زيت الزيتون في تونس: وفرة في الإنتاج، ولكن..

المعدل السنوي لإنتاج تونس من زيت الزيتون خلال فترة 2014 - 2024 هو في حدود 220 ألف طن، لكن مع فوارق مهمة بين مواسم تقل فيها الكمية عن 200 ألف وأخرى تتجاوز فيها 350 ألف طن. وتُعدّ تونس من كبار الفاعلين في سوق زيت الزيتون عالمياً، اذ احتلت في موسم 2024-2025 المرتبة الثانية من حيث الكميات المصدَّرة والثالثة من حيث الإنتاج، وهي الأولى عالميّاً في إنتاج الزيت "البيولوجي" (الخالي من المواد والأسمدة الكيمائية) وتصديره.
2025-12-30

شارك
البغدادي شنيتر - تونس

"طيح الصَرّافة" و"طلع سوم الباز"، هذه بعض الوسوم الرائجة في وسائل التواصل الاجتماعي في تونس، خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر 2025. كلا الوسمين يتعلقان بموسم قطاف الزيتون الذي انطلق في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الفائت. الوسم الأول، يعني حرفيّاً: "أسقط الصرّافة"، و"الصراّفة"، سلم خشبي مزدوج يستعمل في قطاف الزيتون وأنشطة فلاحية وحرفية أخرى، والمقصود بهذا الوسم دعوة الفلاحين إلى تعليق عملية القطاف. أما الوسم الثاني فهو موجه إلى الدولة وأصحاب المعاصر ومصانع تعبئة زيت الزيتون، ويطالب بالترفيع في سعر "الباز" (Base)، أي السعر القاعدي أو المرجعي، الذي يعتمده أصحاب معاصر الزيت عند شراء المحاصيل من الفلاحين. وهذا السعر يضبط على الكيلوغرام الوحد وليس اللتر (1 كغ من الزيت = 1،1 لتر)، ويتم تحديده وفق عدة معايير، منها: نسبة الزيت في الزيتون، وصنف الزيتون، وطريقة الرحي، وعدد مرات العصر، وطبعاً قانون العرض والطلب.

ويتوقع أن يكون حجم إنتاج زيت الزيتون في موسم 2025 – 2026 في حدود 450 – 500 ألف طن، وهو رقم قلّما تحقق في تاريخ تونس المعاصر.

وقد تدنى السعر القاعدي في بعض المناطق إلى أقل من 8 دنانير (1 دولار = 2.9 دينار تونسي) خلال الأسابيع الفائتة، بعد أن كان في حدود 12 – 13 ديناراً في الفترة نفسها من سنة 2024، و16 – 17 ديناراً في سنة 2023. هذا التراجع الحاد أثار سخط الفلاحين، إذ يعتبر كثير منهم أن أسعار البيع غير منْصفة ولا تغطي حتى مصاريف الإنتاج، لذا يطالبون المسؤولين، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، بالتدخل السريع والناجع، ليس فقط لفرض سعر مرجعي معقول، بل لوضع خطة متكاملة تضمن تخزين وتسويق المحصول الهائل، قبل أن تنهار الأسعار محلياً وخارجياً. قد تتدخل الدولة لحلحلة الوضع قليلاً، لكن يبدو أنه من الصعب إيجاد حلول كاملة ومرْضية لجميع الأطراف. فأزمة قطاع زيت الزيتون في تونس ليست ظرفية، وليست وليدة موسم واحد، مهما كان استثنائياً.. هي "قطاف" لنتائج سياسات إنتاجية وتسويقية مستمرة منذ وقت طويل.

معطيات عامة عن قطاع زيت الزيتون في تونس

يبلغ عدد الزياتين في تونس حوالي 100 – 110 مليون شجرة، تتوزع على مساحة تفوق 1.9 مليون هكتار (1 هكتار = 10000 متر مربع)، أي قرابة 46 في المئة من إجمالي الأراضي الفِلاحية في تونس، و80 في المئة من المساحة المخصصة لغراسة الأشجار المثمرة. ويبلغ عدد الفلاحين العاملين بصفة حصرية أو ثانوية في إنتاج الزيتون قرابة 300 ألف فلاح، بحسب أرقام "المرصد الوطني للفِلاحة". تتواجد غابات الزياتين في كل مناطق البلاد من شمالها إلى جنوبها، مع اختلاف في الأصناف المغروسة والاستعمالات والجودة وحجم الإنتاج. يوفِّر القطاع حوالي 50 مليون يوم عمل كل سنة، وحتى أكثر عندما يكون المحصول كبيراً، مع اعتماد قوي على اليد العاملة العائلية، النسائية بالأخص، في مرحلة القطاف. المعدل السنوي لإنتاج تونس من زيت الزيتون خلال فترة 2014 - 2024 هو في حدود 220 ألف طن، لكن مع فوارق مهمة بين مواسم تقل فيها الكمية عن 200 ألف وأخرى تتجاوز فيها 350 ألف طن. وتُعدّ تونس من كبار الفاعلين في سوق زيت الزيتون عالمياً، اذ احتلت في موسم 2024-2025 المرتبة الثانية من حيث الكميات المصدَّرة والثالثة من حيث الإنتاج، وهي الأولى عالميّاً في إنتاج الزيت "البيولوجي" (الخالي من المواد والأسمدة الكيمائية) وتصديره. وتتراوح نسبة مساهمة زيت الزيتون في الصادرات الفلاحية للبلاد ما بين 40 و50 في المئة سنوياً.

التاريخ السياسي لزيت الزيتون في تونس

يعود انتشار الزياتين في تونس إلى حوالي 3000 سنة خلت، ويمكن القول إنه "هدية" لبنانية، أو بنعت أدق "فينيقية"، جلبتها سفن القادمين من "صور" في القرن التاسع قبل الميلاد. وعلى امتداد 28 قرناً، تطورت غراسة الزيتون وتوسعت في أغلب مناطق البلاد، حتى بلغ عددها أكثر من 5 ملايين شجرة مطلع القرن التاسع عشر الميلادي. خلال قرنين من الزمن (ما بين 1820 و2020) سيتضاعف هذا العدد قرابة 20 مرة. هذه الطفرة حصلت على عدة مراحل، وهي نتاج لسياسات كانت أغلبها تصب في مصلحة الأجانب، وقلة من الفاعلين المحليين.

مقالات ذات صلة

في الثلث الأول من القرن التاسع عشر شهدت موارد تونس - بالأحرى حكامها وأعيانها - تراجعاً كبيراً لسببين أساسيين: أفول القوافل الصحراوية، ومعها تجارة العبيد، وإجبار القوى الأوروبية حكام المغرب الإسلامي على التخلي عن القرصنة البحرية، التي كانت تستهدف سفن التجار الأوروبيين. ولتعويض "الخسائر"، اتجهت أعين حكام البلاد إلى الفِلاحة، وبما أن الزياتين كانت أكثر الأشجار انتشاراً، فإنها حظيت باهتمام كبير، خاصة وأن هناك طلباً أوروبيّاً كبيراً على زيت الزيتون لاستعماله في صناعة الصابون والإنارة وغيرها من الاستخدامات. وسرعان ما سيطر تجار الجملة الأوروبيون – الإيطاليون بالأخص - على مفاصل عملية التصدير من تونس إلى أوروبا، في "شراكة" مع كبار الملاّك والوسطاء والمرابين التونسيين. وتشكلت منذ تلك الفترة أسس الفلاحة الموجهة إلى التصدير في تونس. تطور عدد الزياتين ليتجاوز 11 مليون شجرة في سنة 1890، أي بعيد سنوات قليلة من وقوع البلاد تحت سيطرة السلطات الاستعمارية الفرنسية. هذه الأخيرة، أولت اهتماماً كبيراً بزيت الزيتون، ليس فقط من أجل الأرباح التي يدرّها، بل كذلك لضرب مصالح جارتها اللدودة إيطاليا، التي كانت حينها – ولا تزال إلى اليوم - من أكبر الفاعلين في السوق العالمية لزيت الزيتون.

عند استقلال البلاد في سنة 1956، كان هناك في تونس قرابة 30 مليون شجرة زيتون. هذه الثروة ستلعب دوراً مهماً في الاقتصاد التونسي. في سنة 1962، تم إنشاء "الديوان الوطني للزيت"، حتى يكون قاطرة القطاع في البلاد. لكن، بعد تجربة قصيرة من الإنتاج "التعاوني" - تجربة "التعاضديات" - وسياسات الاكتفاء الذاتي الغذائي في ستينيات القرن الفائت، نهج نظام الحبيب بورقيبة منذ سنة 1971 سياسات ليبرالية، من بين أركانها المراهنة على الفِلاحة الموجهة للتصدير. وكان زيت الزيتون أحد أعمدة هذه السياسات.

يعود انتشار شجر الزيتون في تونس إلى حوالي 3000 سنة خلت، ويمكن القول إنه "هدية" لبنانية، أو بنعت أدق "فينيقية"، جلبتها سفن القادمين من "صور" في القرن التاسع قبل الميلاد. وعلى امتداد 28 قرناً، تطورت غراسة الزيتون وتوسعت في أغلب مناطق البلاد، حتى بلغ عددها أكثر من 5 ملايين شجرة مطلع القرن التاسع عشر الميلادي. خلال قرنين من الزمن (ما بين 1820 و2020) سيتضاعف هذا العدد قرابة 20 مرة. هذه الطفرة حصلت على عدة مراحل، وهي نتاج لسياسات كانت أغلبها تصب في مصلحة الأجانب، وقلة من الفاعلين المحليين. 

واصل نظام بن علي (1987 – 2011) السير على النهج نفسه، مع بعض التغييرات التي تتمثل أساساً في رفع يد الدولة عن القطاع لصالح المهنيين والمستثمرين من القطاع الخاص. ففي سنة 1995 تم إنهاء احتكار "الديوان الوطني للزيت" لمسار إنتاج وتسويق زيت الزيتون. وفي سنة 2002 تخلت الدولة عن تحديد الأسعار المرجعية، كما تراجع دورها في تخزين الزيت وتسويقه بشكل كبير لصالح الفاعلين الخواص، وصارت تكتفي بدور تعديلي محدود، وتوفير بعض أشكال الدعم للمنتِجين، وإجراءات تحفيزية متعددة للمصدِّرين وأصحاب وحدات الإنتاج والتعليب الكبرى.

عندما قامت ثورة 2011، كانت البلاد تعد أكثر من 80 مليون زيتونة، ثم حصلت الطفرة الأسرع في تاريخ تونس: قرابة 20 مليون شجرة إضافية في فترة لا تتجاوز 15 سنة (2011 – 2025). وهي طفرة مرتبطة مرة أخرى بالسوق العالمية، التي شهدت توسعاً هائلاً منذ مطلع الألفية الثالثة، مع رواج استخدام زيت الزيتون في أمريكا الشمالية والصين واليابان ومناطق أخرى.

وفرة، لكن لصالح من وعلى حساب من /ماذا؟

تخيل أن تعيش في بلد يمتلك أكثر من مئة مليون شجرة زيتون، ويحتل مراتب عالمية أولى في الإنتاج والتصدير، ولا يمكنك ــ على كل هذا ــ أن تشتري أكثر من بضع لترات من زيت الزيتون كل سنة، إن استطعت إليها سبيلاً! هذه حال مئات آلاف التونسيين، وربما الملايين منهم، في السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع الأسعار. ولم تكن هذه حالهم دائماً، فحتى أواخر القرن الفائت، كانت غالبية الأسر التونسية قادرة على ضمان "عولة" (مخزون) سنوية بعشرات الكيلوغرامات، تكفي كل حاجاتها وأكثر أحياناً. ما الذي حدث إذاً؟ هوس الدولة بالتصدير (جلْب العملات الصعبة)، وإطلاق يد المضاربين والمستثمرين والمصدّرين من جهة، ومن جهة أخرى ارتفاع سريع للطلب العالمي، على زيت الزيتون وبأسعار مغرية. هكذا صارت السوق المحلية ثانوية جداً وخارج حسابات أغلب الفاعلين في القطاع. في موسم 2023 – 2024 بلغ سعر اللتر الواحد من الزيت في تونس 25 ديناراً (أكثر من 8 دولارات)، وكان الجميع سعيداً (الدولة والمنتجون والمصدرون)، باستثناء غالبية التونسيين، الذين أحسوا بالقهر لاضطرارهم إلى الاستغناء عن هذه المادة المحببة إلى قلوبهم، أو شرائها بسعر يقارب - ويفوق أحياناً - سعر البيع في أوروبا. وهذا الغضب دفع الدولة إلى التدخل، لتوفير كميات محدودة بأسعار مدعومة من الخزينة العامة. في السنوات الأخيرة لم تقل نسبة الكمية المصدَّرة عن 80 – 90 في المئة من إجمالي الإنتاج. نتيجة لهذا التجاهل للسوق المحلية، تراجع معدل استهلاك الفرد في تونس لزيت الزيتون إلى حوالي 3.7 كيلو غراماً سنوياً، بعد أن كان يتجاوز 8 كيلو غراماً في سبعينيات القرن الفائت. لكن الدولة لم تترك المواطن بلا زيوت! فصارت تستورد الزيوت النباتية لتعوِّض زيت الزيتون، حتى ارتفع معدل استهلاك الفرد من الزيوت الأخرى من 6 كيلو غراماً في سنة 1975 إلى حوالي 18 كيلوغراماً في سنة 2015. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تكلفة واردات الزيوت النباتية بلغت في سنة 2024 أكثر من 698 مليون دينار. الزيوت "الرخيصة" متدنية الجودة والقيمة الغذائية/ الصحية للمستهلِك المحلي، والزيت الثمين والصحي للمستهلِك الأجنبي! هذه المعادلة سائدة منذ عقود، وهي لا تخدم صورة وسمعة المنتَج التونسي في العالم. فحتى مطلع الألفية الثالثة، كانت أكثر من 95 في المئة من الصادرات التونسية تباع سائبة بسعر الجملة، والأدهى من ذلك ان أكثر بلدين يستوردان الزيت التونسي هما إسبانيا وإيطاليا، أي أكبر منافسين لتونس، والأكثر تأثيراً في السوق العالمية.

عندما قامت ثورة 2011، كانت البلاد تعد أكثر من 80 مليون شجرة زيتون، ثم حصلت الطفرة الأسرع في تاريخ تونس: قرابة 20 مليون شجرة إضافية في فترة لا تتجاوز 15 سنة (2011 – 2025). وهي طفرة مرتبطة مرة أخرى بالسوق العالمية، التي شهدت توسعاً هائلاً منذ مطلع الألفية الثالثة، مع رواج استخدام زيت الزيتون في أمريكا الشمالية والصين واليابان ومناطق أخرى.

في تسعينيات القرن الفائت، لم تكن مساحة غراسات الزيتون المسقية تتجاوز 30 ألف هكتار، وكانت مساهمتها في الإنتاج ضئيلة. أما في الموسمين الأخيرين، فقد تجاوزت مساحتها ال100 ألف هكتار، وصارت توفِّر أكثر من 50 في المئة من الإنتاج، ويُنتظر أن تتجاوز المساحة 150 ألف هكتار في السنوات القادمة.  

هناك أيضاً اختلال كبير في توزيع إيرادات زيت الزيتون. فعلى الرغم من أن هناك مئات آلاف التونسيين المنتفِعين من هذا القطاع، إلّا أن نسبة قليلة منهم هي التي تحتكر الجزء الأكبر من الأرباح. عندما يشتري مستهلك أوروبي أو أمريكي لتراً من زيت الزيتون التونسي في السوبرماركت، بسعر يتراوح ما بين 10 و15 يورو، فإن نصيب الفلاح الصغير في تونس لا يتجاوز 3 أو 4 يورو في أفضل الأحوال، والباقي "هوامش" ربح، يتقاسمها أصحاب المعاصر ومصانع التعليب، والوسطاء التونسيون، وتجار الجملة والمفرَّق الأوروبيون.

ويتسم سوق الزيت في تونس بممارسات احتكارية فادحة. على سبيل المثال، تحتكر شركة خاصة واحدة تصدير 20 في المئة من إجمالي الزيت الموجه إلى الخارج، وقرابة 55 في المئة من الكميات المعلبة. وأشار "المجلس الدولي للزيت" إلى أن 10 مؤسسات تونسية (من جملة 100 مؤسسة) تسيطر على 70 في المئة من صادرات الزيت و69 في المئة من أرباحها. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فكثير من المؤسسات (50 واحدة على الأقل بحسب بيانات وزارة الفِلاحة) تنشط في كل القطاع ومراحل الإنتاج والتسويق، فتجدها تمتلك/أو تستأجر أراضيَ فلاحية و/أو تشتري محاصيل مئات الفلاحين، وتمتلك في الوقت نفسه معاصر ومصانع تحويل وتعليب ورخص تصدير.

ولا يبدو أن هناك حدوداً لجشع كبار الفاعلين الخواص، ولإصرار الدولة على المضي قدماً في السياسات نفسها، حتى وإن تطلب الأمر إجهاد الأرض واستنزاف أهم مورد طبيعي، أي الماء. تاريخياً، كانت غراسة الزيتون في تونس "بعلية"، تعوِّل بشكل شبه كلي على الأمطار، وكان المحصول يختلف من سنة إلى أخرى بحسب المعطيات المناخية، وكذلك النسق البيولوجي لشجرة الزيتون. لكن هذا النسق لا يتماشى مع مصالح الدولة والمصدِّرين. ونظراً لتفاقم آثار التغير المناخي في العقدين الأخيرين، وتزايد عدد المواسم الجافة، صار الحل "الناجع" يتمثل في التعويل على المساحات السقوية، التي أخذت في التوسع بشكل سريع خلال السنوات الأخيرة.

في السنوات الأخيرة، لم تقل نسبة الكمية المصدَّرة عن 80 – 90 في المئة من إجمالي الإنتاج. نتيجة لهذا التجاهل للسوق المحلية، تراجع معدل استهلاك الفرد في تونس لزيت الزيتون إلى حوالي 3.7 كيلو غراماً سنوياً، بعد أن كان يتجاوز 8 كيلو غراماً في سبعينيات القرن الفائت. لكن الدولة لم تترك المواطن بلا زيوت! فصارت تستورد الزيوت النباتية لتعوِّض زيت الزيتون، حتى ارتفع معدل استهلاك الفرد من الزيوت الأخرى من 6 كيلو غراماً في سنة 1975 إلى حوالي 18 كيلوغراماً في سنة 2015. 

الزيوت "الرخيصة" متدنية الجودة والقيمة الغذائية/ الصحية هي للمستهلِك المحلي، والزيت الثمين والصحي للمستهلِك الأجنبي! هذه المعادلة سائدة منذ عقود، وهي لا تخدم صورة وسمعة المنتَج التونسي في العالم. فحتى مطلع الألفية الثالثة، كانت أكثر من 95 في المئة من الصادرات التونسية تباع سائبة بسعر الجملة، والأدهى من ذلك ان أكثر بلدين يستوردان الزيت التونسي هما إسبانيا وإيطاليا، أي أكبر منافسين لتونس، والأكثر تأثيراً في السوق العالمية.

في تسعينيات القرن الفائت، لم تكن مساحة غراسات الزيتون المَسْقية تتجاوز 30 ألف هكتار، وكانت مساهمتها في الإنتاج ضئيلة، أما في الموسمين الأخيرين فقد تجاوزت مساحتها ال100 ألف هكتار، وصارت توفر أكثر من 50 في المئة من الإنتاج، وينتظر أن تتجاوز المساحة 150 ألف هكتار في السنوات القادمة.

وهكذا يشهد القطاع الفِلاحي هيمنة تدريجية لغراسة أحادية، تقلل من التنوع البيولوجي، وتضر بالتربة، و"تقصي" غراسات وزراعات أخرى، وتبتلع كميات متزايدة من المياه. والحال أن أغلب الإنتاج موجه إلى الخارج.

مقالات من تونس

دار الجيلاني في جربة، جماليّة المعمار وصخب التراث

ضو سليم 2025-12-16

المشروع في جوهرهِ تجسيد واضح لمبادرة الاقتصاد الاجتماعي التضامني، التي ترمي إلى وضع استراتيجية واضحة تمكِّن من الاستغلال الأمثل للموارد المادية والبشرية، وتقاوم هنّات المنوال الليبرالي ونقائصه الفادحة على مستوى...

من ندرة المورد إلى وفرة الصراع: أزمة الماء في تونس

يُمكن النظر إلى الماء كعنصر يُعيد إنتاج التفاوتات الاجتماعية. فمن جهة، تحظى الفضاءات السياحية والمناطق الصناعية بوفرة مائية نسبية، تضمن لها الاستمرارية والاستقرار، بينما تُترك الأحياء الشعبية والقرى الفلاحية في...

للكاتب/ة

احتجاجات "قابس": قصة مدينة تونسية شُوِّهتْ ملامحها وسُممت أجواؤها

قابس الوديعة والصبورة تعيش منذ أواخر شهر أيلول/ سبتمبر الفائت، حالة من الغضب والسخط الشديدين، تعبِّر عنهما بأشكال مختلفة لكن بمطالب موحَّدة. هذه المطالب تريد نهاية لـ"جريمة" تعيشها قابس منذ...

من النشأة زمن الاستعمار الفرنسي إلى عصر الاستحواذ الصيني: سيرة الإسمنت التونسي

تُعطِّل الأسعار المرتفعة، وتقييدات التصدير التي تصدرها الحكومة من وقت إلى آخر، انتشار الاسمنت التونسي في الأسواق العالمية. لكن هناك معطيات موضوعية أيضاً. فأكبر مستهلِكَين تقليديين للإسمنت المحلي، سواء عبر...