جوسلين وزين، على أرض الإنسانية

"كانت مجزرة صبرا وشاتيلا (أيلول/ سبتمبر 1982) القشة الأخيرة التي دفعتني إلى اتخاذ قراري النهائي بمغادرة كندا، والانضمام إلى العمل الفلسطيني في المخيمات. بحثتُ عن منظمات غير حكومية، يمكن أن تساعدني فى الوصول إلى الفلسطينيين، لكن أغلبها كان يعمل في أفريقيا وأميركا الجنوبية. زرتُ إحدى المنظمات الكبرى، فأبلغوني ببرود : "نحن لا نعمل في الدول العربية... لديهم المال والنفط ".
2025-09-11

ممدوح عبد المنعم

كاتب، من مصر


شارك
جوسلين تالبوت وزين العابدين فؤاد في منزلهما

دفعتْ عملية طوفان الأقصى، وما ترتب عليها من ردود إسرائيلية باطشة، القضية الفلسطينية إلى صدارة قضايا العالم . صار من المألوف الآن أن نرى مظاهرات عملاقة مؤيدة للحق الفلسطينى فى أوروبا وأمريكا وسائر بلاد الدنيا. وصار التعريف بتلك القضية أكثر سهولة، بسبب الضريبة الدموية الباهظة، التي يتكبدها الفلسطينيون كل يوم، وعلى الهواء مباشرة.

وبينما صار ذلك شائعاً اليوم، فإن جوسلين تالبوت بدأت الاهتمام بالقضية الفلسطينية منذ وقت مبكر للغاية.

فى تموز/يوليو من العام 1981، شنت إسرائيل مجموعة من الغارات الجوية الدموية على حي الفاكهاني فى بيروت الغربية، الذى كان يضم حينها مكتب ياسر عرفات، ومكاتب قيادات الفصائل الفلسطينية، ومراكز الإعلام وبيوت القادة. ترتب على ذلك القصف سقوط عدد كبير من الشهداء اللبنانيين والفلسطينيين من بينهم كثير من الأطفال.

ووجهت تلك الغارات الوحشية بموجة غضب عارمة، تقرر بعدها إقامة مؤتمر عالمي كبير للتعبير عن التضامن مع الشعبين اللبناني والفلسطيني. حينها كان شاعر العامية المصري زين العابدين فؤاد قد سافر إلى بيروت، بعد أن أحيا بعض الأمسيات الشعرية في عمّان. وأثناء وجوده في بيروت، كانت قوات الأمن في مصر قد بدأت بحملة اعتقالات واسعة، بأوامر من الرئيس أنور السادات، فيما عرف بـ"اعتقالات سبتمبر"، طالت عدداً كبيراً من المثقفين ورموز المعارضة، فقرر زين العابدين البقاء فى بيروت.

يقول زين: أثناء انعقاد المؤتمر، وفي استراحة بين الجلسات، قدمتني الصديقة الشاعرة الفلسطينية "مي صائغ " إلى رئيسة الوفد الكندي في مؤتمر التضامن، جوسلين تالبوت. وكانت شابة على وشك الاحتفال بعيد ميلادها التاسع والعشرين.

كانت جوسلين محاضِرة فى جامعة أوتاوا، وعضواً مؤسِّساً في منظمة "كنديون من أجل العدالة في الشرق الأوسط"، التي ضمت مثقفين ونقابيين وسياسيين وأعضاء فى البرلمان.

بعد نهاية المؤتمر، عادت جوسلين إلى كندا، وباعتبارها عضواً في لجنة العدالة والسلام في الشرق الأوسط، التقت برئيس الوزراء الكندي، وكان الغرض العاجل من اللقاء هو حثّ الحكومة الكندية على التدخّل، للضغط من أجل وقف الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وعمليات قتل الفلسطينيين هناك، ومناقشة حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. تقول: "وكما هي العادة، كانت كندا تصطفّ إلى جانب الولايات المتحدة دائماً". وتضيف: "كانت مجزرة صبرا وشاتيلا (أيلول/ سبتمبر 1982) القشة الأخيرة التي دفعتني إلى اتخاذ قراري النهائي بمغادرة كندا، والانضمام إلى العمل الفلسطيني في المخيمات. بحثتُ عن منظمات غير حكومية، يمكن أن تساعدني فى الوصول إلى الفلسطينيين، لكن أغلبها كان يعمل في أفريقيا وأميركا الجنوبية. زرت إحدى المنظمات الكبرى، فأبلغوني ببرود : " نحن لا نعمل في الدول العربية... لديهم المال والنفط ".

عُرض عليّ العمل مع منظمات دولية في أميركا اللاتينية، خاصة في نيكاراغوا، لكنني رفضت . واصلت بحثي ، واكتشفت أن المؤسسات الفلسطينية لم تكن تملك، بفعل القيود الاجتماعية والسياسية، الإمكانيات اللازمة لاحتواء متطوعين مثلي".

تعيش جوسلين فى القاهرة منذ أربعين عاماً. تماهت بالكامل مع الثقافة المصرية والعربية.. تقول إنها في مقعد الصف الأول لأشعار زين العابدين فؤاد، وإنه حينما يقرأ لها نصوصه بالعامية المصرية، "تشعر أنها تحلّق معه، وتدخل عالماً مشحوناً بالمعرفة والرحمة". 

أخبرتني جوسلين أنها غادرت كندا في كانون الثاني/ يناير 1983 لحضور مؤتمر دولي حول فلسطين في باريس. وهناك التقت الدكتور فتحي عرفات الذى وجهها إلى سوريا، لإجراء تقييم شامل لأوضاع المخيمات الفلسطينية، يشمل النواحي الصحية والاجتماعية، إضافة إلى تقييم أوضاع المهجّرين الذين وصلوا حديثًا من لبنان.

ولكن التطورات التى جرت حالت دون انتقالها إلى هناك، فبقيت في القاهرة كمحطة انتظار مؤقتة حتى يتغيّر المشهد العام .

تقول: "خلال تلك الفترة، طلب الرئيس ياسر عرفات من شقيقه فتحي تطوير مستشفى فلسطين في القاهرة، وتحويله إلى منشأة متكاملة، وافتتاح مدرسة تمريض لتدريب الشابات والشباب الفلسطينيين المقيمين في مخيمات رفح، تحضيراً لعودتهم إلى غزة للعمل في العيادات والمستشفيات... وطُلب مني أن أسهم في تأسيس وتشغيل "معهد الفالوجة للتمريض"، وأن أواصل في الوقت نفسه جهود التواصل مع المؤسسات الكندية والمنظمات غير الحكومية من أجل دعم الهلال الأحمر الفلسطيني".

من بوابة الهلال الأحمر الفلسطيني

في القاهرة، ضم الهلال الأحمر الفلسطيني مستشفى وعيادات ومراكز رعاية نهارية، ومركز تأهيل لذوي الاحتياجات الخاصة، وفرقة فلكلورية، وأسهم عمل جوسلين في فتح قنوات جديدة للمساعدات الدولية ، وفتح نقاشات سياسية حول السياسات المعتمدة تجاه الفلسطينيين.

في عام 1988، غادرتْ جوسلين الهلال الأحمر الفلسطيني، والتحقت بـ"المركز الكندي للتعاون الدولي والتنمية"، الذي صار لاحقاً "أوكسفام كيبيك". وهناك قامت بتصميم وإطلاق برنامج لدعم الفلسطينيين في الشرق الأوسط : فلسطين، الأردن، تونس، مصر ولبنان. وكان تركيز البرنامج الأساسي على فلسطين، مع اعتبار الدول الأخرى رمزاً لحق العودة بالنسبة إلى اللاجئين..

فى ذلك الحين، كانت الحكومة الإسرائيلية تمنع أية منظمة غير حكومية، من العمل مع الفلسطينيين، وترفض منح تأشيرات عمل لأفرادها. وعلى ذلك، تمكنت جوسلين من التنقل داخل فلسطين، بما في ذلك أراضي 1948، والتعاون مع منظمات ومؤسسات فلسطينية.

تقول: "حتى حزيران/ يونيو 1996، كنت أقضي ما لا يقل عن تسعة أشهر سنوياً في فلسطين، مقابل ثلاثة فقط في القاهرة، إذ لم يكن يُسمح لنا بالإقامة الدائمة بسبب طبيعة عملنا.. حينذاك، غادرتُ "أوكسفام كيبيك" بعدما طالبت الحكومة الإسرائيلية المنظمات الأجنبية بتسجيل نفسها لدى وزارة الأمن الإسرائيلية. وبما أن إسرائيل دولة احتلال، فقد كان ذلك يعني السماح لهم بالوصول إلى بياناتنا، برامجنا، مصادر تمويلنا، بل وأسماء الفلسطينيين المتعاونين معنا، ما قد يؤدي إلى منعنا من دخول البلاد لاحقاً".

لحظة التقاء جوسلين بزين، كانت واحدة من تلك المرات التي تخطت كل الفوارق ومضت قدماً نحو تأكيد الوشائج الإنسانية العامة، التي لا ينبغي أن يختلف عليها أحد. أخبرني زين أنه لم يكن ثمة اختلاف قط . لقد وجد لديها ما وجده في نفسه، وكأن كليهما كان موروثاً إنسانياً خالصاً ،على الرغم من اختلاف التربة وتباعد المنابت.

فى أيار/ مايو عام 1984، وفي مكتب توثيق الشهر العقاري بشارع الجمهورية بالقاهرة، وبحضور الشهود، قام زين وجوسلين بتوثيق عقد زواجهما. يقول زين: "كان الموثِّق المختص شخصاً مثقفاً ومستنيراً. طلبنا منه أن يضع في عقد الزواج عبارة: "للطرفين حق متساو في الطلاق". لم يعترض. وسجل الشرط". 

وفيما بين عامي 2005 و2009، كانت جوسلين تقيم في بيروت، كأول امرأة كندية تمثّل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في 18 دولة عربية (بما فيها فلسطين)، إذ كانت المستشارة الفنية الرئيسية للسياسات والبرامج، والتي كان من ضمن مهامها دمج الفلسطينيين في الأجندات الوطنية، سواء كلاجئين أو نازحين أو مواطنين. خلال كل هذه الحركة الدؤوبة، والتنقل الذى لا يعرف الكلل، والنضال المستمر من أجل دعم القضية التي ينبغي أن تصير ضمير الدنيا، التقت جوسلين وزين على أرضية ضمائرية صرفة، أرضية الإنسانية والفن، فى مواجهة القمع والتوحش والعنصرية ..

لحظة التقاء جوسلين بزين، كانت واحدة من تلك المرات، التي تخطت كل الفوارق، ومضت قدماً نحو تأكيد الوشائج الإنسانية العامة، التي لا ينبغي أن يختلف عليها أحد. أخبرني زين أنه لم يكن ثمة اختلاف قط . لقد وجد لديها ما وجده فى نفسه، وكأن كليهما كان موروثاً إنسانياً خالصاً، على الرغم من اختلاف التربة وتباعد المنابت.

جوسلين تالبوت

عندما سألت جوسلين عن الدوافع المبكرة، التى جعلتها تهتم بالقضية الفلسطينية وهي فى "آخرالدنيا" طبقا للتعبير الشائع، أخبرتني أنها "في سن مبكرة، تعرفت على معنى "اللاجئ". ففي ستينيات القرن الماضي، شهدت كندا تدفّقاً من اللاجئين القادمين من أمريكا الجنوبية، ومن دول ما كان يسمى آنذاك بـ"الستار الحديدي"، ومن البرتغال وبولندا وأوكرانيا. كانوا يفرّون من القمع العسكري والسياسي. لم يكن من الغريب أن نصادف طالبي لجوء، العديد منهم عملوا كمعلمين، خاصة في المدارس الثانوية والجامعات، أو في قطاعات الخدمة العامة ". تقول: "مدينتي كانت انعكاساً لهذا النمط من الهجرة. وكان أفضل أساتذتي في الجامعة في منتصف السبعينيات من أمريكا الجنوبية. ومع ذلك، كان هناك أيضاً تيار منتظم من المهاجرين من مصر ولبنان، مما أغنى النسيج السكاني الكندي. أما الفلسطينيون، فكانوا أقل عدداً، وكانوا إما يحملون جوازات سفر أجنبية، وإما يحصلون على تأشيرات مؤقتة، تتطلب تجديداً دائماً وغالباً ما تُرفض، ما يستدعي تدخل محامين للاستئناف. هكذا بدأتُ أتعرف على ظاهرة المهاجرين "غير الموثقين".

هذا الاحتكاك المباشر مع أشخاص من خلفيات مختلفة، وبآراء سياسية متباينة (وأحياناً كانوا أعداء في أوطانهم الأصلية)، جعلني أُعيد النظر باستمرار في رؤيتي للعالم، وأُقبل على البحث والتحليل والنقاش.

في هذا السياق الاجتماعي، كان واضحاً لي أن مستقبلي يقوم في العلوم الاجتماعية. لكن كان يجب أن أحقق استقلالاً مالياً لتجنب تحميل عائلتي أي عبء. لذا درستُ التمريض، وبدأت في أخذ دورات جامعية جزئية، وشاركتُ في تقديم خدمات مجتمعية. وفي النهاية صرتُ أستاذة في علم الاجتماع، أدرّس في الجامعات والكليات، وأشارك في النشاط الحقوقي ..

شاركت مع زملائي الطلبة، في تأسيس جماعة نسوية، تأثرت كثيراً بآراء سيمون دي بوفوار. كنا نستخدم مفاهيم مثل الاضطهاد والاستغلال والسيطرة لوصف أوضاع النساء، والمجموعات المهمشة، والشعوب الخاضعة للاحتلال. كان لكل عضو في المجموعة اهتمامات متعددة، أحدها تناول "اليهودية" من منظور مناصر للفلسطينيين.

في عام 1979، أثّرتْ في مساري المستقبلي حادثتان بارزتان: الأولى، مؤتمر حضره رؤساء بلديات فلسطينيون من أراضي 1948، طُردوا قسراً، والثانية، أننا حين غادرنا مؤتمراً عن فلسطين، هاجمتنا مجموعة من الصهاينة يحملون لافتات وعصيّاً، ولم يترددوا في ضربنا. وبصفتي ناشطة نسوية معروفة، ذات صلات قوية بمجتمعات متعددة، شاركتُ في منصات وطنية ودولية عديدة للمطالبة بالعدالة الاجتماعية وحق تقرير المصير. كنت أعيش بجوار الجامعة، وتحول منزلي إلى نقطة تجمع للحوار والنقاش، بحضور شخصيات من مناطق مختلفة. أطلقنا عليه اسم "الصالون"، وكان معروفاً بين الأساتذة، والطلاب، والمنظمات غير الحكومية.

بسبب هذا النشاط، تواصل معي أعضاء من منظمة "كنديون من أجل العدالة في الشرق الأوسط" CJME ودعوني إلى الانضمام. وكانت هذه بداية سلسلة من الأحداث، قادتني في النهاية إلى مغادرة كندا والالتحاق بالفلسطينيين".

بين عامي 2005 و2009، كانت جوسلين تقيم في بيروت، كأول امرأة كندية تمثّل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في 18 دولة عربية (بما فيها فلسطين). خلال كل هذه الحركة الدؤوبة والتنقل الذى لا يعرف الكلل، والنضال المستمر من أجل دعم القضية التي ينبغي أن تصير ضمير الدنيا، التقت جوسلين وزين على أرضية ضمائرية صرفة، أرضية الإنسانية والفن في مواجهة القمع والتوحش والعنصرية ..

عندما سألتها عن زين قالت: "لم يكن حدثاً عابراً بل نقطة تحوّل. كان كلانا يمتلك قناعة راسخة بالمبادئ، تتجاوز الفروقات الجغرافية والثقافية. التقت تجربتانا النضالية، وكلٌ منا أدى دوره في خدمة القضية الفلسطينية. الإعجاب لم يكن شخصياً فقط، بل كان بالإيمان، بالمواقف، بالفعل، بالقدرة على التغيير. كان الاحترام والإعجاب المتبادل هما الأساسين المتينين لعلاقتنا. تنبأ أصدقاؤنا وزملاؤنا بزواجنا مبكراً، وقد تحقق ذلك بطريقة أثْرت حياتنا، ودعمت كُلّاً منا في تحقيق أهدافه ... زين ليس مجرد شاعر، هو إنسان نادر، مفكر، مناضل، وشاعر يُحدِث التحوّل عبر كلماته".

.. أحالتني جوسلين على ما قاله جبران خليل جبران عن الحب: "امنحوا قلوبكم، فإن يد الحياة وحدها قادرة على احتواء تلك القلوب. قفوا معاً، ولكن لا تكونوا قريبين جداً. فأعمدة البناء يجب أن تظل متباعدة كي يرتفع السقف. والسنديانة والسرو لا ينموان في ظل بعضهما البعض" ..

فى أيار/ مايو عام 1984، وفي مكتب توثيق الشهر العقاري بشارع الجمهورية بالقاهرة، وبحضور الشهود، قام زين وجوسلين بتوثيق عقد زواجهما. يقول زين: "كان الموثق المختص شخصاً مثقفاً ومستنيراً. طلبنا منه أن يضع في عقد الزواج عبارة: "للطرفين حق متساو في الطلاق". لم يعترض. وسجل الشرط".

عندما سألتها كيف تطور تضامنها مع القضية الفلسطينية ليخرج إلى حيز الفعل، أجابت: ببساطة، المسألة تبدأ بالتضامن، ثم تنتقل إلى الفعل النضالي عبر أنشطة اجتماعية واقتصادية وسياسية، بمجرد أن تنخرط، عليك أن تحدد مدى التزامك. كل تغيير يتطلب استراتيجية وتكتيكاً، يجب أن تعرف من أنت، وما مبادئك، وما حدود تأثيرك، ومتى وأين تتدخل. بالنسبة إليَّ كانت هذه دورة حياة كاملة. في المبادئ لا مجال للتردد، ولهذا لم يكن قرار مغادرتي لكندا قراراً صعباً .. كان قراراً طبيعياً".

...ونموت نعيش ونموت
ولا حد غصب يفوت
من بوابات بيروت
(زين العابدين فؤاد)

تتألم جوسلين لما يحدث فى غزة اليوم، لكنها تقول: "يجب أن نُفرِّق بين الإعلام الموجّه، والحكومات، وبين الشعوب. هناك فجوة واضحة بين ما تريده الحكومات والإعلام، وما يشعر به الناس. ما نراه اليوم أمر غير مسبوق، ويتم فضح تغلغل اللوبي الصهيوني في كندا بالأرقام، بالأبحاث، وبالمظاهرات. العديد من النواب الفيدراليين في البرلمان الكندي يتحدثون الآن بصراحة عن فلسطين، عن الإبادة الجماعية، ويدينون الصمت الدولي.. شارك أطباء كنديون في تقديم الدعم في غزة ووثّقوا المآسي. في الثمانينيات، كنتُ وحدي تقريباً من تتحدث إلى السفارات الكندية في فلسطين والأردن. اليوم، هناك أصوات وشهود كثر". علماً أنه في سبعينيات وثمانينيات القرن الفائت، كان عدد المتضامنين الميدانيين من الأوروبيين في مخيمات لبنان، وداخل فلسطين نفسها كبيراً.

جوسلين وزين في إحدى التظاهرات في كندا

التماهي

تعيش جوسلين فى القاهرة منذ أربعين عاماً. تماهت بالكامل مع الثقافة المصرية والعربية.. تقول: إنها في مقعد الصف الأول لأشعار زين العابدين فؤاد، وأنه حينما يقرأ لها نصوصه بالعامية المصرية "تشعر أنها تحلّق معه، وتدخل عالماً مشحوناً بالمعرفة والرحمة".

"عند وصولي إلى القاهرة، كنت شغوفة بالفن والموسيقى ولا أزال. التقيت بفنانين كثر، زرت معارض للفنون التشكيلية، حضرت حفلات موسيقية، ومعارض كتب، وأقول: إن الثقافة هي دم الأمة أية أمة. وهذه الأمه تبلغ حد الثراء في ثقافتها الإنسانية، ومن ثم فإنها لا يمكن أن تكون مصابة بفقر الدم ".
بزغت جوسلين فى أشعار زين، كأنها تلك الشمس المستحيلة، التى أتت من أقصى الغرب لترتدي الكوفية الفلسطينية، وتلقي رحالها حيث أقام قلبها وضميرها. وتتذكر مع زين ما قاله ذات يوم بعيد، وهو يرابط فى بيروت ويغني:

يا قمرنا في الشياح
في الليلكي وصبرا
نطلع بألف جناح
ونطول السهره
دا رصاص ودول شعرا
بيرسموك أفراح
ونموت نعيش ونموت
ولا حد غصب يفوت
من بوابات بيروت

مقالات من العالم العربي

اقتصاديون من حول العالم ينددون باستخدام إسرائيل للتجويع كسلاح حرب، ويدعون إلى المقاطعة والعقوبات لردع آلة الحرب الإسرائيلية.

شهدت الأشهر ال23 الماضية منعطفاً تاريخياً، فقدت إثره المفاهيم السابقة للقانون الدولي، وحقوق الإنسان، والأمن الدولي معناها، وصداها، وتأثيرها.

للكاتب نفسه

لا تنسوا عبد المنعم قنّاوي!

كان عبد المنعم قناوي، الشاب الذي تجاوز العشرين بقليل في العام 1967، يشاهد حشد الجنود والمعدات العسكرية وهم يعبرون إلى سيناء. يقول: "كنا واثقين من النصر، وكنت أتحدث مع الجنود...