إعداد وتحرير: صباح جلّول
بردائه الطبّي الأبيض، مشى الدكتور حسام أبو صفية، ثابتاً محتسباً وحيداً، نحو الدبابة الإسرائيلية التي قلبت أحشاء الشارع في محيط مستشفى كمال عدوان في غزة، بعد أن نادى عليه الجنود بالاسم ليسلّم نفسه. من ينسى تلكَ الصورة؟
أيضاً بزيّه الطبي الأبيض، وقف الدكتور حسام أبو صفية قبل اعتقاله بأسابيع – دامع العينين، مكسور القلب، متهدّج الصوت - مصلياً على جثمان ابنه الشهيد الذي دفنه في باحة المستشفى تلك نفسها، بعد أن اغتاله جنود الإبادة متقصِدين كسرَ عزيمة الطبيب الرافضِ لأوامر الإخلاء. من ينسى ذلك الفيديو؟
يشهد أهل القطاع لهذا الإنسان بنبله ووفائه وتفانيه في خدمتهم. نبلٌ وعطاءٌ ثمنه لدى الاحتلال اعتقالٌ وتعذيب وقهر.
نقاش هادئ حول ألم غزة
05-07-2025
في صباحٍ الرابع والعشرين من حزيران/يونيو الماضي، اقتحم سجّانون مدجّجون بالسلاح والهراوات الزنزانة التي يُحتجز فيها الطبيب أبو صفية داخل سجن عوفر الإسرائيلي، وكانت غايتهم ارتكاب حفلة تعذيب جنونية على مدى نصف ساعة، ضربوا خلالها الطبيب على رأسه، متسببين له بإصابات بليغة.

في التاسع من تموز/يوليو الحالي، تمكنت محامية الطبيب، غيد قاسم، من زيارته في السجن، فخرجت لتنقل للعالَم وصفاً لوضعٍ مرعبٍ يعيشه الطبيب وسائر الأسرى. فمنذ اعتقاله، فقد الطبيب حسام أبو صفية أربعين كيلوغراماً من وزنه. لم يُعْرض على طبيب مختص رغم خلل في انتظام دقات قلبه وعوارض صحية مُقلقة أخرى، كما أنه لم يُبدّل ملابسه الثقيلة منذ الشتاء رغم اشتداد الحرارة في زنزانة بلا تهوئة، في ظروف معدومة الطعام والرعاية الصحية. هذا ما وصفته المحامية قاسم بظروف "التعذيب والعزل والهلاك"، فيما تنعدم أية أدلة تشير إلى نهاية قريبة للكابوس الذي يعانيه وسائر الأسرى في أقبية التعذيب الصهيونية الخارجة عن المساءلة والمراقبة والمحاسبة.
في الأسابيع الأخيرة، اغتال الاحتلال الإسرائيلي عدداً من كبار الأطباء في غزة، بما يشكّل تصفية متعمّدة لمن تبقى من الطواقم الطبية. من بين من استُهدفوا، مدير المستشفى الإندونيسي، الدكتور مروان السلطان، الذي استشهد مع زوجته و5 من أفراد أسرته، جراء غارة إسرائيلية استهدفت منزله غربي غزة، أوائل شهر تموز/يوليو الحالي. لائحة الجراحين وأطباء العظام والكلى والأطفال الذين استهدفوا تطول، حينَ تحتاجهم غزّة أكثر من أي وقتٍ مضى. لكنه الاحتلال يبيد آخر معاقل الحياة على امتداد القطاع، فاستشهاد طبيب واحدٍ متخصص في غزة هي خسارة لا تعوّض، وتٌترجَم معاناة إضافية لآلاف الغزيين الذين يحتاجون رعاية صحية عاجلة وسط تجويع وإبادة.

تبقى الأصوات العالمية خجولة، بل متواطئة بصمتها، إزاء ما يحدث للجسم الطبي الفلسطيني. أين تقف نقابات الأطباء في العالم، وبالأخص نقابات الأطباء العربية، من هذا المشهد؟ نسأل وقد قُتل نحو 1580 من الكوادر الطبية في هذه الإبادة. نسأل وقد اعتقل 362 من أفراد الطواقم الطبية في سجون الاحتلال، وبعضهم مجهول المصير حتى اللحظة.
هذا وقد برزت دعوات من مؤسسات دولية طبية تُحذّر من الخطر المحدق بحياة الطبيب حسام أبو صفية. أطلقت جمعية "ميد-غلوبال" (MedGlobal) الطبية الخيرية عريضة تدعوا الجميع للمطالبة بالإفراج الفوري عنه، محذّرة من خطر حقيقي على حياته. "بادر بالتحرك. وقّع على العريضة، تضامن. للمطالبة بالإفراج الفوري وغير المشروط عن الدكتور حسام أبو صفية وجميع العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين تم اعتقالهم ظلماً في غزة"، تقول مقدمة العريضة المعنونة "الرعاية الصحية ليست جريمة".
رابط العريضة: https://medglobal.org/healthcare-is-not-a-crime/
ومن جهة أخرى، برزت حملة من منظمة "آفاز" العالمية، تعلن: "نحن مواطنون من مختلف أنحاء العالم، نرى أن المقررة الخاصة للأمم المتحدة[1] في الضفة الغربية وغزة، فرانشيسكا ألبانيزي، والأطباء العاملين في غزة، يستحقون جائزة نوبل للسلام".
تقرير الأمم المتحدة: هذا اقتصاد إبادة جماعية
03-07-2025
تقول المنظمة في مقدمة العريضة التي أطلقتها في العاشر من تموز/يوليو الحالي، ودعت الناس جميعاً للتوقيع عليها، أن إدارة ترامب تعاقِب المقررة ألبانيزي "لأنها رفعت الصوت وقالت الحقيقة". ويتابع: "يمكننا معاً أن نستغل هذه اللحظة لإظهار مدى التضامن الشعبي الواسع معها، والمطالبة بمنحها أرقى جائزة في العالم - هي والأطباء العاملين في غزة." وصل عدد التوقيعات على العريضة – حتى لحظة كتابة هذه السطور- 818,191. وهي تقترب من هدفها المعلن، أي جمع مليون توقيع أو أكثر من حول العالم.
رابط العريضة: http://secure.avaaz.org/campaign/ar/stand_with_francesca_loc/

وأبعد من العرائض والمناشدات، لا مجال إلا للمطالبة بالتحرك الفوري لوقف الإبادة في غزة، ولحماية أطبائها الذين اجترحوا معجزات حقيقية، وصبروا بما يفوق قدرة البشر (ولا ينبغي أن يُطلَب هذا المستوى من التضحية والصبر من إنسان أو حتى من نبي!)، فتمترسوا في مستشفياتهم المقصوفة والمحروقة وقدموا الولد والنفس ولم يغادروا قسَم مهنتهم الأسمى، فصار منهم الشهيد ومنهم الأسير والجريح والمعذّب...
هؤلاء لا يحتاجون منا مديحاً. يحتاجون تحركاً، وبالدرجة الأولى، من المجتمع الطبي العربي والعالمي.
- بعد أن أصدرت ألبانيزي في أول تموز/يوليو 2025 تقريراً بالغ الاهمية والعمق حول التحول من "اقتصاد الاحتلال" إلى "اقتصاد الإبادة"، اتهمت فيه عشرات المؤسسات والشركات بالمشاركة في هياكل اقتصادية تطيل الإبادة وتسهم في استمرارها. ↑