جوهر مختار أحمد | مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية
7 / 11 / 2025
تاريخيًا، قبع المهمشون في قاع الهرم الاجتماعي في اليمن، وهم أقلية عانت على مدى عقود من التهميش والإقصاء. سلّط تصاعد أنشطة المنظمات الدولية غير الحكومية عقب توحيد اليمن عام 1990، مزيدًا من الضوء على نضالهم، مما أفضى إلى جهود مناصرة حقيقية من قبل المنظمات المحلية والدولية على حد سواء، وولّد زخمًا لهذه الفئة، لكن توسع نطاق الصراع في اليمن منذ العام 2015، وما تلاه من صراع طويل الأمد يهدد بتقويض هذه المكاسب التي تحققت بشق الأنفس. مع تراجع الدعم الدولي لليمن، عادت محنة المهمشين مرة أخرى إلى الهامش، تاركةً هذه الفئة عرضة للخطر على نحو متزايد.
على الرغم من عدم وجود إحصاءات معترف بها رسميًا، تقدر تقارير الأمم المتحدة ودراسات أخرى عدد المهمشين بما يتراوح بين 500 ألف و3.5 مليون نسمة. إذا صح الرقم الأخير، فإنهم يشكلون ما يقرب من 10 بالمئة من سكان اليمن، وبالتالي، فإن تآكل منظمات هذه الفئة وانهيارها يعرّض أعدادًا هائلة من الناس لمخاطر متجددة، دون أن يكون لديهم التمثيل اللازم أو سبل للإنصاف.
التخلص من وصمة العار
طبع التمييز السلبي تجربة المهمشين على مر السياقات التاريخية والسياسية في اليمن، ورغم أن أصول هذه الفئة لا تزال محل جدل، فإن هناك رواية شائعة بين المؤرخين اليمنيين ترجع نسبهم إلى بقايا الدولة النجاحية التي أسسها نجاح الحبشي، وحكمت أجزاء واسعة من اليمن بين عامي 1012 و1158. بعد سقوط الدولة على يد علي بن المهدي عام 1158، انتقم المهدي من الناجين من بني نجاح بإجبارهم على الخدمة، وجرّدهم من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية الأساسية مثل ملكية الأراضي والعمل الكريم، وحصرهم في أطراف المناطق الحضرية.
المهمشون في اليمن.. اغتراب في أدنى الهامش
03-10-2019
حتى وقت قريب، كان مصطلح «الأخدام» هو التسمية المهينة الأكثر شيوعًا لوصفهم. استمرت النقاشات حول أصلهم، إلى جانب الدلالات السلبية المرتبطة بالخدمة، على مر الزمن، متجاهلةً حقيقة أن المهمشين هم يمنيون أولًا وقبل كل شيء، وقد كانت هناك جهود سابقة لدمجهم قبل الوحدة اليمنية (1990)؛ فقد وفرت الحكومة الاشتراكية في جنوب اليمن درجة من الإدماج عبر توفير السكن والتعليم والوظائف العامة، لكن في شمال اليمن، ساد الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي. نظرًا لافتقارهم إلى الانتماء القبلي في مجتمع يغلب عليه الطابع القبلي، حُرم أفراد هذه الفئة من السلطة والنفوذ، واستُبعدوا من حسابات القوى المهيمنة، وسكنوا في مدن الصفيح والأحياء الفقيرة على أطراف المناطق الحضرية، واقتصرت أعمالهم على الصرف الصحي والنظافة.
عقب توحيد اليمن، أتاح الانفتاح السياسي، رغم محدوديته، هامشًا مهمًا للديمقراطية والتعددية، مما دفع منظمات حقوق الإنسان الدولية إلى زيادة أنشطتها في البلاد. حظيت محنة المهمشين باهتمام خاص، وبدعم من المنظمات الدولية غير الحكومية، وبمساعدة من باحثين محليين، بدأ قادة هذه الفئة في تأسيس مراكز نفوذ بديلة لتعويض افتقارهم إلى الدعم القبلي. ابتداءً من عام 1999، أسس المهمشون ما يقرب من 80 جمعية واتحادًا ومنظمة محلية في جميع أنحاء البلاد، بدعم من المجتمع الدولي. عام 2007، شكلت هذه المنظمات الاتحاد الوطني للمهمشين، لتوحيد المبادرات المحلية تحت مظلة وطنية واحدة منحت هذه الفئة صوتًا أكثر تأثيرًا في دوائر صنع القرار.
تحول في المسار
على الرغم من استمرار التمييز، فإن الدعم الدولي والعمل النقابي مكّنا المهمشين من المطالبة بحقوقهم بفعالية أكبر، حيث حصلوا على تمثيل في المجالس المحلية لأول مرة في عدن وتعز وصنعاء، بل إن بعضهم حصل على مقاعد في اللجان المركزية للأحزاب السياسية.[1]
افتتحت الجمعيات الأهلية مراكز صحية ومدارس تقدم خدماتها للمهمشين في جميع أنحاء البلاد، ففي تعز على سبيل المثال، أنشأت جمعية الوادي الجديد وحدة صحية ومركزًا تعليميًا ومركزًا لتأهيل وتدريب النساء، كما أطلقت مبادرات للمياه ومشاريع للحماية من الفيضانات، مما أدى إلى تحسين كبير في الأوضاع الصحية والتعليمية والاقتصادية. أُطلقت مبادرات مماثلة في جميع أنحاء البلاد بدعم من جهات دولية مثل الاتحاد الأوروبي، ومنظمة ديا الفرنسية، ومنظمة كير الدولية، وغيرها. عقب انتفاضة الشباب عام 2011، حصل المهمشون على مقعد واحد في مؤتمر الحوار الوطني اليمني، وتناولت عدد من توصيات المؤتمر قضايا المهمشين على وجه التحديد، وحثت سلطات الدولة على اتخاذ جميع التدابير القانونية اللازمة لضمان مشاركتهم في الحياة العامة والمدنية والسياسية.
تراجع المكتسبات
الكثير من هذا التقدم انهار مع اندلاع الحرب عام 2015. تكشف المقابلات التي أجريت مع ممثلي هذه الفئة لإعداد هذا المقال عن صورة قاتمة، فمع تحول المساعدات الدولية نحو الإغاثة الإنسانية الطارئة في بداية الحرب، أوقفت العديد من المنظمات، بما فيها المنظمات غير الحكومية، عملياتها في اليمن، ومن ضمنها تلك التي كانت تعمل مع المهمشين. أفاد قادة الجمعيات المحلية بأن الجهات المانحة فرضت شروطًا متزايدة الصرامة لم تتمكن المنظمات الأهلية من الوفاء بها، مما أدى فعليًا إلى قطع التمويل عنها. الكثير من هذه المنظمات والجمعيات المحلية متوقفة عن العمل الآن، أما الاتحاد الوطني فقد أصبح مجزأً على طول خطوط السيطرة، بفروع في صنعاء وعدن، وبالكاد يستطيع مواصلة عملياته.
أشار نعمان قائد، رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين[2] الذي مثّل هذه الفئة في مؤتمر الحوار الوطني، إلى أنه على عكس الأحزاب السياسية وأعضاء الحكومة الذين تلقوا الدعم لأنشطتهم في المنفى، تُرك القادة السياسيون النازحون من مجتمع المهمشين ليواجهوا مصيرهم بأنفسهم، واضطر الكثير منهم إلى التخلي عن أدوارهم في مجال المناصرة والعمل في وظائف هامشية لمجرد البقاء على قيد الحياة.
كان لانهيار المنظمات التمثيلية ونزوح قادة المجتمع المحلي عواقب وخيمة، شملت فقدانًا واسع النطاق لفرص التعليم، وفجوات حادة في الرعاية الصحية، وزيادة في الانتهاكات الجنسية وانتهاكات حقوق الإنسان، وعمليات القتل خارج نطاق القانون، والنزوح القسري، وسوء التغذية، واستغلال أطراف النزاع للشباب، والتجنيد القسري في الجماعات المسلحة، وارتفاعًا هائلًا في معدلات الفقر والبطالة. إذا استمر هذا الوضع، فإن محنة المهمشين مهددة بالعودة إلى نقطة البداية من التهميش العميق.
إحياء القضية
يجب رفع وضع المهمشين المتدهور إلى صدارة الحوار الوطني، وعلى الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا إعادة فتح قنوات الاتصال مع القادة في المنفى، ودعم استئناف جهودهم في مجال المناصرة. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة محاسبة أجهزة إنفاذ القانون على عدم التصدي لتزايد الانتهاكات المرتكبة بحق هذه الفئة، لا سيما أن إجراءات الإنفاذ الحالية ضعيفة وغير متسقة.
ينبغي للمنظمات الدولية أن تعيد تقييم سياسات التمويل التي تتبعها في اليمن، بحيث تأخذ في الاعتبار الظروف الخاصة لهذه الفئة والاحتياجات الملحة للمنظمات المتضررة. من شأن ذلك أن يساعد هذه المنظمات على استعادة قدراتها السابقة وتمكينها من التطور لمواجهة التحديات الراهنة. بالتوازي مع ذلك، ينبغي للمؤسسات البحثية إجراء دراسات أكثر تعمقًا حول تأثير الحرب على المهمشين، تبحث في عواقب انهيار المنظمات المحلية وكيف أثر ذلك على اندماج هذه الفئة في المجتمع وحصولها على حقوق متساوية. أخيرًا، ونظرًا لأنهم يمثلون شريحة كبيرة من سكان اليمن، يجب إشراك المهمشين في أية عملية حوار أو مناقشات تتعلق بالتوصل إلى تسوية تفاوضية.
1- مقابلات أُجريت مع قادة منظمات محلية وممثلين عن الاتحاد الوطني للمهمشين، منهم: سعيد قائد محمد (5 أبريل 2025)؛ وأكرم عبد العلي الشرعبي (6 أبريل 2025)؛ ونعمان قائد محمد، رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين (7 أبريل 2025).
2-مقابلة مع نعمان قائد محمد، رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين، 7 أبريل 2025.






