يتلقى قطاع الإعلام في الأردن بالآونة الأخيرة صفعة تلو الأخرى من الحكومة. صفعات يبدو أنها لن تتوقف قريباً، ولا تفرقّ بين كاتب وصحافي ورئيس تحرير، أو مطبوعة ورقية أو الكترونية، كما لا تنظر للتوجهات السياسية أيضاً، فجميع الإعلام تحت هراوة الرقيب. قصص الانتهاكات والاعتقالات والمنع والتدخل الأمني التي جرت في فترة الأحكام العرفية وبمنتصف التسعينات، لا زالت تروى في مجالس الصحافيين القدامى، ويتناقلونها كدلالة على تغير الأوضاع المتعلقة بالحريات الصحافية والإعلامية عمّا سلف، لكن الواقع أن هذا التضييق وتلك الانتهاكات انتقلت من السراديب والأقبية ومن الضغوط بالخفاء إلى الاستقواء على الإعلام بسطوة القانون والتشريعات المقيدة للحريات الصحافية.
بداية الحكاية
استخدام القوانين لضبط وترويض الإعلام بدأ عندما قامت الحكومة الأردنية منتصف عام 2013 بحجب 300 موقع الكتروني إنفاذا لأحكام قانون المطبوعات والنشر الذي يُجبر المواقع الإلكترونية على الترخيص، ويُلزمها بأن يكون رئيس تحريرها عضواً في نقابة الصحافيين التي يشير تقرير أعدّه "راديو البلد" أن عدد الصحافيين العاملين خارج مظلتها يبلغ 550 صحافياً، ويشكلون ما نسبته 33 في المئة من الجسم الصحافي في الأردن. امتدت الأزمة لتطال بعدها الصحف الورقية، حيث انفجرت الاحتجاجات العمالية في ثلاثة من أهم الصحف اليومية في ذلك العام، وهي الرأي والدستور والعرب اليوم على إثر أزمات اقتصادية عصفت بها، يعزوها العاملون إلى فرض الضرائب على الحبر والورق دون إعفاءات، وتركيز الإعلانات الحكومية في صحف معينة. أسفرت هذه الأزمة عن تعليق صدور العرب اليوم لمدة شهرين وإعادة هيكلة الصحيفة مما أدى إلى فقدان 200 صحافي لعملهم، كما يستمر مسلسل تأخر الرواتب في صحيفة الدستور إلى اليوم.
الأحداث تتسارع
في أقل من أسبوعين خلال الشهر المنصرم، مثُل كل من رئيس تحرير صحيفة الرأي (وهي صحيفة شبه حكومية) وكاتب مقال فيها يدعى طارق مصاروة، وهو وزير ثقافة أسبق، أمام المدعي العام على خلفية مقال للمصاروة نشر بالصحيفة تحدث فيه عن سلك القضاء. ووجهت لهما تهم الذم والقدح والتحقير، وكذلك نشر الشائعات وفقاً لقانون العقوبات، ومخالفتهما لأحكام المادة 5 من قانون المطبوعات والنشر، والتي تنص أن على "المطبوعات احترام الحقيقة والامتناع عن نشر ما يتعارض مع مبادئ الحرية والمسؤولية الوطنية وحقوق الإنسان وقيم الأمة العربية والإسلامية". ما لبثت أن هدأت قصة المصاروة والحياري حتى عاد مدعي عام عمان بطلب رئيسة تحرير صحيفة الغد المسئولة (وهي صحيفة مستقلة) جمانة غنيمات على خلفيه شكوى مقدمة لدى النيابة العامة بعد نشرها مقالاً متعلقاً بمسلكيات بعض أعضاء مجلس النواب. لكن القضاء سرعان ما اعتبر المقال جاء ضمن النقد المباح.
بعدها بأيام أطل تعميمٌ لهيئة المرئي والمسموع برأسه، يحظر نشر أي أخبار أو حتى نشر تعليقات تتعلق بالقوات المسلحة إلا بطلب مباشر وصريح من المصادر المسئولة لدى القيادة العامة، وباستنادٍ إلى جملة من القوانين كقانون القوات المسلحة وقانون حماية أسرار ووثائق الدولة.
يوجد في الأردن فعلياً 24 قانونا يقيد العمل الصحافي، ومنها العقوبات وحماية أسرار ووثائق الدولة وانتهاك حرمة المحاكم وحق التأليف الأردني. وكانت السلطات التنفيذية قد تعهدت لحقوقيين خلال الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان بجنيف عام 2013 بعدم التعامل مع الإعلام وفقها، إنما وفق التشريعات الناظمة للعمل الصحافي، وهي قانون المطبوعات والنشر والمرئي والمسموع. لكنها سرعان ما نقضت تعهداتها. العديد من المؤثرات لعبت دوراً لما وصل إليه الحال اليوم، وهي تدهور العلاقة بين الصحافة والسلطة التنفيذية بسبب التجاوزات التي ازدادت والممارسات التي اكتنفت عمل الصحافة الالكترونية، وعدم وجود رغبة حقيقية لدى الحكومة في ترك الصحافة تعالج بأساليبها المختلفة القضايا العامة التي تهم المجتمع الأردني، واستغلال بعض الصحافيين لحرية الصحافة ولجوؤهم إلى أسلوب الإثارة والمبالغة في بعض الأحيان عند معالجة القضايا الحساسة سياسيا واجتماعياً.
لكن غالبية التدابير التي حصلت مؤخراً تأخذ شكل الضربة الاستباقية والهجمة المباغتة للإعلام، بقصد ترهيبه وردعه ومنعه من الحديث في قضايا لا يرغب مركز صنع القرار بتداولها إعلامياً كي لا تصل للرأي العام، كالمشاركة في التحالف الدولي ضد الإرهاب أو الأوضاع الأمنية في الداخل الأردني أو حتى أي قضية قد تتحول لقضية ضخمة تمس بشكل مباشر في مكنون الشعب الأردني.
ينسى الأردن الرسمي دوماً أن الثورة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي تستطيع أن تكسر أي عتمة الكترونية قد تفرضها على الإعلام المحلي، فيستطيع المواطن الأردني استقاء المعلومة من الشبكات الإخبارية الخارجية بشكل يجعل الإجراءات المتخذة من قبل السلطات بلا فائدة.