أزمات مصرية على أعتاب الهِبَة الديموغرافية

تزداد المشكلة السكانية تعقيداً بإصرار النظام على الاستدانة، وعدم وجود جهات محاسبة حقيقية، أو شفافية للكشف عن أوجه صرف الديون المستمرة، مع عدم وجود خطط للتصنيع وزيادة الاستثمار وتحسين جودة الحياة في مصر. فهل هناك من أمل في استغلال الإمكانيات الهائلة للهبة السكانية من أجل التنمية، وتحقيق نهضة، والتي قد تمتد إلى أربعين عاماً قادماً؟ وهل هناك صوت عاقل، يواجه النظام بأن بيع الأصول والأراضي المصرية سيوجِّه طاقة العمل العظيمة المصرية إلى خدمة الأجانب؟ هذا في حال الاستعانة بهم من الأساس!
2025-06-26

صفاء عاشور

باحثة وصحافية من مصر


شارك
الهرم السكاني في مصر، 2021.

مصر هبة النيل، كما قال المؤرخ اليوناني هيرودوت، وهي هبة المصريين أيضاً في حضارة فرعونية تعود إلى 3200 عام قبل الميلاد، قامت على ضفتي النيل، الذي يقسم خريطتها بشكل طولي على قسمين، ويسمح بتوفير مقومات الحياة على ضفتيه، بعد أن ساعدت ظواهر تعود إلى أواخر عصر الزمن الجيولوجي الثالث[1] برسم مجرى النيل بهذا الشكل الفريد، ليصب في البحر المتوسط، ويحد من تأثير الصحراء التي تغطي ما يقرب من ثلثي مساحة البلاد.

الصدفة الجيولوجية رسمت لمصر مسارها، ومعها أتت المطامع الاستعمارية والعدوان، خاصة مع إطلالتها البحرية على البحرين الأحمر والأبيض المتوسط، بين قارتي آسيا وأوروبا، وتحكّمها في قناة السويس، وصولاً إلى قارات العالم الجديد، وهو بديل يوفر الوقت والتكلفة من التنقل عبر رأس الرجاء الصالح.

لذا كانت مصر، بسبب موقعها الفريد، من أهم الدول التي تحتلها بريطانيا في قارة إفريقيا عام 1882، ولم يتحقق جلاؤها عنها إلا بعد ما يزيد على سبعين عاماً، ليبدأ فصل جديد من الحكومات المصرية الوطنية ذات الخلفية العسكرية، نختلف معها أو نتفق، ونشتبك دائماً حول معالجتها لحلول مشكلات حيوية، ما بين البطء والإهمال - وعلى رأسها مشكلة الزيادة السكانية - من قبيل سوء التخطيط، وعدم الاستثمار في الإنسان المصري، ما أدى إلى تدني الخصائص السكانية، وتركّز الخدمات في العاصمة والمدن الحضرية، وارتفاع الكثافة السكانية، حيث تركز السكان على مساحة 7.8 في المئة فقط، من إجمالي المساحة الكلية لمصر، البالغة ما يقرب من مليون كيلو متراً مربعاً.

ومنذ إعلان الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، عن تسجيل أقل معدل نمو سكاني في مصر خلال الربع الأول من العام 2025، والنظام ومعارضوه يثيرون الجدل بمعلومات غير دقيقة. تعلن الحكومة عن أن سبب الانخفاض هو نجاح السياسة السكانية منذ تولّي الرئيس الحالي، بينما معارضو النظام يتهمون النظام بإفقار الشعب، ما تسبب في العزوف عن الزواج واتجاه الأسر إلى تحديد النسل، على الرغم من أن ما تمر به مصر من انخفاض المواليد هو مرحلة تمر بها جميع البلاد، وبدأت في مصر منذ بداية القرن الواحد والعشرين، ولا يمكن إرجاعها إلى عقدٍ أو عقدين من الزمان، كما أن الفقر وانخفاض مستوى المعيشة من أسباب زيادة معدلات الإنجاب وليس العكس.

الهرم السكاني المصري

يُمثَّل التركيب العمري للسكان على هيئة هرم، مقسَّم على ثلاث فئات، قاعدته تمثل فئة السكان ممن هم أقل من 15 عاماً، تليها الفئة المعيلة من سن 15 عاماً وحتى 65 عاماً والتي تُمثِّل أيضاً قوة العمل، وفي قمة الهرم فئة كبار السن ممن هم أكبر من 65 عاماً. الفئتان الأولى والثالثة هما اللتان تحتاجان إلى إعالة، واختلاف النسب بين الفئات الثلاث يُظهر المرحلة الديمغرافية التي تمر بها البلاد.

خلال المرحلة الديمغرافية الأولى، تزيد معدلات الولادة والوفيات، ما يؤدي إلى نمو سكاني بطيء. وقد مرت مصر بتلك المرحلة[2] بين عامي 1920 و1945. ثم في المرحلة الثانية، تنخفض الوفيات، بينما تبقى الولادات مرتفعة، مما يؤدي إلى انفجار سكاني، وقد وصلت مصر إلى تلك المرحلة ما بين عامي 1945 و1985، وجاء ذلك نتيجة لتحسين الخدمات الصحية، والتوسع في برامج التطعيم والرعاية الطبية، مما أدى إلى زيادة متوسط العمر المتوقَع.

في المرحلة الثالثة تبدأ معدلات الولادة بالانخفاض، ويقل النمو السكاني تدريجياً، ليدخل البلد في مرحلة النافذة السكانية، حيث تكون نسبة السكان في سن العمل مرتفعة، ما يشكِّل فرصة اقتصادية. ومنذ عام 1985، بدأت معدلات الخصوبة والمواليد في مصر بالانخفاض تدريجياً، نتيجة لزيادة الوعي بتنظيم الأسرة، وتحسين مستوى التعليم، خاصة بين النساء. كما استمرت معدلات الوفيات في الانخفاض، خاصة معدل وفيات الأطفال الرضع بشكل كبير.

أخيراً، هناك مرحلة رابعة، ترتفع نسبة كبار السن فيها، بسبب استمرار انخفاض الولادات وارتفاع متوسط العمر، ما يؤدي إلى تحديات اجتماعية واقتصادية. ولم تصل مصر إلى هذه المرحلة، ولكن عدداً من الدول الأوروبية وصلت إليها. ونجد أن تلك الدول تستقبل العمالة الوافدة، وتسهِّل لها شروط الإقامة والعمل، لملء فجوة انخفاض عدد المواليد وفئة قوة العمل.

كانت مصر، بسبب موقعها الفريد، من أهم الدول التي تحتلها بريطانيا في قارة إفريقيا عام 1882. تلى ذلك فصل جديد من الحكومات المصرية الوطنية ذات الخلفية العسكرية، نشتبك معها حول معالجتها لمشكلات حيوية، كالبطء والإهمال، وسوء التخطيط، وعدم الاستثمار في الإنسان المصري... ما أدى إلى تدني الخصائص السكانية، وتركّز الخدمات في العاصمة والمدن الحضرية، وارتفاع الكثافة السكانية...

يُظهر الهرم السكاني المصري في العام 2021، وفقاً للمؤشرات[3] انخفاض فئة المواليد تحت أربع سنوات، وتقلّص في القاعدة بسبب انخفاض معدلات الخصوبة، لكنه يظهر أيضاً أن الفئة العمرية من 5 إلى 9 سنوات تمثل النسبة الأكبر من بين الفئات العمرية المختلفة. وتتهم الفئات غير المعيلة باستنزاف الموارد، خاصة الفئة تحت 15 سنة، لكن ومن ناحية أخرى فإن الاستثمار في تلك الفئة يعد استثماراً في المستقبل.

وباستثناء تقلص القاعدة، ينتظِم الشكل الهرمي للسكان في مصر إلى حد ما، وهذا دليل على ارتفاع نسبة قوة العمل، ودخول مصر في مرحلة النافذة، أو الهبّة السكانية، التي تزيد فيها معدلات الفئة المعيلة، وتصبح فرصة عظيمة لبناء المجتمعات والنهوض بالأمم، وتستغرق تلك الفترة 40 عاماً تقريباً.

وهناك عدة مؤشرات على دخول مصر مرحلة النافذة السكانية - المرحلة الثالثة -، حيث يتضح أن نسبة الشباب في الفئة العمرية من 15إلى 24 سنة تمثل 18.8 في المئة من السكان، أما الفئة العمرية من 15 إلى 65 عاماً فتمثل 64.5 في المئة من جملة سكان مصر، وهما اللتان تمثلان قوة العمل. ومن المتوقع أن تتزايد هذه النسبة في السنوات المقبلة، إذا أخذنا في الاعتبار فئة المراهقين، التي سوف تنضم إلى فئة الشباب في المستقبل القريب، فتزيد الفئة القادرة على الإنتاج.

تبقى الإشكالية في مدى قدرة الدولة على استيعاب تلك المرحلة الديمغرافية المهمة، من حيث الإعداد العلمي والفني لفئة العمل، وإعداد مشاريع حقيقية تسهم في صناعة المستقبل، وليس فقط في استعراض قوة النظام في بناء مدن للنخبة والاحتماء بها، مقابل تصفية مصانع الإنتاج الثقيل، لأسباب غير واضحة، وأقل مثال على ذلك هو تصفية ثلاثة مصانع مهمة، في منطقة صناعية بحلوان، هي: مصانع أسمنت القومية، وشركة النصر لصناعة الكوك والكيماويات الأساسية، والحديد والصلب أقدم مصنع من نوعه في إفريقيا، وتسريح الكفاءات العمالية الماهرة.

مواجهة الزيادة السكانية

تحتل مصر المركز الأول عربياً والثالث إفريقياً من حيث عدد السكان، ويعود أول تعداد رسمي في البلاد إلى عام 1882. وقتها بلغ عدد السكان 6.7 مليون نسمة[4]، وهو يماثل الآن تعداد محافظة كالجيزة، أو ربع تعداد إقليم القاهرة الكبرى – العاصمة. خلال بدايات القرن التاسع عشر، بدأ الاهتمام بالمشاكل السكانية في مصر، فصدر عام 1936 كتاب العالم المصري الدكتور محمد عوض محمد بعنوان "سكان هذا الكوكب"، وخلال عام 1937 عقدت الجمعية الطبية المصرية مؤتمراً عن تنظيم الأسرة من الناحية الصحية.

وخلال الثمانينيات من القرن الماضي، تم تأسيس المجلس القومي للسكان[5]، وهو هيئة حكومية تهدف إلى متابعة وتنفيذ السياسات السكانية، وتنسيق جهود تنظيم الأسرة، وتشجيع التنمية البشرية والحد من الفقر. وخلال فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الفائت، شهدت برامج تنظيم الأسرة دعماً واسعاً من أجهزة الدولة، بالتزامن مع تدفّق المساعدات لدعم تلك البرامج. ونتيجة لتلك الجهود، شهدت مستويات الخصوبة في مصر ثباتاً في الفترة[6]، ما بين 2006 إلى 2009، لتصل إلى 3.2 طفل لكل امرأة. وعقب الأحداث السياسية المصاحبة لثورة يناير، شهدت برامج تنظيم الأسرة تراجعاً أو توقفاً، لترتفع معدلات الخصوبة مرة أخرى إلى 3.4 طفل لكل امرأة خلال الفترة من عام 2011 إلى عام 2015، مسجِّلة معدلات أعلى من متوسط معدّل الخصوبة العالمي، البالغ 2.25 لكل امرأة، وهو معدَّل يتفاوت بشدة بحسب البلدان والقارات.

وبعكس سنوات حكم مبارك، صارت برامج وحملات تنظيم الأسرة لا تتمتع بالشعبية، ولا الدعاية الإعلامية اللازمة، وهوالأمر الذي أشارت إليه إحدى الدراسات الصادرة عن الجامعة الأمريكية في بيروت[7]، ووصفت تلك الخدمات بعدم الانتظام وانخفاض الجودة، مع تراجع دور منظمات المجتمع المدني، في المشاركة بفاعلية في تلك البرامج، نتيجة التضييقات الأمنية عليها وضعف الإمكانيات.

يُظهر الهرم السكاني المصري في العام 2021، وفقاً للمؤشرات، انخفاض فئة المواليد تحت أربع سنوات، وتقلّص في القاعدة بسبب انخفاض معدلات الخصوبة، لكنه يظهر أيضاً أن الفئة العمرية من 5 إلى 9 سنوات تمثل النسبة الأكبر من بين الفئات العمرية المختلفة. وتُتهم الفئات غير المعيلة باستنزاف الموارد، خاصة الفئة تحت 15 سنة، لكن ومن ناحية أخرى، فإن الاستثمار في تلك الفئة يُعد استثماراً في المستقبل.

وتسهل ملاحظة أن جميع مبادرات وبرامج الدولة السابقة والحالية لا تستخدم أساليب الفرض أو الحرمان من خدمات الدعم على سبيل المثال، أو سن قانون يحدد عدد أفراد الأسرة، أسوة بدول أخرى مثل الصين، التي فرضت سياسة الطفل الواحد لمدة ثلاثة عقود بداية من عام 1979، للحد من النمو السكاني السريع، ثم تلتها بتغيير السياسة إلى طفلين بدءاً من عام 2015. وبالتزامن مع ذلك، أدار النظام في دولة الصين نهضة صناعية شاملة، أسهمت في نشر المنتجات الصينية في كل بقاع الأرض.

والفرق بين مصر والصين هو خوف النظام المصري، خاصة الحالي، من غضب أصحاب التيارات السلفية المتشددة، على الرغم من أن عدد الأطفال للأسرة الواحدة في الريف، قد يصل إلى عشرة أطفال للعائلة الواحدة[8]، خاصة مع انخفاض سن الزواج إلى أقل من السن القانوني.

مثال على ذلك برنامج "اتنين كفاية" التابع لوزارة التضامن الاجتماعي، الذي صُمِّم للعمل على الحد من الزيادة السكانية بين الأسر المستفيدة من برامج التكافل والمساعدات النقدية، ويستهدف النساء في المرحلة العمرية من 18 إلى 49 عاماً، في عشر محافظات أغلبها من صعيد مصر، صنفت الأكثر فقراً والأعلى خصوبة. وفي ديباجة البرنامج نجد عبارة: "حق الأسرة في تحديد عدد أبنائها، مع تأمين حقها في الحصول على المعلومات، وفى الحصول على وسائل تنظيم الأسرة التي تمكِّنها من الوصـول إلـى العــدد المرغوب من الأطفال"، في مخالفة لهدف واسم البرنامج من الأساس.

مهما رُفِعت شعارات المساواة وتحسين وضع النساء في مصر، فلا تزال النساء يتعرضن للتهميش ومنع استكمال التعليم، وغير ذلك من الممارسات التي تحد من وعيهن وتمنعهن من المشاركة الفعالة في المجتمع، واتخاذ قرارات واعية تتعلق بتنظيم الأسرة. إذ تشير الإحصاءات الحكومية إلى أن نسبة تسرب الفتيات من المرحلة الإعدادية في الفئة العمرية من 12 إلى 14 عاماً بلغت 1.9 في المئة، مقابل حوالي 1.6 في المئة، وهي نسبة التسرب للفتيان في المرحلة نفسها. فيما بلغت نسبة ختان الإناث في الفئة العمرية أقل من 19 سنة 14 في المئة، على الرغم من التجريم القانوني للظاهرة، وانعكاس الأمر نفسياً واجتماعياً على وضع المرأة وقدرتها على المشاركة في المجتمع.

تدني الخصائص السكانية

يُعرّف مصطلح تدني الخصائص السكانية بـ"انخفاض في جودة المكونات السكانية من حيث التعليم، والصحة، والدخل، والمستوى الثقافي والاجتماعي، بما ينعكس سلباً على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدولة". والوصف السابق علمي لا علاقة له برأي كاتبة النص، التي ترى في المصري قدرة على التعلم الذاتي، والتأثير في البيئة المحيطة، بداية من قصة الفلاح الفصيح في عصر الأسر الفرعونية، وحتى الجدات الريفيات اللاتي لم يتلقين أي نوع من التعليم، لكنهن يمتلكن من الحكمة والمحبة ما يكفي لجعل العالم مكاناً أفضل للعيش.

ما مدى قدرة الدولة على استيعاب المرحلة الديمغرافية الحالية المهمة، من حيث الإعداد العلمي والفني، واقامة مشاريع تسهم في صناعة المستقبل، وليس فقط استعراض قوة النظام في بناء مدن للنخبة والاحتماء بها، مقابل تصفية مصانع الإنتاج الثقيل، كتصفية ثلاثة مصانع مهمة في منطقة صناعية بحلوان: مصانع أسمنت القومية، وشركة النصر لصناعة الكوك والكيماويات الأساسية، والحديد والصلب، أقدم مصنع من نوعه في إفريقيا، وتسريح الكفاءات العمالية الماهرة.

خلال الثمانينيات من القرن الماضي، تم تأسيس المجلس القومي للسكان، وهو هيئة حكومية تهدف إلى متابعة وتنفيذ السياسات السكانية، وتنسيق جهود تنظيم الأسرة، وتشجيع التنمية البشرية والحد من الفقر. وخلال فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الفائت، شهدت برامج تنظيم الأسرة دعماً واسعاً من أجهزة الدولة، بالتزامن مع تدفّق المساعدات لدعم تلك البرامج.

يدل تدني الخصائص السكانية للمصريين على فشل السياسات الحكومية المتعاقبة، وعدم النظر إلى الزيادة السكانية بمصر كعنصر قوة وواحد من موارد الدولة، مع غياب رؤية تنمية الإنسان المصري، ومدّه بالمعارف اللازمة لمواكبة سوق العمل. وتُبرِز الدعاية الإعلامية للنظام الحالي الزيادة السنوية زيادة عددية مطلقة، من دون الإشارة إلى الكثافة السكانية الناتجة عن خلل في التوزيع والخدمات أيضاً، وجميعها عوامل مباشِرة في تدني الخصائص السكانية تعود إلى سياسات النظام.

ففي حين يصل إجمالي نسبة الأمية في مصر إلى 16 في المئة من السكان، وفقاً لبيانات[9] عام 2023، نجد أن عدداً من محافظات الوجه القِبلي شهدت أعلى معدلات الأمية، حيث وصلت إلى 25.4 في المئة في محافظة بني سويف، تليها محافظة سوهاج بنسبة 24.9 في المئة. وبدون الرجوع إلى تلك الأرقام، فإن الجولات الميدانية خلال العمل الصحافي في الصعيد، يمكن من خلالها ملاحظة تلك النسبة المفجعة من عدم معرفة القراءة والكتابة، خاصة بين النساء، هذا غير طلاب المدارس الذين لا يجيدون الكتابة والقراءة أيضاً، بسبب انشغالهم في العمل بجانب الدراسة. أما عن شهادات محو الأمية التي تسهم في تقليص نسبة الأمية عاماً بعد عام، فينبغي مراعاة وضع أسس أكثر وضوحاً وشفافية لمنحها، حتى لا تكون مجرد شهادة صُورَّية.

ووفقاً لتقرير صادر عن البنك الدولي في شهر نيسان أبريل الفائت[10]، حول وضع الفقر والأداء الاقتصادي في مصر، فإن معدل الفقر بلغ 33.5 في المئة في السنة المالية 2021/2022، مع نسب أعلى في المناطق الريفية، خاصة في صعيد مصر. ويقدر عدد المصريين الذين يعيشون على أقل من 3.65 دولار يومياً بحوالي 14.7 مليون شخص، وهي نسبة عالية، والمبلغ المشار إليه لا يزيد عن 180 جنيهاً بالعملة المحلية، ما يعادل أكثر من خمسة آلاف جنيه شهرياً، أي حوالي 78.2 في المئة من الحد الأدنى للأجور البالغ 7000 جنيه.

مهما رُفِعت شعارات المساواة وتحسين وضع النساء في مصر، فلا تزال النساء يتعرضن للتهميش ومنع استكمال التعليم، وغير ذلك من الممارسات التي تحد من وعيهن، وتمنعهن من المشاركة الفعالة في المجتمع، واتخاذ قرارات واعية تتعلق بتنظيم الأسرة.

الفرق بين مصر والصين هو خوف النظام المصري، خاصة الحالي، من غضب أصحاب التيارات السلفية المتشددة، على الرغم من أن عدد الأطفال للأسرة الواحدة في الريف، قد يصل إلى عشرة أطفال للعائلة الواحدة، خاصة مع انخفاض سن الزواج إلى أقل من السن القانوني.

الأمر يزداد سوءاً مع انخفاض قيمة العملة المحلية، والتضخم وارتفاع الأسعار شبه اليومي، خاصة بالنسبة إلى السلع الغذائية والخدمات، وبالطبع الطاقة. يذكر بيان البنك الدولي أيضاً ارتفاع معدل الفقر بحوالي 4 نقاط مئوية بين عامي 2022 و2024، نتيجة التضخم المرتفع وتباطؤ النمو الاقتصادي، كما لا تزال معدلات البطالة مرتفعة مقابل مشاركة منخفضة بالنسبة إلى السكان في قوة العمل، فلا تتعدى نسبة 45 في المئة، مما يحد من فرص تقليل الفقر على المدى الطويل.

في المقابل، زادت في العام 2024 مدفوعات فوائد الديون بنسبة 63 في المئة في الموازنة[11]، كما أن الإنفاق على كل بنود الموازنة قد تراجع من حيث القيمة الحقيقية للعملة المصرية، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

هكذا تزداد المشكلة السكانية تعقيداً بإصرار النظام على الاستدانة، وعدم وجود جهات محاسبة حقيقية، أو شفافية للكشف عن أوجه صرف الديون المستمرة، مع عدم وجود خطط للتصنيع وزيادة الاستثمار وتحسين جودة الحياة في مصر. فهل هناك من أمل في استغلال الإمكانيات الهائلة للهبّة السكانية للتنمية، وتحقيق نهضة، والتي قد تمتد إلى أربعين عاماً قادماً؟ وهل هناك صوت عاقل، يواجه النظام بأن بيع الأصول والأراضي المصرية سيوجِّه طاقة العمل العظيمة المصرية إلى خدمة الأجانب؟ هذا في حال الاستعانة بهم من الأساس!

______________________

  1. الأزمنة الجيولوجية تمثل تاريخاً زمنيّاً، يُستخدم لفهم مراحل تكوين القارات منذ نشأة الأرض.
  2. هالة محمد، النافذة الديموغرافية في مصر: الفرص والتحديات، جامعة جنوب الوادي، 2022.
  3. Population Pyramids of the World from 1950 to 2100 https://2u.pw/CpDF5
  4. فايز محمد العسوي، "بعض جوانب نمو السكان في مصر في النصف الثاني من القرن العشرين"، الجمعية الجغرافية المصرية، 1989.
  5. تأسس عام 1985.
  6. "ماذا لو استمرت معدلات الخصوبة فـي الانخفاض"، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار،2023 https://2u.pw/B4E0A
  7. " القصة السكانية في مصر"، الجامعة الأمريكية، بيروت، 2019.
  8. بناء على مشاهدات وجولات ميدانية، قامت بها كاتبة النص.
  9. https://2u.pw/HRF2K معدل الأمية في مصر لعام 2023، الهيئة العامة للاستعلامات.
  10. https://2u.pw/2wZwo تقرير البنك الدولي، عن مصر لشهر نيسان/ أبريل 2025.
  11. https://2u.pw/OPkbY المبادرة المصرية2024/2025 : موازنة فوائد الديون.. التقشف لنا والأرباح للدائنين.

مقالات من مصر

لا تنسوا عبد المنعم قنّاوي!

كان عبد المنعم قناوي، الشاب الذي تجاوز العشرين بقليل في العام 1967، يشاهد حشد الجنود والمعدات العسكرية وهم يعبرون إلى سيناء. يقول: "كنا واثقين من النصر، وكنت أتحدث مع الجنود...

الساموراي الأخير

مدى مصر 2025-06-19

هكذا تحيا ليلى سويف حرة الإرادة، متسقة مع مبادئها، فعلها متسق مع ما تعتقده في صميم قلبها، رمزًا يحتذى به. هكذا تمارس الأمومة والتدريس والسياسة. بهذا المنطق، تبدو اختياراتها دائمًا...

للكاتب نفسه

"الإبادة من المسافة صفر" .. الآن!

صفاء عاشور 2025-03-06

هناك ما يمكن تنفيذه في الحال: إنشاء متحف إلكتروني لتخليد الإبادة ضد غزة، حيث يسهل جمع كافة الصور والفيديوهات والشهادات حول الجرائم الإسرائيلية، والحصول على حقوق عرضها، سواء تلك المملوكة...