على مدار ثلاثة أيّام بمدينة شرم الشيخ المصرية، عقد اليونيسكو المؤتمر الاقليمي لوزراء التعليم في الدول العربية لمناقشة أوضاع التعليم في المنطقة العربية، تمهيدا لعقد المؤتمر الدولي للتعليم في أيار/مايو القادم بكوريا الجنوبية. المؤتمر العربي جاء تحت عنوان "التربية بعد عام 2015، وتحقيق جودة التعليم حتى عام 2030".
جاءت الأرقام عن واقع التعليم في المنطقة العربية صادمة. ففي التقرير العام الذي أعده اليونيسكو عن واقع التعليم العربي، ذكر أن واحداً من بين كل خمسة شباب عرب لم يكمل تحصيله العلمي الابتدائي، أي ما نسبته 20 في المئة، وعددهم يصل الى 10.5 ملايين شاب. واعتبر التقرير أن الفقر هو السبب الأساسي الذي يحول دون اكمال الشباب مسيرة التعليم، ومن ثَم توقف اكتساب المهارات والكفاءات لمواجهة الحياة والحصول على فرصة عمل مناسبة. يضاف الى هؤلاء الذين يطلق عليهم تسمية "المتسربين" أعداد إضافية من الأميين، وهؤلاء وصلت نسبتهم إلى 27.1 في المئة من إجمالي عدد السكان فى المنطقة العربية، طبقا لإحصاء عام 2013، علما بأن نسبة الأمية عند الإناث تمثل ضعف نسبتها عند الذكور. وصافي القيد وصل عام 2011 الى نسبة 88 في المئة، إلا أن الزيادة اعتمدت بالأساس على النّمو السكاني وليس على تطور الوعي بأهمية التعليم، وهو ما يدعو للقلق حسب التقرير لأنه يعتبر دليلا على عجز النظام التعليمي في الوصول للأطفال في سن المدرسة. وطالب التقرير بضرورة حل العقبات التي تقف أمام ذلك، خاصة الرسوم المدرسية وانعدام الأمن، بعد أن وصلت أعداد من لا يرتادون المدارس إلى 5 ملايين طفل، 60 في المئة منهم من الإناث.
الفشل...
كما كشف تقرير للمكتب الاقليمي لليونيسكو (مقره بيروت)، عن فشل الدول العربية في تحقيق أهداف برنامج "التعليم للجميع" الذي تم الاتفاق على وضعه كهدف استراتيجي في المؤتمر العالمي الذي عقد عام 2009. وأكد التقرير على تدني جودة التعليم، وطالب بضرورة تغيير أنظمته في الدول العربية، وضرورة الانتقال من فكرة التمدرس إلى التعليم الحقيقي، خاصة أن فكرة الاعتماد على تعليم القراءة والحساب لم تعد منطقية في الوقت الحالي. وأضاف التقرير أن أوضاع المعلمين في الوطن العربي مقلقة، واستنكر تدني نسبة المعلمين الحاصلين على مؤهلات خاصة في التدريس لمرحلة رياض الأطفال والتي وصف نسب تقدم العالم العربي فيها بالمقلقة، رغم أن الحضانة هي من أكثر الأهداف التى تحقق تقدما ونموا مقارنة بسائر الأهداف الأخرى، مشيرا إلى نجاح بعض الدول في زيادة عدد رياض الأطفال (الحضانة) مثل قطر والإمارات والكويت والجزائر، والتي وصلت إلى اكتفاء بنسب تقع ما بين 70 الى 80 في المئة. بالمقابل، لم تتجاوز النسبة 30 في المئة في مصر و 1 في المئة في اليمن وتراجعت الى 5 في المئة في سوريا.
السياسة أولا
فرضت الأوضاع السياسية الحالية في المنطقة العربية نفسها على أجندة المؤتمر، ولم يجرِ ذلك في الأحاديث الجانبية للمشاركين بل في الكلمات الرسمية للوفود العربية في ظل تغيب معظم الوزراء العرب بسبب الأزمات السياسيىة في بلادهم. وهو ما عبر عنه بوضوح عضو مكتب التربية العربي لدول الخليج (وهو وزير تعليم سابق باليمن) حينما قال إنه سيضطر لإلقاء كلمة اليمن بحكم جنسيته اليمنية وليس وظيفته العلمية نظرا لعدم وجود حكومة حالية في بلاده.
كذلك غاب وزراء ليبيا والعراق وسوريا وفلسطين وتونس ولبنان، ولكن حضرت وفود رسمية عنهم. وكانت المحاور الرئيسية لأحاديثهم هي تأثير مشاكل الاقتتال الداخلي على التعليم ومؤسساته، كما في حالة العراق واليمن التي أشار وزير تعليمها السابق إلى أن الامتحانات ما زالت تجرى بالمدارس إما غير ذلك فمتوقف. بينما أشار الوفد السوري الى أن الجماعات الإرهابية أثرت في العملية التعليمية بسوريا حيث قام التنظيم الارهابي بإلغاء كل الأنشطة المدرسية، من موسيقى وفنون في المناطق التي يسيطر عليها، يضاف إلى ذلك قيامه باستبدال المناهج العلمية الوطنية بمناهج أخرى، وفصله للبنات عن البنين فى المدارس، بجانب أن الحرب الحالية أدت إلى تدمير ما يقرب من 10 في المئة من مدارس سوريا، كما أدت إلى توقف كل مشروعات تطوير التعليم وتحويل عدد كبير من المدارس إلى نظام الفترتين (صباحي ومسائي)، مما يؤثر بالتأكيد في جودة العملية التعليمية. أما الوفد اللبناني برئاسة وكيلة وزارة التعليم ، فقد أشارت إلى الأزمة الكبرى التى يعيشها التعليم الحكومي والمتجسدة في ارتفاع أعداد اللاجئين والنازحين العرب من كل من سوريا والعراق، بحيث وصلوا الى نصف عدد الطلاب اللبنانيين، وهو ما يؤثر ويضغط بشدة على موازنة الوزارة المالية ويعرقل مشروعات التطوير. وهو ما أكدت عليه الاردن التي تعيش الازمة نفسها، ولذلك طالب لبنان والأردن بضرورة وجود دعم مالي عربي تحديدا (ودولي أيضا) عن طريق اليونيسكو، بحيث يتم تخصيص صندوق مالي يتم الصرف منه لدعم النازحين في الدول التي تستقبل أعدادا كبيرة منهم.
... والحضور الخليجي
إذا كانت الملاحظة الأساسية حول المؤتمر هي غياب وزراء تعليم "دول المواجهة" كما كان يطلق عليها والتي أصبحت الآن ساحات للاقتتال، ففي المقابل كان الحضور الوزاري الخليجي كامل العدد، باستثناء الوزير السعودي الذي اعتذر بسبب حالة الحداد على الملك عبد الله. فقد حضرت الكويت والإمارات والبحرين وقطر (التي حضر وزيرها ورفض التعليق على الأمور السياسية الخاصة بين مصر وقطر). بينما تميزت الإمارات بأكبر وفد برئاسة وزير التعليم الإماراتى الذي تحدث عن تقدم التعليم الإماراتي وأن ما تسعى اليه بلاده الآن هو الوصول إلى المعايير العالمية.. وقد أكد على الفكرة نفسها وزراء التعليم في كل من الكويت والبحرين وعُمان وكذلك الوفد السعودي، وانضمت إليهم أيضا الجزائر، وكانت ممثلة بوزيرة التعليم.. السيدة الوحيدة بين وزراء التعليم العرب. واكتفت مصر باستعراض الخطة الإستراتيجية التي وضعتها للمرحلة المقبلة، ولكن رئيس الوزراء المصري الذى التقى الوزراء العرب في جلسة مغلقة طرح فيها فكرة ضرورة وجود شهادة تعليمية عربية على غرار شهادة البكالوريا الدولية، خاصة في المناهج العلمية، وبما لا يخالف التعليم الوطني في كل دولة، لأن مواجهة الإرهاب لا ينبغي أن تتم عسكريا وأمنيا فقط، وإنما تعليميا وثقافيا أولاً. ومن هنا تنشأ أهمية الشهادة العربية الموحدة التي قد تصد بعض أوجه الأزمات المستشرية في المنطقة العربية .
وما بين الحديث عن مجتمع الرفاهية والجودة التعليمية والوصول إلى المعدلات العالمية لعرضها في المؤتمر العالمي للتعليم خلال الربيع القادم في كوريا (الذي أكدته دول الخليج) وبين تعليم يئن ويصرخ من الحروب واللاجئين كما عبر عنه الغياب الوزاري لأغلب الدول العربية، انتهى المؤتمر بدون إجماع عربي، اللهم إلا الاتفاق على المطالبة بزيادة موازنات التعليم في الدول العربية... وهي منخفضة بشكل لا مثيل له في سائر العالم.