«غضب» قضاة المغرب يكسر «واجب التحفُّظ»

من بين الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات العديدة التي نظّمها قضاة المغرب في الفترة الأخيرة، كانت وقفة السابع عشر من الشهر الجاري، التي استضافتها محكمة الاستئناف في القنيطرة الأكثر تعبيراً عن المستوى الذي وصلت إليه أحوال الجسم القضائي في المملكة هي ،. وقفة نظّمها «نادي قضاة المغرب» تحت شعار «الغضب». والجمعية شديدة التمثيل للقضاة في البلاد. الجهة التنظيمية كانت راضية
2013-05-22

شارك

من بين الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات العديدة التي نظّمها قضاة المغرب في الفترة الأخيرة، كانت وقفة السابع عشر من الشهر الجاري، التي استضافتها محكمة الاستئناف في القنيطرة الأكثر تعبيراً عن المستوى الذي وصلت إليه أحوال الجسم القضائي في المملكة هي ،. وقفة نظّمها «نادي قضاة المغرب» تحت شعار «الغضب». والجمعية شديدة التمثيل للقضاة في البلاد. الجهة التنظيمية كانت راضية عن حجم المشاركة (مئات القضاة) التي حملت «إشارات قوية على الاحتقان الذي يسود المشهد القضائي». احتقان فنّده أنس سعدون لموقع «المفكرة القانونية» من خلال محاولة العودة إلى جذور الغبن اللاحق بحق القضاة، أكان من نواحي تعرُّضهم الدوري للاعتداء، أو لجهة تدخُّل السلطة السياسية بعملهم، وهو ما يمكن اختصاره بتراخي الجهات المسؤولة في التصدي لحالات الاعتداء على القضاة من ناحية، واستمرار تبعية النيابة العامة لوزارة العدل وللسلطة التنفيذية عموماً من ناحية ثانية.
وكانت سلسلة الاعتصامات القضائية قد عرفت محطة أساسية في مدينة تاونات على اثر اعتداء تعرّض له أحد قضاتها، إلى جانب وقفة أخرى بمحكمة الاستئناف في آسفي، وصولاً إلى الوقفة الوطنية التي نظمها القضاة أمام محكمة النقض حيث رفعوا شعارات مطالِبة بالاستقلال الفعلي والحقيقي للسلطة القضائية. وما كانت «وقفة الغضب» قبل أيام، سوى المحطة الأحدث من الحالة الاعتراضية، حيث ندّد المشاركون فيها بإخلال الدولة بواجبها المتمثل في ضمان الحماية للقضاة من التهجمات والتهديدات أثناء ممارستهم لمهامهم أو بسببها.
موضوع الاعتداءات المتكررة التي يتعرض لها القضاة ظل يدخل ضمن المحرمات المسكوت عنها، لاعتبارات عدة أهمها الرغبة في «الحفاظ على هيبة القضاء من أي خدش»، حتى لو كانت هذه الهيبة موجودة فقط من الناحية النظرية، ثم تكبيل القضاة أنفسهم بقيود ما يسمى بـ«واجب التحفظ»، الأمر الذي منعهم من فضح بعض الممارسات التي تعيق عملهم، هذا فضلاً عن هشاشة الحماية التي توفرها لهم النظم والتشريعات المختلفة والتي تكرس هيمنة واضحة للسلطة التنفيذية، وصولاً إلى غياب تكتلات قضائية نقابية مهنية مستقلة تمثل القضاة ومصالحهم. وعن هذه النقطة بالتحديد، فإنّ إحدى أبرز الإنجازات التي ارتكزت على التعديل الدستوري الأخير في العام 2011، تجسّدت بظهور فاعل جديد وهو «نادي قضاة المغرب»، كأول جمعية مهنية مستقلة للقضاة، ما نتج عنه انخراط واسع للقضاة في ممارسة حقهم في التعبير العلني، وتحوُّلهم من مجرَّد موضوع للإصلاح إلى عنصر فاعل فيه. تطوُّر ساهم في فضْح محاولات التأثير غير المشروع على القضاة، تلوّنت أشكالها وتعدّدت الجهات الصادرة عنها وتفاوتت درجات خطورتها، بين الاعتداءات اللفظية إلى الاعتداءات الجسدية والتهديد بالقتل.
وفي السياق، سمحت بيانات «نادي قضاة المغرب» بتشخيص ظاهرة الاعتداءات المتكررة التي عرفها المشهد القضائي. اعتداءات كان أبطالها أحياناً مواطنين، وأحياناً أخرى مجموعات ضغط سياسية واجتماعية تعهّد «نادي القضاة» بالكشف عنها في التقرير السنوي المقرر صدوره قريباً بمناسبة مرور عامين من المصادقة على الدستور الجديد.
وكان البرلمان المغربي شاهداً على اعتداءات لفظية بحق الجسم القضائي في العديد من الحالات، كصدور تصريحات مسيئة استهدفت في إحدى المرات محكمة الاستئناف في القنيطرة، على خلفية إصرارها الشديد على تطبيق النص القانوني بحذافيره. فجرى كلام على وجود قوائم للقضاة الفاسدين. وبعيداً عن البرلمان، كان القضاة هدفاً لحملات هجومية أخرى بمشاركة بعض وسائل إعلام، فوصفت إحدى الجمعيات القضاة بأنهم «مرضى نفسيون».
وتشدّد أدبيات «نادي القضاة» على أنّ الخطير في مثل هذه الاعتداءات لا يكمن في تنامي ظاهرة الاعتداءات الجسدية واللفظية والسياسية فحسب، إنما أيضاً في الطريقة التي يتم بها التعامل معها، بما أنّ عدم اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة من طرف الجهات المسؤولة يشجع على تكرارها، بل ويُعَد تقصيراً من شأنه التأثير سلباً على هيبة القضاء، وتهديداً خطيراً لاستقلالية القضاة. تجاوزات تتجاهل المقتضيات القانونية التي يضمنها الفصل 20 من النظام الأساسي للقضاة، والذي ينصّ على أن الدولة تحمي القضاة ممّا قد يتعرّضون إليه من تهديدات وتهجّمات وسبّ وقذف ضمن مقتضيات القانون الجنائي والقوانين الخاصة الجاري العمل.
ويمكن في السياق التذكير بواقعة عرفتها المحكمة الابتدائية في طاطا، حيث استدعت المفتّشية العامة لوزارة العدل قاضياً للنيابة العامة لمحاسبته بسبب تصدّيه لحالة اعتداء تعرّض لها قاضٍ آخر في المحكمة التي يعمل بها.

(عن المفكرة القانونية)
http://www.legal-agenda.com