الهوية الإيزيدية في الفن

يحمل الفن لنا تاريخاً يمكن اعتماده للنظر من زاوية أخرى إلى المجتمع. هذا النص يسعى إلى محاولة التقاط الإنتاج الفني، بوصفه بديلاً من التاريخ الاجتماعي والديني الإيزيدي، بسبب الغياب شبه التام للتدوين من هذا الأخير.
2025-10-09

فؤاد الحسن

كاتب من العراق


شارك
فتاة إيزيدية – رسم الفنان رفو أوسمان

أغلب التاريخ الإيزيدي شفهي، كذلك هي الأقوال الدينية والأمثال الاجتماعية. اتُّخِذ هذا الإجراء احترازياً، خوفاً من إحداث تغييرات عليه وتحريفه، وهو محصور برجال الدين والمختصين به، وغير موثق بالتفاصيل. ومهما يكن، فالفن يحمل لنا تاريخاً يمكن اعتماده للنظر من زاوية أخرى إلى هذا المجتمع. هذا النص يسعى إلى محاولة التقاط الفن، بوصفه بديلاً من التاريخ الاجتماعي والديني الإيزيدي، بسبب غيابه شبه التام عن التدوين.

الأغاني الفلكلورية

تحمل الأغاني الفلكلورية إرثاً ثقافياً واجتماعياً هائلاً، وتسهم في تناقله بين الأجيال. ففي غياب النحت والرسم والكتابة، صارت الموسيقى عماداً اجتماعيّاً. تقوم هذه الأغاني والقصائد بوظيفة حارس الثقافة، وتصد محاولات المحو وطمس الهوية، التي يتعرض لها الإيزيديون وتعرضوا لها سابقاً.

والأغاني تلك تروي معارك وقصصاً عن المقاومة، وعن الاختلاف في الهوية الاجتماعية، إضافة إلى دعوات إلى حفظ الإرث الثقافي الإيزيدي فيها. الفنان خدر فقير، يقول في عنوان أغنية "أيها الغريب"، في "ستران" - وهو اسم يطلق على الأغاني الفلكلورية عند الإيزيديين:

"أيها الغريب،
توجه إلى جبل شنكال
طف حول قبب جيل ميرا
في مسكن الأمير شرفدين.
أيها الغريب،
من هناك توجه إلى بيت شيخادي روحي فداء له
طف حول القبب
في معبد لالش النوراني" ....

مقالات ذات صلة

قوة الفن الفلكلوري تظهر في مراسم الإيزيديين الجنائزية والاحتفالية. فمثلاً: عند موت أحدهم، يودع بالدف والشّباب وهي أدوات موسيقية قديمة. وعند ختان الذكور كذلك، وفي مختلف الحفلات. يعتقدون أن الكون بدأ بالموسيقى الدينية. وأن الملائكة السبعة هم مَن أتوا بالموسيقى لإعطاء الروح لجسد آدم. وهذا الأمر مبهج، فالارتباط بالحياة عن طريق الإيقاع وعزف "القوالون - وهم رجال دين عند الإيزيديين - دليل على حب الحياة وما يليها.

اللوحات

خاصية ارتباط الإيزيديين بالطبيعة أزلية، من اتِّخاذ جبل شنكال مركزاً رئيسياً، ومعبد لالش الذي يتوسط الجبال، إلى اللجوء إليه، بعد سكنهم في مجمعات سكنية عند الحروب أو الحاجة، وقد اعتُبِرَ سداً منيعاً يضمن بقاءهم ويحميهم، إضافة إلى الرموز المجسدة للطبيعة في الطقوس الدينية التي يمارسونها، كاستعمال زيت الزيتون في إشعال الفتائل في المعابد، وتعليق ألوان الطبيعة بالهلال أو الشمس التي تعتلي قبب المعابد. كما أن الشمس بدورها مقدسة عند الإيزيديين. يظهر هذا التقليد والارتباط بالطبيعة بقوة في اللوحات.

‎اللوحة التي قام بإبداعها الفنان الإيزيدي خضر دحام، تعكس مشهداً ريفياً نابضاً بالحياة، يركّز على حياة الفلاحين. المرأة في المقدمة، التي تحمل حزمة قمح، ترتدي زياً تقليدياً ملوناً يعكس التراث الثقافي الإيزيدي، مع خلفية من حقول ذهبية تحت سماء مشمسة مليئة بالدفء. الجبل في الخلفية يُرى كتجسيد لجبل شنكال.

‎الألوان الغنية، خاصة الذهبي والأصفر، ترمز إلى الخصوبة والوفرة، بينما الجبال في الخلفية تضيف بُعداً جغرافياً، ربما يرمز إلى مناطق الإيزيديين التقليدية. الإضاءة القوية للشمس قد تحمل دلالات رمزية، مثل الأمل أو البركة.
يمكن كذلك النظر إلى وجود النساء القوي والمهم في المجتمع، بتقديمهن في المشهد، وهو أمر يعكس رؤية الإيزيديين للنساء، خاصة الناجيات من أسر تنظيم داعش، كقديسات.

الفنان خضر دحام، يحمِّل لوحته رموزاً متعددة، تحكي كل واحدة منها قصة، أو جانباً من التاريخ. تتقدم اللوحة امرأة تختلط بشعرها حمامات ترمز إلى السلام، بينما تنهمر الدموع من عينيها. من الزاوية اليمنى العليا يمكن ملاحظة شكل امرأة تتحرر - على الأغلب ذلك تجسيد للنساء والفتيات الإيزيديات اللواتي اختطفهن داعش.

الرجل مع الطنبور – البزق - يرافق الأغاني الفلكلورية – ستران - وعلى رأسه قبعة، تمثل جزءاً خاصاً ومميزاً من الزي الإيزيدي للرجال.

يلحظ في تلك اللوحة وجود مجموعة تسير بيأس، تجسيداً لنزوح الإيزيديين نحو جبل شنكال في الحرب التي شنتها داعش ضدهم، ومن ثم إلى مخيمات النزوح.

تروي الأغاني معاركَ وقصصاً عن المقاومة، وعن الاختلاف في الهوية الاجتماعية، إضافة إلى دعوات لحفظ الإرث الثقافي الإيزيدي فيها.

تظهر قوة الفن الفلكلوري في مراسم الإيزيديين الجنائزية والاحتفالية. فمثلاً: عند موت أحدهم، يودَّع بالدف والشباب، وهي أدوات موسيقية قديمة. وعند ختان الذكور كذلك، وفي مختلف الحفلات. يعتقد الإيزيديون أن الكون بدأ بالموسيقى الدينية. وأن الملائكة السبعة هم مَن أتوا بالموسيقى لإعطاء الروح لجسد آدم. 

أما الفنان رفو أوسمان – لوحة الغلاف – فقد رسم فتاة إيزيدية، بأسلوب غني بالألوان الزاهية. تبرز الفتاة بملامح واضحة، محاطة بزخارف نباتية وورود حمراء وزاهية، وفي الجزء السفلي تختلط الفتاة مع ألوان الأزهار. الزي الذي ترتديه، بما في ذلك الكوفية "الچفية" المزينة بالألوان والنقوش، تمثِّل الهوية الثقافية والدينية، حيث تُعتبر الأزياء جزءاً مهماً من التقاليد الإيزيدية. واستخدام الألوان المليئة بالحياة، مثل الأخضر والوردي، يعبِّر عن: الحياة، الجمال، والصمود.

لوحة أخرى، للفنان رفو أوسمان، يجسد فيها عالِم الدين الإيزيدي خدر بركات كسو.
لوحة للفنان مسافر قاسم، تصور طقوس موسم حصاد الزيتون وعصره، لاستخراج الزيت الذي يُستخدم في إنارة الأسرجة وفتائل القناديل في معبد لالش. وهو طقس سنوي، يجني فيه "الخلمتكارية" الإيزيديون الزيتون ويخزنونه، لاستخراج الزيت منه في نيسان/ أبريل.

تهتم اللوحة بتفاصيل الزي الإيزيدي التقليدي للنساء، وكذلك للرجال.

وتحمل هذه اللوحة في طياتها جمالية في الألوان، وأصالة دينية، وحداثة في الأسلوب في حد ذاته!

قد تكون القبة متشكلة من سبعة خطوط للدلالة على الملائكة السبعة، أو اثني عشر خطاً، للدلالة على أشهر السنة. وفي الشكلين، تنتهي هذه الخطوط عند خط واحد، للإشارة إلى وحدانية الرب، ومن ثم يعتليها هلال ذهبي أو نجمة.

لوحة للفنان مسافر قاسم، بعنوان "مراسم النار" (طقس النار).

تصور اللوحة طقساً دينياً إيزيدياً يدعى "سما"، حيث يقوم سبعة من رجال الدين - نسبة إلى الملائكة السبعة" ــ بالدوران حول قنديل "چرا"، يرافقه ترتيل الأقوال والأدعية الدينية. تجسد هذه المراسم خلق الله للملائكة السبعة من نوره. وكذلك، دوران الكواكب حول الشمس!

لوحة للفنان مسافر قاسم، بعنوان "كومكرنا قولا" (مراسم جمع الحطب)، وهي من الطقوس التي تجرى كل عام في معبد لالش لمدة ثلاثة أيام، يشارك فيها رجال الدين، لاستخدام الحطب في إعداد الطعام.
يجسد فلاح الرسام في هذه اللوحة الفنان الإيزيدي الشهير عيدو كتي، وهو مغنٍ فلكلوري، يرتدي القبعة التقليدية الإيزيدية.
لوحة للفنان فلاح الرسام، يظهر في مقدمتها رجل عجوز بسلاحه.

تجسد هذه اللوحة مقاومة الإزيديين بأسلحتهم الصدئة وخبراتهم العسكرية البسيطة لتنظيم داعش، وقدرتهم على الصمود - على الأقل لساعات - في وجه الإرهاب، بعد أن تُرِكوا وحدهم، وأُجْبِروا على القتال.

العمارة الإيزيدية

يعتقد أن شكل القبة المخروطية عند الإيزيديين، يجسد شكل قبعة رجل الدين الإيزيدي. قد تكون في القبة سبعة خطوط للدلالة على الملائكة السبعة، أو اثنا عشر خطاً، للدلالة على أشهر السنة. في الشكلين، تنتهي هذه الخطوط عند خط واحد للإشارة إلى وحدانية الرب، ومن ثم يعتليها هلال ذهبي أو نجمة. إضافة إلى أقمشة ملونة تزين القباب، وعادة ما تكون بألوان قوس قزح. تستند القبة إلى قاعدة مربعة، كرمز للجهات الأربع أو العناصر الأربعة، التي يتكون منها العالم – الماء، والهواء والتراب، والنار. وتتوسط مدخل وإيوان المعبد سبعة أعمدة.

مقالات من العراق

«البصرة عطشانة».. وجع عاصمة العراق الاقتصادية الذي صار شعارا انتخابيا

على الصعيد السياسي، يتصاعد الخطاب المطالب بإنقاذ المناطق المنكوبة من شح المياه مع اقتراب موعد الانتخابات، حيث يوجّه النواب والمرشحون مطالبهم إلى الحكومة، وتحديدا رئاسة الوزراء، للضغط على تركيا من...

للكاتب نفسه