كنيسة مار إلياس شيّعت أبناءها: الدولة مطالَبة بحماية الجميع!

هنا دمشق، هنا الدويلعة، حيث ترك تكفيريّ انتحاريّ أسوأ الأثَر وأبشع الصور، في كنيسة مار إلياس التي كانت تعجّ بالمصلّين في يوم أحدٍ هادئ في 23 حزيران/يونيو 2025. فجّر نفسه وسط الجموع وقتل وجرح وهدم وخرّب وفجع قلوباً كثيرة.
2025-06-26

شارك
من تشييع ضحايا التفجير الانتحاري الغادر في كنيسة مار الياس في الدويلعة. (الصورة: وكالة سانا).
إعداد وتحرير: صباح جلّول

"شيء لا يوصَف"، قالت إحدى النساء المشاركات في التشييع. "في أكثر من هيك؟ في أكثر من 22 صندوق أبيض عم يمرّ قدّامنا.. كلّهم شباب انقصفت أعمارهم وراحوا أشلاء؟"

أُدخِلت التوابيت البيضاء التي استقرّت عليها بَتلات الورود، واحداً تلو الآخر إلى الكنيسة، لتُقرأ عليها الصلاة وتشيّع إلى مثواها الأخير. مع دخول كل تابوت، تعلو الزغاريد الممزوجة بالصراخ والبكاء، وسط حالة من الذهول الجماعي، كأن العيون تسأل بصمت "هل حدث ذلك فعلا؟".

هنا دمشق، هنا الدويلعة، حيث ترك تكفيريّ انتحاريّ أسوأ الأثَر وأبشع الصور، في كنيسة مار إلياس التي كانت تعجّ بالمصلّين في يوم أحدٍ هادئ في 23 حزيران/يونيو 2025. فجّر نفسه وسط الجموع وقتل وجرح وهدم وخرّب وفجع قلوباً كثيرة.

ثمّ تلت الفجيعة خِفّة في التعاطي معها أضافت ألماً إلى آلام الأهالي المكلومين. فقد سارعت الحكومة السورية في الأيام التالية للتفجير لاتهام تنظيم داعش بارتكاب الجريمة المروعة، دون أن يتضح كيف للتحقيقات أن تؤدي إلى هذا الاستنتاج في غضون ساعات. فجاء في بيان وزارة الداخلية السورية: "أقدم انتحاري يتبع لتنظيم داعش الإرهابي على الدخول إلى كنيسة القديس مار إلياس في حي الدويلعة بالعاصمة دمشق"، شارحاً أن الهجوم الإرهابي تمّ عبر إطلاق الانتحاري النار على الناس ومن ثم تفجير سترة ناسفة كان يرتديها في المكان. كما حذّرت الحكومة السورية مما أسمته تخريب "جهود السلم الأهلي".

أثار التفجير في كنيسة مار الياس في الدويلعة (الصورة عن وسائل التواصل الاجتماعي).
من تشييع الضحايا يوم الثلاثاء في 24 حزيران/يونيو 2025. (الصورة من فيسبوك).

وفي صباح يوم الثلاثاء 24 حزيران/يونيو، خرج بيانٌ صادر عن ما يُسمّى تنظيم "أنصار السنّة"، يدّعي عدم صِحة رواية الحكومة السورية، ويتبنى فيه تفجير كنيسة مار الياس، "رداً على استفزازات مسيحية ضد السنّة"، حسب التعبير الطائفي البشع. وقد سَمّى البيان منفّذ التفجير، المدعو محمد زين العابدين أبو عثمان، حسب زعم الجماعة، مهدداً ومتوعداً بتنفيذ عمليات أخرى.

حتى الآن، تشير الأرقام الرسمية إلى 25 شهيداً وأكثر من 60 جريحاً في التفجير الإرهابي في كنيسة مار الياس.

مجلس عزاء أهالي الضحايا يوم الثلاثاء في 24 حزيران/يونيو 2025. (الصورة من صفحة الصحافية زينة شهلا عن انستغرام).

هذا ليس التفجير الوحيد أو الأول الذي تتبناه هذه الجماعة، فقد تبنت قبلاً هجمات إجرامية وعدداً من الإعدامات الميدانية لسوريين من الطائفة العلوية، كما توعّدت أبناء الطائفتين الدرزية والمسيحية. يعادي هذا التنظيم الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، ويُقال أنه يكفِّره، معلناً أن دافعه للقيام بعملياته هو رفض ما أسماه "تسامح الحكومة السورية" مع "النصيرية والروافض" (نسبة إلى العلويين والشيعة وغيرهم من الأقليات الطائفية).

في المقابل، لا يلمس السوريون من الطوائف التي طالتها اعتداءات إرهابية وقتل وخطف وسواها من الفظائع أي جدية من الحكومة الجديدة لناحية أمنهم وسلامتهم. حتى أن الإعلام الرسمي في سوريا سمح بخروج خطابٍ تحريضي بعد حدوث التفجير الإرهابي، يدّعي أن مسؤولية الجريمة تقع على ما سمّوه "حلف الأقليات" الذي بات يُستخدم كفزّاعة لحلفٍ مفتَرَض على الضد من الدولة السورية، وهو ما يضع أبناء هذه الطوائف، الأصيلة تاريخياً في سوريا، خارج المواطَنة وخارج حماية الدولة!

رسائل أبناء الكنيسة إلى دولتهم

"بدنا نوجه رسالة لحكومتنا الكريمة التي أتمنى أن يكون عندا ثقة بها. منذ بداية التحرير، كنا من أول الداعمين، وكنا دائماً نقول "نشكر الله، أكيد القادم أحلى". وكان شعبنا بكل أطيافه يواجه "تصرفات فردية". دائماً يقولون لنا "تصرفات فردية، ونحن كحكومة غير مسؤولين عنها". لكن، للأسف، تجاه هذه التصرفات الفردية، دولتنا لم تكن تحمينا. لم تكن تحمينا بتاتاً. وهذا ما صار يعطينا انطباعاً بأن هذه التصرفات الفردية أصبحت تصرفات مؤسساتية-فردية، وليست تصرفات فردية فقط." قائل هذا الكلام هو الأب ملاتيوس شطاحي، قدس الأرشمندريت في كنيسة مار الياس التي استهدفها التفجير الغادر، تعقيباً على ما حدث في الأيام التالية للحدث. وأكمل في مقابلة مصوّرة لمنصّة "عنب بلَدي" السورية: "لم نعتد أن نطلب حماية من أحد. طول عمرنا عايشين بحماية ربنا. لكن، نحن مواطنون في هذا البلد، ومن مسؤولية دولتنا أن تحمينا. هذا ليس امتيازاً تمنحنا إياه دولتنا ـ أن تحمينا هي مسؤوليتها. والسكوت عن هذه الأعمال الفردية أعتقد أنه يقلل من كرامتنا – جميعاً."

كان كلام البطريرك يوحنا العاشر يازجي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، متسقاً تماماً مع ما عبّر عنه الأب شطاحي. بعد إقامة صلاة الجنازة على أرواح الضحايا، قال البطريرك يازجي إن الهجوم الإرهابي "ليس حادثاً فردياً أو معزولاً، بل هو اعتداء صريح على كل سوريا، واستهداف لمكوّن أساسي من نسيج هذا الوطن"، وطالب الدولة بحماية كلّ أبنائها بلا أي تمييز، منتقداً غياب الحضور الحكومي في الكنيسة وبين الأهالي والرعية المفجوعين، معبِّراً عن خيبة كبيرة مما عاينه بعد الجريمة: "سمعنا عن إعلان يوم حداد. لسنا بحاجة له. الأفضل أن تعلنوا يوم حداد على الحكومة"، قال البطريرك يازجي.

مقالات من سوريا

السوريون: لن نسكت عن الفجور الإسرائيلي

2025-02-27

ردّ أهالي المناطق السورية على الكلام الإسرائيلي جاء سريعاً، على شكل تجمعات غاضبة، ومظاهرات مندِّدة في عدة مناطق. تجمّع المئات في "ساحة الكرامة" في "السويداء" ذات الغالبية الدرزية، للتعبير عن...

بعد الحرائق الأخيرة: الزيتون السوري ليس محصولاً استراتيجياً!

كمال شاهين 2024-11-14

وقع النصيب الأكبر من الحرائق الأخيرة في محافظتي"اللاذقية" و"حمص". ووفق معلومات محلية مصدرها مديريات الزراعة في هاتين المحافظتين، فإنّ هناك ثمانين موقعاً اشتعلت فيها النيران بشكل مفاجئ، ودفعة واحدة، مما...