعدها المشرفون على القطاعات أي المناطق التي توجد فيها فروع لمجموعة الالتراس (chefs de secteurs)، وأسفل الهرم بقية الأعضاء. يعتبِر الباحث ان هذا النموذج هو الأكثر انتشاراً في تونس خاصة في مجموعات الألتراس الأقدم والأكثر شعبية، ويرى أنّه "يعتمــد علــى هرميــة فــي هيكلــة التنظيــم ومركزيــة فــي أخــذ القــرار، ويرتكــزُ علــى "كابــو" لقيــادة المجموعــة" (2).
• 2- عناصر الهوية
المكون الأول للهوية هو بالطبع الاسم. وأغلبية مجموعات "الألتراس" في تونس أطلقت تسمياتها بالانجليزية أو الإسبانية والإيطالية، ربما لتأكيد انخراطها في حركة عالمية/معولمة وانتمائها إلى إرث الألتراس الأمريكي الجنوبي والإيطالي. اللغة الفرنسية متوسطة الحضور، أما العربية فهي شبه غائبة. وتستلهم مجموعات "الألتراس" أسماءها من عدة مصادر:
-الألوان المميزة للفريق
-اسم الفريق أو مدينته الأم.
-معجم القوة والحرب والشجاعة:
Brigade rouge ، Fighters، Gladiators، Power Marines، Fedayn Espérantistes, Pirates ، Partisans، Ultras Vikings ، Zapatista، Vandals..
- معجم الأخويات والعصابات: تحضر كلمة Boys (الفتية/الأولاد، بمعنى المجموعة المنظمة) في تسميات أكثر من عشر مجموعات ألتراس ونجدها أحياناً باللغة الاسبانية مثل مجموعة Chicos Latinos.
- معجم الملاعب والمشجعين: وتشير إلى المواقع التي يحتلها أعضاء الالتراس في مدرجات الجمهور وهي عادة "الكورفا" (Curva أي المنعرج بالايطالية) الجنوبية والشمالية.
مغنو الراب والبوليس: قصة الكره المتبادل
04-11-2017
اللوغو هو العنصر الثاني في هوية مجموعة الالتراس، ويجب أن يختزل عدة عناصر في آن واحد: اسم المجموعة وتاريخ ولادتها، والألوان المميزة للفريق الذي تشجعه، و"التميمة" (mascotte). وتحضر في الكثير من اللوغوهات صورة المقاتلين شديدي البأس من التاريخ القديم أو الحديث، بالإضافة إلى شخصيات مستوحاة من المسلسلات والسينما العالمية. وأحيانا تتمثل التميمة في "الصورة النمطية" لعضو الألتراس الذي يخفي ملامحه بغطاء للرأس ولفاع. وبعض المجموعات تختار حيواناً مخيفاً و/أو يرمز للقوة مثل كلب "البولدوغ" أو الأسد، أو النسر، أو تكتفي بالرموز مثل الدرع أو الرماح أو السيوف أو قبضة التحدي أو الجمجمة.
ثالث العناصر وربما أهمها، بما أنه مرتبط بولادة مجموعة الألتراس و"موتها"، هو "الباش" (Bâche) وهي قطعة قماشية أو بلاستيكية مستطيلة يظهر فوقها اسم المجموعة وألوانها المميزة واللوغو وغيرها من العناصر المعبِّرة عن هويتها. لا يمكن أن تحصل مجموعة ألتراس على الاعتراف الحقيقي إلا عندما ترفع "الباش" المميز لها لأول مرة في المدرجات. وعندما تستولي مجموعة ألتراس على "باش" مجموعة أخرى وترفعه/تعلقه مقلوباً في مدرجات ملعب، يتوجب على المجموعة التي خسرت "باشها" أن تحل نفسها.
• 3- الالتراس كتعبير فني
التعصب لفريق رياضي ليس حكراً على الألتراس، وكذلك الانضمام إلى هيكل مشجعين والصدام مع الشرطة. ما يميز مجموعات الألتراس حقيقة هي أشكال التعبير عن هويتها وثقافتها، خاصة في بُعدها الجمالي الإبداعي. يوم المباراة هو بمثابة عرض فرجويّ تتواصل تحضيراته لأيام: الأهازيج، الطبول، اللافتات، الشماريخ...
الجيل الأول من مؤسسي الفرق التونسية ينتمي إلى الفئات المثقفة والطبقات المرفهة نسبياً، وهي الأوساط نفسها التي ستلعب دورا هاماً في تأسيس "الحزب الحر الدستوري" سنة 1920، الذي سيصبح بعد سنوات قائد معركة التحرر الوطني ضد الاستعمار الفرنسي.
يحتل أفراد الآلتراس مواقعهم مرتدين المنتجات التي تحمل ألوان ورموز الفريق والمجموعة، حاملين معهم طبول "الحرب" ومضخِّمات الصوت و"الشماريخ". يعلقون "باشاتهم" المميزة فوق الأسيجة والجدران ويرفعون يافطات تحمل رسائل متنوعة، ثم ينطلقون في التشجيع دون توقف حتى تنتهي المباراة.
وتكون التحضيرات والجهود أكثر أهمية عندما يتعلق الأمر بـ"العرض الكبير" أي ما يسميه الألتراس "الدخلة". وهي مشهدية سمعية بصرية أهم عناصرها الـ"تيفو" (Tifo) وهو بمثابة لوحة ضخمة مرسومة على القماش أو مَحْمل آخر.
• 4-فيديوهات بعض "الدخلات"
دخلة الترجّي في مباراة دربي العاصمة ضد النادي الإفريقي
دخلة من الفاندالز في مباراة الإفريقي والمنستير : CURVA NORD عمر العبيدي
دخلة جماهير النادي الصفاقسي في نهائي كأس تونس 2022
العناصر البصرية الرئيسية في "التيفو" مستلهَمة من مصادر متعددة أهمها الشخصيات المقاتلة والعنيفة، الطيبة منها والشريرة، الحقيقية منها والأسطورية، والمستلهَمة من أفلام المافيا والأكشن وعالم "الانمي" والمسلسلات التلفزية العالمية الشهيرة، الخ.
• 5- مجموعة من التيفوهات
• 6- الاهازيج والاغاني
تشكّل الأهازيج والأغاني مكوِّناً ثابتاً في ثقافة الألتراس داخل وخارج الملعب، وإذا ما كانت السلطات الأمنية قادرة على مصادرة لافتات الألتراس وأعلامهم، فهي لا تقدر على مصادرة كلماتهم وألحانهم. تعبر هذه الأهازيج عن معيش عضو الألتراس، عشقه لفريقه واستعداده لبذل الغالي والنفيس في سبيله. تحاول ان تشرح للسامع أسباب تعلّق الشباب بثقافة الألتراس وماذا يعيشون ويحسون وهم في مدارج الملاعب. وتفضح قمع قوات الأمن لمجموعات الألتراس وتتغنى بالعداوة "الأبدية" بينهما، وتتوجه برسائل حادة إلى السلطة السياسية الفاسدة والأثرياء الذين يسرقون كرة القدم من الفقراء.. وطبعاً لا تنسى فلسطين وبقية المضطهَدين في العالم.
وهنا مقاطع من أهزوجة "يا حياتنا" لمجموعة African Winners المشجِّعة للنادي الافريقي، وهي بلا منازع الأهزوجة الأشهر في تونس نظراً لطابعها السياسي القوي:
"غناياتنا
علفريقي والربحة إلي زهاتنا
عالحرية و البلاد إلي نساتنا
علمظلومين و الدولة إلي خلاتنا
عالحق إلي يبقى رقبة بيناتنا
(أغنياتنا
عن النادي الافريقي وانتصاراته التي تبهجنا
عن الحرية والبلاد التي نستنا
عن المظلومين والدولة التي تخلت عنا
عن الثأر الذي يبقى دينا في رقابنا).
الحالة
سرقة وغورة وهوما يحبو لحصانة
في كل دورة لحاكم رشوة وجعالة
شحال من حومة عايشة تهميش وبطالة
ناس مقهورة صارت زطلة وسكارى
(الحال
إنهم يسرقون ويستولون ويريدون التمتع بالحصانة
في كل منعطف تجد قوات أمن فاسدة ومرتشية
كم من حي يعيش التهميش والبطالة
يغرق سكانه المقهورون في ادمان المخدرات والكحول).
بعتوها
نهبتو ملاين للبراني عطيتوها
ورخيتو لعين السرقة دعمتوها
دخلتوا لكوكة لبلاد فزدتوها
هججتو الناس للغربة لزيتوها
(بعتموها
نهبتم الملايين ونقلتموها إلى الخارج
تغاضيتم عن السرقة ودعمتموها
أدخلتم الكوكايين إلى البلاد فأفسدتم حالها
دفعتم الناس إلى مغادرة البلاد والعيش في غربة).
منظومة
نكرهوكم رحمة معاكم معدومة
jamais ننسى اللي ماتو في الكميونة
لميمة خذات وليدها في كرذونة
حرام يموتو تبقاو عايشين نتوما
(المنظومة
نكرهكم، فأنتم عديمو الرحمة
أبدا لن أنسى اللواتي مِتْنَ في حادثة الشاحنة (عاملات فلاحيات يركبن وسائل نقل غير آمنة)
والأم التي استلمت رضيعها في علبة كرتونية
حرام أن يموتوا وأن تظلوا أنتم على قيد الحياة).
يالقاضي
طالبين الحق ملينا كلام الفاضي
اخرتها موت و بحكم ربي راضي
غير الكورفا لتداويلي أمراضي
نحاربو السيستام كيما درنا في الماضي
(أيها القاضي
نطالب بالحق، مللنا الكلام الفارغ
كلنا سنموت، وأنا راض بحكم الله
وحدها "الكورفا" قادرة على علاج أمراضي
نحارب النظام كما فعلنا في الماضي).
• 7 - الغرافيتي
لا تقتصر التعبيرات الفنية لمجموعات الألتراس على الملعب، بل تمتد إلى خارجه لتكسر بياض شوارع المدينة. الغرافيتي هو التعبير الأبرز، وقد أسّس سقوط بن علي ومعه تحرير الفضاء العام إلى انطلاقة جديدة لثقافة "الألتراس"، تزامنت مع ازدهار فنون الشارع وحرية التعبير في البلاد.
تعكس كرة القدم التونسية مظاهر اللاعدالة وفشل الخيارات الاقتصادية الكبرى للبلاد، حيث ظلت الثروة والحيوية الاقتصادية والاهتمام الرسمي تتركز على مناطق بعينها. شهدت تونس 67 موسماً رياضياً منذ الاستقلال (1956). "الأربعة الكبار"، وهي فرق أكبر المدن التونسية وأغناها استأثرت بـ60 لقباً!
الممارسات السلطوية واللاعدالة الاقتصادية أججت الحساسيات "الجهوية" (المناطقية) في البلاد وساهمت في احتقان الأجواء في المدارج بين الفرق. ومنذ أواخر التسعينيات الفائتة، بدأ العنف يزداد حدة في الملاعب وبدأت الشعارات والأهازيج تتسيس أكثر فأكثر، وتوجه رسائل إلى السلطة، خاصة مع دخول "لاعب" جديد على الخط: مجموعات "الألتراس".
وهكذا أصبح للألتراس متسعاً لإنجاز رسمات الغرافيتي الملونة ثم الجداريات الضخمة، وفُتح الباب أمام تنافس إبداعي بين مختلف المجموعات.
-عينة من الغرافيتي
لا عدالة.. لا سلام
منذ نحو ربع قرن، اقتحم "الألتراس" المشهد السياسي - الاجتماعي في تونس، متجاوزاً مساحات الملاعب. وعلى الرغم من القصر النسبي لهذه المدة، فيمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل:
تشمل المرحلة الأولى العقد الأخير من حكم بن علي، أي من 2000 إلى 2010. في تلك الفترة، بدأت مجموعات الألتراس بالظهور تباعاً وأغلبها يشجع من "الأربعة الكبار"، وتطوَّر حضورها تدريجياً في الملاعب لكن دون أن يصل إلى مستوى حضور الألتراس في أوروبا وأمريكا الجنوبية. فالقبضة الحديدية لنظام بن علي البوليسي ولئِن تسامحت في البداية مع الظاهرة الجديدة إلا أنها وضعت لها حدوداً. هذه الحدود ستكسر لأول مرة في 8 نيسان/أبريل 2010، عندما اندلعت مواجهات حادة بين مشجعي فريق "الترجّي" (ومن بينهم الألتراس) وقوات الأمن التي مارست العنف الشديد لـ"ضبط" الجماهير. فقبل تلك "الواقعة"، كان العنف الجسدي حاضراً في المدارج لكنه يدور في أغلب الأحيان بين جماهير الفرق المتنافسة، أما العنف تجاه السلطة فكان لفظياً وبالتلميح.
سقوط بن علي في كانون الثاني / يناير 2011 مثّل ولادة جديدة لثقافة الألتراس في تونس. على المستوى العددي حصل ما يشبه الانفجار، فحتى الفرق الصغيرة في الدوري الممتاز والدرجات الأخرى بدأ مشجعوها في تأسيس مجموعات ألتراس. هذا الانتشار الواسع حدث على الرغم من محاولات الحكومات والسلطات الأمنية التضييق على الألتراس والجماهير عموماً. فبين كانون الأول/ديسمبر 2010 وتشرين الثاني/نوفمبر 2012، مُنع الجمهور من حضور مباريات كرة القدم بدعوى "هشاشة الوضع الأمني"، ثم سُمح بدخول الجمهور باستثناء من هم دون الـ20 عاماً (ثم ال 18عاماً). ساهم وضع روادع لمشاركة الألتراس في الملاعب في تفاقم نقمتهم ضد السلطة، ولكنه عزّز حضورهم في الشارع كبديل عن الملعب من خلال التعبيرات الفنية وكذلك المشاركة في الحراكات الاجتماعية.
المرحلة الثالثة، والتي لا تزال مستمرة، بدأت في 31 آذار/مارس 2018. في ذلك اليوم، أقيمت في "ملعب رادس" مباراة بين "النادي الافريقي" و"اولمبيك مدْنين" انتهت بأعمال عنف وقمع بوليسي كبير للمشجعين. لم يكتف رجال الشرطة بتعنيف الجماهير في مدارج الملعب، بل طاردهم خارجه. أحد المطاردين، واسمه عمر العبيدي، وقع في أيدي رجال الأمن، وقام أحدهم بإلقائه في مياه "وادي مليان". لم يكن عمر يتقن السباحة وصاح يستغيث لكن رجال الأمن سخروا منه قائلين "تعلم عوم" (تعلَّم السباحة) حسب رواية شهود عيان. في آخر الأمر جرفت المياه عمر ومات غرقاً في سن الـ19. وتجدر الإشارة إلى أنّ عمر كان عضواً في مجموعة ألتراس مشجِّعة للنادي الافريقي.
شكلت ثورة 2011 مرحلة جديدة في تاريخ ألتراس تونس، ليس فقط على مستوى عدد المجموعات الذي تضاعف، بل أيضاً على مستوى انتشار ثقافتهم. أكثر من ستين مجموعة ألتراس تونسية ظهرت منذ سنة 2002، وتحتكر الفرق الأربعة الكبار -خاصة "الترجّي" و"الافريقي"- قرابة نصفها في حين تتوزع البقية على أكثر من عشرين فريق.
أثارت هذه الجريمة المرتكَبة بدم بارد غضب الرأي العام وليس فقط مجموعات الألتراس، وانتشر هاشتاغ #تعلم_عوم في وسائل التواصل الاجتماعي. وبفضل ضغط جماهير كرة القدم وتجنّد منظمات من المجتمع المدني وعدد كبير من المحامين، نُقل الملف إلى المحاكم. وبعد أكثر من أربع سنوات من الجهود المضنية وجهت المحكمة الابتدائية تهمة القتل "على وجه الخطأ" إلى 12 من أفراد الشرطة متورطين في القضية.
موت عمر سمم الأجواء أكثر في الملاعب وتواتَرت المواجهات العنيفة، حتى أن السلطات قررت في 2019 منع الجمهور من التواجد في المكان الذي تحتله عادة مجموعات الألتراس. وتنامت نقمة شباب الألتراس على "الحاكم" (قوات الأمن كما يسميها التونسيون) ليبقى الصراع قائماً.
***
ليست مجرد لعبة.. دائماً ما فضحت كرة القدم سعي السلطة السياسية إلى التحكم والمراقبة والاخضاع والتجيير. وهي مرآة تعكس أمراض البلاد (ديكتاتورية، تفاوت طبقي، نزعات جهوية، فساد) وكذلك وجهها الجميل: مريدوها المتيمون والغاضبون (بعنف أحياناً) والمقاوِمون والمبدِعون. تواجه السلطات في تونس اليوم أجيال المشجعين الأكثر صدامية في تاريخ كرة القدم في البلاد، وليست السياسات الأمنية القمعية هي التي ستُهدئ الأجواء. ما يطالب به أغلب شباب الألتراس هو بالضبط ما يطالب به أغلب التونسيين: حقهم في الكرامة والبهجة.
محتوى هذا المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.
1 - قبل سنة 1995 كانت ممارسة كرة القدم في تونس للهواة، يعني يمكن للاعب أن يشترك في فريق كبير ويلعب يوم الأحد ويعمل باقي الأسبوع في مهن مختلفة. وكان هذا ينطبق حتى على الإطار الفني والاداري وكان عددهم محدوداً، وكانت مصادر دخل الفريق/الجمعية محدودة وتعتمد على التمويل العمومي والتبرعات. في بداية تسعينيات القرن الفائت اتخذ القرار باعتماد النظام الاحترافي وفق عقود قانونية تضبط الواجبات والحقوق والأجور والمنح، وتستوجب تفرغ المتعاقدين لممارسة كرة القدم، كما توفر بنى تحتية معينة مقابل امتيازات مثل حصة من حقوق البث التلفزي للمقابلات وتذاكر الدخول إلى الملعب، الخ. وبما ان أغلب الفرق التونسية لم تكن مؤهلة لمثل هذا التحول السريع، اعتمد "نظام اللاهواية" كمرحلة انتقالية أي انه كان نظاما احترافيا بشروط مخففة.
2 - محمد فخر الدين اللواتي: "ثقافة الالتراس في تونس"، ص.16. دراسة صادرة عن المرصد الوطني للشباب، تونس 2021.