في لحظةٍ واحدة، وبينما يغمُرنا اليأس ويُغرقُ أجسادنا بعد إعلان المبعوث الأمريكي، ستيف ويتكوف، عن فشل مفاوضات وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى، انقلبَ كلّ شيء سريعاً. أعلنتْ إسرائيل عن قرار دخول المساعدات إلى قطاع غزّة بلا حدود، ومن دون أيّ مقابل، مضيفةً عليه قرار وقف إطلاق النار "الإنساني" من جانبٍ واحد، في ساعاتٍ مُحددة ومناطق مخصّصة.
تبع القرار إعلانات من مصر والإمارات والأردن ودولٍ أخرى، عن تسيير رحلات إسقاط للمساعدات فوق القطاع، لإنقاذ الناس من المجاعة.. إنقاذهم من المجاعة المُستمرّة منذُ أربعة أشهر. بعد أربعة أشهر، يأتي الإنقاذ.. هذه إعادة للنص بشكلٍ آخر، في حال لم يكُن الأمر مفهوماً. هُنا تتجلّى الإنسانية بكلّ مفاهيمها، خاصة بعدما خرجَ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليقول إنّه تحدّث مع نتنياهو - وكانت محادثة صعبة - بعد مشاهدته صور الأطفال الجوعى والأجساد المهترئة من سوء التغذية. نعم، هُنا تتجلى الرحمة والرأفة، وهنا تظهر الإنسانيّة بأبهى حُلة، وأفضل طريقة. نعم.
غزة: لن ننسى ولن نسامح
26-06-2025
غزة: أثقل أيام الحرب
21-07-2025
أثارت القرارات التي جرى ترويجها بشكلٍ ضخم، في حفلةٍ كُبرى شاركت فيها كُل الجهات، الفرح لدى الغزيين. قد أقول إننا للمرّة الأولى منذ أشهر، ننام بسعادة، لا لأننا أكلنا، ولا لأننا شاهدنا شاحنات المُساعدات تخترقُ الحدود، بل لأننا نتعّلق بالأمل دوماً، وننتظر الآن من العالم أن يرأفَ بنا، فيُطعمنا قليلاً، طالما أن الخيار الآخر الأفضل، مؤجّل، أو معلّق مؤقتاً، وهو خيار إنهاء الحرب.
اندفعَ الناس إلى تداول أخبار المساعدات بشكلٍ لافت، منتظرين التنفيذ، خاصة مع تعدد المنافذ، ووجود فرصة لتأمين المساعدات بشكلٍ كامل، لمنع وصولها إلى يد اللصوص، وضمان وصولها إلى مخازن المُؤسسات، ما يعني حصول الناس بعدالة عليها، بالإضافة إلى قرارات إدخال البضائع للتجار، وهو ما يسمح بدخول "الرفاهيات" الأخرى (الدجاج، والحلويات مثلاً)، ويعتبرها الفلسطينيون حقاً رفاهياتٍ الآن، مقارنةً بمنعهم من الحصول على الطحين.
أعلن مسؤول إسرائيلي، وفقًا لقناة كان الرسميّة، عن أنّ قرار دخول المُساعدات يأتي بسبب الضغط الدولي، حيث تهدُف الهدنة الإنسانية إلى منح الولايات المتحدة "هامش تحرك" للدفاع عن إسرائيل في المحافل الدولية، نظراً لكونها تُعتبر مسؤولة عن تدهور الوضع الإنساني في القطاع.
الهدنة تطال مناطق محددة وشريطاً ساحليّاً صغيراً يعيش فيه الناس، مُقابل أكثر من 70 في المئة من الأرض تحتَ الاحتلال والنسف والقصف المُستمر، كُل من يدخلها مُستهدَف و"إرهابي". بهذا الشكل لن تخرج الأصوات العالمية لتُدين الحرب، فهي مُستمرة بشكلها الطبيعي، وبدلاً من أن نقتل 100 شخص في اليوم الواحد، نقتلهم ببساطة في ليلتيْن، بين الثامنة مساءً والعاشرة صباحاً (أوقات بلا هُدنة).
في الصباح الأوّل لإعلان القرار، أعلن جيش الاحتلال عن هدنةٍ "إنسانية"، أو وقف مؤقت للأعمال العسكرية، يشمل مدينة غزّة (أو المناطق الباقية منها بلا احتلال)، ومواصي خانيونس، والمناطق الغربية من محافظة وسط قطاع غزّة، وهي شريط صغير ضيّق جداً يتكدّس فيه الناس منذ أشهر، فيما يستمر القصف والموت وعمليات النسف المتلاحقة في المناطق الأخرى، التي يحتلها جيش الاحتلال ويُمنَع الناس من الوصول إليها.
ظهرت صور شاحنات المساعدات والقوافل الكبرى، وهي تتحرّك عبر معبر رفح ومعبر كرم أبو سالم، وبدأ الترويج الإعلامي الضخم لهذه الخطوة الانتصاريّة العظيمة، قبل أن يُعلن الهلال الأحمر المصري عن عملية "زاد العزة من مصر إلى غزة"، لدخول المُساعدات، فيما أعلن جيش الاحتلال عن سعيه إلى تحسين "الاستجابة الإنسانية"، في غزة من خلال قراراته الأخيرة.
عبثية الديبلوماسية الفلسطينية بين الاعتراف بالدولة ووقف الإبادة
09-06-2025
نقاش هادئ حول ألم غزة
05-07-2025
حفلة، إنها حفلة فعلاً، يُشارك فيها الجميع، وانضم إليها كل من له علاقة ومن ليس له علاقة. حفلة، على أنقاض غزّة، وأشلاء أطفالها الذين استشهدوا في الساعات الأخيرة قبل الإعلان عن دخول المُساعدات. ليست حفلةً بريئة، بقدر ما هي ممنهجة، هدفها واضح، تمييع الإبادة وإعطاء شرعية لها، وهو ما قاله الإعلام الإسرائيلي بوضوح. أعلن مسؤول إسرائيلي، وفقًا لقناة كان الرسميّة، عن أنّ قرار دخول المُساعدات يأتي بسبب الضغط الدولي، حيث تهدُف الهدنة الإنسانية إلى منح الولايات المتحدة "هامش تحرك" للدفاع عن إسرائيل في المحافل الدولية، نظراً لكونها تُعتبر مسؤولة عن تدهور الوضع الإنساني في القطاع. هكذا ببساطة يبدو المشهد. هي فرصة لتخفيف الثقل الدولي عن إسرائيل والولايات المتحدة، بعد مشاهد المجاعة التي نجحَ إعلاميو غزة في فضحها وكشفها ونشرها للعالم، وفشل متحدثو الجيش الإسرائيلي وأبواقه في دحضها.
جاءت القرارات أيضاً بعد أيامٍ كثيرة من الضجة الإعلامية، ضد عددٍ من الدول العربية والأوروبية.. مصر والأردن مثلًا.. الأولى، خرج متضامنون لإغلاق سفاراتها في كلّ دول العالم، مع استمرار إغلاق معبر رفح، وللمطالبة بتحركها العاجل لوقف المجاعة، والثانية بعد ترويج بعض هيئاتها لوجود قوافل من المساعدات التي تدخل منها إلى القطاع، من دون تغيّر حقيقي على الأرض. أي أكاذيب إعلامية.. وإلى جانبهما طبعاً، الدول الأوروبية التي روجت مسبقاً لاتفاقية مع إسرائيل، من دون حدوثها مطلقاً.
يظهر من هذا الإعلان عن هدنة "إنسانية" ودخول المُساعدات، أن إسرائيل تبحث عن بدائل للمفاوضات التي تُلقي اللوم على حماس لتعثرها، وهي فرصة جديّة لإطالة أمد الحرب، وجعلها مشهداً عادياً وطبيعياً في الحياة اليوميّة للفلسطينيين.
مناطق محددة وشريط ساحلي صغير يعيش فيه الناس، مُقابل أكثر من 70 في المئة من الأرض تحتَ الاحتلال والنسف والقصف المُستمر، كُل من يدخلها مُستهدف و"إرهابي". بهذا الشكل لن تخرج الأصوات العالمية لتُدين الحرب، فهي مُستمرة بشكلها الطبيعي، وبدلاً من أن نقتل 100 شخص في اليوم الواحد، ببساطة، نقتلهم في ليلتيْن بين الثامنة مساءً والعاشرة صباحاً (أوقات بلا هُدنة).
جاءت القرارات أيضاً بعد أيامٍ كثيرة من الضجة الإعلامية، ضد عددٍ من الدول العربية والأوروبية.. مصر والأردن مثلًا.. الأولى، خرج متضامنون لإغلاق سفاراتها في كلّ دول العالم، مع استمرار إغلاق معبر رفح، وللمطالبة بتحركها العاجل لوقف المجاعة، والثانية بعد ترويج بعض هيئاتها لوجود قوافل من المساعدات التي تدخل منها إلى القطاع، من دون تغيّر حقيقي على الأرض. أي أكاذيب إعلامية.
يَظهر من هذا الإعلان عن هدنة "إنسانية" ودخول المساعدات، أن إسرائيل تبحث عن بدائل للمفاوضات، التي تُلقي باللوم على حماس لتعثرها. وهي فرصة جديّة لإطالة أمد الحرب، وجعلها مشهداً عادياً وطبيعياً في الحياة اليوميّة للفلسطينيين.
لا أستطيع أن أرى في هذا المشهد، وهذه المساعدات، إلّا أنها إنقاذ للحرب، إنقاذ لكلّ الأطراف. أولاً لإنقاذ الحرب من فكّ الاعتراض الدولي والأصوات المستنكِرة، ثانياً لإنقاذ إسرائيل من جريمة التجويع، والولايات المتحدة من جريمة الدعم المطلق لها، والدول العربية والأوروبية من جريمة الصمت المتواطئ وعدم التحرك. إنها الفرصة الخالصة لكلّ الأطراف المُشارِكة في الجريمة، لتخفيف العبء عن أكتافها، وممارسة الإبادة كفعلٍ صامت.. وبسيط.
هل من مخرج لفلسطين من الإبادة نحو السيادة؟
28-07-2025
كل هؤلاء الذين يروّجون لاحتفالية دخول المساعدات، بآلاف الكاميرات والتصريحات والقرارات الإعلامية، وحملات السوشل ميديا، لا يُدرِكون أن المساعدات والطعام حقٌ طبيعي لكلّ الناس، فكيف بالذين يُجوَّعون ويقتلون منذ أكثر من عاميْن.