الفلاحون وفن الزراعة

لا يزال الفقر العالمي، اليوم، ظاهرةً ريفيّة إلى حدّ بعيد، إذ يمثّل فقراء الريف ثلاثة أرباع فقراء العالم. ولذلك ترتبط مشكلة الفقر العالمي وتحدّي إنهائه، بما يمثّله من قضية متعدّدة الأبعاد (اقتصادياً، وسياسياً، واجتماعياً، وثقافياً، وجندرياً، وبيئياً، إلخ)، ذلك الارتباط الوثيق بمقاومة البشر العاملين في الريف للمنظومة التي تولّد شروط الفقر الريفي ونضالات فقراء الريف من أجل سبل عيش مستدامة، ولا تني تعيدُ إنتاج تلك الشروط والنضالات.
2025-05-29

شارك
غلاف كتاب "الفلاحون وفن الزراعة"

من منصة "شبكة سيادة"

كتاب "الفلّاحون وفن الزراعة: بيان تشايانوفي" للكاتب يان داو فان دِر بلوخ (Jan Douwe van der Ploeg)، وهو أستاذ فخري في جامعة فاجينينجن في هولندا، وأستاذ مساعد في كلية العلوم الإنسانية ودراسات التنمية في جامعة الزراعة الصينية في بكين. الكتاب من ترجمة ثائر ديب ومهيار ديب، وصادر عن "سلسلة التغير الفلاحي والدراسات الفلاّحية" الصادرة بدورها عن "مبادرات في الدراسات الفلاّحية النقدية". والنسخة العربية من إصدار شبكة «سيادة» والمعهد العابر للقوميات.

تعريف بسلسلة التغيّر الفلاحي والدراسات الفلّاحية

تنشر سلسلة التغيّر الفِلاحي والدراسات الفلّاحية التي تصدرها "مبادرات في الدراسات الفلّاحية النقدية" (إيكاس) كتباً صغيرةً حديثةً تتناول قضايا كبيرة، يشرح كلٌّ منها قضية تنموية محددة انطلاقاً من أسئلة أساسية. من بين هذه الأسئلة: ما القضايا الراهنة في الموضوع المعني وما الجدالات الجارية حوله؟ من هم الباحثون/ المفكّرون وممارسو السياسات الأساسيون؟ كيف ظهرت المواقف وتطورت بمرور الزمن؟ ما المسارات المستقبلية الممكنة؟ ما المواد المرجعية الأساسية؟ ما الذي يجعل من المهم أن ينكبّ أعضاء المنظمات غير الحكومية، وناشطو الحركات الاجتماعية، وهيئات المعونة الإنمائية الرسمية والهيئات المانحة غير الحكومية، والطلاب، والأكاديميون، والباحثون وخبراء السياسات ذلك الانكباب النقدي على النقاط الأساسية المشروحة في هذا الكتاب، وكيف تتجلّى هذه الأهمية؟ ويجمع كلّ كتاب بين النقاش النظري، سياسيّ التوجه، والأمثلة التجريبية من خلفيات قومية ومحلّية شتى.

يربط الموضوع الرئيس في سلسلة الكتب هذه، أي "التغيير الفلاحي"، بين الباحثين والناشطين وممارسي التنمية من شتّى التخصصات ومن جميع أنحاء العالم. ويَرِدُ "التغيير الزراعي" هنا بأوسع معانيه، ذاك الذي يشير إلى عالم ريفي زراعي غير منفصل عن قطاعات وجغرافيات أخرى، صناعية وحضرية وسواها، بل يُؤخذ في سياقها. والتركيز هو على المساهمة في فهمنا ديناميات "التغيير"، بمعنى تأدية دور ليس في (إعادة) تفسير العالم الزراعي بطرائق مختلفة فحسب، بل في تغييره أيضاً، مع انحياز واضح إلى الطبقات الكادحة، إلى الفقراء. لقد غيّرت سيرورةُ العولمة النيوليبرالية المعاصرة العالمَ الزراعي على نحو عميق، الأمر الذي يتطلّب طرائقَ جديدة في فهم الشروط البنيوية والمؤسسية، كما يتطلّب رؤى جديدة في كيفية تغييرها.

"مبادرات في الدراسات الفِلاحية النقدية" هي جماعة عالمية النطاق من الباحثين المتقاربين في التفكير وممارسي التنمية والناشطين الذين يعملون على قضايا زراعية. وهي أساس مشترك، وفضاء مشترك لجميع هؤلاء. وهي مبادرة تعددية، تتيح تبادلاً حيوياً لوجهات نظر من منظورات أيديولوجية تقدمية مختلفة. وتلبّي الحاجة إلى مبادرةٍ تقيم الصلات بين الأكاديميين وممارسي التنمية ونشطاء الحركات الاجتماعية وتركّز عليها: بين شمال العالم وجنوبه، وبين جنوبه وجنوبه، بين القطاعات الريفية الزراعية والحضرية الصناعية، بين الخبراء وغير الخبراء. وتدافع "مبادرات في الدراسات الزراعية النقدية" عن إنتاج للمعرفة مشترك يتبادل الإسناد وعن تقاسم لهذه المعرفة يتبادل المنفعة. وهي ترتقي بـ التفكير النقدي، ما يعني مساءلة الافتراضات التقليدية، والفحص الناقد للمقترحات الرائجة، ووضع طرائق جديدة للمساءلة، وطرحها ومتابعتها. وترتقي كذلك بـ البحث والعلم الملتزمين، ما يؤكّد على بحث وعلم لافتين أكاديمياً ومهمّين اجتماعياً ومنطويين على الوقوف في صفّ الفقراء.

تدعم المنظمة المشتركة بين الكنائس للتعاون الإنمائي (ICCO)، في هولندا، سلسلة الكتب هذه مالياً. محرّرو السلسلة هم ساتورنينو م. بوراس الابن وماكس سبور وهنري فلتماير. تتوفّر العناوين الموجودة في السلسلة بلغات عديدة.

تعريف بالكتاب "الفلّاحون وفن الزراعة"

الفلاحون وفن الزراعة ليان داو فان در بلوخ هو الكتاب الثاني في سلسلة كتب التغيّر الفلاحي الصادرة عن "مبادراتٌ في الدراسات الفلاحية النقدية"، إذ كان الأول كتاب هنري برنستين الطبقة والتغيّر الفلاحي. يليق بكتاب يان داو بالفعل أن يكون المتابعة المثلى لكتاب هنري. إذ يعيد هذان الكتابان، معاً، التأكيد على ما لعدسات الاقتصاد السياسي الزراعي التحليلية من أهمية وشأن استراتيجيين في الدراسات الزراعية الراهنة. وهذا ما يَعِدُ، إلى جانب النوعية الرفيعة عالمية المستوى، بأنّ الكتب التالية في السلسلة سوف تكون ذات شأن سياسياً ومتّسمة بالصرامة علمياً.

يساعدُ عرضٌ موجزٌ لسلسلة كتب التغيير الزراعي في وضع كتاب يان داو الحالي في سياق علاقته مع المشروع الفكري والسياسي لـ"مبادراتٌ في الدراسات الزراعية النقدية".

لا يزال الفقر العالمي، اليوم، ظاهرةً ريفيّة إلى حدّ بعيد، إذ يمثّل فقراء الريف ثلاثة أرباع فقراء العالم. ولذلك ترتبط مشكلة الفقر العالمي وتحدّي إنهائه، بما يمثّله من قضية متعدّدة الأبعاد (اقتصادياً، وسياسياً، واجتماعياً، وثقافياً، وجندرياً، وبيئياً، إلخ)، ذلك الارتباط الوثيق بمقاومة البشر العاملين في الريف للمنظومة التي تولّد شروط الفقر الريفي ونضالات فقراء الريف من أجل سبل عيش مستدامة، ولا تني تعيدُ إنتاج تلك الشروط والنضالات. وهذا ما يُبقي الاهتمام بالتنمية الريفية والتركيز عليها أمرًا في غاية الأهمية بالنسبة إلى التفكير التنموي. لكنَّ الاهتمام والتركيز هذين لا يعنيان فكّ ارتباط القضايا الريفية عن القضايا الحضرية. ويتمثّل التحدي في أن نفهم على نحو أفضل ما بينهما من صلات، الأمر الذي يعود في جزء منه إلى أنَّ سبل الخروج من فقر الريف معبّدة بالسياسات النيوليبرالية وبجهود المؤسسات المالية والتنموية العالمية السائدة التي تقود الحرب على الفقر العالمي وتكتفي، إلى حدّ بعيد، بإحلال أشكال من الفقر الحضري محلّ أشكال الفقر الريفي.

يحظى التفكير السائد في الدراسات الزراعية بتمويلٍ سخيّ، ما مكّنه من السيطرة على إنتاج الأبحاث والدراسات في القضايا الزراعية ونشرها. كذلك تمكّن كثير من المؤسسات (كالبنك الدولي) التي تدعو إلى هذا النوع من التفكير، من اكتساب مهاراتٍ في إنتاج منشوراتٍ ذات توجه سياسيّ، سهلة المنال إلى أبعد حدّ، والترويج لها، ونشرها على نطاق عالمي واسعٍ. وبوسع المفكّرين النقديين في المؤسسات الأكاديمية البارزة تحدي هذا التيار السائد بطرائق عديدة، وهم يقومون بذلك، لكنّهم محصورون في الأوساط الأكاديمية ذات الانتشار والتأثير الشعبيين المحدودين.

تبقى هنالك هوّة كبيرة بين الجنوب والشمال العالميَين من حيث تلبية حاجة الأكاديميين (المدرّسين والباحثين والطلاب) ونشطاء الحركات الاجتماعية وممارسي التنمية إلى كتب في الدراسات الزراعية النقدية تكون صارمة علمياً، لكنها ميسّرة، ورخيصة الثمن، ولها أهميتها السياسية وتوجّهها السياسي. واستجابةً إلى هذه الحاجة، تُطلق "مبادراتٌ في الدراسات الزراعية النقدية" هذه السلسلة من الكتب الصغيرة "الحديثة" التي يشرح كلٌّ منها قضية تنموية محددة انطلاقًا من أسئلة أساسية. من بين هذه الأسئلة: ما القضايا الراهنة في الموضوع المعني وما الجدالات الجارية حوله؟ من هم الباحثون/ المفكّرون وممارسو السياسات الأساسيون؟ كيف ظهرت المواقف وتطورت بمرور الزمن؟ ما المسارات المستقبلية الممكنة؟ ما المواد المرجعية الأساسية؟ ما الذي يجعل من المهم أن ينكبّ أعضاء المنظمات غير الحكومية، وناشطو الحركات الاجتماعية، وهيئات المعونة الإنمائية الرسمية والهيئات المانحة غير الحكومية، والطلاب، والأكاديميون، والباحثون وخبراء السياسات ذلك الانكباب النقدي على النقاط الأساسية المشروحة في هذا الكتاب، وكيف تتجلّى هذه الأهمية؟ ويجمع كلّ كتابٍ بين النقاش النظري، سياسيّ التوجه، والأمثلة التجريبية من خلفيات قومية ومحلّية شتى.

____________
من دفاتر السفير العربي
مسألة الأرض
____________

سوف تتوفّر سلسلة كتب التغيير الزراعي بلغاتٍ عدّة، بثلاث لغات على الأقلّ مبدئياً إضافةً إلى الإنجليزية، هي الصينية والاسبانية والبرتغالية. الطبعة الصينية بشراكةٍ مع كلية الإنسانيات والتنمية في جامعة الصين الزراعية في بكين وبتنسيق يي جينغزونغ، والطبعة الاسبانية بشراكة مع برنامج الدكتوراه في دراسات التنمية في جامعة زاكاتيكاس المستقلة في المكسيك وبتنسيق راول دلغادو وايز، والطبعة البرتغالية بشراكة مع جامعة ولاية ساو باولو، حرم بريزيدينتي برودينتي في البرازيل بتنسيق بيرناندو مانشانو فيرنانديز.

مع هذا الشرح لسياق سلسلة الكتب وأهدافها، يغدو من السهل أن يُفهَم لماذا نسعد ونتشرّف بأن يكون كتابا هنري بيرنستين ويان داو فان در بلوخ أوّل كتب السلسلة وثانيها على التوالي. فهما يتلاءمان تمام التلاؤم في الموضوع وسهولة المنال والأهمية والصرامة. نحن متحمّسون ومتفائلون حيال المستقبل الباهر لهذه السلسلة من الكتب!

  • ساتورنينو م. بوراس الابن، ماكس سبور، هنري فيلتماير
    محررو سلسلة كتب "مبادراتٌ في الدراسات الزراعية النقدية"