تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.
كانت زينب ذات العشر سنوات تنام في حضن والدتها في بيتها في مدينة الصدر في بغداد منتصف نيسان/ أبريل 2022، عندما قرر والدها أن ينهال على رأسها بالضرب بعصا غليظة هشمت جمجمتها وكسرت أسنانها وأضلاعها. كان الرجل مصراً على قتل ابنته وهو يصيح "البنت عار". أثارت قصة مقتل الطفلة زينب ردود أفعال وسخط واسعين لدى العراقيين، وأثارت استغرابهم واستنكارهم خاصة أن الضحية لم ترتكب "ذنباً"، بل قُتلت فقط لأنها بنت!
لم تكن حادثة زينب، على الرغم من بشاعتها، منفصلة كثيراً عما يحدث بأشكال مختلفة في المجتمع من انتهاكات وتعنيف مستمر للنساء والأطفال، بطرق مختلفة قد يفضي بعضها وفي أحيان كثيرة إلى الموت، كما حدث للطفلة زينب وما يزيد عن عشر حالات أخرى سجلت لدى الشرطة المجتمعية خلال شهري نيسان / أبريل وأيار/ مايو 2022 في مختلف مناطق العراق وتداولتها منصات المنظمات النسوية مثل منصة "حقوق المرأة" العراقية ومنصة "منظمة حرية المرأة" ومنصة "هي ثورة" (1). وعلاوة على القتل فهناك حالات انتحار لنساء يُظن أنّ بعضها جرائم قتل مموهة، سُجلت على أنها انتحار لحماية الجاني من أي محاسبة. فالعنف الأسري والمجتمعي مستمر في العراق بلا رادع قانوني ولا حماية جدية للضحايا، والفوضى والإهمال ما زالا يلفان البلاد بشكل عام ويتفاقمان في المناطق الأكثر بؤساً. فيما الحماية القانونية ضد الابتزاز الإلكتروني والتحرش شبه معدومة. فحسب إحصائية (2) نشرتها وكالة الأنباء العراقية عام 2021 عن وزارة التخطيط العراقية، فإن العنف الممارس من الزوج على زوجته يتراوح بين العنف الاقتصادي بنسبة 22 في المئة، يليه العنف اللفظي بنسبة 12في المئة والعنف الجسدي 3.6 في المئة والعنف الجنسي1.8 في المئة. وبشكل عام فإن 29 في المئة من النساء في المجتمع العراقي يتعرضنَ للعنف بكل أشكاله. وإنْ وضعنا أيضاً بعين الاعتبار أنّ هذه الإحصائية أجريت في ظل الفوضى وسوء التنسيق الذي يعم مؤسسات الدولة في العراق، فيمكننا أن نتصور بأن الأرقام الحقيقية أسوء من ذلك.
نقطة التحول
بدأ التدهور في أحوال المرأة بشكل خاص مع بدء الحصار الاقتصادي في العراق عام 1991 والذي كان نقطة انقلاب كلي في الأوضاع المعيشية وبالتالي في العلاقات الاجتماعية في البلاد. فقد أفلَتْ الطبقة الوسطى المتعلمة وانسحقت، ولم يعد التعليم ضرورة اجتماعية كما كان في السابق، بل حلت محله القدرة المالية والقرب من مراكز القوى، سواء كانت الحكومية أو المرجعية العشائرية والدينية أيضاً. فأصبح العراقيون في المدينة وفي الريف على حد سواء يبحثون عن جذورهم العشائرية ليحتموا بها وبقوانينها بعد أن ضعف القانون المدني وعجز عن حمايتهم، فخضعوا لأعراف العشيرة، ومن ضمنها الأعراف المتعلقة بكيفية التعامل مع المرأة وتعليمها وعملها وأحوال الأسرة الشخصية. وعاد الناس لممارسة عادات وتقاليد كانوا يرفضونها سابقاً. صاحبَ ذلك مدٌّ دينيٌّ جاء بتشجيع من الحكومة آنذاك للسيطرة على مشاعر السخط من الوضع الاقتصادي المتردي وتحويل تركيز الناس عن حماقات الدكتاتور التي أوصلت البلاد إلى ذلك الوضع، إلى غيبيات تمسّك بها الناس ليستطيعوا الصبر على ضنك العيش.
وقعت النساء والفتيات بين مطرقة البطالة وسندان الدِين والأعراف العشائرية، فأصبحن في بعض الأحيان يعامَلن معاملة الممتلكات والسلع. وسُجلت حالات سد الديون المالية عن طريق منح الأب ابنته إلى الدائن للتخلص من دفع الدين، أو أن يضطر الأهل لتزويج بناتهنّ خوفاً من الفقر أو ليستطيعوا سد بعض احتياجات العائلة من المهر المدفوع من العريس.
تدرك الكثير من العراقيات أنّ تزاوج العشائرية والدين في ظل انفلات السلاح وغياب القانون ووفرة المال، هي الروافد لكل هذه الفوضى، وهي أساس استمرار اضطهادهنّ. وقد نشطت الحوارات والنقاشات على وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الاعلام كما في الشارع أيضاً، بعد أن حركتها احتجاجات "تشرين2019" في العراق.
تفاقم الأمر بعد الاحتلال وسقوط مؤسسات الدولة. فازداد تمسك الناس بالجذور العشائرية وأضافوا عليها الدينية /المذهبية أيضاً. فمع قدوم القوى الطائفية وتعزيز الاحتلال لمبدأ المحاصصة السياسية على أساس الطائفة والإثنية، واندلاع العنف الطائفي، أصبح الناس يعودون للارتباط بطوائفهم، فإن لم تحمهم العشيرة فستحميهم الطائفة الدينية. كل ذلك أثّر سلباً على وضع المرأة وأعاد تعزيز فكرة "الشرف والعار" حيث تتحمل المرأة مسؤولية "عدم تلويث" اسم العشيرة والطائفة على حد سواء. مما أدى إلى زيادة جرائم الشرف والعنف المنزلي، وولّد ضغطاً كبيراً على أساس الجنس.
العنف الاقتصادي
ما جاء في إحصائية وزارة التخطيط المذكورة أعلاه لم يكن مفاجئاً، خاصة فيما يتعلق بالعنف الاقتصادي، والذي يتمثل في منع الضحية من الوصول إلى الموارد الاقتصادية التي تضمن لها سد احتياجاتها الأساسية دون الاعتماد على الجاني أو الجناة. وقد يشمل ذلك على سبيل المثال لا الحصر، المنع من إكمال التحصيل العلمي، المنع من العمل، ومنع الضحية من الميراث أو سلبه منها بالقوة أو بالتهديد، الاستحواذ على راتب أو موارد الضحية المادية بالإجبار أو بالتهديد أو الضغط النفسي، أو إجبار الضحية على العمل لمصلحة الجاني وحسب ما يراه مناسباً... إلى آخره من أشكال السيطرة على الموارد الاقتصادية. وقد يكون هذا الشكل من أشكال التعنيف هو الأهم، لأنه في كثير من الأحيان يكون المدخل أو البداية لأغلب أشكال التعنيف الأخرى. خاصة وأنّ النظرة الشائعة والتي رسخها المد الديني تدريجياً منذ تسعينيات القرن الفائت وصولاً إلى يومنا هذا حددت المرأة بكون مسؤوليتها الاقتصادية تقع على الرجل. فبعد أن كانت النساء يشكلن نسبة 23 في المائة من الأيدي العاملة في العراق قبل بدأ الحصار الدولي على العراق الذي بدأ في العام 1990 واستمر 13 عاماً، انخفضت هذه النسبة إلى 15 في المائة بحسب إحصائيات (3) البنك الدولي للعام 2020.
نساء العراق يقاومن العسف في بلدٍ منكوب
08-01-2022
وقعت النساء والفتيات بين مطرقة البطالة وسندان الدِين والأعراف العشائرية، فأصبحن في بعض الأحيان يعاملن معاملة الممتلكات والسلع. وسجلت حالات سد الديون المالية عن طريق منح الأب ابنته إلى الدائن للتخلص من دفع الدين، أو أن يضطر الأهل لتزويج بناتهنّ خوفاً من الفقر أو ليستطيعوا سد بعض احتياجات العائلة من المهر المدفوع من العريس.
وفي ظل مباركة السطوة الدينية القائمة، تشكل الفتيات القاصرات النسبة الأكبر من ضحايا هذا النوع من الزواج، حيث وصلت نسبة الفتيات المتزوجات دون سن 18عاماً في عموم العراق إلى 25.5 في المئة حسب إحصائية وزارة التخطيط المذكورة أعلاه، بينما سجل إقليم كردستان نسبة أقل بقليل وهي 22.6 في المئة. هذا بالإضافة إلى جريمة استغلال الفتيات القاصرات في شبكات الدعارة وخدمات الجنس التي تديرها شخصيات ذات نفوذ كبير، حتى أصبح من الصعب الحصول على أرقام حقيقية توثق أعداد ضحايا تمتلئ النوادي الليلية بهنّ تحت أنوف السلطات التي لا تفعل شيئاً لإنقاذهنّ (4).
العنف الأسري
"أصبحتُ عاراً عليكم وسأخلصكم مني"، كتبت فتاة من بغداد هذه الكلمات بخط يدها وتركتها لأهلها قبل أن تقدم على الانتحار في الأسبوع الأول من شهر أيار/مايو 2022. لم تكن هي الأولى ولا الأخيرة من النساء والفتيات العراقيات اللواتي يخترن الموت على أن يكملن حياتهنّ في العراق. فقبلها بيومين فقط، رمت فتاة بنفسها من "جسر الجمهورية" في وسط العاصمة بغداد، وتلتها ثلاث حالات انتحار أخرى معلنة في ظرف أسبوع واحد فقط في بغداد وأربيل. تزايدت حالات الانتحار بين النساء على الأخص في الأعوام الأخيرة، حتى أصبحت ظاهرة كُتبت عنها التقارير الصحافية (5).
تصر الأحزاب الدينية الحاكمة ونوابها في البرلمان العراقي على منع المصادقة على أي مسودة مقدمة لقانون يناهض العنف الأسري، بحجة أنه سيؤدي إلى تفكك الاسرة. بينما تتمسك تلك الأحزاب وممثلوها في البرلمان بمواد قانونية تبيح وتبرر الانتهاكات.
ظاهرة الانتحار مستمرة في عموم البلاد لاستمرار أسبابها وغياب سبل معالجتها. حيث سجلت تقارير الشرطة المجتمعية ما يزيد عن 700 حالة انتحار خلال العام الماضي 2021، نصفها كانت من النساء. ومجدداً يحوم الشك حول أنّ العديد من حالات الانتحار تلك هي جرائم قتل ناتجة عن عنف منزلي يسجل على انه انتحار، مثل الجريمة التي ارتكبت في20 نيسان/ ابريل الماضي، وهي قصة "مروة علي فليح" البالغة من العمر 20 عاماً، من مدينة النجف، التي ادّعى زوجها بأنّها انتحرت شنقاً وهي عروس في شهرها الخامس من الزواج، فيما ظهر على جسدها آثار ضرب مبرح وتعذيب (6). وما زالت القضية لم تحسم بعد، كما هو الحال مع العديد من القضايا المماثلة التي عادة ما تنتهي بإفلات الجاني من العقاب.
يكاد لا يمر يوم دون أن تطالعنا أخبار عن جريمة عنف أسري في العراق، غالباً ما تكون الضحايا من النساء والأطفال، وغالباً ما يكون الجاني هو الزوج أو الأب. وفي الوقت الذي تطالب فيه المنظمات النسوية (منظمة حرية المرأة، منظمة صوت المرأة، منظمة حقوق المرأة العراقية وغيرها) والإنسانية مثل مفوضية حقوق الإنسان بضرورة وضع قانون لمناهضة العنف الأسري، تصر الأحزاب الدينية الحاكمة ونوابها في البرلمان العراقي على منع المصادقة على أي مسودة مقدمة للقانون، بحجة أنه سيؤدي إلى تفكك الاسرة العراقية. بينما تتمسك تلك الأحزاب وممثلوها في البرلمان بمواد قانونية تبيح وتبرر الانتهاكات، على الرغم من أنها مواد قديمة تنتمي إلى دستور النظام السابق الذي تدعي الحكومات التي تعاقبت بعد سقوطه رفضها له. ومن هذه المواد المادة 41 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، التي تبيح للزوج تأديب زوجته وللآباء تأديب أولادهم وبناتهم باستعمال الضرب. فلم يبق أمام بعض الضحايا سوى التوجه إلى وسائل التواصل الاجتماعي ونشر قصصهنّ، على أمل أن تسبب إحراجاً للسلطات فتضطر للتحرك لحمايتهنّ. وقد ينجحن في بعض الأحيان مثلما حدث في قضية المحامية "ابتهال الفرطوسي" التي تعرضت للتعنيف من قبل إخوتها الأربعة بسبب خلاف على الإرث، وقضية الطفلة "إسراء" البالغة من العمر12عاماً والتي خُطفت من حضن أمها من قبل والدها لتزويجها بعقد ديني غير مصدق من المحكمة. في هاتين القضيتين قامت منظمتي حقوق المرأة ومنظمة حرية المرأة في العراق بالضغط على الشرطة المجتمعية وإطلاق الحملات الإلكترونية والوقفات الداعمة من أمام محكمة الأحوال الشخصية للمطالبة بإعادة حق الضحيتين والقصاص من الجناة (7). فتحولت المواطنة العادية/المواطن العادي إلى عناصر فعالة للضغط على الجهات الرسمية والكشف عن تقاعسها في حماية الناس واضطرت السلطات أمام ضغط الحملات الالكترونية إلى التدخل لحل المشاكل وإنقاذ ضحايا الانتهاكات لأكثر من مرة.
جرائم "الشرف"
أثار تقرير (8) أعدته الناشطة في حقوق المرأة "جنات الغزي" في العام 2012 جدلاً واسعاً، وأعيد تناول تفاصيله مجدداً عام 2020 في أكثر من منصة إعلامية.
"الشرف" وتغريدة السيد النائب
05-08-2021
كشف التقرير الذي نشرته "مجلة المساواة" التابعة لمنظمة "حرية المرأة" في العراق، عن وجود تلال أثرية في محافظة ذي قار جنوب العراق، تستخدمها العشائر كمدافن للنساء اللواتي يُقتلن بجرائم "غسل العار" أو ما يعرف بجرائم "الشرف". ما أوردته الغزي من تفاصيل عن هذه التلال، والتي يُتعارف على تسميتها ب"تلال المخطئات" كان صادماً وبشعاً، عززته بقصص حصلت عليها عن طريق إجرائها حوارات مع سكان المناطق القريبة من التلال، والذين كان البعض منهم من أقارب الضحايا. كانت القصص الواردة في التقرير تدل على أن بعض تلك النساء قتلن لمجرد الشك في خروجهنّ عن الأعراف العشائرية أو لأنهنّ تعرضن للاغتصاب. وأنّ لكل عشيرة مكان محدد في تلك التلال تدفن فيها ضحايا تلك الجرائم بملابسهنّ بلا مراسم ولا تأبين، معتبرين أنهنّ لا يستحققن الدفن في المقابر العادية.
أخذت النساء على عاتقهنّ مهمة الدفاع عن أنفسهنّ وحقوقهنّ وتوثيق الانتهاكات دون انتظار مؤسسات الدولة، بل ومقاومة انتهاكات وتواطؤ تلك المؤسسات أيضاً. وبدأن أيضاً بمراجعة بنود قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 وقانون العقوبات 111 لعام 1969. وتقاوم المنظمات النسوية محاولات الأحزاب الدينية المستمرة لتمرير القوانين المجحفة بحقهنّ، مثل "القانون الجعفري" الذي يبيح تزويج القاصرات في عمر 9 سنوات...
لكنّ جرائم "الشرف" لا تقتصر على مكان واحد ولا مدينة أو قرية محددة من العراق، فهي ظاهرة نشطت وازدادت في كل أنحاء البلاد منذ قدوم الاحتلال الأمريكي وانتشار الفوضى والسلاح. فقد عزز الفكر الذكوري السائد وسيطرة الفكر العشائري والديني على المجتمع مناخاً محفزاً وداعماً لمرتكبي تلك الجرائم، خصوصاً مع وجود مادة قديمة وضعت من قبل النظام السابق وتمسكت بها الحكومات المتعاقبة من بعده لأنها تخدم منهجها الذكوري، وهي المادة 409 في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 والتي تحدد عقوبة الحبس لمرتكب جريمة القتل بدافع الشرف، بمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات: "من فاجأ زوجته أو أحد محارمه في حالة تلبسها بالزنا، أو وجودها في فراش واحد مع شريكها، فقتلهما في الحال، أو قتل أحدهما أو اعتدى عليهما أو على أحدهما، اعتداء أفضى إلى الموت أو عاهة مستديمة". من نص القانون سنلاحظ أنّ الحكم المخفف يحق للرجل فقط دون المرأة، إن هي فاجأت زوجها وهو يرتكب الزنا فقتلته، فتكون عقوبتها إن قتلت زوجها إما الإعدام أو السجن المؤبد حسب المادة المتعلقة بجرائم القتل في قانون العقوبات ذاته. فليس هناك جريمة "شرف" ترتكب بحق رجل، إلا إن كان الجاني، حسب المادة المذكورة أعلاه، رجلاً آخر يدافع عن "شرفه" الجريح بقتل شريك "محارمه" بالزنا. وعلى الرغم من أنّ القانون حدد حالة "التلبس بالزنا" وليس الشك فيه، وهذا ما كان يطبق قبل مجيء الاحتلال الأمريكي للعراق وحله لمؤسسات الدولة. لكن ما حدث في العراق بعد 2003 هو أنّ أغلب جرائم "الشرف" التي ارتكبت كانت قائمة على الشك وبدون وجود شرط "التلبس بالزنا"، إن لم تكن في كثير من الأحيان غطاءً وذريعة لمشاكل أسرية أخرى، كحصر الميراث مثلاً، أو للتخلص من "فضيحة" الاغتصاب، لتقتل بذلك الضحية مرتين.
التحرش والاغتصاب
"كيف لها (ضحية الاغتصاب) أن تعيش من دون مغتصبها؟ هل تستطيع الزواج من شخص آخر؟ كيف سينظر لها المجتمع؟" كان هذا رد المحامي صفاء اللامي (9) مدير وحدة "حقوق الإنسان" في نقابة المحامين العراقيين، على استغراب مقدمة برنامج "مانشيت أحمر" والذي يُعرض على "قناة الشرقية" حيث استضيف اللامي في أواخر شهر أيار/مايو 2022 لمناقشة المادة 398 من قانون العقوبات العراقي.
كشف تقرير عن وجود تلال أثرية في محافظة ذي قار، تستخدمها العشائر كمدافن للنساء اللواتي يُقتلن بجرائم "غسل العار" أو ما يعرف بجرائم "الشرف". التفاصيل عن هذه التلال، والتي يُتعارف على تسميتها ب"تلال المخْطئات"، كان صادماً وبشعاً. ولكل عشيرة مكان محدد في تلك التلال تدفن فيها الضحايا بلا مراسم، معتبرين أنهنّ لا يستحققن الدفن في المقابر العادية.
ليس هناك جريمة "شرف" ترتكب بحق رجل، إلا إذا كان الجاني رجلاً آخر يدافع عن "شرفه" بقتل شريك "محارمه" بالزنا. وعلى الرغم من أنّ القانون حدد حالة "التلبس بالزنا"، وليس الشك فيه. وفي كثير من الأحيان تكون جريمة "الشرف" غطاءً لمشاكل أسرية أخرى، كحصر الميراث أو للتخلص من "فضيحة" الاغتصاب..
هذه المادة، التي اعتبرها اللامي "إيجابية" على حد تعبيره، تعفي المغتصب من العقاب إذا ما تزوج من ضحيته، حيث حددت المادتين السابقتين عليها - 396 و397 - عقوبة الحبس بمدة أقصاها 7 سنوات في حال الاعتداء على "عرض شخص آخر أنثى أم ذكر أو شرع في هتك عرضه دون رضاه". صرح اللامي في المقابلة ذاتها بأنه "لا يريد الدخول في جدلية وفلسفة الحياة والتعايش" فبالنسبة له، وبالنسبة للمشرّع العراقي الذي وضع تلك المادة في القانون، الأهمية لا تكون للضحية وحقها والآثار الجسدية والنفسية التي خلفتها الجريمة عليها، بل الأهمية تكمن فيما يتعارف عليه مجتمعياً "بستر العار".
صانعات الحياة في العراق
19-04-2022
فيُحمّل عار الاغتصاب للضحية، فهي برأيه ستحمل هذه الوصمة في مجتمعها. فما كان من المشرّع سوى وصمها بالعار ضمنياً مدعياً حمايتها من ذاك الوصم. ثم كافأ المغتصب على جريمته بتزويجه من ضحيته وإطلاق سراحه وحريته ليفعل بها ما يشاء. أثارت تصريحات اللامي غضب الناشطات والمنظمات النسوية التي تطالب منذ سنوات بإلغاء المادة 398 واستبدالها بمادة/مواد تحفظ كرامة الضحية وتعيد لها حقها من الجاني. فماذا إذا كانت الضحية من "المحارم" أو كان رجلاً آخر، أو طفل/طفلة؟ صحيح أنّ هناك المادة 393 التي تحدد عقوبة التحرش بالأطفال دون سن 18 سنة بالحبس مدة لا تزيد عن 10 سنوات، لكن هل تطبق هذه المادة لحماية الفتيات دون سن 18، في بلد يُغض النظر فيه عن تزويج القاصرات؟ وهل كانت هذه المادة رادعاً لتفشي ظاهرة التحرش؟ أم إنها ازدادت بسبب ضعف آليات تطبيق القانون بل وغيابها في أحيان كثيرة، إلى الدرجة التي يجهل فيها معظم الناس عواقب تلك الأفعال... ولأن القانون والجهات التنفيذية ضعيفة أمام سلطة الفوضى.
التحرش والتهديد الإلكتروني
تتعرض الفتيات في العراق للابتزاز والتهديد الالكتروني بكثرة، فقد أصبح اختراق الأجهزة الالكترونية مهنة يتخذها البعض لكسب المال السريع. وعلى الرغم من وجود وحدة أمنية لمكافحة قضايا الابتزاز الإلكتروني في العراق إلا أنّها محدودة القدرة والصلاحية ومحددة أيضاً بعلاقات مجتمعية معقدة من حولها وبضعف القوانين أو انعدامها. لذلك تقع الكثير من الفتيات تحت رحمة مبتزين قد يستطيعون الحصول على صورهنّ الخاصة بعد اختراق أجهزتهنّ وتهديدهنّ بنشرها، فتتردد، وفي كثير من الأحيان تمتنع الضحية عن تقديم الشكوى ضد المبتز خوفاً من "الفضيحة" وخوفاً من ردود فعل أهلها والمجتمع الذي عادة ما يُلقي اللوم على الضحية. فعبارة "البنت عار" التي هُشِّم رأس الطفلة زينب على أساسها ليست بالجديدة بل يرددها المجتمع على مسامعنا باستمرار، فكأنّ النساء يولدن حاملات "العار" حتى قبل أن يعشنَ ليختبرنَ الحياة أو يقترفنَ "الذنوب".
عزز الفكر الذكوري السائد وسيطرة الفكر العشائري والديني على المجتمع مناخاً محفزاً وداعماً لمرتكبي تلك الجرائم، خصوصاً مع وجود مادة قديمة وضعت من قبل النظام السابق وتمسكت بها الحكومات المتعاقبة من بعده لأنها تخدم منهجها الذكوري، وهي المادة 409 في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 والتي تحدد عقوبة الحبس لمرتكب جريمة القتل بدافع الشرف، بمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات.
لكنّ الأمر لا ينطوي فقط على التهديد بنشر الصور والمعلومات الخاصة فقط، بل تعداه إلى التهديد بالقتل والاعتداء، خاصة بعد انتشار خبر ذبح فتاة في مصر على يد مهووس في 20 حزيران/ يونيو الماضي، تلاها بعد يومين حادثة قتل فتاة في الأردن بعد تهديدها من قبل القاتل بأنّ ما حدث في مصر سيحدث لها أيضاً. سرعان ما بدأت تهديدات مشابهة للفتيات تظهر في وسائل التواصل الاجتماعي وتستشهد بالحادثتين السابقتين وتتوعد بتكرارها في العراق هذه المرة (10). مما دعا منظمة "حقوق المرأة" في العراق إلى البدء بنشر تعليمات للفتيات عن كيفية التعامل في حال أحست إحداهنّ بالخطر، كحمل أداة حادة للدفاع عن النفس مثلاً (11) فتعيش النساء متحفزات لمواجهة خطر الإيذاء الجسدي أو القتل من قبل مجهول لا رادع له.
معركة التغيير
هناك إدراك لدى الكثير من العراقيات أنّ تزاوج العشائرية والدين في ظل انفلات السلاح وغياب القانون ووفرة المال هي الروافد لكل هذه الفوضى، وهي أساس استمرار اضطهادهنّ. وقد نشطت الكثير من هذه الحوارات والنقاشات على وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الاعلام كما في الشارع أيضاً، بعد أن حركتها احتجاجات "تشرين2019" في العراق. وبرزت الكثير من المنصات النسوية التي أطلقت حملات واسعة ضد التحرش مثل حملة #إفضحي_المتحرش التي أطلقتها منصة حقوق المرأة العراقية لتشجع النساء على تصوير وفضح من يتعرض لهنّ في الأماكن العامة كما في البيوت، إضافة إلى حملة #قانون_مناهضة_العنف_الأسري التي تضمنت أيضاً وقفات احتجاجية دعت لها منظمات نسوية (12)، وحملات إعلامية ناقشت فيها ناشطات نسويات ضرورات تشريع هذا القانون (13)، وإلغاء قوانين قديمة تسهل اضطهاد المرأة وانتهاك حقوقها. فقد دفع هذا العجز القانوني وتواطؤ القوى السياسية وغياب المؤسسات الحكومية، إلى ضرورة إعادة تفعيل النشاط الحقوقي على مستوى القاعدة الشعبية، سواء كان فردياً أو عن طريق إنشاء منظمات حقوقية واجتماعية مستقلة عن الحكومة. فأخذت النساء على عاتقهنّ مهمة الدفاع عن أنفسهنّ وحقوقهنّ وتوثيق الانتهاكات دون انتظار مؤسسات الدولة، بل ومقاومة انتهاكات وتواطؤ تلك المؤسسات أيضاً. وبدأن أيضاً بمراجعة بنود قانون الأحوال الشخصية عام 1959 وقانون العقوبات 111 لعام 1969. كما وتقاوم المنظمات النسوية في العراق محاولات الأحزاب الدينية المستمرة لتمرير القوانين المجحفة بحقهنّ، مثل "القانون الجعفري" الذي يبيح تزويج القاصرات في عمر 9 سنوات، ومحاولات تعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية رقم 188حيث تمنح المادة حق الحضانة إلى الأم حتى سن 15 وتبيح لها الزواج مرة أخرى دون أن تسقط الحضانة عنها إلا إذا توفرت ظروف معينة تقرر المحكمة على أساسها سلب الحضانة منها. في حين أنّ التعديل المقترح يستند على تقليص حضانة الأم المطلقة لأولادها لسن 7 سنوات، لتنتقل بعدها إلى الأب ثم الجد من جهة الأب، وتسقط الحضانة عن الأم إن تزوجت (14). وأطلقت المنظمات النسوية المظاهرات والمسيرات المطلبية (15) في عدة محافظات عراقية مثل البصرة وبغداد وميسان، إضافة إلى إطلاق وسم #ضد_تعديل_المادة_٥٧ ونجحن في إيقاف التعديل أكثر من مرة ولو إلى حين.
قد يكون الوضع المؤسساتي والخدماتي في العراق شبه منهار، وقد تكون النساء يعانين اليوم كثيراً في ظل غياب الحماية القانونية، مما يدفع الكثير منهنّ للانتحار هرباً من الظلم الواقع عليهنّ. لكنّ العراقيات من جهة أخرى يعملن على تغيير وتوعية العقول وتحشيدها للوصول إلى إقرار قوانين تحمي الضحايا وتحقق العدالة الاجتماعية. وقد يكنّ قد وجدنَ أنفسهنّ في الطريق الأطول والأصعب لتحقيق ذلك، لكنه بالتأكيد الطريق الأكثر فعالية على المدى البعيد، لأنه غير مرتبط بأجندات حكومية وسياسية، بل هو مرتبط بالواقع الاجتماعي للمرأة في العراق.
محتوى هذه المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.
1- عناوين الانستغرام @owfi.Iraq , @iraqi_women_rights , @she_wrevolution
2-https://www.ina.iq/144902--11-.html
3-https://bit.ly/3z585Lu
4- https://www.instagram.com/tv/CeYoS7LK7XK/?igshid=MDJmNzVkMjY=
5- مثل التقرير الذي أعدته سهى عودة عن ظاهرة انتحار النساء في مدينة الموصل، والتقرير الذي أعدته شبكة أن آر تي الإخبارية عن انتحار النساء في العراق https://www.nrttv.com/Ar/detail3/3772
6- https://www.youtube.com/watch?v=a1-yS_SrC5c
7-https://www.instagram.com/p/CWiWR64qMtS/?igshid=MDJmNzVkMjY=
8- http://almousawatj.blogspot.com/2012/02/blog-post_4265.html
9- https://www.youtube.com/watch?v=wMvmRT9e2ZY
10- https://www.instagram.com/p/CfMO9ihqwv3/?igshid=MDJmNzVkMjY=
11- https://www.instagram.com/p/CfMcKm3qG4w/?igshid=MDJmNzVkMjY=
12- https://www.alaraby.co.uk/society/ناشطات-يتظاهرن-في-بغداد-للمطالبة-بقانون-ضد-العنف-الأسري
13- https://www.youtube.com/watch?v=twoVVKAMKxQ
14- https://www.youtube.com/watch?v=kIp25pdgbVk
15- https://www.youtube.com/watch?v=bhSCv8XVkT8