إعداد وتحرير: صباح جلّول
اسمها ورد الشيخ خليل، عمرها 5 سنوات. قضت أمها وإخوتها يوم 25 أيار/مايو، في قصف على مدرسة فهمي الجرجاوي، حيث نزحوا، في قطاع غزة. قضوا حرقاً، وظهرت هي تركض مذعورة، وحيدة، بين ألسنة اللهب، محاوِلة إيجاد برّ أمان. ونجت وحيدةً (أنقول "نجَت" دون خجلٍ أو حرج؟!)...
هنا يتوقف الكلام. لا شيءَ يُضاف إلى الأهوال التي تقولها الصورة – تلكَ الكافية لإحراق عيون الكوكب.
قبل هذا بيوم، استقبلت الطبيبة آلاء النجار تسعة من أطفالها جثامين متفحمة أثناء نوبتها في مجمّع ناصر الطبي. مجدداً، لا إضافات كلامية هنا. لوصف الرعب والفظاعة، يكفي قراءة الخبر في الجملة السابقة، كما هو، بلا مجازات وأشعار... كلّ إضافةٍ تبدو فائضة، وربما وقحة..
600 يوم من الإبادة. صاروا 600! فماذا نحن فاعلون؟
***
عرضنا الأسبوع الماضي في هذه الزاوية مجموعة من أنشطة الرفض والاحتجاج الشعبية والفردية حول العالم، ضد المحرقة التي ترتكب في غزة. منذ ذلك الحين إلى الآن، استمرّ غليان الشوارع، في ظلّ برودة أروقة السياسة وعقم المفاوضات ونِفاق العالم. نستكمل استعراض بعض ما جرى مذّاك إلى اليوم، لا لأنّ هذه المحاولات والمقاومات ستُحدث أثراً سحرياً فورياً ينتشل غزّة من بين براثن الوحش، ولكن لأنها مقاومات صغيرة وكبيرة، تُراكِم وعياً وعملاً بأيدي الناس ليس لنا في هذه اللحظة الحالكة سواه.
مظاهرات حاشدة في نابولي ولندن وباريس وبروكسل
فاز نادي نابولي لكرة القدم بالدوري الإيطالي يوم 23 أيار/مايو 2025، فخرجت احتفالات صاخبة في المدينة شارك فيها الآلاف، وكان نجمها غير المتوقع: العلم الفلسطيني. وجهت الجموع رسائل تضامن مع غزة.
كتبوا على علم فلسطيني كبير: "نابولي من أجل غزة" (Napoli 4 Gaza)، وكتبوا من ضمن شعاراتهم أن "البطولة ليست بعدد الأهداف، ولكن في المواقف الأخلاقية التي نتخذها".


في لندن، ارتفع الهتاف يومي السبت والأحد في 24-25 أيار/مايو: "أولاً: نحن الناس! ثانياً: لن نصمت! ثالثاً: أوقفوا القصف، الآن، الآن، الآن، الآن!"
وفي لندن أيضاً، مشهدٌ لجَمعٍ من 20 ألف شخص في حديقة وسط المدينة، يهتف بصوت واحد "الحرية لفلسطين"، خلال مهرجان "وايد أوايك" (Wide Awake) الموسيقي. تحدّت فيه فرقة الهيب-هوب الأيرلندية "نيكاب" (Kneecap) تهم الإرهاب التي وجهتها شرطة لندن ضدّ مغنيها ليام أوهانا[1]. كانت الفرقة أدّت أغانيها مؤخراً في مهرجان "كوتشيلا" الشهير في كاليفورنيا، حيث عرضوا كلمات "إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني"، واعتبرتْ أن السلطات البريطانية إنما تريد أن تجعل منهم "عِبرة" للآخرين بواسطة تِهَم الإرهاب، لا لشيء إلا بسبب كلامهم المستمر عن حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة على كلّ المنصات.
غرنيكا غزة
27-03-2025
"ضمير العالَم" تحت القصف الإسرائيلي
08-05-2025
"نحن من غرب بلفاست ومدينة ديري. لقد احتلّنا البريطانيون، لكن كلنا نعرف أن هناك احتلالاً أسوأ بأشواط الآن في فلسطين"، قال أوهانا على المسرح. "صدقوني يا رفاق، أتمنى لو لم أضطر لفعل هذا، لكن العالَم لا يستمع. العالم بحاجة لرؤية تضامن 20 ألف شخص في حديقة بلندن يهتفون: "الحرية لفلسطين!""، تابع مغني فرقة "نيكاب"، قبل أن يتردد صدى الهتاف عالياً في حديقة بروكويل، في حفلٍ أهديت أرباحه لمنظمة أطباء بلا حدود، لدعم الجهود الطبية في غزة.
- وفي باريس، شهدت ساحة الجمهورية يوم الأحد في 25 أيار/مايو على هتاف: "نحن جميعاً أبناء غزة!"، وذلك في مظاهرة حاشدة، بدعوة من حزب "فرنسا الأبية" اليساري ومنظمات مدنية مناصرة لفلسطين وجمعيات طلابية متعددة.

وعلى الرغم من تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخراً التي تشي بشيء من تغيّر في النبرة بخصوص جرائم الاحتلال في غزة، إلا أن المتظاهرين اتهموا الرئيس الفرنسي بالتواطؤ مع الإبادة ووصفوا كثر تصريحاته بالفارغة، مطالبين بدلاً منها تحرّك الحكومة الفرنسية باتخاذ قرارات بفرض عقوبات على إسرائيل، والتوقف عن تزويدها بالسلاح وسحب سفيرها من تل أبيب، وبالطبع وقف الإبادة ورفع الحصار عن غزّة بشكل فوري.
- في العاصمة البلجيكية بروكسل أيضاً، تحوّلت فعاليات "أسبوع موسيقى الجاز" إلى هتاف من على خشبة المسرح وإلى مسيرات تجوب الشوارع.
شاركت صفحة الناشطين من أجل فلسطين في بروكسيل، واسمها "ليس الأمر معقّداً – بروكسيل" (في إشارة إلى وضوح الحقّ والباطل في مسألة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين)، نصاً عن مسيرات أسبوع الجاز، هذا بعض ما جاء فيه:
"هذه أصداء أطفالٍ ذُبحوا، وعائلاتٍ قُصفت، وشعبٍ مُحي، بينما لا تزال الحكومات الغربية غارقةً في الدماء. إنهم يُسلّحون القتلة. إنهم يُموّلون الاحتلال. إنهم يمنحون الحصانة والغطاء السياسي والروابط الاقتصادية لنظامٍ ذبح الفلسطينيين على مدى 77 عاماً (...) لكن حقيقة فلسطين لا يُمكن إسكاتها. تحريرهم ليس مجرد مناشدة، بل هو أمرٌ حتمي (...)".
***
الإبادة مستمرة. الشوارع العربية تكاد لا تشهد تحركاتٍ شعبية تُذكر، في بلدان مُفرَغة من السياسة، مكويّة الوعي، تتباهى أثراها بكرمها – لا، ليس على غزة، بل بالمليارات التي تغدقها على ترامب لتأمن شرّه. هذه دعوةٌ متجددة للغضب في الشوارع، للتبرع بالمال والمجهود، وإذا كان لا بدّ للحياة من أن تستمر (في مباراة كرة قدم أو حفل موسيقي أو غيرها) فهي دعوة على الأقل لتحويل كلّ مناسبة عادية إلى فرصة للتذكير بما هو غير عادي، بما تلفظه إنسانيتنا، برفض الإبادة والضغط، في كل مكان، لإنهائها.
- على خلفية رفعه علم حزب الله اللبناني لثوانٍ في إحدى حفلات الفرقة في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، اتهمت شرطة لندن مغني الراب ليام أوهانا بالإرهاب، على الرغم من أن الفرقة – المعروفة بتقصد الاستفزاز السياسي في كل مسيرتها الفنية - نفت أية صلة بأي من الجهات وأكدت الانحياز للمقاومات والشعوب. ↑