التفاوت الطبقي بين مصر و"إيجبت": أسبوعٌ في قتل المصريين..

تنتج الحكومة المصرية مجدداً، وتعيد إنتاج أشكال التفاوت الطبقي، من خلال الاستثمارات المنحازة إلى "إيجبت"، والمنحازة إلى إعادة توزيع الثروة، وإفقار الشعب المصري، وإعادة توزيع الملكيات للأراضي والوحدات السكنية والطرق والكباري. ينحاز النظام المصري إلى "إيجبت" وسكانها، ويستمر في لعب دور السمسار العمراني لبيع وحدات سكنية وأراضي مصرية لسكان "إيجبت"، أو لمن يدفع أكثر منهم، من الخليج العربي ومستثمريه.
2025-07-10

أمنية خليل

معيدة واستاذة مساعدة في جامعة مدينة نيويورك CCNY، من مصر


شارك
ملاك الشاذلي - مصر

أمنية خليل*

بدأ في السنوات الأخيرة يتجلى تفاوت طبقي واضح في مصر. استخدام عبارة "تفاوت طبقي" يشير إلى فجوات كبيرة بين الطبقات الحاكمة، ومعها الطبقات الأعلى، التي يمكن التعبير عنها بلفظة "إيچبت"، وبين الطبقات المتوسطة وقطاع كبير من الطبقات الأفقر. "إيچبت"، اسم مصر باللغة الإنجليزية، وهو تعبير ظهر في السنوات الأخيرة، ويشير إلى رواد الساحل الشمالي، الواقع على البحر الأبيض المتوسط، ما بين مدينتي الإسكندرية ومرسى مطروح، والذي يبلغ طوله 500 كيلو متراً. حدثت في هذا الساحل معركة العلَمين (تشرين الأول/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر 1942)، خلال الحرب العالمية الثانية، حيث اشتبكت قوات الحلفاء، ممثلة ببريطانيا مع قوات المحور (ألمانيا وإيطاليا). وتم بناء متحف العلمين بأمر من جمال عبد الناصر عام 1965، تخليداً للمعركة ولدور الجيش المصري، الذي شارك بصفته من قوات الحلفاء، إذ حاربت مصر بجيشها، بـ"الوكالة" عن بريطانيا. يضم المتحف قاعات لتمجيد دور بريطانيا البلد المستعمِر، وأخرى لخسائر مصر كبلد مُستعمَر، وقاعتين أخريين لألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية. يزور العديد من المصريين المتحف أثناء سفرهم إلى مدينة مرسى مطروح، كمنتزه ساحلي صيفي للطبقة الوسطى.

عُرِف الساحل الشمالي بالتعمير على مر التاريخ. وفي السنوات الأخيرة، أُعلن عن عاملين مهمين غَيّرا وجه الساحل الشمالي باتجاه تفاوت طبقي بين مصر و"إيچبت"، الساحل الطيب والساحل الشرير. أحد العاملين هو قرار إنشاء مدينة العلَمين الجديدة، بما تضمه من أحياء وأماكن ترفيهية، وحفلات عالمية، واستثمارات أجنبية، وقصر رئاسي لعبد الفتاح السيسي وعائلته. والرئيس اعتمد على كبار المقاولين العمرانيين في واحدة من "العمليات بالأمر المباشر"، لبناء العلَمين الجديدة، والاستثمار فيها. العامل الثاني، وعلى التوازي، أنه بدأت في النشوء والازدهار، منتجعات سياحية صيفية، تتطلب من مرتاديها دفع مبالغ باهظة للدخول، وأيضاً قبول المراقبة الاجتماعية الطبقية لحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لإثبات "أصالة" هويتهم الطبقية، وأنهم من سكان "إيچبت"، وقادرون على الاستثمار في حياة مترفة، ويتحدثون باللكنة الإنجليزية الأمريكية، ولا يجيدون اللغة العربية حديثاً أو كتابة وقراءة.

هادية غالب، والمايوه البوركيني، هو نقاش دار صيف 2021، بعد منع فتاة محجبة من السباحة بالبوركيني في بالم هيلز في 6 تشرين الأول/ أكتوبر. تَحوّل النقاش إلى معركة جندرية / طبقية، تشير الى افتتاح أماكن خاصة في الكومبوندات السكنية، أو أخرى سياحية في الساحل الشمالي، لا تقبل المحجبات والزي المحتشم للسباحة وإنما لابسات "البيكيني". من السيدات المصريات من شعرت بظلم، من الناحيتين الطبقية والجندرية، ل"أننا لا نستطيع لبس مايوه السباحة، سواء أكان من قطعة واحدة أو من قطعتين، في أي مكان عام، ونتكبد عناءً طبقياً في الاحتماء بأشكال أعلى طبقياً من المستوى المادي الحقيقي لطبقتنا، من خلال المعارف والأصدقاء، حتى نتمتع بالسباحة في شواطئ مصر الخاصة"[1]. هذه الشواطئ مُدارة من رأس المال، ومخصخصة منذ التسعينيات الفائتة. وهي تأخد مناحي مختلفة، بسبب زيادة الاستثمارات العقارية الشديدة في مصر، وخلق نوع من الرأسمالية العسكرية.

تجليات "إيچبت" تأتي دفعة واحدة في جمهورية جديدة، وعواصم جديدة، تضم العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين الجديدة وغيرهما. أما تجليات مصر فتأتي في مآسي متعاقبة تُوضِّح مظاهر التفاوت الطبقي، وخلل توزيع الثروة، مما يقتل المصريين، ويجعل وجود "إيچبت" يأتي على حساب جسد "مصر".

مشهد أول: بنات المنوفية: قتل العاملات

أودى حادث مريع صباح يوم الجمعة 27 حزيران/ يونيو 2025، بحياة 19 فتاة. لم أستخدم كلمة وفاة لأنها ليست دقيقة. فهنّ قد قُتلنَ على الطريق الدائري الإقليمي، الذي تحدث فيه طوال الوقت حوادث طرق مميتة. كانت الفتيات راكبات في سيارة ميكروباص، دُهست من قِبل شاحنة كبيرة مقطورة. 

ردود أفعال الدولة المصرية، جاءت من خلال دفاع كامل الوزير عن نفسه، وهو وزير النقل، بعد طلبات عامة بتقديم استقالته. وهو يعتبر نفسه "مقاتلاً". فـ"السيد الفريق" في القوات المسلحة المصرية منذ 2019، وكان يدير الهيئة الهندسية لمدة 4 سنوات من (2015 حتى آذار/ مارس 2019)، بحكم تخصصه في الإنشاءات. وهو أشرف على حفر تفريعة قناة السويس في 2015، وعدة مشاريع أخرى "مميزة" لصالح الحكومة التي ينتمي إليها. كتب الباحث السياسي عمرو عبد الرحمن نصاً لتحليل التفاوت الطبقي وتوزيع الثروة، كما زار وفد من نقابة الصحافيين أهالي الفتيات لتقديم واجب العزاء لهم.

ملاك الشاذلي - مصر

ولكن أهل "إيچبت" لم يرحموا أهل "مصر" في تعليقاتهم المتعالية، التي جمعتها جنة عادل وحلّلتها ببراعة. يقول أحد أهل "إيچبت": "لو مفيش فُقرا، مين هيخدم على ال life style بتاعنا؟ الجن الأزرق؟ المساواة المطلقة في الآخرة مش في الدنيا خالص. لو عاوز مساواة تامة، فانتظر لحظة وفاتك، أو أنزل هات طفل شوارع وأديه مفتاح بيتك وعربيتك وحسابك البنكي، واديك تبقى نقّصت الفُقرا واحد"*.

"إيجبت"، اسم مصر باللغة الإنجليزية، وهو تعبير ظهر في السنوات الأخيرة، ويشير إلى رواد الساحل الشمالي، الواقع على البحر الأبيض المتوسط، ما بين مدينتي الإسكندرية ومرسى مطروح، والذي يبلغ طوله 500 كيلو متراً. وفي السنوات الأخيرة، تغيَّر وجه الساحل الشمالي باتجاه تفاوت طبقي حاد بين مصر و"إيجبت"، الساحل الطيب والساحل الشرير. أحد العوامل في ذلك هو قرار إنشاء مدينة العلَمين الجديدة.

بدأ في مرسى مطروح نشوء وازدهار منتجعات سياحية صيفية، تتطلب من مرتاديها دفع مبالغ باهظة للدخول، وأيضاً قبول المراقبة الاجتماعية لحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، لإثبات "أصالة" هويتهم الطبقية، وأنهم من سكان "إيجبت"، وقادرون على الاستثمار في حياة مترفة، ويتحدثون باللكنة الإنجليزية الأمريكية، ولا يجيدون اللغة العربية حديثاً أو كتابة وقراءة.  

بالمصري، هذا المواطن "جاب من الآخر". هو مواطن من طبقة وسطى عليا على الأغلب، تَعلّم في مدارس تُمكِّنه من الكتابة باللغة العربية، لكنه عبَّر عن تفاوت طبقي، طبيعي أو عادي لديه: أن تُقتل البنات على الطريق الدائري الإقليمي، وهن عاملات في مصنع، تتقاضى كل واحدة منهن مبلغ 130 جنيهاً (2.6 دولار امريكي). اعتُبِروا في مواقع صحافية شهيدات ال130 جنيه جنيهاً. ولفظ شهيدات هو لفظ إشكالي، لأنه لا يُعبِّر عن الواقع. نعلم أن الشهيدات الفلسطينيات يُقتَلن برصاص الاحتلال الإسرائيلي، ولكن من قتل شهيدات حوادث الطرق في مصر؟ اعتبر وزير النقل نفسه "مقاتلاً"، ولن يترك أرض المعركة، لأن بعض سائقي المقطورات مخطئون ومذنبون، ولكن إنجازات الطرق "عظيمة".

لم يرحم أهل "إيچبت"، ولا الحكومة المصرية، أهل مصر بالمرة، بل جاءوا بسلفستر ستالون ليروِّج للساحل الشرير، وبنخبة من الممثلين المصريين والمصريات، ليروجوا للعاصمة الإدارية الجديدة، ولرجل أعمالها طلعت مصطفى.

تعليق جنة عادل أعلاه

مشهد ثانٍ: الإيجار القديم ... كشف الهيئة

بعد ستة أيام من حادث المنوفية المروِّع، تمّ تمرير "قانون الإيجار القديم" في مجلس النواب المصري، في الثاني من تموز/ يوليو الجاري. بفعل هذا القانون، وخلال سبع سنوات، يجب على 1.6 مليون أسرة مصرية إخلاء وحداتهم السكنية، التي تقوم عقودها على نظام الإيجار القديم. يقول الباحث إبراهيم عز الدين[2]: "يبرز هنا دور "هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة"، التي تمتلك سلطة نزع ملكية الأراضي والعقارات لصالح مشروعات التنمية، مثل سيطرتها مؤخراً على مساحات في جزيرة الوراق. وبهذا، لا ينحصر تأثير تعديل القانون على العلاقة بين المالك والمستأجر فقط، بل يتجاوزها، ليعيد رسم خرائط الملكية واستخدام الأراضي في المناطق التاريخية داخل المدن المصرية".

طرح الباحثان، يحيى شوكت ونادين عبد الرازق، مقترحاً يتفادى خطورة إخلاء وحدات الإيجار القديم، وقد نشراه في 28 حزيران/ يونيو، قبل تمرير القانون، وتَمنيا أن يتم أخذ المقترح بجدية، لأنه يحتوي على تفنيد لمواد القانون، وما يجب مراعاته وتعديله في بنوده، لتجنب الإخلاء للوحدات الإيجارية. هذا إلى جانب مجهودات الأحزاب المصرية لمناقشة مشروع القانون، والتقدم برفضهم له، خاصة بعد احتجاز أيمن عصام، المحامي والمستشار القانوني لرابطة مستأجري الإيجار القديم، لمدة أسبوعين تقريباً.

أهل "إيجبت" لم يرحموا أهل "مصر" في تعليقاتهم المتعالية، التي جمعتها جنة عادل وحللتها ببراعة. يقول أحد أهل "إيجبت": "لو مفيش فقرا، مين هيخدم على ال life style بتاعنا؟ الجن الأزرق؟ المساواة المطلقة في الآخرة مش في الدنيا خالص. لو عاوز مساواة تامة، فانتظر لحظة وفاتك، أو أنزل هات طفل شوارع وأديه مفتاح بيتك وعربيتك وحسابك البنكي، واديك تبقى نقّصت الفقرا واحد".

اعتُبِرت الفتيات القتيلات في بعض المواقع الصحافية شهيدات ال130 جنيه جنيهاً. ولفظ شهيدات إشكالي، لأنه لا يُعبِّر عن الواقع. نعلم أن الشهيدات الفلسطينيات يُقْتَلن برصاص الاحتلال الإسرائيلي، ولكن من قتل شهيدات حوادث الطرق في مصر؟ اعتبر وزير النقل نفسه "مقاتلاً"، ولن يترك أرض المعركة، لأن بعض سائقي المقطورات مخطئون ومذنبون، ولكن إنجازات الطرق "عظيمة". 

يجب على ملايين المصريين إخلاء وحداتهم خلال سبع سنوات، وإلاّ سيتم طردهم عنوة. ومشاكل الإخلاء القسري هي التجلي الأمني للأجهزة التنفيذية في مصر. تم طرد واخلاء 2.85 مليون شخص من سكان القاهرة الكبرى في السنوات الماضية، تحت مسمى "القضاء على العشوائيات". وهذه أدوات لضبط الشعب. وإذ نُفِّذت التعديلات على قانون الإيجار القديم، فسيتم إخلاء سكان جدد. عدد الوحدات الخاضع لقانون الإيجار القديم هو حوالي ثلاثة ملايين وحدة، وعليه، فقد يتم إخلاء حوالي مليوني شخص من بينهم.

تنص المادة الثالثة المعدلة في البرلمان المصري من "قانون الإيجار القديم"، وهي شائكة، على:

"تُشكَّل بقرار من المحافظ المختص لجان حصر في نطاق كل محافظة، تختص بتقسيم المناطق التي بها أماكن مؤجَّرة لغرض السُكنى، الخاضعة لأحكام هذا القانون، إلى مناطق متميزة، متوسطة، اقتصادية، على أن يُراعى في التقسيم المعايير والضوابط الآتية:

1-الموقع الجغرافي ويشمل طبيعة المنطقة والشارع الكائن فيه العقار.

2-مستوى البناء ونوعية مواد البناء المستخدمة ومتوسط مساحات الوحدات في المنطقة.

3-المرافق المتصلة بالعقارات في كل منطقة، من مياه وكهرباء وغاز وتليفونات وغيرها من المرافق.

4 -شبكة الطرق ووسائل المواصلات والخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية المتاحة.

5-القيمة الإيجارية السنوية للعقارات المبنية الخاضعة لأحكام قانون الضريبة على العقارات المبنية الصادر بالقانون رقم 196 لسنة 2008، الكائنة في المنطقة ذاتها، ويصدر قرار من رئيس مجلس الوزراء بقواعد ونظام عمل هذه اللجان.

يجب على ملايين المصريين إخلاء وحداتهم خلال سبع سنوات، وإلاّ سيتم طردهم عنوة. ومشاكل الإخلاء القسري هي التجلي الأمني للأجهزة التنفيذية في مصر. طُرد وأُخلي 2.85 مليون شخص من سكان القاهرة الكبرى في السنوات الماضية، تحت مسمى "القضاء على العشوائيات". وهذه أدوات لضبط الشعب.

عمل اللجان يحدد مستوى البناء والمباني والخدمات المتاحة للوحدة، وعليه سيتم تحديد القيمة الإيجارية الجديدة، طبقاً لتصنيف المحافظ المختص بعد عمل اللجان. دور لجان الحصر يأتي لتحديد المستوى الطبقي والاقتصادي والاجتماعي لكل اسرة، وهو ما يُطلق عليه في مصر "كشف هيئة"، لتحديد وضع الأشخاص في السلم الاجتماعي الطبقي، وتحديد ماهية استحقاقهم لأية خدمة. 

تنتهي هذه اللجان من أعمالها خلال ثلاثة شهور من تاريخ العمل بهذا القانون، ويجوز بقرار من رئيس مجلس الوزراء تمديد الانتهاء من أعمالها لمدة واحدة مماثلة. ويصدر قرار من المحافظ المختص بما تنتهي إليه اللجان، يتم نشره في الوقائع المصرية، ويعلَن في وحدات الإدارة المحلية في نطاق كل محافظة".

يأتي عمل هذه اللجان لتحديد مستوى البناء والمباني والخدمات المتاحة للوحدة، وعليه سيتم تحديد القيمة الإيجارية الجديدة، طبقاً لتصنيف المحافظ المختص بعد عمل اللجان. دور لجان الحصر يأتي لتحديد المستوى الطبقي والاقتصادي والاجتماعي لكل اسرة، وهو ما يُطلَق عليه في مصر "كشف هيئة"، لتحديد وضع الأشخاص في السلم الاجتماعي الطبقي، وتحديد ماهية استحقاقهم لأية خدمة. وحدات الإيجار القديم هي وحدات في بنايات سكنية. على سبيل المثال إذا احتوت البناية على 10 وحدات سكنية، فبعض منها يتم استئجاره تبعاً للإيجار القديم، وبعضها الآخر يتم استئجاره تبعاً لقانون الإيجار الجديد، وبعض أخير من الوحدات يتملكها أشخاص آخرون. وبناء عليه، يتطلب عمل لجنة الحصر تقييم المبنى وسكانه، وهذا فقط في وحدات الإيجار القديم، حتى يُحددوا "مستوى المنطقة، وإذا ما كانت مميزة أو متوسطة أو اقتصادية". عمل هذه اللجان يتطلب تقييماً دقيقاً لساكني الوحدة السكنية لتقرير الشريحة الإيجارية الجديدة التي سوف يخضعون لها.

يقوم دائماً بالعمل في هذه اللجان الرجال، وهم موظفو الدولة. وهؤلاء، في أسفل السلم الوظيفي، وهم الرجال ذوو "الكرش والبطيخة". رجال موقعهم الوظيفي نفسه، يجعلهم يتحرشون بمن يستطيعون التحرش به، سواء جسدياً أو وظيفياً، أو فرض السلطة الأبوية على علاقاتهم مع الناس. عادة تُطلَب بطاقة هوية ربة الأسرة عند دخول الوحدات السكنية، لأن اسم الزوج موجود على بطاقتها. وينقل الموظف كافة بيانات بطاقة هوية المواطنة والتي تضم، علاوة على اسم زوجها، ديانتها، ووضعها الاجتماعي. فإذا كانت أرملة أو مطلَّقة، فسيتم طلب المستندات التي تثبت نسب الأبناء إذا كانوا يقطنون معها.

مُلاك العقارات هم المستفيدون الأساسيون من تعديل القانون، ومن بعدهم المستثمرين، الذين سيشترون الوحدات من ملاّكها الحاليين. سوف يتمكن المُلاّك من تحديد إيجارات أعلى، أو بيع الوحدة بسعر السوق للتمليك. المستفيدون هم بالترتيب المُلاك، والمستثمرون. أما موظفو الدولة، ولأنهم سيقومون بعملهم على مدار ثلاثة أشهر فقط، فسوف يحاولون الحصول على أكبر قدرٍ من المكسب.

في عمل لجان الحصر توصَم السيدات، إذا كنَّ مطلقات أو أرامل أو كبيرات في السن. ويُقصى المساجين (رجالاً ونساء)، سواء كانوا جنائيين أو سياسيين... كل هذه الضغوط سوف تتعرض لها النساء من قاطنات وحدات الإيجار القديم، حتى ينلن حقهن في تسجيل أسمائهن في كشف يُكتب بخط اليد، ولا يعلمن ما فيه. وفجأة، تطرد العائلات من الوحدات السكنية من خلال البوليس، ولا يمكن التظلم. 

تُمارس دينامية سلطوية بين موظف الدولة الرجل والسيدة في المنزل، بينما إذا تواجد زوجها فهو يشعر بالإهانة، لأن بطاقة هويته ليست ذات أهمية كبيرة. وعليه يقع على السيدات حمل الإثبات أمام هؤلاء الرجال من موظفي الدولة. وبعضهم يثبّت نظره على ثدييها خلال هذه المعاملة. في هذه الدقائق المعدودة، يجب على الموظف أن يُقيِّم الأسرة، ومستواها الطبقي: سينظر سريعاً إلى الأدوات الكهربائية الواضحة (براد، تلفزيون...)، وأثاث المنزل ومستواه، ومستوى تشطيب الوحدة الداخلي، من ألوان الجدران، ومدى اتساخها أو متى تَمّ تجديدها. وبالتأكيد سوف يفحص إذا ما كانت سيدة المنزل ترتدي أية مشغولات ذهبية - ولا يستطيع الموظف تحديد ما إذا كانت أصلية أم قشرة – وسيقرر، تبعاً للون الذهبي الظاهر أمام عينيه، إذا ما كان للأسرة مدخَّرات، وهذا مرتبط بشكل أساسي بفحص جسد السيدة التي أمامه. هذا بالإضافة إلى السؤال عن مدارس الأبناء: (عامة، خاصة، تجريبية)، لفهم المستوى الطبقي للأسرة.

هذه المادة مدخل كبير ومُسبَق للفساد الإداري، لأن عمل لجان الحصر يخضع لتقدير الموظفين من أحياء ومراكز المحافظات، وعليهم أن يقرروا من يُضَم إلى الكشوفات والحصر، ومن لا يُضَم، من خلال تلقي الرشاوي والمحسوبية خلال عملية الحصر. وهذا تماماً ما تم في عمليات إعادة التسكين لسكان مناطق بُني الأهالي (ما يسمى العشوائيات)، والذي اتسم عادة بالفساد، وإقصاء المواطنين، في حال عدم تقديمهم آلاف الجنيهات لهؤلاء الموظفين.

ملاك الشاذلي - مصر

يتم بوضوح في عمل لجان الحصر وصم السيدات إذا كنَّ مطلقات أو أرامل أو كبيرات في السن. كما يتم إقصاء المساجين (رجالاً ونساء)، سواء كانوا جنائيين أو سياسيين، ويتم وصم أهالي المعتقلين عندما يَطرق موظف الحي باب الوحدة وفي يده كل السلطة. كل هذه الضغوط سوف تتعرض لها النساء من قاطنات وحدات الإيجار القديم، حتى ينلن حقهن في تسجيل أسمائهن في كشف يُكتَب بخط اليد. ولا يعلم الأهالي ماهية الكشوفات النهائية، بينما وفجأة، يتم طردهم من الوحدات من خلال القوات التنفيذية من أقسام البوليس، وأمن الأحياء والمراكز والمحافظات. ولا يمكن التظلم. ويفقد الأهالي بيوتهم ويصبحون معدومي السكن، أو يضطرون إلى اللجوء إلى الأقارب حتى لا يصبحوا في الشارع، ولا يفقد أولادهم تسجيلاتهم في المدارس.

تُطْلَب بطاقة هوية ربة الأسرة عند دخول الموظف الى الوحدة السكنية، لأن اسم الزوج موجود عليها. وينقل الموظف كافة البيانات من البطاقة، وهي تضم ديانتها، ووضعها الاجتماعي. فإذا كانت أرملة أو مطلقة، فسيتم طلب المستندات لإثبات نسب الأبناء إذا كانوا يقطنون معها. تُمارَس هنا دينامية سلطوية بين موظف الدولة الرجل والسيدة في المنزل، وهو ما يترك مجالاً كبيراً للتحرش.

عمل لجان الحصر يخضع لتقدير الموظفين، وعليهم أن يقرروا من يُضَم إلى الكشوفات والحصر، ومن لا يُضم، من خلال تلقّي الرشاوي والمحسوبية خلال عملية الحصر. وهذا تماماً ما حصل في عمليات إعادة التسكين لسكان مناطق بُنى الأهالي (ما يسمى العشوائيات)، والذي اتسم عموماً بالفساد، وإقصاء المواطنين في حال عدم تقديمهم آلاف الجنيهات لهؤلاء الموظفين.  

تعديل قانون الإيجار القديم، بعد عمل اللجان وتحديد القيم الإيجارية، سوف يشمله كثيرٌ من الفساد، وذلك بفعل التعاون بين موظفي اللجان، والمحافظات، والأحياء والمراكز، مع مُلاك العقارات، وهم المستفيدون الأساسيون من تعديل القانون، ومن بعدهم المستفيد المستقبلي، أي المستثمرين، الذين سيشترون الوحدات من ملاّكها الحاليين. سوف يتمكن المُلاّك من تحديد إيجارات أعلى، أو بيع الوحدة بسعر السوق للتمليك. المستفيدون في هذه الحال هم بالترتيب المُلاك والمستثمِرون. أما موظفو الدولة، ولأنهم سيقومون بعملهم على مدار ثلاثة أشهر فقط، فسوف يحاولون الحصول على أكبر قدرٍ من المكسب، خلال مجمل أعمالهم في هذه الفترة.

نحن أمام أكبر عملية إحلال طبقي عمراني ("جنترة") لأحياء مصر ومراكزها. وهي عملية مقنَّنة للتخلص من عموم الشعب.

أخيراً

مجدداً، تنتج الحكومة المصرية، وتعيد إنتاج أشكال التفاوت الطبقي من خلال الاستثمارات المنحازة إلى "إيچبت"، والمنحازة إلى إعادة توزيع الثروة، وإفقار الشعب المصري، وإعادة توزيع الملكيات للأراضي والوحدات السكنية والطرق والكباري. ينحاز النظام المصري إلى "إيچبت" وسكانها، ويستمر في لعب دور السمسار العمراني لبيع وحدات سكنية وأراضٍ مصرية لسكان "إيچبت"، أو لمن يدفع أكثر منهم، من الخليج العربي ومستثمريه.

ما حدث في آخر شهر حزيران/ يونيو وأول شهر تموز/ يوليو 2025 في مصر، يُمثِّل تقنيناً لموت العاملات، وعلى التوازي تقنيناً لأكبر عملية إحلال طبقي عمراني. نرى العرجاني وطلعت مصطفي وطارق الجمال داخل مصر، وإعمار والفطيم من الإمارات، يمتلكون الأراضي والوحدات والعقارات والسوق، ومعبر رفح الحدودي، ولا يمتلك أهل مصر شيئاً غير أجسادهم وعملهم وقوَّتهم التي تُغْتال يومياً، بفعل الفقر، وعدم المسؤولية، والإجرام، ليتجلى تفاوت طبقي، تدفع أثمانه الغالبية العظمى من المصريين.

______________________

  1. - في إشكاليات الطبقية والجندر، في تحليل الإحلال الطبقي العمراني. في السفير العربي https://assafirarabi.com/ar/18936/2017/12/20

  2. - وهذا يرد في جزء من دراسته، التي تَذْكر عدداً من المخاوف عن إعادة تشكيل الملكيات والحيازات في الواقع العمراني المصري، من خلال عمل أجهزة الدولة المختلفة: https://timep.org/post-arabic/الإيجار-القديم-في-مصر-من-يملك-مفتاح-السكن/

    ______________________

    * يُنشر بالتزامن مع "كشف الهيئة الطبقي: كيف يُصنِّف قانون الإيجار القديم المصريين قبل طردهم؟"- ابراهيم عز الدين وأمنية خليل - "ديوان العمران"- مصر. 

مقالات من مصر

جولة جديدة: هل سيؤدي تعديل قانون الإيجار القديم في مصر إلى تشريد المستأجرين؟

لا تزال المسودة الأخيرة، بالرغم من التعديلات، تنص على إنهاء عقود الإيجار القديمة والسماح بإخلاء السكان بعد فترة انتقالية، دون أن تقترن ببدائل عملية قابلة للتنفيذ مثل: الإيجار الاجتماعي، ما...

للكاتب نفسه

معاداة الأخضر ومجزرة الأشجار

أمنية خليل 2024-07-11

ما يحدث هو نزع مباشر لأهلية المواطنة، بمعناها الأوسع. من أن المواطنين يمكنهم اختيار شيء، بل والتحكم بعض الشيء في حياتهم اليومية. نزع صفة التحكم، والقول لهم بكل الأشكال المباشرة...

القاهرة في عشر سنوات... هل نعرفها؟ (2/2)

أمنية خليل 2021-02-01

لم تكتفِ الأجندة العمرانية للسلطة بالمشاريع الكبرى والاستثمار في الصحراء، بل اشتملت "خطة التنمية المستدامة لمصر 2030" على مشاريعَ يتم فيها تحويل القاهرة إلى عاصمة تراثية وتجارية واستثمارية. وهذه التحولات...