التحولات الهجرية في الجزائر: رهانات سياسية ومسائل إنسانية

تتعدد العوامل المحدِّدة للهجرات وتتشابك مع تعقّد هذه الهجرات منذ عدة عقود: لم يسمح النمو الاقتصادي الافريقي بتحسين ظروف المعيشة الاجتماعية - الاقتصادية لجزء كبير من السكان، وفي حين تستمر الحوكمة غير الرشيدة، يتعزز نزوع المجتمعات نحو الفردانية في سياق العولمة، وتتراجع أشكال التضامن التقليدية والتحويلات المالية للمهاجرين من الجيلين الثاني والثالث..
2018-08-28

سليم شنة

باحث من الجزائر، مؤلف كتاب "حركات العبور الهجرية في الجزائر المعاصرة"، الصادر بالفرنسية، 2016.


شارك
| fr en
سمعان خوّام - سوريا

تم دعم هذه المطبوعة من قبل مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المطبوعة أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

طردت الجزائر ما بين عامي 2014 و2018 أكثر من 30 ألف شخص من مواطني مختلف بلدان منطقة الساحل وافريقيا جنوب الصحراء (1). تقول السلطات ان حوالي 500 شخص يدخلون التراب الجزائري بطريقة غير قانونية كل يوم، وتتذرع بالخطر الذي يمكن أن يمثلونه على الأمن الوطني لكي تبرر إعادتهم إلى خارج الحدود.

بدأت هجرات أفارقة جنوب الصحراء إلى الجزائر في الفترة المعاصرة مع الأزمات المناخية والسياسية التي عاشتها منطقة الساحل خلال العقد السابع من القرن الفائت. وبموازاة ذلك، فإن هناك تواجد مهم للسود الجزائريين ــ بالأخص سليلي العبيد والذين يُسمَّون "الحراطين" ــ في جنوب الجزائر. لكن تختلف تمثلات الجزائريين لهاتين الشريحتين من ذوي البشرة السوداء: ففي حين يتم اعلاء شأن السود الجزائريين لأنهم يتشاركون إرثاً ثقافياً ودينياً وسياسياً مع بقية الأمّة، فإن هناك تمثل تحقيري للسود القادمين من افريقيا والذين تعزى إليهم عدة "أوبئة اجتماعية" كما تسميها الصحافة (سرقة، تجارة المخدرات، دعارة، أمراض...)(2).

ومع هذا فإن المهاجرين أصيلي جنوب الصحراء الذين يقيمون بطريقة غير قانونية، لا يشكلون إلا أقلية ضعيفة مقارنة بعدد السكان وب 140 ألف عامل أجنبي من 125 جنسية يشتغلون بصفة قانونية. على سبيل المقارنة، يقدر علي بن سعد (3) أن عدد المهاجرين أصيلي جنوب الصحراء، المستقرين أو المتنقلين في الجزائر سنة 2009 لا يتجاوز 75 ألف شخص، في حين تعلن السلطات عن طرد نحو 10 آلاف شخص في السنة في الفترة الممتدة من 2006 إلى 2008، وكذلك 41 ألف شخص ما بين 2009 و2011. ويقدر الباحثون في المعهد الأوروبي بفلورنسا عدد "العمال المهاجرين" الأفارقة في الجزائر سنة 2013 بمئة ألف شخص (4).

الأرقام تتحدث عن 30 ألف من الماليين فروا بداية من المعارك وفيما بعد من التدخل الفرنسي - الافريقي في منطقة الساحل، لكن لا توجد إلا إشارات قليلة حول كيفية التكفل بهم أو حول وضعيتهم القانونية، لأن العديد من مواطني شمال مالي يحملون الجنسية الجزائرية أيضاً!

في كانون الأول / ديسمبر 2012 صرّح وزير الداخلية بأن هناك قرابة 25 ألف مواطن من افريقيا جنوب الصحراء "لاجئين" في الجزائر، بسبب الأزمات السياسية والأمنية التي تعيشها المنطقة. وأعلن حينها عن تدعيم طاقة الاستقبال والاستيعاب في محافظات منطقة الجنوب الكبير. يأتي أغلب هؤلاء المهاجرين من مالي والنيجر، وجزء آخر من نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. يفرون من الصراعات وغياب الاستقرار السياسي التي تسبب اضطرابات في الطرقات الهجرية التقليدية وتقلل بالتالي من فرص العمل، أو يضطرون لترك أراضيهم بسبب عوامل مناخية تضر بالمحاصيل الزراعية. هذا هو الحال مثلاً بالنسبة للمناطق الجنوبية في النيجر التي تضررت من أنشطة مجموعة "بوكو حرام" ومن فترة الجفاف. أرقام أخرى صادرة عن الجهة نفسها تتحدث عن 30 ألف من الماليين فروا بداية من المعارك وفيما بعد من التدخل الفرنسي ــ الافريقي في منطقة الساحل، لكننا لا نجد إلا إشارات قليلة حول كيفية التكفل بهم أو حول وضعيتهم القانونية (لأن العديد من مواطني شمال مالي يحملون الجنسية الجزائرية أيضاً).

وفي أيار/ مايو 2018 قدر الاتحاد الأوروبي، في تقريره حول سياسة الجوار مع الجزائر، عدد المهاجرين غير النظاميين بأكثر من 100 ألف شخص باحتساب السوريين واليمنيين (5).

هجرات أكثر فأكثر تعقيداً

وبما يتجاوز الأرقام التي تبقى موضع شك فيما يتعلق بتعريف الوضعيات أو مصادرها كما انه من الممكن استغلالها لغايات معينة، فإنه ابتداء من 2013 ظهر وتطور فرع هجري وافد من النيجر بهدف التسول، يضم رجالاً ونساء وأطفالاً ومسنين. حتى ذلك التاريخ كانت الهجرات العابرة للصحراء تخص الشباب أساساً. رجال في سن العمل يعيشون في الأحياء الشعبية للمدن المتوسطية الكبرى متجنبين الفضاءات العامة، ويتنقلون في كامل أرجاء المنطقة (ما بين المغرب والجزائر وليبيا)، أو يمكثون في مناطق الجنوب الجزائري. هذا الفرع الجديد الذي من المرجح أن يكون مرتبطاً بالجريمة المنظمة، وزع المهاجرين القادمين في لأغلب الأحيان من جنوب النيجر في المنطقة: 250 في مدينة "ميلة" (الشمال الشرقي الجزائري)، 850 في "فرجيوة" القريبة منها، 200 في "قسنطينة" (ثالث كبرى مدن البلاد) وأكثر من ألفي متسول في محافظة بجاية (التي يقع مركزها على شاطئ المتوسط ويعتبر مرفأ نفط مهم..).

سياسة منح رخصة العمل في القطاعات التي تشهد ضغطاً مثل قطاع البناء، والتي أعلن عنها في وقت ما، تمّ التراجع عنها تاركة المجال لعودة الإيقافات وعمليات الطرد الجماعية. في خريف 2014، إثر زيارة وزير داخلية دولة النيجر، ردت الحكومة الجزائرية بالإيجاب على وزير العدل والناطق باسم حكومة دولة النيجر الذي كان قد طلب منها في الأسابيع السابقة تنظيم عملية ترحيل مواطني بلاده الذين دخلوا الجزائر بشكل مخالف للقانون. هذه العمليات التي تحظى أحياناً بمساعدة من المنظمة الدولية للهجرة يفترض أن تعطي الأولوية للنساء والأطفال، وهي تستدعي تضافر جهود عدة وزارات كالتضامن والصحة والداخلية والنقل (التي توفر الحافلات)، بطريقة تضمن إحترام كرامتهم. ويقدم الجيش أحياناً الدعم لها. لكن ومنذ أكثر من سنة ارتفع نسق هذه العمليات وتم تعميمها لتشمل كل مهاجر وافد من افريقيا السوداء.

تشير المؤسسات الأوروبية إلى أن الجزائر قد استقبلت قرابة 40 ألف شخص قادمين من مناطق النزاع في سوريا بدون إجراءات طلب التأشيرة، وسهلت لهم إمكانية الاستقرار وارسال أبنائهم إلى المدارس.

تتعدد العوامل المحدِّدة لهذه الهجرات، من غير المجدي التركيز على أحدها أكثر من سواه، نظراً لدرجة تعقد الأدْفاق الهجرية منذ عدة عقود. لم يسمح النمو الاقتصادي الافريقي، المتوزع بشكل غير متكافئ بين بلدان القارة، بتحسين ظروف المعيشة الاجتماعية ــ الاقتصادية بشكل محسوس لجزء كبير من السكان. وفي حين تستمر الحوكمة غير الرشيدة، يتعزز نزوع المجتمعات نحو الفردانية في سياق العولمة، يضاف اليه تراجع أشكال التضامن التقليدية، والتحويلات المالية للمهاجرين من الجيلين الثاني والثالث..

كثيرا ما تقدَّم الهجرة وتعاش كمغامرة تمكِّن المهاجر من نحت شخصيته عبر مواجهة الصعاب ومن تكوين ذاته في الحياة المادية والثقافية واليومية كفرد مستقل. يتعلق الأمر في اغلب الأحيان بتجربة تعاش كشكل من طقوس العبور أو طقوس التلقين، خصوصاً بالنسبة للمهاجرين الأصغر سناً. لكن، لم يعد الأمر يتعلق بهجرة وافدة من الأرياف، عمادها رجال لهم مستويات تعليمية ومؤهلات ضعيفة، تندرج ضمن سياق هجري انطلق من العائلة أو القرية أو من ممارسة اجتماعية تسمى "النواعير" (6). مسارات المهاجرين الاجتماعية هي اليوم فردانية وغير خطية (هم يتنقلون أكثر من كونهم يهاجرون)، وخارجة عن الأطر القانونية نظراً لتشديد شروط الهجرة الاقتصادية إلى أوروبا أو حتى للدراسة فيها. هؤلاء المهاجرون هم في أغلب الأحيان من أبناء المدن الذين لهم مستوى تعليم ثانوي وحتى جامعي، أكثرهم ينحدرون من الطبقات الوسطى وليس من الأوساط الفقيرة. أخيراً، وبطبيعة الحال ساهمت الأزمات السياسية والأمنية في الفضاء الساحلي ــ الصحراوي وفي الشرق الأوسط في احتداد الظاهرة.

تسييس الهجرات

لكن هذه لم تصبح بعد الصورة التي لدى المواطنين والسلطات عن الهجرات. رهاب الأجانب ما زال قوياً على المستوى الشعبي وتتم تغذيته في وسائل التواصل الاجتماعي، في حين تصدر عن السلطات مواقف متناقضة تراوح بين التأكيد على المبادئ السياسية ــ الديبلوماسية الجزائرية (التشجيع على "مقاربة شاملة للمسألة" ورفض لعب دور "شرطي" أوروبا وتفضيل المعاملة الإنسانية)، واستعادة الكليشيهات الأكثر استهلاكا حول السود الأفارقة. مثلاً، طلبت السلطات من أصحاب وسائل النقل العمومي (تاكسي، حافلات) في غرب الجزائر تجنب إيصال العمال من افارقة جنوب الصحراء كي لا يتم تسهيل تنقلاتهم.. لأن الهجرات أصبحت الآن موضوعاً سياسياً في الجزائر. واقترح رئيس الهيئة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان منع "اللاجئين" الأفارقة والسوريين من دخول التراب الجزائري. وخلال حوار أدلى به لجريدة "المحور" اليومية في 6 أيلول /سبتمبر 2014 قال انه يقصد بكلامه "الحفاظ على كرامة اللاجئين" عبر المطالبة "بتدابير صارمة لتقليل عددهم"، بسبب "خطر انتشار الأمراض والإجرام الذي يتربص بمجتمعنا". دافعت "جمعية الجزائر البيضاء" (7)، على لسان عبد الحفيظ سلامي، عن إيقاف وطرد "الأفارقة" من العاصمة. سبق لهذه الجماعة القريبة من الأوساط السلفية والمحافظة أن برزت خلال حملات تطالب بغلق الحانات وبقية المحلات التي تقدم الكحول. كما دافع لخضر بن خلاف، النائب الإسلامي عن "جبهة العدالة والتنمية"، عن أفضلية الجزائريين في النفاذ إلى سوق العمل وعبّر عن قلقه من المخاطر على الصحة والأمن العموميين، مطالباً في الوقت نفسه بتجميع المهاجرين وتنظيم طريقة التكفل بهم (8). ثم جاء دور أعضاء من الحكومة في 2017 ليعتبروا أن المهاجرين الوافدين من جنوب الصحراء يمثلون "تهديدات" على "الأمن القومي" قبل أن يناقض المدير العام للأمن الوطني هذه الاتهامات عبر الإشارة إلى عدم وجود صلة بين الإجرام والهجرة، مما يبعث على التساؤل عما إذا كانت هناك سياسة هجرة ولجوء متفق عليها في دوائر السلطة.

اشتكت النيجر من كون بعض المهاجرين المبعدين إلى أراضيها ليسوا من مواطنيها، ولا تشملهم اتفاقية الترحيل. ونبهت منظمة العفو الدولية إلى الظروف القاسية التي تصحب احتجاز وابعاد المهاجرين في قلب منطقة الصحراء، منددة بالمداهمات العمياء التي تؤدي إلى طرد أشخاص يقيمون بطريقة قانونية، فقط بسبب لون بشرتهم، وحتى طرد سود جزائريين!

مع ذلك فإن عمليات الطرد التي يتم تنسيقها يمكن ان تُبرّر بالمخاطر التي تتهدد المهاجرين، لا سيما وان خلافات صغيرة أو اشاعات يمكن ان تتحول إلى مواجهات بين جزائريين ومهاجرين أفارقة كما حدث في وهران في 2005 أو في ورقلة وبشار في 2016. نستذكر هنا وفاة 92 شخصا أغلبهم من النساء والأطفال عند عبورهم الصحراء التي تربط النيجر بالجزائر على الأقدام في تشرين الاول / أكتوبر 2013، وكذلك وفاة طفل في السنتين من عمره دهسته سيارة عندما كانت أمه (التي قتلت هي أيضاً) تتسول في مدينة بجاية في تشرين الثاني / نوفمبر 2014. وعلى الرغم من كل الاحتياطات المتخذة في جنوب غرداية، كلف حادث مرور 9 أشخاص حياتهم، من بينهم 3 أطفال وجزائريين، بالإضافة إلى 16 جريح إصاباتهم بليغة، حدث ذلك يوم 14 كانون الأول/ ديسمبر 2014 خلال عملية ترحيل كان من المفترض ان تنقل المهاجرين إلى "تمنراست" في أقصى جنوب البلاد قبل أن يتم ابعادهم إلى النيجر. كما تسبب حريق شب في مستودع لإيواء المهاجرين يديره الهلال الأحمر الجزائري بمدينة ورقلة في مقتل 18 مهاجر.

ما زالت بعض المواقف والتمثلات راسخة عند الجزائريين أيضاً. ويظهر ذلك مثلاً عندما انتشر فيروس إيبولا في 2014. نقلت جريدة "ليبرته" الجزائرية الفرنكوفونية في ركن "الرادار" حواراً يشهد على مدى ترسخ الربط بين السود والأمراض المعدية: رداً على جزائري أزعجه، متهماً إياه بحمل بفيروس ايبولا، قال مهاجر افريقي كلمات صدمت الحضور: "كل واحد فينا هو إيبولا بالنسبة لشخص آخر، انت هو الإيبولا!". في عين قزام، المدينة الجزائرية المحاذية لحدود النيجر، أثارت إشاعة حول قدوم مهاجرين مصابين بالإيبولا الهلع بين الناس، وأجبرت السلطات المحلية على تكذيب الخبر في وسائل الإعلام. من ضمن نشريات أخرى، بقيت جريدة "الشروق" اليومية وهي صحيفة إثارة (تابلويد) على الخط التحريري التقليدي نفسه الذي يربط بين المهاجرين الأفارقة والأمراض. استمرت مثلا هذه الجريدة في نشر صفحات أولى ذات طابع عنصري، في حين بدأت أغلب وسائل الإعلام الكبرى، الورقية منها والالكترونية، في إعطاء الكلمة للمهاجرين والتساؤل حول ظروف عيشهم وانتقاد رهاب الأجانب الشعبي والمؤسساتي.

وعلى العكس، فإن أغلب الجزائريين يتساءلون عن هذا التطور المحسوس والسريع لحضور المهاجرين الذي كان من قبل مسكوتاً عنه وبعيداً عن الأنظار. لكنهم أيضا قلقون من تدهور ظروف عيش عائلات بأكملها، وعدم تمدرس الأطفال الذين يشكلون قسماً هاماً من هؤلاء "اللاجئين". وكانت هذه الأغلبية قد عاشت حالة تأثر كبيرة إثر حادثة الاغتصاب الجماعي لمهاجرة كاميرونية لا تحمل أوراق إقامة في مدينة وهران سنة 2015 سبقتها حوادث مشابهة في المنطقة نفسها. في مدينة بجاية تظاهرت جمعيات للمطالبة بتوفير رعاية لائقة للأسر المهاجرة التي تعيش على التسول. هناك أيضاً جمعيات محلية صغيرة وأفراد ينظمون حملات مساعدة حسب إمكانياتهم خصوصاً طيلة شهر رمضان، هذا دون احتساب الصدقات التي تعطى في الشارع.

تنخرط أكثر فأكثر الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان والنقابات المستقلة (ومنها النقابة الوطنية المستقلة لموظفي الإدارة العمومية في وهران) وجمعيات الشباب، في الدفاع عن المهاجرين، في حين يعبر فرع منظمة العفو الدولية في الجزائر عن قلقه من غياب سياسة لجوء. وفي حدث غير مسبوق، تم تأسيس منصة للمهاجرين في الجزائر في كانون الأول/ ديسمبر 2015 لتحسيس الرأي العام والتأثير على السلطات، بالأخص في مسائل التمييز والاستغلال. هذه المنصة، التي تجمع عدة منظمات من المجتمع المدني، تطالب أيضا بسن قانون جديد للجوء حتى يتم تحديث الجهاز القانوني الحالي الذي أرساه مرسوم صادر سنة 1963. سياسة الطرد الجزائرية وعلى الرغم من انها قديمة، فهي الأكثر عرضة للانتقادات التي لم تعد تصدر فقط عن منظمات غير حكومية جزائرية مهتمة بالمسألة، بل أصبحت تأتي أيضاً من منظمات دولية ومنظمات غير حكومية عالمية وحتى من قبل شركاء.

اشتكت دولة النيجر من كون بعض المهاجرين المبعدين إلى أراضيها ليسوا من مواطنيها ولا تشملهم اتفاقية الترحيل. ونبهت منظمة العفو الدولية إلى الظروف القاسية التي تصحب احتجاز وابعاد المهاجرين في قلب منطقة الصحراء، منددة بالمداهمات العمياء التي تقود أحيانا السلطات إلى طرد أشخاص يقيمون بطريقة قانونية فقط بسبب لون بشرتهم (وحتى طرد سود جزائريين). كما انتقد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان ضبابية الإجراءات فضلاً عن قسوتها. المهاجرون المبعدون أنفسهم عبروا عن غيظهم عبر التظاهر أمام القنصلية الجزائرية بمدينة غاو (مالي) في آذار/ مارس 2018 احتجاجاً على المعاملة السيئة التي يقولون انهم تعرضوا لها في الجزائر عند طردهم، خصوصا عندما تركتهم السلطات الجزائرية في أماكن خالية من البشر في قلب الصحراء.

اعتبر نشر "مهاجري الأزمات" الجدد هؤلاء في كامل أرجاء البلاد، كتحذير من المخاطر التي يمكن ان يتسبب فيها اسقاط النظام بشكل عنيف. تجعل هذه الهجرات المواطنين يتساءلون عن انعكاسات غياب الاستقرار السياسي في المنطقة، وتبدو كذلك السلطة وكأنها تسألهم: "وأنتم إلى أين ستذهبون؟".

الجزائر، الواقعة في قلب منطقة متأثرة بانعكاسات القلاقل السياسية الدولية، والتي تمتد حدودها إلى منطقة الصحراء التي تعيش تغييرات اقتصادية ومناخية، تشاهد جزء من التحركات البشرية التي تعبرها يتغير، في حين تبدو هي ــ سواء أكان ذلك صحيحا أم لا ــ كواحة استقرار وحتى ازدهار في المنطقة. الهجرات أصبحت مسيسة، ينظر اليها من منظور سياسي. لا تتردد الخطابات الرسمية والمهيمنة عن ربط هذه التحركات البشرية بنتائج السياسات المغامرة للشعوب المجاورة وللقوى الغربية خلال "الربيع العربي"(9).

التسييس الكامن، أو المعنى الخفي في هذه التمثلات وطرق الإظهار الجديدة للهجرات العابرة للصحراء والقادمة من سوريا، لم يفت رجل الشارع الذي تعود منذ مدة طويلة على ممارسة تحليل رديف للوقائع الاجتماعية ــ السياسية، وترجمة أفعال وخطابات السلطة إلى لغة أقل تعقيداً. وهكذا مثلاً أوّل البعض نشر "مهاجري الأزمات" الجدد هؤلاء في كامل أرجاء البلاد، من "أدرار" إلى "تبسة" ومن الجزائر العاصمة إلى "غرداية"، كتحذير ــ عبر المهاجرين ــ من المخاطر التي يمكن ان يتسبب فيها اسقاط النظام بشكل عنيف. هذه الهجرات تجعل إذاً المواطنين يتساءلون حول انعكاسات غياب الاستقرار السياسي في المنطقة (عنف، أزمة اقتصادية، إفقار متسارع، تنقلات..) وتبدو السلطة وكأنها تسألهم : "وأنتم إلى اين ستذهبون؟".

ترجمة: محمد رامي عبد المولى

_______________

1- يقصد بـ"الساحل" الشريط الواقع على ضفاف الصحراء الكبرى في إفريقيا، وأغلبه يخص موريتانيا والسودان ومالي والنيجر وتشاد، ويمكن اعتبار السنغال وبوركينا فاسو جزء منه على الرغم من ضيق المساحة التي تشترك فيه والعائدة لهذه البلدان. وللاشارة الى هذه المنطقة غالبا ما يقال "الساحل والصحراء" (ملاحظة المترجم).

2- KHIAT, Salim, « Les noirs en Algérie : « Les nôtres » et « les leurs ». Noirs autochtones et immigrés subsahariens. L’Altérité en circulation », Naqd, n°32, 2015, pp. 207-225.

3- BENSAÂD, Ali, « L’immigration en Algérie. Une réalité prégnante et son occultation officielle », in : BENSAÂD, Ali (sous la direction de), Le Maghreb à l’épreuve des migrations subsahariennes. Immigration sur émigration, Paris : Karthala, 2009, pp. 18-20.

4- De BRUYCKER, Philippe, Di BARTOLOMEO Anna, FARGUES, Philippe, Migrants smuggled by sea to the EU : facts, laws and policy options, MPC RR2013/09, Robert Schuman Centre for Advanced Studies, San Domenico di Fiesole (FI) : European University Institute, 2013, p. 3.

5- تشير المؤسسات الأوروبية إلى أن الجزائر قد استقبلت قرابة 40 ألف شخص قادمين من مناطق النزاع في سوريا بدون إجراءات طلب التأشيرة، وسهلت لهم إمكانية الاستقرار وارسال أبنائهم إلى المدارس.

6- هجرات موسمية تنطلق من الأرياف نحو المدن الكبرى. ترسل القبيلة أو القرية رجالاً للعمل في المدن مؤقتا بهدف جمع المال لفائدة المجموعة وضمان بقائها في موطنها. عادة ما يعود المهاجرون إلى قراهم مع بداية الموسم الزراعي للمساهمة في أعمال الفلاحة (ملاحظة المترجم)

7- البيضاء اسم يطلق على الجزائر العاصمة و ليس له دلالات عنصرية (ملاحظة المترجم).

8- GUENANFA, Hadjer, « L’Algérie confrontée à un exode massif des refugiés subsahariens, selon un député », TSA, 14 septembre 2014 : http://archives2014.tsa-algerie.com/2014/09/14/lalgerie-confrontee-a-un-exode-massif-des-refugies-subsahariens-selon-un-depute

9- خلال سهرة نظمت لفائدة اللاجئين الأفارقة والسوريين والفلسطينيين في الجزائر صرحت سعيدة بن حبيلس، الوزيرة والنائبة السابقة في مجلس الأمة، والتي تشغل حاليا منصب رئيس الهلال الأحمر الجزائري: "لم يتم انشاء منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) لنشر الديمقراطية في البلدان أو ضمان استقرارها"، وعبرت عن أملها في أن "تفكر هذه القوى الكبرى في الانعكاسات الدراماتيكية لقراراتها على الإنسانية". وحسب ما صرحت به فإن "الجزائر بصدد معالجة انعكاسات الأخطاء الاستراتيجية للقوى الكبرى التي تعددت تدخلاتها العسكرية متسببة في ظهور أدفاق هجرية كبيرة مما صنع مأساة إنسانية حقيقية".

محتوى هذه المطبوعة هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

مقالات من الجزائر

للكاتب نفسه