إعداد وتحرير: صباح جلّول
هدد عمال الموانئ في إيطاليا بمنع التجارة مع الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل، وتبنّوا أسطول الصمود المتجه في هذه الأثناء إلى غزة كأنه مشروعهم الشخصي. اعتبروه أمانة في أعناقهم، كما ركب من هؤلاء العمال النقابيين من المرافئ الإيطالية على متن مراكب الأسطول بأنفسهم. كرروا ما قالوه سابقاً: إذا مسستم رفاقنا أو آذيتموهم، سنغلق كلّ أوروبا، وستكون هناك إجراءات أخرى.
خلال الأسبوع الماضي، برهنوا جدّيتهم الكامِلة: عملوا على تشجيع المظاهرات وتنسيقها والتحريض على استمرار الاحتجاجات الحاشدة من أجل المطالبة بوقف الإبادة في غزة وإيصال المساعدات. تحركوا بلا كلل لوقف شحنات البضائع إلى إسرائيل.
يُبحرون ومعهم وجدان كلّ حرّ في العالَم
04-09-2025
في 26 و27 أيلول/ سبتمبر، عقد النقابيون والعمال اجتماعات ضمت ممثلين من مختلف الموانئ الإيطالية ومن جميع أنحاء أوروبا، حسب مجلة "بوليتيكو"، حيث انضموا إلى عمال موانئ جنوى "لإجراء محادثات حول منع شحنات الأسلحة إلى إسرائيل"، في مستوى غير مسبوق من العمل النضالي النقابي العابر للبلدان (والذي نتوق لرؤيته في بلداننا العربية، حيث التحرك أوجَب وأكثر إلحاحاً أمام العدوان الإسرائيلي المفتوح على المنطقة برمّتها!)...
لم يفصح عمّال الموانئ عن تفاصيلِ نتائج مناقشاتهم، لكنهم وعدوا بعرقلة الشحنات المتجة إلى الاحتلال بعد هجمات الطائرات المسيرة على عدة مراكب تابعة لأسطول الصمود. وقد كان مرفأ رافينا الإيطالي قد منع منتصف شهر أيلول / سبتمبر الماضي دخول شحنتين من الأسلحة إليه بالفعل، قيل إنهما تحملان أسلحة إلى إسرائيل، وذلك بعد إبلاغ عمال الميناء سلطات الميناء. تمّ إيقاف الشحنات بتعاون بلدية رافينا ورئيس بلديتها الذي صرح للصحافيين أنه قبِل طلب العمال إيقاف الشحنة التي كانت مليئة بالمواد المتفجرة المتجهة إلى ميناء حيفا. حسب الصحف الإيطالية، لم يكتفِ رئيس بلدية رافينا بذلك، بس قال إنه "من غير المقبول أن تمرّ هذه الشحنات عبر إيطاليا إلى دول أخرى وتصل بسبب الثغرات البيروقراطية".


وعلى هذا المنوال، استمرّ ضغْط العمال بشكل كبير على حكومتهم ورئيستها جورجيا ميلوني، مطالبين بوقف جميع التبادلات التجارية والاعتراف رسمياً بدولة فلسطين. نتيجة الضغوط، ادّعت ميلوني أنها ستؤمّن حماية للناشطات والناشطين الإيطاليين على متن أسطول الصمود، قبل أن تسارع إلى حثّهم على العودة وعدم تجاوز "المنطقة الحمراء"، قائلة إن "أفعالهم ذريعة لمن يريدون القضاء على أمل إنهاء الصراع"!
سقط العالَم إنْ سقطَت غزّة
24-07-2025
إلا أنّ العمال لا يعوّلون بكل تأكيد على حكومتهم اليمينية الصديقة للاحتلال، بل على تصعيدهم الجدّي، الذي كان جلياً مع المظاهرات التاريخية التي خرجت تحت عنوان "لنعطِّل كلّ شيء" الأسبوع المنصرم، والتي اجتاحت شوارع البلاد من روما إلى ميلانو وجنوى وغيرها، فشلّت لأربعٍ وعشرين ساعة الحركة في البلاد قاطبة: القطارات والحافلات والموانئ والجامعات والمدارس. وقد شارك في الإضراب ملايين العمال ونقابات كبرى تطالب بوقف بيع السلاح وفرض عقوبات.

التعطيل سلاح ناجع
حبس خطاب أحد عمال الشحن المناضلين، ريكاردو رودينو، الأنفاس خلال فعاليات إطلاق رحلة أسطول الصمود، عندما ألقى كلمة نارية هدد فيها للمرة الأولى بـ"إغلاق كلّ شيء" قائلاً إنه "لن يصل مسمار واحد" إلى إسرائيل، حماية للأسطول واحتجاجاً على الإبادة.
غزة فوق العالم
09-09-2025
رودينو هو قائد تجمع عمال الموانئ المستقلّ CALP، وهو يعمل على تعبئة الشارع وتوحيد صف العمال لتحقيق هذه الأهداف، معتبراً أنّ عرقلة الشحنات من وإلى إسرائيل هي السبيل الوحيد لفرض تغيير ما في مسار الأمور. في السياق نفسه، تعهدت أكبر النقابات العمالية العمومية في إيطاليا CGIL بالمشاركة في الإضراب العام في حال تعرّض أسطول الصمود إلى هجوم، بعد مشاركتهم في إضرابات سابقة، وهو ما حدث بالفعل الليلة الماضية إذ اعترض الاحتلال عدة قوارب تابعة للأسطول، منها المركب الرئيسي، واختطف عددا من المناضلين والمناضلات، فيما يتابع نحو 29 مركباً إبحارهم نحو غزّة (حتى تاريخ كتابة هذه السطور)، أحدها قد دخل المياه الإقليمية للقطاع وبات على مسافة قريبة من غزة.
منذ لحظة شيوع خبر الاعتداء على الأسطول، وفى النقابيون والعمال وعودهم، وأعلن الاتحاد العام للعمال ونقابة "يو إس بي" العمالية إضراباً عاماً يوم غد الجمعة في 3 تشرين الأول/أكتوبر 2025. في ميلانو وروما ونابولي، نزل الناس ليقفوا على سكك الحديد ويمنعوا تحرك القطارات.

في مدينة ليفورنو، منع عمال الميناء سفينة الشحن الإسرائيلية "زيم فيرجينيا" من إنزال حمولتها وتعبئة حمولة أخرى مساء أمس الأربعاء، وأعلنوا الانضمام إلى الإضراب العام. بالإضافة إلى ذلك، هدد ناشطون إيطاليون بإغلاق نفق "فريجوس" الذي يربط بين إيطاليا وفرنسا، بسبب التعرض لأسطول الصمود العالمي.
في مختلف أنحاء العالَم، تفاعل الناس مع خبر الأسطول بشكل فوري، عفوي، وغاضب، فخرجت تظاهرات في كلّ من برلين (حيث توافد المحتجون إلى محطة القطار الرئيسية) وكولونيا ولندن وباريس وبرشلونة وروما وإسطنبول وتونس وليبيا والمغرب وغيرها، وعمّت الدعوات للإضراب وتعطيل الحياة التجارية والعامة.
الآن، نترقب جميعاً بحذر وأمل ما يكون مصير رحلة المراكب المتبقية. وبالعودة إلى ما قاله النقابي ريكاردو رودينو، "العرقلة سلاح الشعب". ببساطة: "ليس لدينا دبابات، ولا صواريخ - عرقلة الأمور، أحياناً بأجسادنا، هي سلاحنا الوحيد". لا يملّ رودينو من تكرار هذه الفكرة، مستعيداً تاريخاً طويلاً لمشاركات عمال المرافئ في عرقلة تنقل أسلحة الموت والدمار، من فييتنام إلى جنوب أفريقيا. "لقد بدا الأمر مستحيلاً مع جنوب أفريقيا، لكن بعد منع تام، أطلقوا سراح مانديلا وأجروا انتخابات".