حين يبتلع الدَّين الموازنة: هل تستطيع مصر كسر حلقة الديون؟

في عدد هذا الأسبوع، نتناول أثر تفاقم عبء الدين على أولويات الإنفاق الحكومي في مصر.

من موقع "حلول للسياسات البديلة"
13 / 10 / 2025

صرّح رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مؤخرًا ببدء تراجع نسبة الدَّين إلى الناتج المحلي الإجمالي في مصر، مضيفًا  أن الحكومة تستهدف خفضها إلى ما دون السبعين في المئة خلال خمس سنوات. تراجع هذه النسبة وحده لا يُعدّ مؤشرًا كافيًا على التعافي المالي، ولضمان استدامة الدَّين على المدى الطويل، يتعيّن على الحكومة إعادة ترتيب أولوياتها المالية وزيادة الإنفاق الاجتماعي.

مدفوعات الفوائد: عبء متصاعد على المالية العامة

تعكس موازنة مصر لعام 2026/2025 اختلالًا واضحًا في أولويات الإنفاق، إذ تظل مدفوعات الفوائد البند الأكبر في المصروفات الحكومية، ما يترك حيزًا محدودًا للإنفاق الاجتماعي. فقد ارتفعت تكاليف خدمة الدَّين بين العامين الماليين 2016/2015 و2024/2023 سبعة أضعاف، لتصل إلى نحو 50.2% من إجمالي الإنفاق المتوقع في موازنة 2026/2025. كما تعتمد الحكومة بشكل أساسي على أدوات دَين محلية قصيرة الأجل ومرتفعة التكلفة، حيث بلغ متوسط أجل استحقاق الإصدارات وقت الطرح المقومة بالجنيه نحو 0.84 سنة في سبتمبر 2024، وهو ما يفاقم احتياجات إعادة التمويل ويزيد من التعرض لتقلبات أسعار الفائدة.

وعليه، تُظهر الموازنة المصرية تراجعًا حادًّا في الإنفاق الاجتماعي مقارنة بحجم الاقتصاد. فقد انخفضت مخصصات الصحة والتعليم كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الأخيرة، وبقيت دون المستوى الذي يحدده الدستور. كذلك، بلغ نصيب الفرد من الإنفاق على مدفوعات الفوائد في موازنة عام 2026/2025، أكثر من 21,223 جنيهًا، في حين لم يتجاوز نصيبه من الإنفاق على الصحة والتعليم نحو 2,274 و2,910 جنيهات على التوالي. يعكس هذا الاختلال أولويات مالية تميل نحو خدمة الدَّين قصير الأجل على حساب التنمية البشرية طويلة الأمد، التي تُعد شرطًا أساسيًّا لتحسين مستوى المعيشة، والحد من الفقر، وبناء قوة عمل مؤهلة، وتعزيز النمو الشامل والمستدام.

التمويل عبر الاقتراض

تعتمد مصر اليوم على الاقتراض كمصدر رئيسي للتمويل. فالإيرادات الضريبية في مصر منخفضة، كما تراجعت خلال السنوات الأخيرة إلى نحو 12% فقط من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، مقارنة بمتوسط يبلغ 17% في الأسواق الناشئة المماثلة. ومن المتوقع أن تأتي أكثر من نصف إيرادات الحكومة في موازنة عام 2026/2025 من القروض. تُنتج هذه المعادلة دائرة مالية مغلقة، إذ تضطر الحكومة إلى الاقتراض المستمر لسداد ديونها السابقة، نتيجة ضعف الإيرادات العامة وعدم كفايتها لتغطية خدمة الدَّين وبقية بنود الإنفاق.

كذلك، زاد التعرض للتقلب في سوق العملات الأجنبية من هشاشة المركز الخارجي لمصر. إذ شكّل الدَّين المقوم بالعملات الأجنبية نحو 30.3% من إجمالي الدَّين العام في يونيو 2024. كما خصصت الحكومة  37.7% من الإيرادات الجارية لسداد الدَّين الخارجي في العام نفسه، أي أكثر من ضعف ما كان عليه قبل خمس سنوات. ويجعل هذا النمط من هيكلة الدَّين، مصرَ عرضةً بشدة لتقلبات أسعار الصرف، حيث يؤدي كل تراجع في قيمة الجنيه إلى ارتفاع الكلفة الحقيقية لخدمة الدَّين. كما تتفاقم هذه المخاطر نتيجة تقلب إيرادات الدولة من العملات الأجنبية، ما يحدّ من قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الخارجية.

كسر الحلقة

يمكن لمصر أن تستخلص دروسًا مهمة من تجربة البرازيل. فعندما تولّى لولا دا سيلفا الرئاسة عام 2002، جمع بين الانضباط المالي وزيادة الإنفاق الاجتماعي. وفي الوقت الذي عزز فيه نظام سعر الصرف المرن وطبّق سياسة استهداف التضخم وكبح الإنفاق غير الضروري، رفع أيضًا الحد الأدنى للأجور بنسبة 52% بالقيمة الحقيقية، ووسع برامج التحويلات النقدية للفئات الأكثر احتياجًا. ونتيجة لذلك، ارتفع الإنفاق الاجتماعي من 13.3% من الناتج المحلي الإجمالي عام 1985 إلى 22.8% عام 2009. وخلال الفترة من 2003 إلى 2011، خرج 28 مليون شخص من دائرة الفقر، وتراجع معامل جيني من 0.60 في منتصف التسعينيات إلى 0.54 عام 2009. وبحلول عام 2011، انخفضت نسبة الدَّين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 36.49%، وهو أدنى مستوى خلال عقد، كما تراجع الدَّين الخارجي كنسبة من الدخل القومي الإجمالي من 47.1% عام 2002 إلى 15.9% عام 2011.

تحقق مصر اليوم فوائض أولية مشابهة، لكن ما يزال العنصر المفقود هو التركيز على الإنفاق الاجتماعي الذي ساعد البرازيل على توسيع أسواقها والخروج من فخ الدَّين. لمعالجة أزمتها، تحتاج مصر إلى وضع حدود للدَّين العام، والالتزام بوقف التمويل النقدي المفرط، وفرض الشفافية في التقارير المالية مع مساءلة عند عدم الالتزام، إلى جانب إعطاء الأولوية للاستثمار العام في التنمية البشرية.

مقالات من مصر

أحمد نبيل الهلالي، حارس الحرية

أحمد نبيل الهلالي، ابن الباشا رئيس الوزراء الأسبق، الذي انحاز إلى الشيوعية كأيديولوجيا، كان من أكبر المدافعين عن سجناء ومعتقلي التيارات الإسلامية، وغيرهم، وهم يقفون في الناحية الأخرى من أفكاره...