إعداد وتحرير: صباح جلّول
في مقال في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، كتب الصحافي الإسرائيلي تسفي بَرئيل عن سياسة نتنياهو الحالية في تجويع الغزيين وأهدافه المعلنة والمضمرة. يقول برئيل أن الهدف هو إيصال الغزيين إلى مرحلة تدخل بعدها "مساعدات" محدودة إلى مناطق ( نص المقداد عن مخطط الاذلال وهو قبل الاخير) يحددها الاحتلال الإسرائيلي، فيضطر الغزيون إلى السفر "عدة كيلومترات"، على حدّ تعبيره، للحصول على الطعام. وهكذا يكون التجويع أداة لوجستية لتجميعهم في نقاط محددة جنوب القطاع، بحيث يصير نقلهم إلى أماكن أخرى – كمصر ربما - ممكناً. بل إن الإسرائيليين يعوّلون على حدوث ذلك تلقائياً بعد تجميع مليوني شخص قرب مراكز الطعام في مساحة شديدة الضيق، بحيث لا يبقى لهم سوى الخروج إلى حيث يمكن الخروج، وتفريغ قطاع غزة من أهله.
هذه الإفكار "الإبداعية" المرعبة هي من اختصاص الإسرائيليين الذين وصلوا لاستنفاد إمكانيات سلاح التجويع إلى حدها الأقصى. لهذا تُغلَق المعابر والحدود وتنتظر أطنان المساعدات الغذائية والحيوية والطبية عند الحدود تحت الشمس الحارقة دون طريقة للنفاد إلى القطاع. وربما لهذا بدأت أصوات بعض القادة الأوروبيين تطلع فجأة، منتقِدة الحصار الإسرائيلي المطبِق على غزة وملوّحة بالعقوبات، بعد ما يقارب عاماً و8 أشهر من الصمت على الإبادة، بل الدعم بالمواقف والسلاح والتبرير والمشاركة عملانياً في الجريمة.
رسالة من غزة: الوقت من دم!
19-05-2025
في هذه الأثناء، يصل الإرهاق في أهل غزة حده الأقصى. يشارك كثر إحساسهم بأن هذه الأيام الأخيرة من القصف الوحشي بأسلحة لم يشهدوا مثيلاً لها تُذكّرهم بأيام الحرب الأولى الأشرس. وأمام كلّ هذا، يصل العجز بنا – الشهود على المقتلة – إلى أقصاه، وكذلك تتضاعف مسؤولياتنا، نحن الذين لا نواجه جوعاً وإبادة، وندّعي الاهتمام بما هو أخلاقي وإنساني، إلى أقصى حدّ.
فكما ثمة أناس كثيرون يختارون اللامبالاة، يندفعُ كثر إلى محاولة إحداث تغيير بما يستطيعون من سبل المقاومة حول العالم، وكلّها يبدأ بـِ "لا للامبالاة"!
هناك بالطبع عشرات حملات جمع التبرعات، ومئات آلاف المتبرعين من حول العالم، وهناك عمل إنساني ومجتمعي من داخل غزّة نفسها، يعي حاجات القطاع وأهله ويعمل على أساسها، مثل حملة الإحسان التطوعية المستقلة، والمحمولة بجهود شابات وشبان يسعون، إلى جانب سعيهم الدائم لتأمين احتياجات أهلهم خلال هذه الإبادة، إلى تأمين ما يستطيعون من حاجات الناس كذلك.
وإلى جانب الحملات الكثيرة الصادقة، ثمة سوق كبيرة للكذب والنهب والاحتيال، باسم مأساة الغزيين وعلى ظهورهم. ثمة حملات وصفحات جمع تبرعات كثيرة لا هدف لها سوى السرقة عبر انتحال صفة صحافيين أو مؤثرين، وادّعاء جمع المال بهدف توزيع المساعدات، مما يستوجب الحذر عند اختيار جهات بعينها للتبرع، لكن دون الإحجام عن التبرع بحجّتها، فيما تنتظر الغالبية العظمى من هذه التبرعات أصلاً الدخول إلى القطاع في ظل الحصار الصهيوني المطبِق.
خُطط توزيع المُساعدات لغزّة.. هندسة الإذلال
08-05-2025
وسط الظلام الدامس، تستمر اندفاعة الصادقين لكسر الحصار والمطالبة بوقف الإبادة. ولأن هذا واجب وضرورة بالدرجة الأولى، ولأن الإضاءة على هذه الأمور تنفض، ولو شيئاً يسيراً، من فكرة العجز واليأس ثانياً، ولعلها تحفِّز آخرين على ما يماثلها، فهذه أمثلةٌ حيّة عن صنوف مقاومات تحدث وحدثت في الأيام الأخيرة فقط حول العالم...
*****
أكثر من 100 ألف إنسان في لاهاي ينادون بوقف الإبادة
فاضت شوارع لاهاي في هولندا باللون الأحمر. يوم 18 أيار/ مايو 2025، سار أكثر من 100 ألف شخص في أكبر مظاهرة شهدتها شوارع هولندا منذ 20 عاماً، بحسب منظمة "أوكسفام نوفيب". المسيرة نظّمها مواطنون ضاقوا ذرعاً برفض حكومتهم رسم "خط أحمر" لإسرائيل، فنزلوا إلى الشارع بشعار "نحن الخط الأحمر". شارك في تنظيم المسيرة عدة منظمات إلى جانب مواطنين مستقلين، مثل منظمة أطباء بلا حدود، وأوكسفام نوفيب، ومنظمة إنقاذ الطفولة، والعفو الدولية وغيرها.
عن المسيرة، كتبت الناشطة المغربية-الهولندية بثينة عزابي: "أراقب من بعيد، فأرى أصدقاء وأحباء وغرباء متحِدين - يرتدون الأحمر، يسيرون كرجل واحد. وأذرف دمعة. دمعة من أجل غزة. دمعة من أجل كل طفل، كل أم، كل حياة سُلِبت. دمعة من أجل الصمت المطبِق الذي لا يزال الكثيرون يلتزمونه. ولكنها أيضاً دمعة فخر، لأن شعبنا قال اليوم، بصوت عالٍ، واضح، لا يتزعزع: "أوقفوا الإبادة الجماعية. أنهوا الاحتلال. الآن".
إحياء ذكرى النكبة في برلين تحت الهراوات
خرج آلاف المتظاهرين إلى شوارع برلين لإحياء الذكرى السابعة والسبعين للنكبة الفلسطينية، واحتجاجاً على دعم ألمانيا للإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة للفلسطينيين في غزة. قوبلت التظاهرة بقمع شديد وبلطجة لا تنفكّ تزداد توحشاً، اعتاد عليها كلّ من يُعْلي صوته في ألمانيا من أجل فلسطين. ألقي القبض عن 88 متظاهراً على الأقل، واستخدمت الشرطة الهراوات والعنف ضد المتظاهرين لمجرد رفعهم شعارات ضد الدولة الألمانية والاحتلال الإسرائيلي. وكالمعتاد، كرروا النكتة السخيفة التي لم تعد تنطلي إلا على الأغبياء، باتهام المتظاهرين – ومنهم يهود - بمعاداة السامية، فأُوقفت متظاهرة يهودية لحملها يافطة كتب عليها "ناميبيا-أوشفيتز-غزة. ألمانيا على الجانب الخطأ من التاريخ".
من مظاهرة 15 أيار/مايو 2025 في ذكرى النكبة. على اليمين: متظاهرات تحملن يافطة تقول "أسلحة "إلبيت" (شركة صناعة الأسلحة).. مصنّعة في "أولم" (مدينة ألمانية)، وقاتِلة في فلسطين". على اليسار: متظاهرة تحمل يافطة "ألمانيا مجدداً على الجانب الخطأ من التاريخ". (الصور من صفحة المصوّر طارق م. سليمان على انستغرام).
ثلاث نساء ايرلنديات هاجمن طائرة حربية
اقتحمت ثلاث نساء مطار شانون في أيرلندا ورششن طلاءً أحمر على طائرة حربية أميركية، وقد حملنَ علماً ايرلنديا كُتب عليه "الجيش الأميركي إلى خارج ايرلندا المحايدة".
تعتبر المجموعة الناشطة هذه الطائرات الحربية واحدة من الموارد الرئيسية المستخدمة في الإبادة الجماعية لغزة، وتعلن بوضوح "يجب منعها". سمّت المجموعة عمليتها "قرع أجراس الإنذار"، وهدفها تعطيل آلات الحرب خلال أسبوع النكبة الفلسطينية، حسب تعبيرهنّ في منشور على انستغرام.
مسؤوليت(نا)!
10-04-2025
تطلب النساء الدعم لهنّ في مطار شانون، وفي كل مكان لعرقلة آلات الحرب التي "تحمل جنوداً وأسلحة ومعدات عسكريةً تُرتكب بها جرائم الحرب في فلسطين واليمن والعديد من مناطق الحرب الأخرى التي تتورط فيها الولايات المتحدة. هذا يتعارضُ مباشرةً مع الحياد الأيرلندي وإرادة الشعب الأيرلندي"، يقول بيانهنّ، "مطلبنا واضح: الجيش الأمريكي خارج شانون!"...
في بيان آخر، يدعو الناشطون الأيرلنديون إلى حماية النساء من العقوبة، ويتوجه للناس بالقول: "إن أفضل طريقة لإحداث فرق هي أن يقوم الإنسان بنفسه. العمل المباشر هو السبيل لإيقاف آلة الحرب، فلا تقفوا مكتوفي الأيدي بينما يُباد شعب فلسطين! انضموا إلى حركة فلسطين في أيرلندا اليوم وأحدثوا فرقاً".
طلاب الجامعات الأميركية يستغلون منابر التخرج
على الرغم من الترهيب الهائل في الولايات المتحدة، بعد شهور ثار فيها طلاب الجامعات بالآلاف، مطالبين جامعاتهم بقطع العلاقات مع الجامعات ومراكز البحث الإسرائيلية، واتخاذ مواقف صريحة ضد الإبادة، وعلى الرغم من العواقب الوخيمة التي تنتظر المتمردات والمتمردين، كما في قضية الطالب الفلسطيني محمود خليل الذي أحيل إلى المحكمة، وحُكم عليه بالترحيل من الولايات المتحدة، إلا أن الصوت الطلابي ارتفع من جديد.
في جامعة جورج واشنطن، اعتلت الطالبة "سيسيليا كولفر" المنبر في حفل تخرجها لتقول: "لا أستطيع الاحتفال بتخرجي دون أن يُثقِل قلبي عدد الطلاب في فلسطين الذين أُجبروا على التوقف عن دراستهم، وطُردوا من ديارهم، وقُتلوا لمجرد بقائهم في وطن أجدادهم. قد يكون من السهل تجاهل الأهوال التي تتكشف في نصف العالم لمن يفتقرون إلى الشجاعة الأخلاقية. أما نحن، فتدفعنا هذه الفظائع إلى إعادة النظر في تهاوننا مع النظام الإمبريالي. أشعر بالخجل من معرفة أن رسومي الدراسية تُستخدم لتمويل الإبادة الجماعية. سأكرر ذلك: أشعر بالخجل من معرفة أن رسومي الدراسية تُستخدم لتمويل هذه الإبادة الجماعية...". أنهت سيسيليا خطابها بالقول "لن يتحرر أحد منا حتى تتحرر فلسطين".
وفي جامعة نيويورك، انتهز لوغان روزوس فرصة كونه الطالب المتفوق الذي وقع عليه الاختيار لإلقاء خطاب التخرج، للامتناع عن إلقاء أي خطاب، ولقول جملتين تلخصان بالنسبة له كل ما ينبغي أن يقال:
"لا أرغب في التحدث عن آرائي السياسية اليوم، بل بالنيابة عن جميع أصحاب الضمائر الحية، جميع من يشعرون بالضرر المعنوي الناجم عن هذه الفظائع... إن الشيء الوحيد المناسب قوله في هذا الوقت، ولمجموعة من الناس بهذا الحجم، هو الاعتراف بالفظائع التي تحدث حالياً في فلسطين".
مع كل كلمة، كانت صيحات التأييد والتصفيق الحار والهتاف تعلو في القاعة، ليواجه روزوس من بعدها ما سمته الجامعة "إجراءات تأديبية"، هي فعلياً ترهيب وإسكات لحرية الرأي، تمثلت بمهزلة حجب شهادة تخرجه، وسط مطالبات الطلاب وبعض أعضاء الهيئة التدريسية بمنحه شهادته المستحقة.

حدث هذا كله وسواه خلال أسبوع النكبة وفي الأيام الأخيرة فقط. كل هذه المحاولات الفردية والجماعية، والصغيرة والكبيرة، يحركها شعور ناسٍ من خلفيات شديدة التنوع بالظلم والقهر والمسؤولية لفعل شيء، لفكّ الحصار، لإنهاء الإبادة، لاقتراح عالمٍ مختلف وإنسانية لا يحصل فيها كل هذا..