إعداد وتحرير: صباح جلّول
تعود أيام "ريف" الفنية-البيئية بجولة جديدة بين 24 و26 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، هذه المرة في جنوب لبنان. في الوقت الذي يستمر فيه العدوان الإسرائيلي بشكل يومي على مناطق مختلفة في الجنوب اللبناني، وفي حين يشكّل العامل الأمني هاجساً يعزل الجنوب عن سائر لبنان، ويُمعن في إقصاء أهله عبر رسم هالة من الخوف والتيئيس، تتجه جمعية "ريف" بأيامها الفنية والبيئية نحو الجنوب، لا بعيداً عنه: "من كفررمان إلى صيدا وعربصاليم، ثلاثة أيّام من الأرض والناس والفنّ، والزراعة والبيئة الصامدة".
تعمل "ريف" بشكل أساسي عند التقاطعات بين البيئة والفن، المجتمع والثقافة، بغية "تسخير القوة التحويلية للفن والثقافة لمواجهة التحديات البيئية والاجتماعية في المناطق الريفية"، حسب تعريف الجمعية لأهدافها. تستعمل ميادين الفنون السمعية والبصرية والمشاركة المجتمعية للعمل على إيصال الأصوات الريفية ورعاية المواهب، ولتطوير حلول محلية من أجل مستقبل أكثر استدامة.
بالنسبة لإليان الراهب، المخرجة السينمائية، والمديرة الفنية والعضو المؤسِّس في "ريف"، فالجمعية معنية بالدرجة الأولى بالـ"تأثير"، في سبيل حماية التنوع البيولوجي. بالتالي فجميع نشاطات الجمعية تُركِّز على أن تكون ذات فعالية، عبر اتخاذ الفن والسينما والثقافة وسيلة ناجعة لإحداث ذلك، ولتحفيز النقاش في مختلف المناطق اللبنانية. عملت "ريف" بشكل أساسي في مناطق عكار، لكن نشاطاتها امتدت أيضاً في بسري وحمّانا والهرمل والفرزل وسعدنايل، وصولاً إلى بيروت، والآن الجنوب.
من غزة إلى لبنان.. قافلة شهداء
26-09-2024
وكلّ الجِهاتِ جَنوب
10-10-2024
في مقابلة مع السفير العربي، حدّثتنا إليان الراهب عن فكرة "طالعين عالجنوب": "الفكرة موجودة منذ الربيع الماضي، بل منذ وقف إطلاق النار. لقد رأينا الإبادة البيئية التي عمل عليها الاحتلال الإسرائيلي بطريقة ممنهَجة: سرقة الزيتون، الحرائق المفتعلة للأرض، الفوسفور الممنوع دولياً، وصولاً إلى منع الأهالي من العودة إلى قراهم، ومنع الروابط الاجتماعية. كل هذا نعتبره جزءاً من الإبادة البيئية، فالعامل البشري والبيئي مرتبطان تماماً".
تقول إليان أن الجمعية اهتمّت بالتركيز على فكرة قرب الشمال من الجنوب في لبنان، وترابط هموم هذه المناطق: "يجب ألا يشعر الجنوبيون أنهم متروكون. أنا ابنة جزّين في جنوب لبنان، وعملنا على مشاريع كثيرة في عكار، وفعلياً ما يهمّنا هو أن نعمل مع ناس منفتحين على أفكارنا أياً كانت المنطقة التي ينتمون إليها. كنا فقط ننتظر اللحظة المناسبة لكي ننظِّم هذه الأيام الفنية والبيئية في جنوب لبنان".
حتى الزراعة لم تعد مجرّد زراعة في جنوب لبنان! صارت الزراعة فعلاً سياسياً، ومقاوِماً، بكونها نشاطاً زراعياً يتمّ تحت القصف وأثناء الحرب. وهي تشكِّل جانباً من المواضيع التي ستتناولها هذه الأيام الفنية البيئية في كل مِن صيدا وكفررمان وعربصاليم.
تلحظ برمجة عروض الأفلام في هذه الأيام المواضيع البيئية التي تهمّ الجميع، متفادية التركيز على فترة الحرب الإسرائيلية نفسها، لخلق مجال للتنفس لأهالي المناطق الجنوبية. "يحق لأهل الجنوب أن يأخذوا وقتاً لنشاطات تخفف عنهم، للتمشي في الطبيعة ومشاركة الطعام ومشاهدة الأفلام. هذا كله يساهم بشكل ما في المقاومة في الجنوب"، تقول إليان الراهب.

هذه العروض تتضمّن أفلاماً من إنتاج "ريف"، وأفلاماً شاركت في مهرجان "ريف" في دورات سابقة، بالإضافة إلى أفلام ذات صلة بالمواضيع البيئية من المناطق التي تُعرض فيها. كل الأفلام المشارِكة هي لبنانية وفلسطينية، فحسب ما تقول إليان الراهب: "نحن نتشارك ثقافة واحدة وغطاءً نباتيا واحداً وأرضاً واحدة" مع فلسطين: الزعتر نفسه والعكّوب نفسه والنباتات هي نفسها، لذلك فلطالما اهتمتْ فعاليات ريف بعرض أفلام فلسطينية أيضاً.
لبنان: ترتفع درجة الحرارة وتزداد التهديدات
03-11-2022
إجابةً عن سؤال حول تعاونات "ريف" مع جهات متعددة على الأرض، تقول إليان إنّ "ريف" تتعاون مع الجهات الفاعلة بلا تمييز، من جمعيات إلى مبادرات إلى بلديّات، طالما أنها جهات ترغب من موقعها أن تُحدِث تأثيراً حقيقياً على الأرض: "على سبيل المثال، "نحيي الأرض" هي مبادرة (حديقة أهلية تشاركيّة للزراعة البيئية في مدينة صيدا) ، و"نداء الأرض" هي جمعية بدأت كمشروع عملتْ عليه نساء عربصاليم لفرز النفايات وتنظيف البلدة، وكنّ سبّاقات في هذا المجال في لبنان. "سطيحة" في سهل الميدنة في كفررمان هي مقهى ثقافي. لكل من هؤلاء هويّة مختلفة، ونحن نتعاون مع جهات متنوعة طالما أنها جهات منفتحة على التعاون معنا، ويشاركون أهدافنا ومعنيون بالتأثير".
تقول إليان: "كتب أحد المعلقين أننا "أبطال" لأننا نقوم بنشاط في الجنوب، فقلت له: لسنا الأبطال أبداً، الأبطال هم الناس الباقون هناك في الجنوب، والذين يستمرون بعملهم ويؤمنون بالوجود والبقاء والعمل ويبادرون ثقافياً وبيئياً. حتى الزراعة اليوم صارت فعلاً سياسياً في ظل الظروف الحالية".


بلدة عربصاليم في إقليم التفاح هي مثال عن قرية فيها عدد هائل من الشهداء من أبناءئها، قضوا في الحرب الإسرائيلية. ما زالت وطأة الفقد ثقيلة في القرية، إلّا أن أهلها مستمرون. وضمن الفعاليات في القرية، ستُنظَّم جولات مشي في الطبيعة، وعروض أفلام، ومعرض صور. كما أن البلدية ستقدم فراكة جنوبية وطعاماً. تقول إليان أن عديداً من الأشخاص سيذهبون إلى القرية خصيصاً لهذه الفعاليات وللتعرف إلى هذه المنطقة.
وهي تلحظ القيمة المضافة التي تقدمها البلديات إلى هذا النوع من العمل. "حيث نجد بلدية نشيطة نتعاون معها، فالجمعيات على أهمية عملها وملئها لفراغات تتركها الدولة، إلا أنها لا تحلّ محلّ دور البلدية".
على الرغم من التمويل المحدود لهذا النشاط، وجدت ريف تعاوناً كبيراً ساهم في جعل هذا الحدث ممكنناً، فكان معظم المشروع معتمداً على تقديمات عضوية من المشاركين، كلّ بحسب قدرته على تقديم موارده. نشاطات "ريف" خلال هذه الأيام الفنية البيئية كلها مجانية، من عروض الأفلام والموسيقى إلى المعارض والمشي في الطبيعة، ما يؤكد إتاحتها للجميع بلا تمييز.
*****
يبدأ البرنامج يوم االجمعة في 24 تشرين الأول/ أكتوبر في كفررمان (مع مقهى "سطيحة")، بجولة على نباتات صامدة، تذوّق مأكولات محلّية وليموناضة بالأعشاب، جلسة موسيقية مع فنانين محلّيين، وعروض أفلام الأرض والناس. تنتقل الأنشطة يوم السبت إلى صيدا (مع حديقة "نحيي الأرض")، بسوق محلّي وغداء، ونقاش حول الزراعة في زمن الحرب، وجولات في الحديقة، وعروض أفلام الأرض والناس، وحفلة "بتشرين" مع رباعي أرض وكورال منتدى سبعين. ويُختَتم البرنامج يوم الأحد في عربصاليم (مع جمعية "نداء الأرض")، بافتتاح معرض قصص من الجنوب، فجولة في البلدة، ثمّ لقاء حول إعادة تدوير النفايات والاستفادة منها، وعروض أفلام الأرض والناس مع برنامج عائلي.

للاطلاع على البرنامج المفصل لـ "طالعين عالجنوب"
هذه دعوة مفتوحة للاطلاع والمشاركة في فعاليات "ريف"، وللتوجه جنوباً، حيث كلّ بيتٍ وفضاء مشغول بأسئلة الأرض والبقاء.