مساء الخير، نحنُ بخير، لا زلنا أحياءً، أو كما نقول لمن يسأل دائماً "لسّه عايشين".
الوضع حالياً هو الأصعب منذ 8 أكتوبر، أي منذ بداية الحرب، وهو الأقسى. شدّة القصف وصعوبته تفوق تلكَ الأيام، أعداد الشُهداء كبيرة جداً. هذه الليلة استيقظنا على اكثر من 130 شهيداً، المؤلم أن أغلبهم عائلات بأكملها، من الجد إلى الأب والأبناء والأحفاد، عدا عن استشهاد خمسة صحافيين في ليلةٍ واحدة. الليلة كانت صعبة. الليالي الثلاث الأخيرة هي الأصعب، لكن كُل ليلة تأتي تكون أصعب من سابقتها، أي ليلة الأحد كانت أصعب من ليلتيْ الجُمعة والسبت. القصف ليس بعيداً عن منزلنا. قصف في كلّ مكان، وطوال الليل لا نعرف النوم مع شدّة القصف، سواء بالمدفعية أو الطيران أو الزوارق البحريّة.
في داخل القطاع، الوضع صعب جداً، الطعام شحيح للغاية، البضائع القليلة الباقية أسعارها مرتفعة بشكل خيالي. مثلاً البيض كان الطبق الكامل منه يُباع ب12 شيكل قبل الحرب، الآن تُباع البيضة الواحدة بـ 15 شيكل. أي ضعف الثمن بـ37 مرّة. كذلك يُقاس الأمر على أشياء أخرى أساسية: السكر، القهوة، الطحين الغالي جداً جداً، والمعدوم، والذي يزيد غيابه من المجاعة.. الطماطم، الخضروات بمختلف أنواعها. طبعاً لا يوجد لحوم بتاتاً ولا فواكه، وهذه أصلاً من المُستحيلات الآن بعد 87 يوماً من الحصار وإغلاق المعابر.
أغلب التكيات ومراكز توزيع الطعام، توقّفت، وهي بالأصل لا تُقدم طعام جيّد وطعامها عادةً تقليدي وبسيط وخفيف، وغير مُغذي بالشكل الكافي. توقفت أيضاً، على الرغم من أن الناس كانت تعتمد عليها بالكامل. وبالتالي خسرت فرصة الطعام اليومي عشرات الآلاف من الأسر الفقيرة وذات الوضع الصعب، التي لا تستطيع شراء بضائع غالية الثمن.
الأغلب منّا يعتمد على ما تبقى من طعامٍ قام بتخزينه في بداية عودة الحرب، حين كانت الأسعار معقولة. ومن لا يستطيع فهو يدفع مبالغ هائلة، عدا عن الناس الكثيرين الذين لا فرص عمل لهم، ولا أموال، بالتالي لا قُدرة لديهم على التخزين، وهو ما يعني أنهم جائعون. غالباً كلنا نجوع في الليل خصوصاً، فنحن نحاول توفير الطعام الباقي للأيام اللاحقة. فمثلاً بدل من أن أكل رغيفاً في المساء سأفضّل النوم جائعاً كي يبقى الرغيف لطعام اليوم التالي، بالتالي أوفّر الطحين لوجبة أُخرى، وهكذا مع كُل شيء.
العمل الخيري والإنساني، متوقف نهائياً.. أولاً لا يوجد مساعدات ولا بضائع في البلد، وحتى إن توفّر مبلغ مالي لتوفير مساعدات محلية، فهي غالية جداً، ثمنها خيالي. وسبب آخر لذلك، موضوع العمولات على السحب النقدي، فلا بنوك، ولا قُدرة على توفير المبالغ "الكاش"، هذا يجعل أموالنا في البنوك، وعندما نُريد أن نحولها لشخص كي يُعطيها لنا "كاش"، أصبحوا يأخذون ما يُقارب 30 في المئة من قيمة المبلغ. أي أنني لو أردت سحب 1000 دولار، سيأخذ الصرّاف أو التاجر منها 300! وهؤلاء الفئة المستغلِّة والمتحكرة، تستحوذ على ما لدينا.
العمل الوحيد المستمر إلى الآن في مُساعدة الناس، هو توزيع المياه على المواطنين، في ظل أزمة المياه المُحلّاة، وتكلفة سيارة المياه الواحدة وصلت الى 800 شيكل، بعد أن كانت لا تزيد عن 50.
ميدانياً في الشارع والحياة الوضع خطير. قد تكون في الشارع تمشي، يُقصَف بجانبك شخص أو يسقط صاروخ قُربك. هذا الأمر أصبح مُرعباً. تذهب لشراء شيء أو للحصول على الطعام لعائلتك، فتعود إليها شهيداً محملّاً. شخصياً، أصبحت مهووساً، أتجنب المرور بتجمعات المواطنين، أو البسطات، أو بين عدد كبير من الناس، خوفاً أن يُقصفوا، أو أن يكون بينهم من هو مُستهدَف. لكن كل الشوارع مليئة، فكيفَ سنهرب؟
توقعاتي: إسرائيل الآن تحاول أن تذهب للعملية الشاملة، خصوصاً أن نتنياهو يُريدها، وهو بدأ التمهيد لها. لكن اسرائيل أمام الضغط الأمريكي أيضاً تسعى لصفقة بأقل الخسائر لها، أو بأقل الخسائر من ثوابت نتنياهو. لذلك خرج إلى السطح بالأمس، موضوع المفاوضات الذي صارَ لافتاً. أظن أن هناك فرصة لصفقة قريبة، جزئية، من خلالها يجري بحث صفقة واسعة وإنهاء الحرب، لأن الحديث عن نهاية الحرب بالنسبة لإسرائيل الآن غير وارد. فالحل فعلياً، هو بتجنب الكارثة القادمة، و"عربات جدعون" بصفقة ولو لفترة، خلالها يُمكِن على الأقل التفاوض براحة، بعيداً عن التفاوض على دماء الناس، فالوقت من دم!
***