بات من شبه المستحيل أن نفكّر بفلسطينيي الأراضي المحتلّة عام 1948 خارج إطار المواطنة الإسرائيليّة. في الكتابات الأكاديميّة وفي الخطاب السياسي داخل إسرائيل، يُشار إلى فلسطينيي 48 غالباً بمُسمّى "الفلسطينيّون مواطني إسرائيل"، أو "عرب إسرائيل"، أو "الإسرائيليين الفلسطينيين". هذه المُسمّيات ليست مجرّد وصفٍ لوضعيّة قانونيّة معيّنة، إنّما هي تُحيل ضمنياً إلى هويّةٍ جماعيّة باتت المواطنة الإسرائيليّة عنصراً أساسياً فيها.
منذ إعلان دولة إسرائيل في العام 1948، تمحور الخطاب والتنظيم السياسي للفلسطينيين في إسرائيل حول المواطنة. ناضل فلسطينيّو 48 من أجل تطوير رؤيةٍ جوهرية وبنّاءة واحتوائية لمفهوم المواطنة، وتحويل أنفسهم من مواطنين من الدرجة الثانية إلى مواطنين متساوين. مثلاً، طرحت "الجبهة الديمقراطيّة للسلام والمساواة" مطالبة ليبرالية بالحقوق المدنيّة، بينما طالب "التجمّع الوطني الديمقراطي" بمواطنة تتأسس على التعدّدية الثقافية، وعلى الاعتراف بفلسطينيي 48 كأقلية قومية.
يتمسّك الخطاب السياسي في الداخل ب"إصلاح" المواطَنة الإسرائيلية. حتى بعد "قانون القومية" الجديد، والذي ينص على أنّ حق تقرير المصير في هذه البلاد هو حقّ حصري للشعب اليهودي، وبعد "صفقة القرن" التي قدّمها ترامب، والتي تضمّنت مقترحات لنقل عشر قرى إلى "الدولة الفلسطينيّة" وتجريد 250 ألف فلسطيني من هويتهم الإسرائيلية، لم يضعف إيماننا بأن المواطنة الإسرائيلية هي المفتاح للمشاركة السياسية ولتحصيل الحقوق السياسية، المدنية والاجتماعية. إلّا أنّ هذه المواطنة ما فتئت تخذلنا.
يدفعنا هذا الخذلان إلى إعادة تفكيرٍ رديكالي بهذا الوعد الوهمي: وعد المواطنة الإسرائيلية باعتبارها آلية للتحوّل السياسي. إنه الوقت للسؤال عن المواطَنة كمؤسسة. فلم تنشأ المواطنة الإسرائيلية كمؤسسة مستقلّة أو محايدة، ولا كمؤسسة تتعارض مع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني. إنما نشأت من قلب الهيمنة الاستعمارية. في نهاية المطاف، فإن المواطنة الإسرائيلية هي منتوج الغزو الاستعماري لفلسطين. تأصلت دونيّة فلسطينيي 48 وترسّخت في نظام المواطنة الإسرائيلية منذ تشكّله. وعلى الرغم من أنّ إسرائيل، بعد إعلان تأسيسها، منحت حقّ الاقتراع ومن ثَمّ المواطنة لجزء من الفلسطينيين الذين ظلّوا في المناطق التي سيطرت عليها، فإنّ الدولة الإسرائيلية لم تعتبر الفلسطينيين أهلاً أصليين في المنطقة، ولا أصحاب حقٍ طبيعيين.
حتى بعد "قانون القومية" الجديد، وبعد "صفقة القرن" التي قدّمها ترامب، والتي تضمّنت مقترحات لنقل عشر قرى إلى "الدولة الفلسطينيّة" وتجريد 250 ألف فلسطيني من هويتهم الإسرائيلية، لم يضعف إيماننا بأن المواطنة الإسرائيلية هي المفتاح للمشاركة السياسية ولتحصيل الحقوق السياسية، المدنية والاجتماعية. إلّا أنّ هذه المواطنة ما فتئت تخذلنا.
من أجل فهم ضعف مواطنة الفلسطينيين في إسرائيل اليوم، علينا أن نعود إلى تاريخ صناعة المواطنة في إسرائيل... إلى سنوات ما بين 1948 و1952، وهي الفترة التي سُنَّ فيها "قانون العودة" (1950) الذي يُنظّم استحقاق اليهود للمواطنة، وكذلك "قانون المواطنة" (1952) الذي يُنظّم مكانة فلسطينيي 48. هذه الفترة التأسيسيّة، والتي وُضعت فيها حجارة الأساس الدستوريّة للمواطنة الإسرائيلية، تُظهِر لنا كيف تأسست المواطنة كمؤسسة هيمنة، وكيف تعمل كمنظومة تطهير عرقي، من خلال إقصاء الغالبية العُظمى من الفلسطينيين خارج نطاقها، وبالتالي إبقائهم لاجئين ومنفيين. تخدم هذه المواطنة أيضًا كأداة لصياغة العِرق، وخلق الهرميّة بين اليهود والفلسطينيين. بينما يرى هذا النظام بالمستوطنين اليهود مستحقّين أصليين للأرض والمواطنة، وبالتالي مؤهّلين أوتوماتيكياً للجنسية بما يُشبه حقّ المولد، فإنّه يرى بمواطنة الفلسطيني بادرة حسن نيّة تُقدّمها الدولة. ولا يزال هذا صحيحاً حتّى يومنا هذا. تاريخ صناعة المواطنة في إسرائيل يُثبت أن هذه المواطنة جزءٌ من المشكلة، وليست الحل.
الاقتراع العربي وسيلةً للسيادة اليهودية
أجريت الانتخابات الإسرائيلية الأولى في كانون ثاني/يناير 1949، وكانت أوّل لحظة مفصلية تضطر فيها إسرائيل إلى التعامل مع مكانة الفلسطينيين الذين ظلّوا في المناطق الخاضعة لسيطرتها. الحق بالاقتراع كان السؤال الأول الذي واجهته إسرائيل. قرّرت القيادة الإسرائيلية أن توسّع حق الاقتراع ليشمل الفلسطينيين تحت حكمها. بحسب الباحثة شيرا روبنسون، اتُخذ هذا القرار من منطلقات تتعلّق بمُحدّدات دولية. بعد أن فشل أّول مشروع قرار عضوية إسرائيل في الأمم المتّحدة عام 1948، قدّمت إسرائيل مشروع قرار ثاني. وتخوفًا من فشل المشروع مجدداً، قرّرت القيادة الإسرائيلية منح (جزء من) الفلسطينيين حق الاقتراع.
لعبت اعتبارات جيوسياسية أخرى، تتعلّق بالأراضي والسيادة، دوراً في قرار إسرائيل شمل الفلسطينيين في حق الاقتراع. وبينما أيَّد معظم الوزراء حقّ الاقتراع، ادّعى وزير الاقليّات في حينه، بيخور شالوم شطريت، أن حقّ الاقتراع للعرب يقوّض المصالح اليهوديّة، إذ أنّ الحدود لم تُثبّت بعد. وقد وظّف شطريت القانون الدولي لتدعيم ادعائه: "هل يجرؤ أحد أن يفكّر بأن تضم إنجلترا في برلمانها [تمثيلًا] لسكّان المناطق التي تُديرها؟" ردًا على هذا السؤال، قال وزير القضاء فيليكس روزينبلاث (الذي عُرف لاحقًا باسم بنحاس روزين): "فعلنا شيئاً لربما ينتهك القانون الدولي: طبّقنا قوانين الدولة على المناطق التي نحكمها. لذلك، نحن ملزمون بإجراء الانتخابات في هذه المناطق أيضاً".
في أول انتخابات عام 1949، قرّرت القيادة الإسرائيلية أن توسّع حق الاقتراع ليشمل الفلسطينيين تحت حكمها. بحسب الباحثة شيرا روبنسون، اتُخذ هذا القرار من منطلقات تتعلّق بمُحدّدات دولية. فتخوفاً من فشل مشروع عضوية اسرائيل في الامم المتحدة مجدداً، قرّرت القيادة الإسرائيلية منح (جزء من) الفلسطينيين حق الاقتراع.
لقد فهم وزير القضاء ووزراء آخرون ما غاب عن شطريت: يرتبط حق الاقتراع ارتباطاً وثيقاً بمسألة الأرض والسيادة. عندما يُطبّق القانون الإسرائيلي على مناطق محتلّة لم يعترف القانون الدولي بها ضمن الدولة اليهودية (وخاصةً أجزاء من الجليل)، وعندما تُجرى الانتخابات ويُعطى الفلسطينيون هناك حقّ الاقتراع، فإن إسرائيل تُبقي مسألة الأراضي والحدود مفتوحة. إذ أنّها بهذه الطريقة تدفع للاعتراف الدولي بسيادتها على هذه المناطق من خلال فرض الضم كأمر واقع. مشاركة الفلسطينيين في هذه الانتخابات مهّدت الأرضيّة لشرعيّة الأمر الواقع وفرض السيادة الإسرائيلية على هذه الأراضي. هكذا، فقد كان حقّ الاقتراع العربي وسيلةً للسيادة اليهودية.
المواطنة: أداة للتطهير العرقي
انقسم قادة إسرائيل جدياً حول حاجة إسرائيل أن تخلق مواطنة قوميّة خاصة بها. التطلّعات التي حرّكت مناصري قانون المواطنة كانت ذاتها التي حرّكت معارضيه: تحديد عدد الفلسطينيين في إسرائيل وتثبيت التطهير العرقي للفلسطينيين. ليست الحساسية الاحتوائيّة ما دفع مناصري قانون المواطنة، بل الادعاء بأن ترك سؤال المواطنة دون حل يُمكنه أن يُهدد التفوّق الديمغرافي اليهودي. وجزموا بأن قانون المواطنة من شأنه أن يثبّت من هو القانوني ومن هو غير القانوني الذي يُمكن تهجيره.
من جهته، عارض رئيس الحكومة في حينه، دافيد بن غوريون، تشريع قانون المواطنة معارضة شديدة. يعكس نقاشه الآتي مع وزير المواصلات في حينه، دافيد ريمز، طبيعة الموقف:
بن غوريون: عندما تكون لديك دولة بظروف مستقرّة، سيكون سؤال المواطنة سؤالاً بسيطاً. لكنّك تطلب البتّ هنا في شؤون لا مصلحة لنا في حسمها.
دافيد ريميز: بحسب منطقك، لنفترض أن مسألة الحدود واللاجئين العرب حُلَّت، ولكننا بعد ثلاثين سنة قُمنا باحتلال منطقة إضافيّة. ما الذي سنفعله حينها؟
بن غوريون: في هذه الحالة، على قانون المواطنة أن ينتظر لثلاثين سنة أخرى. نحن في أوضاع متغيّرة وغير مستقرّة، لماذا نورّط أنفسنا بمشاكل من خلال البتّ بهذه القضية؟ لا أفهم ضرورة الأمر.
لطالما توسّعت إسرائيل جغرافياً، ولطالما بقي سؤال الحدود مفتوحاً، آثر بن غوريون الحفاظ على المرونة. وقد عرف أنّ المواطنة يمكنها أن توفّر حمايةً للفلسطينيين تجعل تهجيرهم الجديد أكثر تعقيداً، إن لم تجعله شبه مستحيل. بالنسبة له، تفوّقت اعتبارات الاستحكام الجغرافي على الاعتبارات الديمغرافيّة. بعد أن تؤمّن السيطرة على المنطقة، يُمكن لمكانة الفلسطينيين أن تبقى سؤالاً مفتوحاً – لعقودٍ إن اقتضى الأمر. هذا منطق قراره. مثلًا، في أيّار/مايو 1949، ناقش المجلس الوزاري المصغّر حالةً افتراضيّة يُقترح فيها، في إطار اتفاقية دولية، أن تحصل إسرائيل على قطاع غزّة. وطُرح السؤال إن كانت إسرائيل ستوافق على ذلك على الرغم مما يترتّب عليه من ضمٍ للسكّان الفلسطينيين هناك (وكان عددهم في حينه 150 - 170 ألف فلسطيني) وزيادة نسبتهم الديمغرافيّة؟ لم يتردد بن غوريون: الإجابة "نعم" قطعاً.
بينما خشي بعض أعضاء المجلس الوزاريّ المصغّر من ازدياد أعداد الفلسطينيين، رأى بن غوريون الصورة الأكبر. عرف أنّه في ظل عدم وجود مواطنة رسمية، لا يُصبح السكّان مواطنين أو أصحاب حقّ اقتراعٍ بالضرورة. المبدأ الذي وجّه القرار كان السعي لخلق مكانةٍ ضعيفة للفلسطينيين تحت القانون الإسرائيلي. أراد بن غوريون أن تبقى مكانة الفلسطينيين مسألةً اجتهادٍ إداري – وحبّذا لو عسكري.
بن غوريون يقول: "هناك حاجة لقانون تجنيسي، إنما ليس لليهود. اليهودي الذي أتى ليستوطن في هذه البلاد هو مواطن تلقائياً: إنه يُمنح حق المواطنة مسبقاً. إنّي مميّز هنا ليس بموجب القوانين، إنّما بحقّي اتجاه هذه البلاد. الآخرون يُمنحون الحق بأن يكونوا هنا كإحسان فقط، إنما ليس الأمر كذلك بالنسبة لليهودي. إنّه مستحق. هذه الفرضية الأساسية".
إنّ المكانة التي تخيّلها بن غوريون للفلسطينيين في الداخل حينها، كانت دمجًا ما بين مكانة الفلسطينيين في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة من جهة ومكانة سكّان القدس الشرقيّة الفلسطينيين، كما هي اليوم. أي أن يكونوا سكانًا يُمكن سحب الإقامة منهم بمحض باجتهاد وزاريّ إداريّ.
وعلى الرغم من معارضة بن غوريون، قررت الحكومة أن تصوّت على مشروع القانون، وقد أُقِر المشروع بأغلبيّة صغيرة – ستة وزراء ضد خمسة.
المواطنة إحساناً
بعد تصويت الحكومة، أُوعزت لوزارة القضاء مهمّة صياغة مسودّة قانون مواطنة كوني يمكن تطبيقه على الفلسطينيين واليهود. وخلق ذلك، طبعاً، صعوبات عدّة. رفض المجلس الوزاري المصغّر جميع المسودّات. واعتبروا فكرة التساوي بين مواطنة اليهودي ومواطنة الفلسطيني فكرةً مروّعة. أو كما رأى بن غوريون:
"هناك حاجة لقانون تجنيسي، إنما ليس لليهود. اليهودي الذي أتى ليستوطن في هذه البلاد هو مواطن تلقائياً: إنه يُمنح حق المواطنة مسبقاً. إنّي مميّز هنا ليس بموجب القوانين، إنّما بحقّي اتجاه هذه البلاد. الآخرون يُمنحون الحق بأن يكونوا هنا كإحسان فقط، إنما ليس الأمر كذلك بالنسبة لليهودي. إنّه مستحق. هذه الفرضية الأساسية".
هنا، جاء اقتراح جديد من زيراخ فرهابتيغ، وكان محامياً وصار لاحقاً نائباً في البرلمان عن "الجبهة الدينية المتّحدة"، وعضواً في المجلس الوزاري المصغّر. اقترح فرهابتيغ سنّ قانونين بدلاً من قانون واحد. الأول "قانون العودة" الذي شُرِع عام 1950، والذي يعطي كل يهودي الحق في الهجرة ("عالياه") إلى إسرائيل، ويحصل تلقائياً على الحق بالمواطنة. تحت هذا القانون، اعتُبر اليهود أصحاب المواطنة الشرعيين والأصليين. الشعب اليهودي - يدّعي بن غوريون - له "حقّ بديهي بالاستيطان في هذه الأرض". أما القانون الثاني فهو "قانون المواطنة" عام 1952، والذي صُمِّم لإدارة مواطنة الفلسطينيين التي اعتُبرت نتيجة إحسانٍ من الدولة، وليست حقاً طبيعياً. المزاوجة بين القانونين حوّلت اليهود المستوطنين إلى أصلانيين، والأصلانيين الفلسطينيين إلى غرباء.
سمح هذا الحل للقيادات الإسرائيلية بالتمييز ضد الفلسطينيين دون أن يفقدوا صورتهم الليبرالية. أو كما علّق بن غوريون: "اقترح أن قانون المواطنة سيُطبّق عملياً على غير اليهود، دون الحاجة إلى ذكر ذلك... سيُطبق على الجميع عدا اليهود". بخلاف اليهود، فإن استحقاق الفلسطينيين للمواطنة لم يكن غير مشروط. مواطنة فلسطينيي 48 نُظِمت في المادة الثالثة من قانون المواطنة (المواطنة للسكّان). هذه المادّة تُقصي جميع الفلسطينيين اللاجئين تلقائياً وتفرض تقييدات قانونية تصعّب حصول فلسطينيي 1948 على المواطنة. نتيجة ذلك، لم يتلقَ الجنسية الإسرائيليّة في العام 1952، بعد سنّ القانون، إلّا 63 ألف فلسطيني تقريباً من أصل 160 ألف فلسطيني أقاموا داخل إسرائيل. وضع القانون شروطاً عسيرة للمواطنة، وحتّى حق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية الأولى والثانية لم يكن كافياً لتلقّي الجنسيّة. وعليه، فقد وجد كثير من الفلسطينيين أنفسهم محرومين منها، على الرغم من أنّهم نالوا حق التصويت في السابق.
كانت المواطنة أداة هامة لصمود فلسطينيي 48 في إسرائيل. إلا أنّ هذه المواطنة التي سمحت للفلسطينيين بالبقاء في وطنهم قيّدت نضالهم إلى حدٍ بعيد. ليس هذا نداء لفلسطينيي 48 بالتنازل عن جنسيّاتهم، فقد نؤدّي بهذا لتسهيل طردنا. إنما هناك فرق جذري بين التمسّك بالمواطنة كوسيلة للبقاء، وبين ارتهان حريتنا وكرامتنا لها.
من حُرموا من الجنسيّة تبعًا للمادة الثالثة (السكّان) كان عليهم أن يتقدّموا بطلبٍ حسب المادة الخامسة من القانون – المواطنة بالتجنيس - وهي المادة التي صُممت لإدارة تجنيس المهاجرين الأجانب (أي غير اليهود). الفلسطينيون الذين لم يستوفوا شروط المادّة الثالثة أصبحوا مثلهم مثل أي مهاجرٍ أجنبي. كان على أهل البلد الأصليين أن يقدموا إثبات سكنٍ قانوني في البلاد، وأن يُظهروا "بعض المعرفة باللغة العبرية"، وهي شروط غير مطلوبة من المهاجرين المستوطنين اليهود.
تجنيس الفلسطينيين تقدّم بطيئاً. جنّست الدولة الإسرائيليّة 218 فلسطينياً بين تمّوز/يوليو 1952 وكانون ثاني/يناير 1959. آلاف القضايا وصلت المحاكم. وسُوِّيت مواطنة البعض حتّى نهاية الستينيّات، إثر قرار إسرائيلي بالانضمام إلى "اتفاقية تخفيض حالات انعدام الجنسية". انتظر آخرون حتّى تعديل قانون المواطنة في الثمانينيات، والذي توسّع ليشمل الفلسطينيين الذين سُجّلوا مواطنين قبل حزيران/يونيو 1952، أو ممّن دخلوا البلاد بشكلٍ قانوني من بعدها. وحتّى يومنا هذا، فإن مئات البدو في النقب لا يزالوا دون جنسية، ومكانتهم كمواطنين لم تُسوَّى، فيما تحاول إسرائيل وضع مخططات لسحب الجنسيات من المواطنين الفلسطينيين. أكثر من ذلك، فعلى الرغم من المكانة الرسمية لفلسطينيي الداخل كمواطنين، فإن إسرائيل لا زالت ترى بهم زواراً مؤقّتين ومجتمعاً قابلًا للتهجير.
الوعد الكاذب
وظّف الفلسطينيون في إسرائيل مواطنتهم من أجل تحصيل الاعتراف بحقوقهم لأكثر من سبعة عقود، وكان النجاح محدوداً. كانت المواطنة أداة هامة لصمود فلسطينيي 48 في إسرائيل. إلا أنّ هذه المواطنة التي سمحت للفلسطينيين بالبقاء في وطنهم قيّدت نضالهم إلى حدٍ بعيد. ليس هذا نداء لفلسطينيي 48 بالتنازل عن جنسيّاتهم. فقد نؤدّي بهذا لتسهيل طردنا. إنما هناك فرق جذري بين التمسّك بالمواطنة كوسيلة للبقاء، وبين ارتهان حريتنا وكرامتنا لها.
المواطنة مؤسسة خادعة. إنّها تفرض الهيمنة وتُخْفيها في الوقت ذاته. إنها تعد بالاحتواء، لكنّه وعدٌ وهمي. حتّى في أكثر تشكيلٍ تقدمي وليبرالي، لا تزال المواطنة جزءا من الاستعمار الاستيطاني، وليست خارجة عنه. لا توجد إمكانيّة للمواطنة المتساوية داخل إطار دولة المستوطنين. إنه الوقت لتوسيع الخيال السياسي والتفكير فيما يتجاوز المواطنة. حريّتنا تعتمد على قدرتنا على تجاوز المواطنة ومنطقها الهدّام.
*ترجمه عن الانجليزية مجد كيّال.